شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

كل دول العالم محكومة بواقعها الجغرافي - السياسي .. ولا فكاك من أحكامها إلا بصياغة سياسة إستراتيجية تتلائم مع الواقع الجيو - إستراتيجي الأقليمي .. والتكيف في ضوء معادلة الدفاع، التي ترسم أبعادها في ضوء التحديات والتهديدات ومستوياتهما، فيما إذا كانت بعيدة أو قريبة أو وشيكة، وفيما إذا كانت تحديات وتهديدات حدود أم تحديات أوتهديدات وجود .. لترسم، في ضوئها إستراتيجيتها الكبرى .. التي تقوم على النظرية الآتية ( القوة = المعطيات الثابتة + المعطيات التاريخية × الذهنية الأستراتيجية × التخطيط الأستراتيجي × الأرادة السياسية ) .!!

- روسيا - تركيا - إيران .. لمحة تاريخية ذات بعد إستراتيجي :

- التنافس الأقليمي .. والمعادلة الجيو - سياسية في المنطقة :

1 - روسيا - تركيا - إيران .. البعد الأستراتيجي تاريخيًا :

أعتمدت روسيا في زمن القيصر الروسي " نيكولاس الأول " ، قبل إندلاع حرب القرم في عام 1863 مبدءًا أسمته الوصول إلى ( المياه الدافئة ) ترتكز عليه إستراتيجية الأمبراطورية الروسية على مدار قرن كامل قبل عهد بطرس الأكبر .. بينما أتبع " جوزيف ستالين " الأستراتيجية ذاتها أثناء الحقبة السوفياتية .. هذه الأستراتيجية حددت الآتي :

- إعتبار المضائق والحدود التركية السوفياتية ، بدءًا من الممرات الشمالية الشرقية والجنوبية مخرجًا حيويًا نحو مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة ) .

- هذا الحيز الجيو - إستراتيجي يعد مجالا حيويًا لروسيا .. ولكن هذا المجال يصطدم بالسيادة التركية التي تشترط تنظيم ما يسمى بالمرور البريئ للسفن التي تعبر الممرات التركية في ضوء قوانين البحار وأحكام السيادة .

- موقع تركيا الجيو - سياسي الذي يتوسط القارتين الأوربية والآسيوية يجعل منها ذات تأثير مهم في معادلات الصراع الأقليمية والدولية .. ومن هذه الزاوية تحظى تركيا بأهمية حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) ، فأكتسبت عضويته .

- كما تعتبر هذه المضائق نقطة إستراتيجية رئيسة للدفاعات الغربية .. إذن تعتبر تركيا في نظر الحلف الأطلسي ( Buffer State ) دولة عازلة دفاعية تمنع أو تعرقل الغزو السوفياتي للأراضي الأوربية .

يتمسك الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين " رجل الـ ( KGB ) بهذه الأستراتيجية من أجل الوصول إلى مياه البحر المتوسط الدافئة بمسارين، أحدهما: التعاون تجاري . والآخر: التعاون العسكري، حيث القاعدة العسكرية في ( طرطوس ) و ( حميميم ) وغيرهما .

- وما دامت نزعة توسع الناتو لأنضمام دول المجال الحيوي للأتحاد السوفياتي المنفرط قائمة، فأن أوربا لن تستغني عن موقع تركيا الأستراتيجي المحادد لروسيا الأتحادية .. كما أن روسيا هي الآخرى لا تستطيع أن تفرط بتركيا بأي شكل كان لأعتبارات تتعلق بحرية حركتها البحرية عبر المضائق التركية نحو قواعدها البحرية والعسكرية في سوريا المطلة على مياه المتوسط ( الدافئة ) .. ويرمي التعاون ( الروسي - التركي ) إلى مكاسب الأسواق التجارية الجنوبية .. فيما تحتضن مدينة ( أدنه ) التركية واحدة من أكبر قواعد حلف شمال الأطلسي إضافة إلى قاعدة ( إنجرلك ) المعروفة .

- وترتبط موسكو بأنقرة بعدد من إتفاقيات التعاون المشترك بداية من افتتاح البيوت الثقافية في كلا البلدين وحتى مشروع إنشاء محطة للطاقة النووية في ( أكوير ) على ساحل البحر المتوسط بتكلفة تصل إلى ( 20 ) مليار دولار، فيما يخطط البلدان رفع قيمة تجارتهما المشتركة لتتجاوز حاجز ( 100 ) مليار دولار سنويًا، مقارنة بنحو ( 40 ) مليار دولار عام 2014 ؛ حيث تعتبر روسيا الشريك التجاري الثاني لتركيا، بعد الأتحاد الأوربي بتسويق الغاز والنفط الروسيان .. وتعتمد تركيا على الغاز الروسي في توليد الكهرباء بصورة أكبر من الروس أنفسهم، وربما يزيد هذا الأعتماد بصورة أكبر، نظرًا للعقوبات المفروضة على إيران، حيث تتطلع تركيا للنفط والغاز الروسيين لتعويض إنخفاض معدل وارداتها من إيران.

تركيا - إيران - روسيا .. والمؤثرات الجيو - سياسية :

- تحتاج تركيا إلى مواجهة التأثير الروسي حول القوقاز والبحر الأسود .. وهذا الأمر يضطرها إلى التقرب من إيران .. إلا أن العلاقات التركية - الأيرانية، ومنذ عام 1979 ( حكم الملالي ) تخيم عليها التوترات الآيديولوجية والجيو - سياسية .. ولكن التعاون بين أنقرة وطهران يقتصر في حده الأدنى على التعاون الأقتصادي والأمني المتعلق بالمسألة الكردية - زيارة وزير خارجية إيران إلى أنقرة الأخيرة من أجل تفعيل التعاون الأمني والعمل العسكري الأيراني - التركي المشترك لضرب الكرد في ( تركيا وإيران وشمال العراق ) ، فيما باشرت تركيا في بناء جدار حدودي بينها وبين إيران .. إيران تفتش عن إي مدخل للتقرب من تركيا للعمل المشترك .. هذا التقرب يفضح النيات الأيرانية المبيتة للعراق في ما يخص الشمال من جهة .. ويعكس قلقًا إيرانيًا ميدانيًا في الداخل والخارج من جهة ثانية .. فيما يشير أحد الخبراء السياسيين من الأعلاميين إلى أن ( زيارة الجنرال " محمد حسين باقري" رئيس أركان الجيش الأيراني إلى أنقرة على رأس وفد رفيع المستوى يمثل ( الجيش الأيراني ) ، والتي سبقتها مفاوضات مكثفة لعدة شهور، إستنادًا إلى إتفاقية قديمة مع أنقرة ، هي لمد التواصل مع حلف شمال الأطلسي ( الناتو )  ) - ولكن هل تنسى تركيا قرار الخميني عام 1983 بتأسيس الفرع التركي لـ ( حزب الله ) لهدف الأطاحة بالنظام العلماني في تركيا وتمزيقها طائفيًا ؟ - كما أن سلطات ( خميني ) وحرسه وفيلقه المليشياوي كانت قد قضت على الجيش الأيراني ومزقته وشردته ولم يتبق منه سوى المرتزقة المسيرون من قبل الحرس ، فكيف يجد " علي خامنئي " منفذًا للربط العسكري عبر الجيش التركي صوب ( الناتو ) ؟ ، وعلى أساس الأيهام بالمصلحة الأيرانية - التركية المشتركة لضرب الكرد في تركيا وإيران وحتى سوريا .؟!

- تشعر تركيا أن بروز روسيا سيؤثر على أو يبعدها عن بحر قزوين عدا التأثير التركي على خطوط المواصلات، التي تربط حوض قزوين .. فيما تنافس تركيا روسيا وإيران في مجال إنفتاح دول وسط آسيا بأتجاه الغرب . وفي الوقت الذي يشكل الخليج العربي مجالا للمنافسة التركية الأيرانية، فأنه من الصعب أن تطور تركيا علاقات مشتركة مع إيران وروسيا في آن واحد ، نظرًا للتوجهات الأيرانية التوسعية ذات الطابع الطائفي .. بينما روسيا وإيران، على الرغم من تعاونهما، فأن تقاربهما البراغماتي يأخذ بعدًا جيو - سياسيًا، إذ تعتبر روسيا إيران دولة عازلة ( Buffer State ) ، أمام النفوذ الأمريكي في المنطقة، على الرغم من تعاون إيران وتوافقها الأستراتيجي مع أمريكا في متغيرات المنطقة بصورة عامة وسلبيتها أزاء التغيير في سوريا - هذا ما يقوله بعض الخبراء في السياسة - إلا أنه رأي فيه مغالطة تركية في النظرة إلى معادلة العلاقة التوافقية غير المعلنة بين طهران وواشنطن، التي تستوجب إعادة النظر في هذه المعادلة المستهلكة.!!

ما الذي يقلق روسيا الأتحادية ؟ :

بعد الحرب الباردة، شعرت موسكو بأن علاقتها بتركيا قائمة على الأقتصاد، فيما تركت تركيا لحلف ( الناتو ) الناحية الأستراتيجية .. وهو الأمر الذي جعل روسيا تعيش حالة من القلق والخوف من طبيعة استمرار أداة التفكيك ما ( فوق القومية ) لمحيطها الحيوي، التي تسعى إلى إستقطابها لا بل تخشى من وصول أدوات التفكيك إلى داخلها فعملت على تحييد هذه الأداة بالأقتراب من إيران الطائفية، وبناء علاقات اقتصادية وتسليحية تقليدية وغير تقليدية لهدفين أو ثلاثة أهداف، ألأول : منع وصول أداة التفكيك المذهبي والعرقي إليها . الثاني : جعل إيران دولة عازلة ( مصدًا عازلاً ) أمام زحف ( الفوضى الأمريكية الخلاقة ) . الثالث : تحقيق مكاسب من علاقات إقتصادية سياسية روسية إيرانية .

- هنالك فراغات أمنية إقليمية تُضْعِفْ أو تهددْ الداخل الروسي ومجال روسيا الحيوي، بأعتبار أن روسيا عامل إستقرار في التوازن مع الصين في آسيا - حسب النظرة الأمريكية - .. التي ترى أن هذا العمل، يتعزز من خلاله مجال الشراكة في إحلال الأمن والسلم الدوليين، في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تأكيدها شريكًا إقتصاديًا - سياسيًا في أوراسيا .. بيد أن ما تعلنه أمريكا كقمة جبل الجليد فقط .!!

- روسيا لا تدير ظهرها للطلبات الأسرائيلية، لأنها تعرف مدياتها وتداعياتها حيال الفعاليات الروسية في المنطقة وصوب البلقان وأوربا على وجه الحديد - السلوك الروسي الأتحادي يختلف عن سلوك الأتحاد السوفياتي - فالروس بارعون في تسريب المعلومات إلى الصحف بهدف التضليل والتغطية على صفقات أسلحتهم - فقد سبق وفاجئوا الأسرائيليين وحلفاءهم الأمريكيين عندما قدموا أنظمة دفاعية متقدمة لمصر أستخدمتها بفاعلية شلت قدرات الطيران الأسرائيلي أثناء حرب عام 1973 .. فيما كانت روسيا الأتحادية قد تراجعت عن تسليم صواريخ متطورة إلى إيران، نتيجة ضغوط إسرائلية - في إسرائيل يعيش أكثر من مليون يهودي من أصل روسي - .. وكما تخلى الأتحاد السوفياتي عن العراق على الرغم من وجود معاهدة تعاون إستراتيجية بين البلدين ، وتخلت روسيا الأتحادية عن ليبيا لكنها تمسكت بنظام دمشق الدموي وهو يحتضن مليشيات النظام الأرهابي في طهران في لعبة إستراتيجية خاسرة .. فالدول الكبرى والعظمى تعمل على وفق مصالحها وليس على وفق قاعدة المبادئ .

- التنافس الأقليمي .. والمعادلة الجيو - سياسية في المنطقة :

- تركيا وإيران .. وحدود واقع التقارب الأقليمي :

يتبــــــــــــــــــع ...





السبت ٤ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أب / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة