شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

أمن النظم العربية هو جزء من أمن النظام القومي العربي .. وقد أثبت الواقع وجود متلازمة عضوية بينهما .. وإن أي محاولة لفك تلك العلاقة العضوية تشكل ضررًا فادحًا بجميع الأقطار العربية من جهة وبالأمة العربية من جهة ثانية .. وإذا كان الأمن القطري له مقومات قطرية ، فأن الأمن القومي له مقوماته القومية .. ومن السذاجة بمكان التفريق بين الأمنين ، إنما يتوجب التعاطي القومي مع النظام القومي العربي في إطار الدفاع وتنمية الامكانات والقدرات فضلاً عن التكامل في المجالات كافة وفي مقدمتها الاقتصاد .

فالأمن القطري تتخلله مجموعة من توصيفات الأمن البنيوية ، كالأمن الغذائي والأمن المائي والصناعي والزراعي والعسكري والاجتماعي والمعلوماتي وغيرها .. إذن ، هناك بُعدان للأمن القطري :

الأول ، البعد الداخلي ، والذي تشتمل فيه مجموعة التوصيفات أعلاه مجتمعة وتشترط عدم ترك ثغرات في بنيتها ، لا في الغذاء ولا في الماء ولا في الصناعة والزراعة ولا في الجيش والقوات المسلحة ولا في الحياة المجتمعية والمعلومات البنيوية للدولة القطرية .. فمن الصعب الحديث عن الأمن القطري ومنظومة الأمن الداخلية مخترقة أو مكشوفة ، وخاصة إذا كان القطر يواجه تحديات خارجية وتهديدات مؤكدة وداهمة .

والثاني ، البعد الخارجي للأمن القطري ، ويتمثل حصريًا بتحديد المخاطر الخارجية وحجمها وقدراتها على الاختراق والحسم والمطاولة وفي ما إذا كانت هذه المخاطر رئيسية أم ثانوية يمكن معالجتها عن طريق الحوار أو تحييدها بوسائل توازنات القوى والتحالفات الممكنة والقادرة على تفعيل عامل الردع الإقليمي .

والعلاقة القائمة بين البُعد الداخلي والبُعد الخارجي للأمن القطري مسألة بنيوية متكاملة غير قابلة للانفصام ، لأن البعد الخارجي للأمن القطري يعتمد على البعد الداخلي للأمن القطري ، وإن أي اختلال بين البعدين وخاصة الداخلي ، يُعَدُ إجهاضًا لكل جهود الاستعداد للدفاع ولجهود السوق العام ، وهو الأمر الذي يحتاج إلى التوازن الموضوعي بين البعدين .

هذا الشرط القائم على أساس التكامل في البعد الأمني القطري الداخلي والخارجي لا يمكن أن يكون بديلاً للبعد المركزي الذي يحدده نظام الأمن القومي العربي .. لأن حالة النظام هي حالة تتسم بالشمول والاتساع والقدرات على تجميع عناصر قوة الأمة العربية برمتها وليس عناصر قطر واحد وبمنظور شمولي يأخذ بنظر الأعتبار الواقع الجيو - سياسي ، والواقع الجيو - استراتيجي للأمة العربية حيال محيطها القريب والبعيد من أجل أن يحفظ للأمة العربية حريتها وسيادتها ومكانتها بين الأمم ومستقبلها وتنميتها الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والنفسية على حدٍ سواء .

لقد وضعت مشاريع الخارج : متمثلة بالمشروع الصهيوني والمشروع الامبريالي الأمريكي والمشروع الإيراني الفارسي محددات ومنطلقات منتظمة ومستمرة للأمن وخاصة تجاه الوطن العربي ، بينما لم يحدد أي قطر عربي معالم أمنه الوطني والقومي أزاء جهات مشاريع الخارج ، وذلك منذ نهاية الأربعينيات من القرن المنصرم ، إنما الذي بات مؤشرًا هو حالة الاسترخاء والتشنج والدخول في حروب محدودة مع الكيان الصهيوني انتهت إلى طاولة المفاوضات المهينة ، التي لم تستطع الأقطار العربية أن تنتزع حقاوقها المشروعة المغتصبة ، وهذا يعود لطبيعة حالة العلاقات والتحالفات العربية والاقليمية والدولية وتفاوت أولويات السياسات الخارجية القطرية واحتلافاتها وتناقضاتها الكائنة بين البعد الأمني الخارجي والداخلي دون الوعي بأهمية تنمية متطلبات الأمن القومي العربي إلا شكليًا .

فعلاقات إيران مع الأقطار العربية ( القطرية ) - حسب وجهة النظر الإيرانية - لا يحكمها توازن قوى ، إنما دوافع فارسية قائمة على أساس الهيمنة وعدم الاعتراف بالآخر ، الذي يرمي إلى إخضاعه وتغيير هويته وسلبه لثرواته ومحق وجوده .

أما واقع التوجه الصهيوني نحو أقطار الأمة العربية يقوم على أساس تفكيك الكتل الكبيرة والقوية إلى وحدات صغيرة مسيطر عليها حيث يتم استثمارها وقيادتها ما دامت تمتلك الأموال والثروات ( أموال عربية وعقول صهيونية - منطق شيمون بيريز ) .. أما علاقات أمريكا مع الأقطار العربية فهي قائمة على أساس الخدمة النفعية ( البراغماتية ) ، سواء كانت تقوم على الحماية ، فهي مدفوعة الثمن ، ومن دونها يصبح البعد الأمني القطري الخارجي والداخلي مكشوفان تمامًا ، وهنا تكمن لعبة الابتزاز واستنزاف الثروات الوطنية والقومية ، ليس ذلك فحسب ، إنما تغيير أنماط المقومات ومنظومات الأمن والقيم والعمل على عولمتها .

فالعلاقات العربية - الإيرانية وخاصة الخليجية لا يحكمها مبدأ توازن القوى ، فهو ميزان مختل أساسًا منذ زمن بعيد ، ولم يكترث العرب ولا الخليجيون العرب لنصائح حزب البعث العربي الأشتراكي ولا لنظامه الوطني في حينه ، التي حذرت فيها من مغبة عدم تحصين الداخل القطري ، ومن طلب الحماية الدائمة من الأجنبي ، وعدم تنمية القوى الذاتية على كافة الصعد ، والالتفات إلى الشعب العربي في ساحاتها ، وضرورة ترصين الساحة الداخلية من الاختراق الأجنبي وفي مقدمته التغلغل الفارسي في نسيج مجتمعاتنا في الخليج العربي على وجه الخصوص ، وتجاهل مقومات الأمن القومي العربي ، التي من شأنها تعزيز الحماية القطرية وتعزيز نظام الأمن القومي العربي بوجه مشاريع الخارج .. ولكن مثل هذه النصائح المستمرة لم يستمع لها أحد من الأخوة العرب في الخليج العربي وخارجه .

هذا الوقع كرس اختلال التوازن في القوى ، على المستوى القطري وعلى المستوى القومي ، الأمر الذي ترك في بعض الساحات العربية ( فراغ قوة ) سرعان ما تمدد النظام الفارسي الصفوي نحو العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول عربية أخرى ، بعد إسقاط النظام الوطني في العراق عام 2003 ، وبات يهدد بكل صلافة ودموية عواصم عربية بالاجتياح العسكري - المليشي الطائفي .. هذا الكلام من باب التذكير وتصحيح المسارات الخاطئة للنظام العربي الرسمي والخروج عن الصمت المطبق وتشخيص حالات التلاعب وعدم التطابق بين ما هو كائن على الأرض وبين ما هو جارٍ في أروقة السياسة ، والتي شخصها قائد مسيرة الجهاد والتحرير الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام للحزب بكل دقة وصواب حين أشار في خطابه الصريح والواضح ، يوم 7/04/2018 إلى أخطاء النظام العربي الرسمي في ممارسات هي في حقيقتها تشكل تناقضًا جوهريًا بين السياسة وبين تطبيقاتها على أرض الواقع .. فالبعث ، كما هو معروف ، يقف دائمًا مع الهوية القومية بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي العربي الحاكم - رئاسي جمهوري ملكي أميري مشيخي - ما دام النظام عربيًا وأرضه عربية - وهذه مُسَلَمة أساسية قائمة على أساس أن أي جزء من الوطن العربي لا يختلف في النظرة القومية عن أي جزء آخر .. وكذا الغزو هو الغزو والأحتلال هو الاحتلال والعدوان هو العدوان، كل ذلك لا يخضع للتجزءة .. وهذه مُسَلَماتٌ معروفة أيضاً .

 - نظام الامن القومي العربي ، ليس بمعزل عن محيطة كيف يتعامل مع أحكامه وتحولاته .. فهو لا محالة ، يؤثر فيه ويتأثر به في تفاعلاته ؟ :

العالم غير مستقر وتحولاته السريعة يصعب حصرها فهي تؤثر في نظام الأمن القومي العربي بصورة جعلته في وضع الدفاع المرتبك .. ومما زاد الأمر إرباكًا هو عدم وجود مدركات مستنفرة ومتكاملة أمام حالة المخاطر والتحديات الخارجية .. فالمؤتمرات العالمية والاقليمية تعقد حول الأمن الأوربي والأمن الآسيوي والأمن الأفريقي والأمريكي ولا أحد في وطننا العربي يعير اهتمامًا لعقد مؤتمر للأمن القومي العربي رغم أنه في خطرٍ حقيقي وتحديات خطرة .. فالواقع العربي على مستوى وحداته السياسية العربية مشتت ، والشعب العربي في حالة سلبية واستسلامية خطيرة على اتساع الأمة .. والنظرة إلى الأمن القومي العربي وكأنه قائمًا على البعد العسكري فقط دون غيره من العناصر ، فهي بالتالي نظرة قاصرة تمامًا رغم أهمية القوة العسكرية ممثلة بالجيش والقوات المسلحة .. فيما يخلط الكثير بين متطلبات الأمن القطري ومتطلبات الأمن القومي العربي .. فالقوات المسلحة رغم أهميتها القصوى الدفاعية ليست وحدها قادرة على تحقيق الأمن الوطني للدولة القطرية ، ولا هي وحدها قادرة على تحقيق الأمن القومي للأمة العربية إذا كانت قاعدتها الاقتصادية ضعيفة وتفتقر إلى التكامل القومي .. فمن الصعب الحديث عن أمن قومي عربي إلا في ظل نظام عربي متوازن في وحداته السياسية العربية .. والتوازن هنا يعني التأسيس على قاعدة التكامل الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والاعلامي والنفسي وباختصار الجيو - بوليتيكي لواقع الوطن العربي بمجمله .. فالأمن القومي العربي يضم بين ظهرانية الأمن القطري لكل الساحات في الوطن العربي ( الأمن القطري المصري والأمن القطري السعودي والسوداني والعراقي والسوري والخليجي والمغاربي ) .. فهو أشمل وأوسع ويحتاج الى قيادة سياسية موحدة يمكن تسميتها بالمجلس السياسي العربي الأعلى - يمثل فيه صاحب القرار الأول في كل قطر عربي وله استشاريات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية وقانونية - وهو صاحب قرار الحرب وقرار السلام وقرار التنمية المستدامة بأوسع صورها الاقتصادية والتجارية والثقافية والتعليمية والبيئية والفضائية والنفسية .. فالترابط في ضوء ما تقدم نراه ترابطا عضويًا وموضوعيًا بين الأمن القومي العربي وكذا الأمن القطري كجزءٍ منه .. والأساس تحكمة استراتيجية كبرى ( Grand strategy )

إذن ، يعتمد الأمن القومي العربي على جمع قدرات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا العسكرية والفضائية للدول القطرية العربية كافة ، على قاعدة التكامل القومي .. فالاستقرار الداخلي لأي دولة قطرية يرتبط أساسًا بعامل ( التنمية ) بالحدود الممكنة لها التي تحقق بدورها ( الاستقرار ) .. فمن الصعوبة الحديث عن أمن الدولة القطرية تنعدم فيها التنمية وينعدم فيها الاستقرار .. كما أن تحقيق التنمية والاستقرار في الدولة القطرية ينعكس على القاعدة العريضة للأمن القومي العربي ، الذي يكون عندئذٍ على استعداد دائم لدعم السياسة الخارجية للمجلس السياسي العربي الأعلى في كل الظروف للحفاظ على كيان الوطن العربي وكيانات الدول القطرية ومصالحها ومتابعة التحولات ، التي تجري على الساحتين الاقليمية والدولية .

والمجلس التمثيلي العربي الأعلى المفترض ، الذي من صلاحياته تطبيق الاستراتيجية العظمى ، تضع الأقطار العربية تحت تصرفه موارد الدولة القطرية وتوظيفها من أجل بلوغ أهدافها التي يحددها ميثاق المجلس .

- نظام الأمن القومي العربي .. والنظام الدولي ، الذي لم يولد بعد :

يتبع ...





الثلاثاء ٢٤ رجــب ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / نيســان / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة