شبكة ذي قار
عـاجـل










1- خلاصة ذلك تجربتان على طرفي نقيض .. الأولى : حين بنى البعث دولته الوطنية القومية القوية العادلة في عام 1968 ، وكانت قد سبقتها تجربة رائدة أجهضت عام 1963 . والثانية : حين غزا الأمريكيون والبريطانيون والأيرانيون العراق في عام 2003 ، فدمروه ومزقوه ونهبوا ثرواته وشردوا شعبه وأحالوا تجربته الوطنية القومية الأنسانية إلى ركام وأنقاض بعدد من أدوات التدمير والتشويه والشيطنة .

2- تجربة بناء الدولة العراقية الحديثة، أستمرت خمسة وثلاثون عامًا من الأزدهار والرخي والقوة والأمن والأمان والمهابة .

3- وتجربة الغزو الأمريكي البريطاني الأيراني، التي بدأت عام 2003 وحتى الوقت الحاضر، قرابة أربعة عشر عامًا من القتل والسلب والنهب والتجويع والترويع والتمزيق والأستغلال البشع لأنسان العراق ولثروات العراق ولأرض العراق ولمقدسات العراق .. لم تبنِ في العراق طيلة نصف عقد من السنين ، لا شارع ولا مدرسة ولا جامعة ولامستشفى، ولم يشق جدول ولم تستصلح أرض ولاأنشأت مؤسسة ولا مشروع زراعي أو صناعي أو تقني أو علمي أو إنشائي يشار إليه ، ولم تبنِ إنسانًا وطنيًا بل قتلت روح الوطنية بالطائفية والعنصرية، التي حولت كل تلك السنين إلى مادة للتجهيل والأنغماس في الخرافات وجلد الذات والعويل والبكاء والنحيب ومحاولات دفن الشعب العراقي في عمق التاريخ الذي مضى عليه 1400 عامًا لكي لا يرى نور المستقبل ويبقى جاهلاً وضعيفًا ومنتهكَا، واستمرار إستدعاء الصور الكاذبة من عمق هذا التاريخ يوميًا وتفصيليًا، إستغلالاً لطيبة الأنسان العراقي وبساطته وعواطفه الجياشة لرموزه العظام،الذين يعتز بهم .. ولكنه يجد نفسه قد وضِعَ في مجرى تحريف كامل وشامل عن خط الحقيقة والحق والعدل والأنصاف وخط بناء الوطن، وإبقاءه في مسار نمو الغرائز التي تستدعي وتشجع على القتل والنهب والأغتصاب، في ظل الجهل والتجهيل والفقر والتفقير.

4- وظلت تجربة الغزو الأمريكي البريطاني الأيراني تجربة قاسية ومؤلمة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً .. أضاعت مصالح العراقيين ومصالح الآخرين وأرجعت العراق إلى ما قبل خمسين عامًا، فأربكت دول الجوار وهزت موازينهم وحولت العراق والمنطقة إلى مرتع للفوضى العارمة، ضاعت فيها الموازين والمقاييس وتاهت القيم وأنجرف وتهجر أمام هذا الأعصار شعب العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن، وتهددت ساحات عربية وإقليمية ودولية .. لأن مركز التوازن (العراق) قد أختل، فأختل بسببه محيطه كالزلزال الذي يدمر المركز وتردداته تجتاح المحيط.!!

5- لم تستطع القوى السياسية التي اعتمد عليها الغزو الأمريكي والبريطاني والأيراني من إقامة تجربة بنجاح، بل فشلت كل تلك القوى العميلة والطائفية والطفيلية والمرتزقة في بناء العراق طيلة أربعة عشر عامًا .. وهي قوى سياسية ودينية متنافرة وغير متجانسة وغير منسجمة، حتى المكون الواحد فيه من المتناقضات ما يجعله نهبًا للأهواء ومسارًا للأرتزاق والتفسخ .. كما أن هذه القوى السياسية تستقي دعمها وقوتها من خلال ارتباطاتها الخارجية ، حتى باتت أدوات لعدد لا يحصى من القوى الأجنبية المعادية للعراق ولشعبه وللأمة العربية .. وكلها تتصارع وتتسابق للوصول إلى مراكز النفوذ والمصالح على حساب مصلحة الشعب العراقي .. وصراعاتها قد زادت من تمزيق العراق وشعبه وحولته إلى أشلاء تنهشها القوى الأجنبية المتربصة.. وهو الأمر الذي جعل العراق يفقد إستقلاله الوطني وسيادته ويصبح تحت رحمة الأجنبي الأمريكي والأيراني على وجه التحديد، وكلاهما مستعْمِران لا يبنيان بل يستنزفان موارد العراق المادية والبشرية أبشع إستغلال ويتركانه عرضة للضعف والتمزق والأنهيار.

6- والمعروف لدى القاصي والداني .. إن القوى السياسية التي تحكم العراق هي قوى ليست تمثيلية تعبرعن رغبات وحاجات وتطلعات الشعب العراقي، إنما هي قوى سياسية تمثل مصالح الدول الاجنبية من جهة، وتمثل مصالحها الخاصة من جهة أخرى، تحت مسميات مخادعة وكاذبة، طائفية وعنصرية وقبلية وواجهية وحشد من قوى الأرتزاق.. هذه القوى لا تصمد امام الحقائق التي تراكمت طيلة هذه السنين العجاف، وأفرزت حقيقة كبرى تعلن أن العراق دولة مركزية قادرة على الحياة لا أحد يستطيع بنائها إلا الذين يعبرون عن مطالب شعبهم وحاجاته وتطلعاته المشروعة وتحت خيمة واحدة تجمع بين المذاهب والأديان وبين القوميات المتآخية وتحقق العدل والأنصاف دون تمييز وعلى وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وخط الشروع القائم على معايير (الكفاءة والنزاهة والوطنية) التي تجعل من هذا المذهب أو تلك القومية رئيسًا ووزيرًا وسفيرًا وقائدًا ومديرًا وخفيرا .

7- والمعروف أيضًا ، أن القوى في العملية السياسية كلها وبدون إستثناء هي قوى مصطنعة من لدن الأجنبي سواء كان أمريكيًا أو بريطانيًا أو إسرائيليًا أو إيرانيًا .. فهي قوى لا تمثل شعب العراق ولا تحترمه ولا تحترم العراق ولا تبنيه .. لأنها عميلة أولاً، ولأنها طائفية وعنصرية ونفعية ثانيًا، ولأنها لا تملك منهجًا لبناء الدولة العميقة ثالثًا، ولأنها تفتقر كليًا للسياسات الرصينة المتوازنة التي تتعامل بها مع مختلف دول العالم على وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي رابعًا، ولأنها لا تعرف الحقوق ولا المصالح المشروعة والمنافع المتبادلة والأحترام المتبادل ومبدأ المعاملة بالمثل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الآخرى وفقًا لقواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول واكتساب ثقة المجتمع الدولي ونبذ كل اشكال العنف والتطرف والأرهاب مهما كانت دعواته ومصادره ونداءاته وتحريضه وذرائعه خامسًا .. فضلاً عن مبادئ حسن الجوار القائمة على مقومات العلاقات الثنائية .

8- فمن الصعب على العالم أن يتعامل مع هذه القوى السياسية التي تلف وتدور في عملية سياسية فاشلة ومأزومة يحكمها دستور ملغوم كتبه المحتل الغازي منذ عقد ونصف من السنين وحتى الوقت الراهن .. فالعالم يريد أن يتعامل مع دولة ملتزمة عريضة القاعدة الشعبية وشاملة وجامعة تضم تحت خيمتها كل اطياف وشرائح الشعب العراقي، ليس في شكل تعبئة خطاب سياسي فحسب، إنما في التنظيم المُوَحِدْ القادرعلى حشد كل الشعب على خط البناء وانجاز خطط الأمن الوطني والتنمية والأستقلال الوطني.

9- فالتركيبة البنيوية للنظام السياسي في العراق في ظل الاحتلال الامريكي والأيراني، تعيش أزمة مستحكمة .. وهذه الأزمة تكمن في النخب السياسية الطائفية والعنصرية العابرة للحدود، وقياداتها ترتبط مصيريًا بالخارج ، وخاصة النظام الأيراني وبالمحتل الأمريكي .. هذا التأزم يتمثل بعدم القدرة على بناء الدولة، ولكن لديها قدرتها على الأنفتاح على مسألتين ، الأولى: إنها تتعامل بإزدواجية مقرفة تقدم خدماتها لكل من إيران وأمريكا ولقوى مخابراتية أخرى، وتشاركها العبث بأمن البلاد والعباد، والثانية: إدراكها بأن القوى الأجنبية التي تخدمها في العملية السياسية تسمح لها بالنهب والسلب والقتل والأغتصاب وتبذير المال العام، ومقابل السكوت على جرائمها، أن تنفذ أجندة النظام الأيراني والمحتلين الأمريكيين وغيرهم من أركان العبث المخابراتي الأقليمي والدولي.

هذه الأزمة البنيوية ليس من السهل التخلص من تبعاتها وآثارها السلبية وتداعياتها الخطيرة .. وليس بمقدور قوى العملية السياسية بتأزماتها وإرتباطاتها الخارجية المأزومة أن تفعل شيئًا ، كما يصعب عليها إعادة تشكيل هذه البنية وتركيبها وإلغاء ركائزها .. ولن تستطع أي قوى إلا من تتوفر لديه الأمكانات والمقومات على البناء والأدارة معًا في ظل كيان هيكلي تنظيمي متنوع ومنفتح يستوعب جميع الأطياف على قدر عال من المسؤولية المبدئية والقانونية والأعتبارات الوطنية والقومية والانسانية لبناء الوطن من جديد على اسس ديمقراطية حقيقية وتعددية حقيقية وحرية مكفولة بالقانون، وحزب البعث العربي الأشتراكي هو القادر على البناء، بناء الدولة وبناء الأنسان دون تفريط بأي شريحة أو جهة أو مجموعة أو واجهة .. فأستراتيجية البعث جاهزة للتطبيق .

من يستطيع أن يبني العراق الراهن ؟ هل القوى الطائفية والعنصرية المتهتكة في العملية السياسية أم القوى الوطنية الجامعة المانعة الشاملة، المتمثلة بتجربة حزب البعث العربي الأشتراكي مهندس تجربة البناء الرائدة مع القوى الوطنية الخيرة والقومية الأسلامية النيرة .؟!

تساؤل مطروح على الشعب العراقي العظيم ..





الثلاثاء ٢١ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أيلول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة