شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

1- الحرب الراهنة، تبدو تخيم في شكلها وليس في مضمونها حربًا غير ( أيديولوجية ) ، إنما هي حرب ( إقتصادية - جغرافية ) .

2- الحرب ( الأقتصادية - الجغرافية ) ، تهدف إلى نتائج سياسة ذات طابع إستراتيجي بعيدة عن حافات حرب السلاح، ولكنها مصحوبة بتحالفات اقتصادية.!!

الأقتصاد، الذي يصاحب التحالفات أو التكتلات، هو الذي يضع الفواصل لمديات استخدام القوة، لأن القوة بمعناها العسكري تعتمد على قاعدة الأقتصاد الذي يجعل دائرة ( صنع القرار ) تركع طالما تستمر الدولة المعنية، تستخدم قواتها المسلحة المفرطة في المجازر .. ومثالها ما يحصل في سوريا والعراق ، وإنفاقاتها العسكرية في مناطق أخرى وتدخلاتها تنتج ارتدادات هائلة في داخل الدولة تدفعها الى التراجع .. كما حصل حين انهزمت امريكا من العراق وتراجع اقتصادها ودخل الأزمة .. وما ينطبق على أمريكا ينطبق على روسيا في أستخداماتها للقوة العسكرية المفرطة، كما ينطبق على إيران، رغم أنها تحارب بعناصر مليشياوية ليست إيرانية فارسية، إنما عناصر مجندة مذهبيًا، وإن إنفاقاتها العسكرية ليست من خزينة طهران، إنما من خزينة العراق كما هو معروف.!!

قانون الترابط بين ( القدرات ) و ( الأهداف ) على صعيد السياسة الخارجية للدولة :

بدون القدرات - المادية والأعتبارية والسياسية - لن تتحقق الأهداف :

- دخلت جيوش الأتحاد السوفياتي في أفغانستان واحتلته بسلاح القوة .. ولكنها وجدت نفسها في ( مستنقع ) ، فخرجت منه مهزومة .

- دخلت جيوش أمريكية وبريطانية في العراق واحتلته بسلاح القوة .. ولكنها وجدت نفسها في ( مستنقع ) ، فخرجت منه مهزومة ومنكسرة سياسيًا وإعتباريًا.

- والآن ، دخلت روسيا في سوريا عسكريًا واستخدمت القوة المفرطة وبصورة وحشية .. ووجدت نفسها في ( مستنقع ) لم تستطع أن تخرج منه منتصرة، ولكنها تشعر بالهزيمة .. لأن مخلفات الحرب الراهنة وتداعياتها لا تبني مستقبلاً لها ولمصالحها ولا لوزنها في المنطقة مهما عززت قواعدها ومطاراتها ومراكز نفوذها في سوريا، رغم ( تحالفها ) الهش مع إيران بإستخدامها كجرافة، وتحالفها مع الكيان الصهيوني، تحت مباركة وصمت الأدارة الأمريكية.!!

- كما دخلت إيران بحرسها ومستشاريها وجنرالاتها ومليشياتها العراقية والأفغانية الطائفية وغيرها من الذين جندتهم إلى سوريا على أمل أن تثبت لها ( رصيدًا ) ونفوذا جيو- سياسيًا في سوريا، ولكنها وجدت نفسها في ( مستنقع ) لم تستطع الخروج منها منتصرة، دون ان تشعر بالهزيمة التي عادة يرافقها الشعور بعدم وجود مستقبل لنظام دمشق الدموي ولا لمصالحها في المنطقة، بعد المجازر التي ارتكبتها ضد الأنسانية في سوريا، وكذلك في العراق واليمن، على الرغم من تحالفها ( الهش ) مع موسكو، التي رفضت قبول طهران مؤخرًا في عضوية مؤتمر ( شنغهاي ) .

كيف تتبلور النقلة السياسية بوجهها العسكري؟ :

1- أتسمت حركة جيوش الأتحاد السوفياتي عام 1979 نحو أفغانستان ، بدافع توسيع النفوذ بعمل إستباقي إستراتيجي فاشل .

2- قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعمل إستباقي أجهزت من خلاله على نظام شاه إيران، وسلمت مقاليد الحكم للمؤسسة الطائفية في ( قم ) ، قبل أن تتمكن منه القوى الوطنية الأيرانية إتساقًا مع نهج إستخدام أمريكا للأداة المذهبية في حروبها، حيث نجحت في توظيف التيار الأسلاموي لطرد الجيوش السوفياتية من أفغانستان .. ورعت في الوقت نفسه، المتغير الأستراتيجي في إيران.

3- أعلن أسم الثورة في إيران عام 1979 مدعومًا من الأدارات الأمريكية المتعاقبة، فضلا عن الدعم البريطاني والفرنسي .. وبدء مسلسل سيناريو تلميع وجه العهد الجديد في إيران بسلسلة من الأحداث وفي مقدمتها إحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية المعتمدة في طهران .. فيما بات التوافق الأستراتيجي ذروته بين أمريكا وإيران وهو يستند على تعامل غير معلن أثمر الجهود المشتركة بإحتلال العراق بمساعدة إيرانية معروفة .

4- تفكك الأتحاد السوفياتي في نهاية عام 1989 بفعل ( سباق التسلح ) ، هذا العامل هو الذي قصم ظهر الهيكل الأقتصادي للدولة السوفياتية ودفع بها إلى الأنهيار مع منظومتها الأشتراكية في حلف ( وارسو ) .. وبإنهيار حلف وارسو انتهت الحرب الباردة التي كانت قائمة على أساس ( آيديولوجي ) أولاً وعلى أساس ( إستقطاب دولي ) ثانيًا .

5- لم تتخلى الولايات المتحدة عن إيران، فقد باتت إيران في ضوء نهجها الطائفي والعرقي الأداة المهمة في الأستراتيجية الأمريكية، أنتجت توافقًا إستراتيجيًا تنسيقيًا قبل الحرب على العراق وأثناء الحرب وبعدها، طابعًا مهمًا وخطيرًا علقت عليه أمريكا و ( إسرائيل ) ، الآمال لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد بأداة المليشيات الطائفية الأيرانية، لتفكيك وإعادة تشكيل المنطقة العربية برمتها وخاصة ( خط الدفاع الأول ) في ضوء الرؤية الأستراتيجية الأسرائيلية .. ( وقد يتسائل البعض، كيف يمكن لأيران أن تجمع في علاقاتها السياسية بين أمريكا وروسيا في آن واحد؟ ) .. والجواب : أن الأستراتيجية الأيرانية تقوم على التعامل البراغماتي الصرف ولا تتعامل بمنهج ديني أو أيديولوجي أو مبدأي أو إستقلالي .. فإيران تعمل مع من يحقق لها أهدافها ومصالحها القومية الفارسية لا غير .. فأمريكا تعرف هذا، كما أن روسيا تعرف ذلك أيضا .. ولولا أمريكا لما استطاعت إيران أن يكون لها قدم في العراق ولا أن تتمدد في المنطقة .. ولولا روسيا لما استطاعت أن يكون لها قدم في سوريا .. وعلى هذا، فأن قيادات إيران ترتبط بالخارج .. فخميني إرتباطه أمريكي منذ عهد كنيدي وبيل كلنتون ، وهذا ما كشفته مذكرات المسؤولين الأمريكيين ، فيما يرتبط علي خامنئي بالمخابرات الروسية KGB )  ) ، كما أعلنَ عنه الأعلام الروسي. !!

6- روسيا تتبع سياسة عسكرية ( إستباقية ) تضع مجالها الحيوي في قمة الأعتبارات الأستراتيجية - ولكن بتسويق هيستيري متسرع - فكلما إزداد التصعيد، الذي قد يصل إلى المستوى الذي وصل إليه عام 1961، حين نشر الأتحاد السوفياتي في ( كوبا ) ، قلب المجال الحيوي الأمريكي، صواريخ ذات رؤوس نووية كادت أن تشعل فتيل حرب تنهي العالم تمامًا .. والآن تنشر أمريكا من خلال الناتو منظومات صواريخ إستراتيجية في دول أوربية متاخمة للمجال الحيوي الروسي، تراه موسكو كعامل تهديد يستحق الرد بنقلة إستراتيجية مقابلة دون أن تصل إلى حافات الهاوية .!!

7- فيما يرصد الكونغرس الأمريكي ( أوباما ) تخصيصات بلغت ( 611 ) بليون دولار لتعزيز السياسة الأستراتيجية الأمريكية لعام 2017 .. وهو تصعيد واضح يمهد لأدارة ( ترامب ) إتخاذ الموقف الصارم تجاه سياسة تثبيت الأقدام العسكرية الروسية - الأيرانية التي خرجت عن سياقاتها ومساراتها .!!

8- مشكلة روسيا - بوتين، تكمن في مسألة تقدير قوتها ( جيو- سياسيًا ) معتمدة على معطيات تحولها من حالة الأنهيار ( الأتحاد السوفياتي ) ، إلى حالة النهوض ( روسيا الأتحادية ) وهي لم تستكمل عناصر قوتها بعد - ليس المقصود بالقوة ممثلة بالسلاح النووي - إنما كل عناصر قوتها وفي مقدمته الأقتصاد .. فضلاً عن اعتمادها كليًا على عناصر ( تقليدية ) مثل : مساحة الأرض التي تمثل العمق في الدفاع والقدرة على إمتصاص الضربة الأستباقية الأولى . بمعنى الدفاع في العمق أثناء الرد بالضربة النووية الثانية .. وكذلك عدد السكان .. بيد أن هذا عنصر السكان ليس متجانسًا، فعدد المسلمين القاطنين في الخاصرة الجنوبية أكثر من ( 50 ) مليون مسلم بمذاهبهم المختلفة .. وكذلك القوة النووية الموروثة عن الأتحاد السوفياتي .. هذه القوة تكاد تتوازى مع القوة النووية الأمريكية الضاربة، وتشكلآن معًا المعادل الأستراتيجي النووي الرادع .. للردع فقط لا غير.!!

9- عنصران مهمان وأساسيان تفقدهما روسيا إذا ما فكرت ببناء إمبراطورية على أنقاض الشعب العربي، هما 1- تراجع الديمغرافيا في عموم الأتحاد الروسي بشكل ملفت، وهو عنصر مهم من عناصر القوة. 2- تراجع الأقتصاد الروسي بصورة دفعت موسكو إلى أن تفكر بخطوط النفط والغاز القابعة أمام الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط - وهي رغبة إيراني جامحة للنفط والغاز- فقد أكد تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2016 أن روسيا تأتي في المرتبة ( 17 ) عالميًا، وناتجها القومي الأجمالي يقدر بـ ( 1.267 ) تريليون دولار .. وهو تراجع كبير عن ناتجها القومي الأجمالي لعام 2013 البالغ ( 2.2 ) تريليون دولار .. وهذا يعني أن استخدامها القوة العسكرية خارج الحدود الأقليمية هي للتغطية وحل مشكلاتها الداخلية عن طريق التسويات وفرض الأمر الواقع .. ولكن، الجديد في الأمر أن أمريكا تزيد من معدل إنفاقاتها ودول ( الناتو ) من 1.25% من الناتج الأجمالي للدول الأعضاء إلى 2% من هذا الناتج .. وهذا الأمر سيدفع روسيا مرغمة على رفع تخصيصات إنفاقاتها إلى نسبة 45% من ناتجها القومي الأجمالي .. وهنا، ستقود حالة الصراع بين روسيا والناتو بقيادة أمريكا إلى سباق تسلح، لا تقدر على مجاراته موسكو بأي حال في ظل أوضاعها الأقتصادية المتردية، وتناقص مخزونها من العملات الصعبة وتزايد إنفاقاتها على الحرب في مناطق الصراع ، وإنتشارها المسلح من سواحل النرويج إلى أقصى حدود سيبريا – التي يبلغ عدد الصينيين فيها قرابة ( 3.5 ) مليون نسمة - وفي أوكراني وسوريا .. والصورة في هذه الحالة تبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه حين سقط الأتحاد السوفياتي بفعل سباق التسلح .!!

يتبع .. .





السبت ٢٤ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة