شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

1- هنالك فرق بين الحقائق وبين التصورات .. بين المعلومات وبين المعرفة والتحليل وإدراك دلالات الأحداث في سياقها التاريخي .

2- النظام الدولي الجديد .. يجب أن يقوم على إشتراطات وأسس ومقومات .. تراتيبية إصدار القرار الأممي في ضوء واقع الأجماع القائم على الحالة التمثيلية للأمم غير المنحازة .. ويراعي توزيع القوة في العالم .. وتستند عناصر هذا النظام على القيم والقواعد، التي تحدد السلوك الشرعي من عدمه، وفقًا لمحددات مفهوم مبدأ السيادة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، لأي غرض كان أو معنى بما فيه فرض الفكرة أو العقيدة من خلال تجاوز مبدأ السيادة ومبدأ عدم التدخل.

سياسة إقتناص الفرص الأستراتيجية وفراغات الأمن :

- فعل السياسة قد يفضي، في جانبه العسكري، إلى فراغات أمن، كما كرستها الأمبريالية الأمريكية في العراق حين أحدثت فراغًا في القوة أنتج هو الآخر فراغًا في الأمن .. وهذا الفعل هو تخطيط سابق تضمنته السياسة الأستراتيجية لحماية الكيان الصهيوني من جهة، والهيمنة على منابع النفط في المنطقة من جهة ثانية .. والبوابة الرئيسية لهذين الهدفين إسقاط مشروع النظام الوطني القومي العربي في العراق.

تتوقف السياسة الأستراتيجية الأمريكية عند حدود ( فراغات الأمن ) ، وليس لديها تصورات عن ما وراء هدف الفراغ أو إيجاد بديل يعيد الحالة المضطربة إلى حالة يتحقق فيها ( الأمن والأستقرار والتنمية ) .. هذه المتلازمة مفقودة تمانًا .. وعلى أساس الحقائق الناجمة عن فراغات الأمن ، التفكير الأمريكي القاصر الذي يرتكز على ما يسمونه ( توازنات ) القوى الداخلية ومهزلة ( المصالحة ) السياسية .. وهي سياسة عقيمة لا تنتج سوى المزيد من ( فراغات ) الأمن، والمزيد من الأرهاب.!!

- في ضوء ما تقدم .. يتضح أنه كلما توسعت دائرة فراغات الأمن، التي تحدثها السياسة الأمريكية في العراق وفي غيره من الساحات، كلما تصاعدت سياسة ( إقتناص الفرص ) على المستوى الأقليمي، سواء كان ذلك نهجًا ثابتًا للدولة الأقليمية، كما يحصل حاليًا جراء التوسع الأيراني في المنطقة ومد نفوذها المتزايد في العراق، أو عن طريق التوافق الأستراتيجي ( الأمريكي- الأيراني ) .. والذي يحصل أنهما يعملان معًا، النهج التوسعي الأيراني مع التوافق الأستراتيجي في فرض النفوذ والهيمنة المشتركة على العراق، إعتقادًا من الأمريكيين بأن مثل هذه التسويات ( Compromise ) ستجعل الساحة مسيطر عليها ومستقرة وآمنة تحفظ المصالح الأمريكية بالوكالة الأيرانية .. وهذا إعتقاد ساذج، طالما أن نهج النظام الأيراني هو أبعد كثيرًا من أهداف المحتل الأمريكي، والذي أتضحت معالمه بالتمدد صوب سوريا واليمن والجنوب اللبناني، وتهديد الكويت والبحرين والسعودية واليمن وغيرها، والأستهتار في مداخل مياه المنطقة ومضائقها والبحار العالية فضلاً عن توريد الأسلحة إلى اليمن وجنوب لبنان ( حزب الله ) وغزة ( حماس والجهاد الأسلامي ) وإلى بؤر التوتر التي تثيرها إستخباراتها في المنطقة وفي خارجها .. !!

مقاربات السياسة الأستراتيجية الأمريكية قصيرة المدى :

- المقاربة السياسية للأستراتيجية الأمريكية قصيرة المدى، تهتم بـ ( الهدف ) دون إكتراث أو بالأحرى دون الأهتمام بـ ( الوسيلة ) .. وتلك معضلة تفرز إخفاقات وإنهيارات وفشل ذريع ونتائج وخيمة .. كل هذا الفشل يقع على كاهل الشعوب والنظم السياسية ، وخاصة إقتصاداتها ومستقبلها .. حيث عكست السياسة الأستراتيجية الأمريكية جملة من التناقضات ، أنتجت خطوات متعثرة هي في واقعها اعتمدت على منطق صوري وليس محكمات واقع عميق في مخاضاته وحركته وصرامة إراداته وردود أفعاله .

- والمحصلة متعلقة بـ ( الوسائل ) وليس بالأهداف واطارها الفكري، الذي يستند إلى نظريات القوة التي يعشقها صانع القرار الأمريكي عدا ( أوباما ) ، فأن اختيار الوسائل وتحديد البدائل عبر مسيرة السياسة الخارجية الأمريكية قد أثبت فشله حتى أن معظم دول العالم وشعوبها ما عادت تصدق ما تقوله أمريكا، وذلك للأنفصام القائم بين سياساتها الأستراتيجية وبين حقائق الواقع على الأرض .. الأمر الذي يؤكد أزمة صدقية تعاني منها السياسة الخارجية الأمريكية .. أما منحى ( توازن القوى ) و ( توازن المصالح ) ، فقد وضعا السياسة الخارجية الأمريكية تمامًا في مرمى حسابات أخرى خارجية لدول أخرى .. مما جعلها تفقد بوصلتها.!!

- معظم دول العالم الكبرى والأقليمية لديها استراتيجيات .. بعضها طبيعية تعتمد على إقامة علاقات متوازنة تهدف إلى التطوير والتنمية ، والبعض الآخر مثل أمريكا وإيران والكيان الصهيوني، لديها استراتيجيات غير طبيعية تقوم على التوسع والتهديد والهيمنة .. هذه الأستراتيجيات هي التي تخلق الأرهاب وتدعي محاربته لأغراض ذات طبيعة إستراتيجية.!!

فأمريكا تمتلك إستراتيجية مهيمنة في أصل طبيعتها وهي تنزع نحو القسرية والأكراه والمخاتلة أكثر من ميلها للتعاون الطبيعي، ومن الصعب الأرتكان إليها كصديق - فقد تخلت عن الشاه وتخلت عن بن علي وتخلت عن مبارك وتخلت عن مرسي .. والآن ستتخلى عن نتنياهو وستتخلى عن علي خامنئي - كما أنها تجمع بين الميول العسكرية القامعه لحريات الشعوب التي اتسمت بها مبادئ ( جاكسون ) في الوقت الذي تفتقر كليًا إلى عقيدة ( يلسون ) القائلة ، أن المؤسسات الدولية والقانون الدولي يجب أن يكونا محور النظام العالمي .. فيما كانت هذه الأستراتيجية تتجاهل مخاوف ( جيفرسون ) ، بأن الحرب خارج البلاد قد تعرض الديمقراطية داخل البلاد إلى الخطر الأمني على الأمة الأمريكية .

وعلى الرغم من أن النظرة الأستراتيجية للقوة العسكرية متغطرسة في مسألة التفوق في القوة، غير أنها لم تكن واضحة، وعاجزة عن التمييز بين القوة والتأثير، جعلها في موقف الضعيف غير القادر على تقييم توجهات الهيمنة من جهة، وازاء النتائح التي يخلفها الفعل العسكري التدميري الأمريكي حيال الشعوب، ومنها المجتمع الأمريكي ذاته من جهة أخرى .

إستراتيجية أمريكا على الرغم من أنها فاشلة، إلا أنها باهظة التكاليف أمنيًا واقتصاديًا، كما قييمَ ذلك ( Teri.L.Diabel ) الباحث الأمريكي المعروف .. ونحن بصدد البحث في ماهية التوازنات في مخاضاتها العسيرة، كانت وما زالت موضع تساؤل، قد توضحت على وجه الخصوص في العراق قبل الاحتلال عام 2003 وبعد هزيمة أمريكا وخروجها الشكلي من العراق نهاية عام 20011 - وهي الآن تعود بقواتها العسكرية بعد أن أمنت وضعها البنيوي اللوجستي في شكل قواعد عسكرية ذات صفة إستراتيجية في اربيل والرمادي وفي الجنوب وبالقرب من العاصمة بغداد - وهذا دليل قاطع على فشل إستراتيجيتها في العراق سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا ، فضلاً عن إعتقادها الكارثي الفاشل بأهمية إعتمادها على الوكيل الفارسي .

والأكثر غرابة في الأستراتيجية الأمريكية قصيرة المدى، رأي يشير إلى أن ( الوسائل ) في جوهرها قابلة للتوسع وهي غير محدودة .. !! مع أنها ولَدَتْ أضخم عجز تجاري وأضخم عجز في الميزانية عرفته أمريكا في تاريخها والقائلة ( إقترض وأنفق دون حساب للتضخم وللنتائج ) ، حيث بلغت المديونية الخارجية الأمريكية نتيجة العجز قرابة ( 4 ) تريليون دولار .. ويبدو أن هذا الهبوط المفاجئ في القوة المالية والنقدية والعسكرية عام 2006 يفسر تحول الأدارة الأمريكية إلى ( الدبلوماسية - الأستخباراتية - والحرب الناعمة ) ، متعددة الأطراف شملت دول اوربية وآسيوية وشرق اوسطية، فضلاً عن مجلس الأمن وإعتماده مجالاً للحوارات والمناقشات وربما الوصول إلى اهداف بدلاً من الحلول العسكرية، لأن الدبلوماسية من هذا النوع أقل كلفة، كما أن من دواعيها أن لا تغلق ملفاً دوليًا أو إقليميًا ساخنًا .!!

وعلى هذا النحو ، يتمثل الربط الموضوعي في أي إستراتيجية بين الأهداف والوسائل، التي تعد من صميم أي إستراتيجية، وتجاهلها كارثة إستراتيجية بكل المقاييس، كما هو اختيار أمريكا لأيران في أن تكون وكيلاً لمصالحها في العراق وأداة لمشروع الشرق الأوسط الكبير.!!

يتبــــــــــــع ..





الاثنين ١٨ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة