شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

إستراتيجية ملء الفراغ :

 ( طبيعة أهدافها وتداعياتها .. إقليميًا ودوليًا )

 

يرتبط مفهوم هذه الأستراتيجية بمختلف حقول المعرفة السياسية وخاصة ما يتعلق منها بنظريات القوة وإستخداماتها والتهديد بها على وجه يكتسب بُعْدهُ الجيو - سياسي أو الجيو - إستراتيجي مداه .

وبالقدر الذي ترتبط فيه هذه الأستراتيجية بالقوة وطبيعتها وأدواتها، فأنها ترتبط أيضًا بالفعل العسكري الميداني من جهة، وبالتحول السياسي الكتلوي - إنسحابات دولة - من حالة نوعية كائنة إلى أخرى أدنى في سلم التراجع الجيو - إستراتيجي المنظم والممنهج من جهة أخرى .. كما هو حالة إنسحابات القوى، التي تحصل في حقب التاريخ المختلفة على مستوى شامل سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا وهيكليًا .

فراغات القوة والسياسة : ( Power And Political Vacuum )

- نجحت بريطانيا وفرنسا في ملء فراغ تفكك الأمبراطورية العثمانية بعد عام 1918 ، فقسمت إرثها من خلال إتفاق ( سايكس – بيكو ) .

- هزمت فرنسا في فيتنام فملأت الفراغ فيها أمريكا، التي عاشت الأستنزاف حتى أنهزمت شر هزيمة وتحررت الدولة الفيتنامية .

- هزمت بريطانيا في حرب السويس وإنسحبت من الجزيرة العربية .. نتيجة لتوافق سياسي أمريكي - سوفياتي .. فدخلت أمريكا لتملأ الفراغ في الجزيرة العربية، فيما تمدد النفوذ السوفياتي صوب اليمن ( عدن ) و ( مصر ) .

- سقط الأتحاد السوفياتي نهاية عام 1989 وإنهار حلف ( وارسو ) وتفككت دوله .. وتم جذب بعضها إلى حلف ( الناتو ) .. وتسيدت أمريكا في ملء ( فراغ القوة ) و ( فراغ السياسة ) على المستوى الدولي وأخذت تعبث بأمن العالم واستقراره ، إعتقادًا منها بأنها باتت القوة الوحيدة التي تدير العالم وتهيمن عليه سياسيا وعسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا ( عولميًا ) ، حتى أنها أعلنت ان هذا القرن هو قرن أمريكي بأمتياز لا تنازعه أو تنافسه قوة كونية أخرى، فهي القطب الأوحد .. وكانت هراوتها قد رفعتها عاليًا على رؤوس جميع دول العالم بتقسيمها العالم ( معي أو ضدي ) .. ومن هنا نشأ غرور القوة المهلكة، الذي سحبها تدريجيًا نحو قاع التراجع والأنحسار والتفتيش عن وكلاء لسد الفراغات الكارثية الراهنة.!!

- حطمت أمريكا ميزان تعادل القوى في منطقة ( الشرق الأوسط ) بإسقاط النظام الوطني في العراق .. فأخلت بالتوازن الأقليمي، الذي يمسك العراق بمحوره ويمنع القوى الأقليمية الأخرى ( إيران وتركيا وإسرائيل ) من تحقيق مشاريعها الأستراتيجية في المنطقة ، الأمر الذي خلق فراغ قوة وفراغ سياسة ( Power and Political Vacuum ) ، بمعاونة توافقية مسبقة مع النظام الإيراني .. والأخلال في ميزان تعادل القوى لم ينحصر في العراق فحسب ، إنما أنسحب على المنطقة بأسرها - ونود هنا التنويه إلى أن ذلك لم يأتِ عفويًا على قاعدة الأواني المستطرقة، إنما جاء نتيجة لتخطيط بعيد المدى، بدأ عمليًا منذ عام 1967 مرورًا بعام 1973، وزيارة السادات إلى ( إسرائيل ) ، وعقد معاهدة كامب ديفيد التي أخرجت أكبر قوة عربية من دائرة الصراع وأخلت بالتوازن الأقليمي وخاصة مع الكيان الصهيوني - .

- فشلت أمريكا، القوة العظمى، في البقاء في العراق فتراجعت مثخنة بحراحاتها الغائرة سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وانسحبت مرغمة بفعل ضربات المقاومة الوطنية العراقية الباسلة .. وسمحت لأيران بأن تحتل العراق كوكيل، واستبدلت النفوذ الفارسي بالأحتلال الأيراني المباشر سياسيًا وعسكريًا - مليشياويًا - طائفيًا، والدفع به نحو التفسخ ( Corruptions ) ، تمهيدًا لتقسيمه في إطار تغيرات جيو - سياسية شاملة أعدت للمنطقة لصالح الكيان الصهيوني .. الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بالوكيل الفارسي الدموي المتوحش وضرورة وضعه في ( قفص ) ريثما يصار إلى محاسبته وتغيير سلوكه المنحرف .

- فشلت أمريكا في أن تجعل من ملء الفراغ عن طريق الأحتلال منطلقًا لأغراق المنطقة بالفوضى ( الخلاقة ) وتفكيكها جيو - سياسيًا وإعادة تشكيلها.

- ولم تنجح أمريكا في خيارها الأستراتيجي حين بدلت ( الشاه ) برجل الدين ( خميني ) ومن ثَمَ ( خامنئي ) رجل الأستخبارات المحترف الذي يعتمر العمامة السوداء تقية وتلفيقًا .

- كما لم تنجح أمريكا - إدارة أوباما - في أن تنتج ( وكيلاً ) أو شرطيًا ناجحًا عبر تبنيها للتيار ( الأسلاموي ) في مصر - نظام مرسي - ، وفي العراق ( حزب الدعوة ) الحاكم ومعه الأحزاب الأسلاموية الأرهابية التي تقودها دولة الأرهاب في طهران .

- فشلت إيران في احتلالها العراق كوكيل أمريكي صهيوني منذ عام 2011 تحديدًا بسبب :

أن برنامجها يقضي بعدم بناء الدولة العراقية وإبقاء العراق ( ضعيفًا ) سياسيًا وعسكريًا وإقتصاديًا ومفككًا إجتماعيًا أولاً .. وهو الأمر الذي يرفضه الشعب العراقي العظيم رغم معاناته وتكبده خسائر فادحه في الأرواح والثروات والممتلكات وتأخير تنميته عقود من السنين وإغراقه بالمشكلات الأجتماعية والأقتصادية والبيئوية والثقافية والصحية وتراكمات العقد النفسية .. وبسبب التخطيط لنهب ثرواته ( غاز – نفط – مياه ) ثانيًا .. وبسبب إبقائه في جهل مطبق بترويضه على قبول الطائفية الفارسية التي لا تمت للأسلام ولا لأل البيت الكرام بصله ثالثًا .. والتوسع من خلاله والتمدد إلى باقي الأقطار العربية لأستعباد شعبها العربي المسلم بأداة التشيع الفارسي رابعًا .. وبالتالي بلوغ القوة الأقليمية المؤثرة دوليًا التي تتحكم بالشرق الأوسط عن طريق التدخل والتهديد بالصواريخ البلستية خامسًا .

- ولم تنجح أمريكا حين سلمت ملف سوريا إلى موسكو نكاية بتركيا، وذلك بناء على إتفاق ( كيري – لآفروف ) بتاريخ 7/ 5 / 2013 .. والتخلي عن عن الأسلامويين الذين تربعوا على رأس السلطة في القاهرة وتونس وبغداد ( حزب الدعوة - – فرع دموي للأسلامويين ) ولهدف بعيد المدى وهو الأستنزاف الأقليمي.!!

- وأخفقت أمريكا في توكيلها إيران للعبث بالمنطقة ووجدت أنها ستخسر حتى مصالحها إذا لم تضع حدًا للتمدد الأيراني وإنهاء طريقة ( التوكيل ) وإبقاء إيران بعبعًا، ولكن ، في ( قفص ) .. والأعتراف بمصالح الكرملين على حافات البحر المتوسط حيث المياه الدافئة وخزين الغاز في تلك المياه .

- لقد شجعت إستراتيجية ( الأستدارة ) الأمريكية صوب العمق الآسيوي ( الصين ) ، دوافع الخطط الأستراتيجية المضمومة للنظام الأيراني لملأ فراغ القوة بإنحسار ( داعش ) التي تتقلص في العراق وسوريا واليمن ولبنان والخليج العربي - والمعروف : أن النظام الأيراني هو الذي ابتدع ( داعش ) مع نظام دمشق لتبرير خطط تمدده لملأ فراغات القوة المدحورة وتثبيت الأستحقاقات ( المشروعة ) في أماكن الفراغات .. هذه الخطط تعلم أمريكا بحيثياتها وتفصيلاتها ، يكشف عنها التنسيق السياسي من جهة، والتنسيق العملياتي من جهة أخرى .

مقاربة بين إستراتيجية ( روسيا ) و إستراتيجية ( إيران ) سماتها وأهدافها :

روسيا :

1 - يمثل الدافع الأساسي للتحرك العسكري الروسي في ( أوكرانيا وشبه جزيرة القرم .. وفي سوريا ) ، المخاوف الأمنية من اتساع إسترايجية ( الفوضى الخلاقة ) التي تبنتها مجموعة أمريكية محافظة ( New - Conservatives ) ، لتفكيك النظم السياسية في ( الشرق الأوسط ) وتدمير عناصر قوتها وتفسيخ جيوشها النظامية بالمليشيات المؤدلجة المسلحة وتحويلها إلى قوى بديلة عابرة للحدود .. في إطار مشروع كبير يشمل قوى إقليمية مثل ( تركيا وإيران ) ، ودول المنطقة كافة .. بلوغ هذا الهدف، الذي بدأ بالعراق و ( الربيع العربي ) وسوريا واليمن، يعني إقتراب ( قوس ) النار من الداخل الروسي ومحيطه ( القوقاس ) الذي تصل نسبة المسلمين إلى ( 50 ) مليون مسلم .. وهو واقع يسهل إشعاله بأكثر من فتيل.

2 - أما الدافع الثاني للأستراتيجية الروسية، فيتمثل بالفرصة التاريخية للوصول إلى مياه البحر المتوسط، وهو هدف يقع في إطار إستراتيجية إمبراطورية لأعادة بناء روسيا كقوة عالمية مؤثرة ومن ثمَ إستعادة مكانة الأتحاد السوفياتي في التواز الدولي.

هذان الدافعان ، الأول : دفاعي و الثاني : يأخذ شكل الهجوم الأستباقي في بناء ( القوة ) الروسية ذات المدلول العالمي .. لهما إنعكاسات سلبية على السياسة الخارجية الروسية .. طالما أنها تفرط بدول عربية وبشعبها لصالح تحالف موسكو مع عدو العرب وعدو المسلمين إيران ، فضلاً عن تعاملها القوي، وهي الدولة ( العظمى ) مع مليشيات ومرتزقة طائفيين وعرقيين .. وهو الأمر الذي يضع الأهداف الروسية وتوجهاتها في موضع الشك والريبة - على الرغم من وجود إتفاقيات إقتصادية بين موسكو وبعض حكومات دول الخليج العربي ( غاز وتسليح وبناء مفاعلات سلمية وتجارة ) .. ومن هذه الزاوية فأن موسكو تخسر الكثير كما خسرت مناطق نفوذها القديمة ذات الوزن في - مصر وعدن والعراق - فأن من مصلحة موسكو أرخاء قبضة علاقاتها مع طهران وفرملة تمدد الأخيرة في المنطقة والتعاون من أجل وضع حد للأرهاب سواء كان من ( داعش ) أو ( الحشد الشعوبي ) في العراق وسوريا .. حيث أن اللعب مع الأرهاب سيف ذو حدين قد تصل به السياسة يومًا ما إلى عمق القوقاز.

إيران :

1 - ويمثل الدافع الأساسي للأستراتيجية الأيرانية العليا ، ضمان الهيمنة الأقليمية .. والتي تقع على أساس خلق عدد من مديات الدفاعات الوهمية للتغطية على الهدف المركزي :

- في لبنان .. حزب الله وتجهيزه بالأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية، فضلاً عن بناء مصانع للأسلحة الصاروخية الأيرانية على الأراضي اللبنانية دون علم الحكومة اللبنانية وموافقتها .. وتمويل هذا الحزب الأرهابي بالأموال والخبراء الأيرانيين العسكريين وتخويله إدارة شبكة من الخلايا المسلحة بقيادة ولي الفقيه والقيام بأعمال إرهابية حيثما وجدت المصلحة الأيرانية ذلك ضروريًا .

- في سوريا .. تجهيز نظام دمشق بالأسلحة وبالمليشيات الطائفية الأقليمية وبالمرتزقة ،وبناء مصانع للأسلحة والصواريخ البالستية ، وإستثمارات على مستوى النفط والغاز والفوسفات، فضلاً عن بناء قواعد عسكرية تطل على البحر المتوسط ، فضلاً عن تزويدها لنظام دمشق بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًا وحمايتها له عن طريق التوافق الأيراني - الروسي.

- وفي العراق .. أحزاب السلطة ومليشياتها الطائفية وتجهيزاتها بالأسلحة الأيرانية والأعتماد على موارد العراق المالية لتسيير عمليات ايران الخارجية، والسماح لإيران بأن يكون العراق ممرًا إيرانيًا يمد الأذرع الفارسية في كل من نظام دمشق وجنوب لبنان - حزب الله الأرهابي والحوثيين الأرهابيين في اليمن بالأسلحة والمليشيات والمرتزقة.

- وفي اليمن .. إمدادات إيران للحوثيين بالأسلحة الثقيلة والصاروخية بهدف الهيمنة على مضيق باب المندب ومحاصرة الجزيرة العربية .

إن إستراتيجية موسكو تعكس كونها دفاعية ذات بعد إمبراطوري .. ولكن إستراتيجية إيران وإدعائها بأنها دفاعية، يعد ذلك مغالطة كبرى .. لأن ليس هناك من يتهدد النظام الأيراني الذي رعته قبل ولادته حكومة ( جيمي كارتر ) وتناوبت على رعايته الأدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض ومنها على وجه التحديد إدارة ( أوباما ) سيئة الصيت .. حتى الكيان الصهيوني فهو يرعاها في السر وفي الأعلام يهاجمها، ويرعاها في إستراتيجية مؤسساته ويهاجمها في خطابه السياسي والأعلامي منذ عام 1979 وحتى الآن .. ليس هناك من قوة تهدد إيران فكيف يمكن إن تكون إستراتيجيتها الهجومية دفاعية ؟!

الأختلاف واضح بين الأستراتيجيتين الروسية والأيرانية على مستوى التنظير والسوق العسكري ، فيما ترتبطان بنهج براغماتي وزواج ( المتعه ) أو المصلحة .. وكلاهما على خط الأستنزاف الذي بات واضحًا على العاصمتين موسكو وطهران .. ومن الصعب وصف علاقاتهما بـ ( الأستراتيجية ) إنما الأبراغماتية التي قد تنتهي إلى لتفكك والتفسخ.!!

- إستراتيجية ملء الفراغ .. هل هي عائمة ، وتتحكم بها قوانين الجيوبوليتكس.؟

- مسألة الأنسحاب الأمريكي من أفغانستان .. ومسألة إهمال منطقة الخليج العربي .. وإستراتيجية ملْ الفراغ .!!

يتبـــــــــــــــــــع ...





الاثنين ١٣ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيلول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة