شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

التعددية القطبية بدون قاعدة قانونية تفرض محددات واشتراطات والتزامات ، من خلال آليات عملية وواقعية متفق عليها أمميًا .. تمسي مجرد حكومة عالمية مشكوك في أمرها تُحَوِلُ الشعوب إلى قطعان وتحول الإنسان إلى عبد ، حين تستلب منه كل شيء .. لا نقود ولا حقوق ولا تكافؤ فرص ولا تحرر ولا حرية ولا حدود وطنية ولا هوية قومية .. حين يرتبط جبريًا بقاعدة التحكم المادية المعولمة من أجل إستعباد البشر !! .

- بقية .. نظرية تعددية الأطراف .. والتعددية القطبية :

- الصين .. وملامح النظام الدولي الجديد :

- التعددية .. في نظام عالمي جديد .. رؤية مستقبلية ( هنري كيسنجر ) :

1- بقية .. نظرية تعددية الأطراف :

- ترى الصين إن الولايات المتحدة تختلف عن بقية الدول الغربية .. فعلى الرغم من وجود اختلافات في سياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة - ليست الاستراتيجية - تجاه الصين ، غير أن جوهرها يتمثل بـ :

1- تغريب الصين بمعنى عولمتها غربيًا .

2- إحتواء الصين وتطويقها بقواعد وتحالفات .

هذان الهدفان لم يتغيرا منذ عقود من السنين .. فأمريكا تعمل على :

أولاً- سحب تايوان مثلاً إلى دائرة الحلف الأمني الياباني - الأمريكي .

ثانيًا- تعزيز إتصالاتها العسكرية مع الدول المحيطة بالصين .

ثالثًا- إقامة وتوسيع القواعد العسكرية لتطويق الصين .

رابعًا- تحويل مركز ثقل القوات الأمريكية من أوربا إلى منطقة آسيا والباسيفيك .

خامسًا- زيادة حجم الإنفاقات العسكرية الدفاعية ، ونشر نظام الدفاع الصاروخي ، من شأنه أن ( يضعف القوة النووية الصينية الرادعة ) ، الأمر الذي يشكل خطرًا على الأمن القومي الصيني !! .

- تعتبر الصين إن ( تعددية الأطراف الدبلوماسية ) ، التي تتضمنها التعددية القطبية ، يتوجب أن تمارس على نطاق واسع ، وذلك نتيجة للتغيرات والتحولات ، التي تطرأ على السياسات الدولية .. وطالما تتضمن دبلوماسية تعددية الأطراف ( آليات ) من شأنها معالجة الشؤون الدولية والإمساك بقواعد الحركة في إطار القانون الدولي واحكام مبادئ ميثاق جماعي يصلح للحقبة الراهنة ، فأن تشكيل مثل تلك الآليات المتنوعة ذات المدلولات الواقعية ، تحترم حقوق الشعوب وتراعي الفواصل القائمة بين وحداتها السياسية وتضمن كياناتها السيادية دون اختراق ولأي سبب كان وتحترم خياراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية .

- تصعب على مثل هذه الأليات القبول بسياسة القوة أو التهديد باستخدامها ، كما يتعذر الرضوخ لحالات الإقصاء والإضعاف والتهميش وسياسات الفصل العنصري وفرض عقوبات إنفرادية دون مسوغ يتعارض مع آليات تطبيق ميثاق الأمم المتحدة ، وليس بطريقة قسرية كما تمارسها أمريكا من خلال الكونغرس الأمريكي !! .

- استراتيجية الدبلوماسية متعددة الأطراف تهدف إلى كبح نزعة القطب الواحد المتحكم بالشؤون الدولية ، هي في حقيقتها تدعو إلى ( قطبية وقائية ) متعددة تمنع بآليات موضوعية نزعة الهيمنة والتحكم بحق النقض ( الفيتو ) ، والعراقيل التي تضعها القطبية المنفردة في طريق حل المشكلات والأزمات والضغوط ، التي تمارسها لإجهاض القرارات الموضوعية ، التي تهدف حل المشكلات العالقة أو حلحلتها لا الإبقاء عليها حبيسة ملفات ساخنة أو مجمدة من أجل اللعب على تخومها سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا !! .

ومن أهداف دبلوماسية الأطراف :

أولاً- تعزيز التعاون الدولي .

ثانيًا- تمثيل مصالح كافة دول العالم بما فيها أمريكا .

ثالثًا- إبراز مصالح ومطالب الدول النامية والفقيرة .

رابعًا- المشاركة في الآليات ذات الاتجاه العالمي .

خامسًا- العمل المشترك ضد الهيمنة والتسلط وفرض سياسة الأمر الواقع .

سادسًا- إشاعة مبادئ حسن الجوار بين مختلف الوحدات السياسية ، في آسيا والباسيفيك والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوربا وغيرها .

سابعًا- التدخل لتخفيف الاحتكاكات والاحتقانات الناتجة عن التناقضات والصراعات التي تظهر في المناطق المختلفة والعمل على إيجاد ( نقاط مشتركة ) من أجل حل المشكلات وتحييد بعضها أو تجميد ما يفضي إلى التعقيد أو التصادم أو الحرب .. والحيلولة دون الأستمرار في إبقاء ملفات الصراعات مغلقة أو مهملة ، والعمل على تدعيم الآليات وزيادة قوة التماسك داخل النظم الاقليمية .

ثامنًا- المشاركة الفاعلة في كافة المنظمات الدولية وعدم ترك مواقعها القيادية في قبضة القطبية المنفردة .. ويقع في مقدمة هذه المنظمات ( الناتو ) ومجموعة الدول الثمانية ومجموعة العشرين في سبيل الوصول إلى عالم يسوده الأمن والاستقرار النسبي والعدالة والتنمية المستدامة !! . 

2- الصين وملامح النظام الدولي الجديد :

منذ أن وضعت الصين نفسها على عتبة الردع النووي الشامل في منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم ، شهدت بفضل الزعيم " دنغ تسيشاو بنغ " نهضة جبارة جعلتها قادرة على تحديد ملامح نظام عالمي جديد يعمل على تغيير هياكل التمثيل القائمة وأحكامها وصلاحياتها من جهة ، وإرساء أسس سلام لهذا النظام يتلائم مع روح العصر ، ولكن ببصمة صينية .

فهل تحدد الصين هذه الملامح من خلال فعاليات أسمتها ( دبلوماسية الأطراف ) ، التي أعلنت أنها الأداة الفعالة في تثوير مضامين ( التعددية القطبية ) دون أن تعلن صراحة أن هذه الدبلوماسية مشغولة بهذه المضامين من غير أن تفصح عن تعرضها للقطبية الأحادية ، لإجهاض سلوكها العدواني .. إلا أنها باتت قادرة على استيعاب ( البوذية ) وصهرها في الحضارة الـ( كونفوشيوسية ) لكي تنتج ( أيديولوجية واقعية ) تحدد للصين رؤيتها وإمكانية تحويل النظرية إلأيديولوجية إلى واقع عملي ملموس منتج ومثمر ومتعاون في إطار ما تسميه بكين بـ( الشراكة الاستراتيجية ) المنفتحة على العالم .. بعد أن استوعبت وتمكنت من وضع الحزب الشيوعي الصيني في موقع القائد المراقب للدولة وأدائها وليس منغمسًا فيها .

وفي ضوء التقدم الذي أحرزته الصين من حيث التوازن والتكافؤ في الإمكانات والقدرات وعدم التفريط في الثروات الوطنية تحت سقف سباق التسلح المتصاعد ، والحذر من مغامرات التدخل العسكري الخارجي المباشر .. واستخدامها دبلوماسية الترابط بين الأطراف والمركز وترصينها قاعدة أساسية لاقتصادها وتعاملها القائم على ( الشراكة الاستراتيجية ) مع كافة الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وإعلانها ( الصين الواحدة ) لتمنع محاولات تفكيكها واستقطاب أراضيها رغم أنظمتها الرأسمالية المغايرة .. فقد أبدت الصين قدرة فائقة على رسم ملامح لنظام عالمي جديد ، ما يزال في رحم التحولات التي تجري والمخاضات الناتجة عن الأحداث والحروب الإقليمية بالوكالة ، يرتكز على عدالة القانون الدولي والتمثيل المتوازن والموسع لأعضاء مجلس الأمن الدولي بعيدًا عن فرض أنماط القيم المختلفة أو تقبل مثل هذه الأنماط من خلال العولمة القسرية سواء كانت اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية أم قيمية فكرية .

فأذا كانت أوربا تتطلع إلى المجال الـ( أوراسي ) التجاري عبر روسيا يرتبط بالصين ، وهو الخط الكتلوي ( البشري والجغرافي ) ، الذي يمتد من المحيط الأطلسي غربًا إلى جبال الأورال في آسيا شرقًا ، فإن الصين ، مع ذلك ، تراقب عن كثب وتقترب من روسيا ، وأوربا لبناء علاقات ترسم واقعًا ( جيو – استراتيجيًا ) ، يربط بين آسيا وأوربا ( أوراسيا ) ، تخترقه خطوط سكك حديد وطرق تجارية وامتدادات ثقافية وإنسانية .. ومن الصعب الاعتقاد بحتمية التصادم الحضاري بين الشعوب المختلفة على أساس الرؤية الـ( برجنسكية – الأمريكية ) صوب التشكيل الأوراسي ، الذي هو عالم قطبي ليس تقليدي ، إنما واقع كتلوي تفرضه حقائق الجغرافيا وحقائق التاريخ !! .

3- القطبية .. في نظام عالمي جديد ، رؤية مستقبلية .. ( هنري كيسنجر ) :

رؤية " هنري كيسنجر " حول النظام العالمي الجديد ، تضمنها كتابه الذي يحمل منهجًا محافظًا (Ultra Conservative) ، يشير إلى أن هنالك قواعد لم تتغير تحكم العالم منذ عام 1648 وتؤكد أن ( النظام العالمي هو تصور كل حضارة أو منطقة عن النموذج الأمثل لتراتيبية السلطة وتوزيع القوة في العالم .. ومن أهم عناصر النظام هو القواعد والقيم التي تحدد السلوك الشرعي والمقبول ) .

ولكن .. الذي يتحدث عنه كيسنجر هو عالم ( ويستيفاليا ) عام 1648 وعالم فيينا عام 1815 ، حيث شهد العالم تطورات كبرى وجذرية .. الحرب العالمية الأولى والثانية ، وقنابل أمريكا على ( هيروشيما وناكازاكي ) ، وانهيار الاتحاد السوفياتي والحروب الإقليمية بالوكالة ، فضلاً عن ذلك ، هنالك قوى أساسية في عالم اليوم لم تشارك في صنع النظام الدولي الراهن المتصدع كالصين على سبيل المثال لا الحصر .

العنصران المهمان في إرساء دعائم النظام الدولي ، الذي أفرزته الحربان العالميتان الأولى والثانية هما :

1- وضع نهاية للحروب الدينية الأوربية ، وفصل الدين عن السياسة .

2- الإقرار بسيادة الدولة ككيان قانوني وسيادي مستقل ، وبمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى .

هذان العنصران هما اللذان ساعدا على ظهور الدولة ككيان قانوني مستقل عن هيمنة الاقطاع وهيمنة الكنيسة .. إلا أنه يمثل مجموعة من المصالح المتضاربة .. حيث دمر النظام ( مركزية الدين ) ، وأقر بـ( توازن القوى ) الذي يعتمد على الأحلاف حلف ( الناتو ) وحلف ( وارسو ) .. ولكن مثل هذا النظام يشترط قوة تقوم بـ( ضبط التوازن ) من خلال الأحلاف والأحلاف المغايرة لها .

إن هذا النظام قد أوقع نفسه أو تغاضى عن مسألتين مهمتين هما :

أولهما : إن ثقافات الدول وحضاراتها وموروث عاداتها وتقاليدها تصاغ على أساس النظر إلى الواقع كونه ( متمائلاً ) .. وهذا غير صحيح أبدًا ، لأن الثقافات متنوعة ومختلفة من حيث منطلقاتها الفكرية وفلسفتها ، كما أن رؤيتها لأوضاعها ولغيرها والعالم مختلفة .. وأن الحضارات تتلاقى وتتفاعل وتتلاقح على أساس المشتركات الإنسانية الإيجابية .. وبالتالي هي ليست في معرض صراع أو تنازع .. أما إنها تنظر إلى الواقع بصورة ( متماثلة ) فهي رؤية خاطئة وقاصرة ومغرضة في آن .

ثانيهما : إن الواقع ، لا يخضع لمبدأ ( الثابت والمتغير ) كحقائق ومسلمات .. وهذه أيضًا رؤية غير صحيحة ومغرضة ومخالفة لقوانين التحولات المعروفة .. لأن الواقع ، أي واقع كان ، محكوم بهذا المبدأ .. ففيه الثابت وفيه المتحرك .. وحتى الثابت ففي مكوناته متغير نسبي أيضاً .. فكيف يمكن التفكير والعمل بوضع خطط السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن على أساس أن الواقع ( ثابت ) كما هو في عناصره وقواه ويفتقر إلى ( المتغير ) ؟ ، فالقوة مثلاً متغيرة في الكم والنوع ، والقوى متغيرة في الحشد والقدرات والتحالفات .. فكيف يمكن الحكم على الواقع بأنه ليس معنيًا بمبدأ الثابت والمتغير ؟ ، فالشعب العراقي مثلاً قد باتت شروطه الذاتية ناضجة تمامًا للتغير الجذري الآن ، عن تلك الشروط قبل عشر سنوات .. والظروف الموضوعية باتت تختلف عن الظروف الموضوعية التي أحاطت بواقع الأحتلال عام 2003 .. فالشروط الذاتية والموضوعية قد تغيرت ، حيث انكشفت عورات الاحتلال الأمريكي والإيراني تمامًا ولن تعد هنالك من أغطية ممكنة لها في الظرف الراهن !! .

إن إعادة ترتيب أوضاع العالم ، ليس على أساس ( الدين ) فحسب ، إنما على أساس الدولة ( القومية ) ، التي تستعين بعدالة الدين وروحيته وسماته الإنسانية في صياغة الدساتير ، فهي تمد دساتير الدولة القومية بروح العدالة والإنصاف والأمن الاجتماعي بين المجتمعات وبين شرائح المجتمع الواحد وقومياته وأديانه المختلفة .. فـ( هنري كيسنجر ) لا يفكر هكذا إنما يقدم رؤية غامضة تضفي تناقضاتها على الشعوب طابعًا لا تنسجم حركته مع التغيير نحو الأفضل والأكثر عدالة ومساواة .

إن أي نظام دولي ينجح ، إذا اعتمد الأثنين معًا ( القوة والشرعية ) ، كما يرى كيسنجر .. القوة يضبطها التوازن ، والشرعية تسندها القيم .. ولكن " هنري كيسنجر " ، وهو يضفي الغموض على رؤيته الغرضية ، قد ترك توصيف الشرعية للقوى الاستعمارية والإمبريالية الحاكمة .. أما تعبير القوة فقد تركها بيد النخب الرأسمالية المتحكمة بصنع القرار التي تتربع قمة السلطة الاستعمارية ، التي تستعبد الشعوب وتغتصب ثرواتها بغية الوصول إلى حالة الجمع بين ( الثروة والقوة ) ، اللتان تتصدران واقع الهيمنة والتحكم بمصير العالم .!!

- بقية .. القطبية في نظام دولي جديد .. رؤية " هنري كيسنجر " :

- النظام الدولي الجديد .. رؤية أوربية :

يتبــع ..





الاربعاء ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة