شبكة ذي قار
عـاجـل










۞  أوربا والملف النووي الإيراني .

۞  ملفان خطران .. القدرات النووية الإيرانية و برنامج الصواريخ الباليستية .

۞  الحصار والعقوبات وربما خيار الحرب سيرجع إيران إلى ما وراء حدودها .

۞  والشروط هي الانسحابات من سوريا والعراق واليمن ونزع سلاح حزب الله .

المدخل :

السياسة الخارجية للدولة ، تحكمها عادة مبادئ يتضمنها منهج يؤكد الحاجات المادية والاعتبارية للشعب في إطار مقوماتها الوطنية والقومية ، التي ترسم للسياسة الخارجية نهجها الموضوعي والواقعي دون تضخيم أو تقزيم أو تبعية .. وهذا ما قلناه في إحدى مقالاتنا ، حين كان الحديث منصباً على العلاقة الأوربية الإيرانية الراهنة في ما يتعلق بالتعنت أو الإصرار الأوربي على أهمية الإبقاء على الملف النووي الإيراني الكارثة ، على أساس أنه أحسن وأكثر أهمية من الخروج منه أو إلغائه .

هذا الإصرار ، هو في حقيقته فكرة إيرانية إستخباراتية أُدخلتْ في عقلية المفاوض الأوربي ودفعت به إلى التيبس أو التصلب بما يتفق والتخطيط الفارسي الغامض للحصول على السلاح النووي أو إخفائه ، الذي يترافق مع نهج تصنيع الصواريخ الباليستية ذي المديات الخطرة وغير الضرورية لحالات الدفاع ، الذي دأب النظام ( الثيوقراطي ) التوسعي في طهران على استخدامها عبر ذراعه الحوثي في اليمن ، ويهدد باستخدامها ذراع النظام الفارسي في الجنوب اللبناني في سوريا خلافاً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .

وقلنا ، إن الإصرار الأوربي هو رغبة الشركات الأوربية على استمرار استثماراتها في إيران ، التي تستدعي - حسب وجهة نظرها - الإبقاء على الملف النووي الإيراني حتى لو خرجت أمريكا منه وسيبقى من دونها .. هذا رأي الشركات الأوربية التي لا ترى غير الأرباح المستخلصة عن الاستثمارات التي ورطتها إدارة " أوباما " في مرحلة الحسابات الأمريكية غير الصحيحة والفاشلة .. أما ( الدولة ) الأوربية فيتوجب أن يكون لها منظوراً آخر يعتمد على آليات من شأنها أن تفك التشابك بين ما تتطلع إليه الشركات الأوربية وما ترسمه أو تريده الدولة الأوربية ذات المؤسسات الخاصة بصنع القرار ، التي تختلف نظرتها ورؤيتها لطبيعة العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف .

فالشركة ليست دولة رغم تأثيرها كعابرة للقارات وتمثل أحد جوانب المصلحة ، ولكن ليس المصلحة القومية في كليتها ، وفي مقدمتها مسائل الأمن القومي والمصلحة العليا للدولة .. هذا من حيث الظاهر العام في السياسة ، أما غاطس جبل الجليد فهو له مؤشراته وأبعاده المقلقة للدول الأوربية وخاصة الترويكا ( الألمانية والفرنسية والبريطانية ) بوجه خاص .

فما الذي تريده أمريكا والغرب الأوربي من الملف النووي الإيراني ؟ ، وما الرابط بين هذا الملف وبرنامج الصواريخ الباليستية ، التي هي مسعى إيراني لحمل رؤوس نووية مستقبلية ؟ ، وهل ستحقق العقوبات الاقتصادية الصارمة للسياسة مرحلتيها في التعامل : الاحتواء أولاً ومن ثمَ : نزع القدرات ثانياً ؟! .

هذه أسئلة طالما أفرزتها حالات الإصرار الأوربي والإصرار الأمريكي والصمت الروسي والصيني والمراوغة الإيرانية التي تسعى للحصول على الأثمان ( الوقت والأموال ) !! .

فما أن حل متغير دولي مهم حتى دفعت نقلته القوية المدعمة بالحركة المباشرة إلى هروب الرساميل الإيرانية إلى بنوك الخارج ، فيما أغلقت الشركات الأوربية أبوابها وأقفلت مكاتبها في إيران ، وألغت بعضها عقودها بمليارات الدولارات وتركت الساحة الإيرانية خاويه بانتظار حزمة العقوبات التي ستضع الاقتصاد الأيراني على حافة الهاوية .

فما الذي سيحصل في ظل المتغيرات الموضوعية الخارجية من جهة وسقف المتغير الداخلي المهيأ للانفجار الحتمي وهو يأخذ مداه في التفاعل من جهة أخرى ؟ .. أما مناخ الحرب في سوريا فقد بات يدفع إلى تسويات تصنعها إرادات ( روسية وإسرائيلية وأمريكية ) ، لتنعكس على الأرض ضغوطات عسكرية وسياسية ترغم إيران على الانسحاب من سوريا .. فيما تظهر إيران تلميحاً يشير إلى أن ذلك مرهون بالثمن الذي ستحصل عليه .. أما روسيا فإنها مع هذا الخط الذي لا تمانع في انسحاب كل القوى الأجنبية من سوريا - الأمريكية والتركية وقوى الإرهاب وحتى الإيرانيين ( هذا ماقاله بوتين وأوضحه وزير دفاعه ) ، وهي تحتفض بمواقعها الاستراتيجية المطلة على مياه البحر المتوسط .. أما العراق فلم يعد له خياراً في إطار المعادلة الحالية سوى تحجيم النفوذ الإيراني وكبح جماح ميليشياتها بطريقة نزع سلاحها أو طردها بالقوة .. وفي اليمن فالأمر يكاد أن يكون محسوماً بطرد الحوثيين الفرس من صنعاء بطريقة أقل الكلف والخسائر .. وتحويل حزب الله في الجنوب اللبناني إلى حزب سياسي شأنه في ذلك شأن بقية الأحزاب اللبنانية ونزع سلاحه لمصلحة الجيش اللبناني السيادية .

ما الذي يقلق أوربا حيال الإبقاء على الملف النووي الإيراني ؟ ، هل هو حجم الاستثمارات الأوربية واسعة النطاق والخوف من أن تجد هذه الدول والشركات نفسها بين المطرقة الأمريكية ( العقوبات ) وبين السندان الإيراني ( الخواءات والانهيارات الداخلية الحتمية ) ، أم أن هناك عامل آخر تعرفه أوربا وتخشى الإعلان عنه إلا بثمن تريده طهران ؟! .

فتداخلات مفاوضات الملف النووي الإيراني شائكة ومعقدة ويطغى عليها الغموض .. ولكن في أسوء الأحوال ستضع أمام النظام الإيراني خيارين : إما البقاء في داخل الحدود الإقليمية للدولة الإيرانية وبقاء النظام ، وإما فرض القيود القاسية والعقوبات الصارمة التي تنتهي حتماً إلى مواجهات شعبية عارمة في الداخل الإيراني ، وهي طافحة بالغضب ومستعدة لحرق الأخضر واليابس بإسقاط النظام ؟ .

هذه المعادلة مؤكدة وحتمية ولا مجال للتسويف الإيراني بمفاوضات ماراثونية عقيمة يستفيد منها النظام دون غيره .. ولغة استخدام القوة والتهديد باستخدامها ، هي في حقيقتها قد تكون الحاجة لها لتقوية وضعها التفاوضي - لأن اللصوص يتفقون على وحدة التخطيط ويختلفون على توزيع الغنائم – وهنا ، سيكون الرابح إيران إذا ما أدركت وتراجعت إلى ما وراء حدودها بسحب ميليشياتها لتفادي ارتدادات واقعها ومحيطها المشحون بالغضب ، والذي لن يفيد فيه حتى لو امتلكت قنبلتها النووية ، فهي تظل سلاحاً رادعاً غير قابل للاستعمال ، ولكنه سلاح للابتزاز السياسي لا غير .. ولمواجهة الابتزازات ، وسائل وقدرات يمكن توظيفها بصورة مؤكدة .

واقع الإشكالية يشير إلى أن أمريكا لا يمكن أن تتخلى عن مصالحها في منطقة الشرق الأوسط .. وإن إيران غير مسموح لها في أن تتمدد على تلك المصالح بأي حال .. والخطأ الاستراتيجي الجسيم الذي أرتكبته أمريكا إدارات - بل كلنتون وبوش وأوباما - حين أخلتْ بالتوازن الاستراتيجي الإقليمي في المنطقة بإسقاط النظام الوطني في العراق وإنهاء قوته السيادية وتكريسها ( فراغ الأمن ) فيه وتشجيع النظام الإيراني ، بتخطيط مسبق ، على اجتياح المنطقة من خلال حكم العراق بتوافق سياسي وأمني .. ولكن المرحلة الراهنة قد أُسدل الستار عليها وكانت ( داعش ) أحد أخطر أدواتها المشتركة ( الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية ) ، فيما كان الروس يتربصون الوصول إلى حافات المياه الدافئة وحققوا حلمهم الاستراتيجي الكبير !! .

ما الذي تخشاه طهران :

إن أخشى ما تخشاه إيران في هذه المرحلة هو انكسار برنامج صواريخها الباليستية ، الذي توليه إهتماماً ملحوظاً ، لأنه الوسيلة الناقلة لأي تصنيع نووي - فما نفع القنبلة النووية وهي في مخزنها إذا لم تجاورها وسائل نقلها إلى الهدف ، حتى وإن لم تستخدم واقعياً إلا للردع والابتزاز - كما أن ما تخشاه هو استمرار الشعوب الإيرانية بالثورة .. فالنظام الإيراني عدواني ولا يبالي بشيء عدا الضغط الاقتصادي الصارم المستمر وحصاره وغلق موارده المالية الخفية وفضح تجاوزاته .. وإن من أهم وأخطر هذه التجاوزات هي الآتي :

- تحويل عوائد نفط كركوك ، بعد استفتاء الشمال المريب والفاشل ، إلى طهران عن طريق تدخل حزب جلال طالباني بقيادة هيرو جلال وبرهم صالح وغيرهما وبالتوافق مع حكومة العملاء في بغداد .. وذلك لتعويض ما تفقده إيران من عملة صعبة .

- السيطرة الإيرانية على عدد من حقول نفط العراق وفي مقدمتها حقول ( مجنون ) ، فضلاً عن سرقة نفوط العراق عن طريق خطوط الأنابيب المائلة وإفراغ حقول العراق من ثرواته ، فيما تعمل ميليشيات إيران في الحشد الشعبي على تهريب صهاريج النفط من الجنوب إلى إيران ، لتعيد منتجات نفطية متنوعة .. والحالة هذه تقترب من لصوص الكويت بخطوط أنابيبهم المائلة من حقل الرميلة العراق .

- إمتصاص دولارات نفط العراق عن طريق صادرات إيرانية لا تصلح للاستهلاك البشري ( خارج الصلاحيات ) ، تتعامل معها شركات معروفة في الكويت والإمارات يتم من خلالها إعادة تغليف المواد الغذائية بتواريخ حديثة وتسويقها ثانية إلى العراق .

- شراء الدولار عن طريق عرض مزاد البنك المركزي لتجار العراق بأسعار متدنية وتهريب الملايين يومياً إلى إيران لأغراض الاستيراد وبأوراق مزورة يعتمدها متنفذو الأحزاب الإيرانية في العملية السياسية المأزومة .. فيما يقبل التجار العراقيون عملة ( التومان ) الإيرانية التي لا قيمة لها كمساوٍ للعملات المتداولة إرضاءاً لطهران .. أما ( الخُمُسْ ) وهو تبرعات العراقيين في المراقد المقدسة ، والتي يتوجب صرفها على العوائل العراقية الفقيرة والمحتاجة والمتعففة ، تذهب صفقة واحدة سنوياً بالمليارات إلى قم وطهران ، فيما يستولي رجال الدين حصصهم من هذه التبرعات !! .

العراق بالنسبة لإيران منجم الذهب الذي تسدد من خلاله فواتير تدخلاتها وتمول أذرعها الخارجية كحزب الله في الجنوب اللبناني والحوثيون في اليمن والخلايا الإرهابية الطائفية النائمة المنتشرة في أقطار الوطن العربي .

لقد بنت إيران عقيدتها الإقليمية على ما يسمى ( المقاومة والممانعة ) ، وهي تلفيق فاضح لنهج التوسع ، أثبت الواقع كذبه بتدخل حزب الله في سوريا بأوامر من إيران ، والغزل الإيراني - الإسرائيلي بدعوى محاربة ( إسرائيل ) عن طريق تمزيق الشعب الفلسطيني بتسيير حماس والجهاد الإسلامي .. فيما بنت استراتيجيتها على أساس القوة النووية مصحوبة بمنظومة صواريخ باليستية على غرار ما تفعله كوريا الشمالية وبما تمكنت من الحصول عليه ، ليس تخصيبها لليورانيوم فحسب إنما تمكنها من تهريب الوقود النووي وغيره من مخازن الاتحاد السوفياتي بعد انهياره وتفككه !! .

الافتراق الروسي في الوقت المناسب :

من الصعب الاعتقاد بأن تقبل موسكو نداً لها مثل إيران ، التي باتت تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية كلما قوي نفوذها في العراق واتسع عسكرياً واستخبارياً نحو العديد من الدول .. فالعلاقة بين موسكو وطهران هي براغماتية ( زواج متعة ) لن تستمر طويلاً ، فهي ليست علاقات استراتيجية ، فخلال بضعة سنوات استطاع الروس تكريس وجودهم الاستراتيجي في ( طرطوس ) و ( حميميم ) .. أما إيران فكانت بيدقاً انتهت مهمته في إطار التوافق الروسي – الإسرائيلي ، وخاصة حين حاول الفرس تأسيس قواعد عسكرية ومدن ميليشاوية عسكرية طائفية ومرتكزات صناعة حربية وتخزين السلاح والصواريخ الإيرانية في الأراضي السورية ، على غرار مخزونات حزب الله من الصواريخ والأسلحة والعتاد إيراني الصنع في الجنوب اللبناني .

فهل ترتضي موسكو أن تستمر في تعاملها الخاسر مع نظام يعمل على تشريع ( ولاية الفقيه في غيبة المنتظر ) لكي تموه إيران كونها دولة ( لاهوتية ) في دستور رسمي للدولة الصفوية ، الذي يؤكد التدخل السافر في شؤون الخارج بالنص على ( أن تحقيق الاستقلال من حق جميع شعوب العالم ، ولهذا فإن الجمهورية الإسلامية تتعهد بعدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى ، ولكنها تلتزم بإسناد كافة النضالات الحقة للمستضعفين أمام مستكبري العالم في أي نقطة من نقاط المعمورة ) !! .

يحمل نص مادة التشريع في الدستور الإيراني تناقضاً صارخاً ( بين التعهد والالتزام ) ، وله بعد تدخلي وتوسعي خارجي تحت غطاء المستضعفين .. فهل إرسال الصواريخ والميليشيات لاكتساح المدن وقتل وتشريد البشر في العراق وسوريا واليمن ولبنان هو من باب إسناد المستضعفين ؟! .

نموذج هذا النظام المجرم ، هل تستمر علاقته مع الدولة الروسية التي خسرت الكثير على أرض الواقع ؟! ، وهل تستمر العلاقة الروسية مع دولة مارقة ومنبوذة إقليمياً ودولياً !؟! .

الانفصال في علاقة ( زواج المتعة ) بين موسكو وطهران بدأت مراسمه على أرض الواقع كحقيقة بلغت في وقتها .. وإيران لن ينفع معها أبداً سوى القوة والضغط المستمر وتوسيع حالات الثورة في الداخل لكي تعلن رضوخها بتأويل ولاية الفقيه بشرب السم حيث التاريخ يعيد نفسه !! .





الاربعاء ١٥ رمضــان ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / أيــار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة