شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد مرَّت الأمة العربية بتجارب التحرير استخدمت فيها الكفاح الشعبي المسلَّح كمثل تجربة الثورة الجزائرية، وفيها استفاد الشعب الجزائري من دعم وإسناد بعض الأنظمة العربية، وكذلك من دعم وإسناد الجماهير الشعبية العربية.

ومرَّت أيضاً بتجربة المقاومة الفلسطينية، وفيها استفاد الشعب الفلسطيني من الدعم ذاته. وربما أكثر، وخاصة أن عشرات الآلاف من الشباب العرب تطوعوا في صفوفها.

ومن المعروف في التاريخ أيضاً أن الثورة الكوبية، والثورة الفييتنامية، استفادتا من الدعم الدولي، أنظمة وشعوباً.

وفي التجربتين العربية والعالمية، لم يطلب العالم ممن فجروا تلك الثورات، أجراً أو ثمناً مقابلاً، بأكثر من أنه كان يساند حق الشعوب بالتحرر من الاستعمار. وهذا واجب إنساني له علاقة باحترام التشريعات الأممية، التي تؤكد على حق الشعوب بالاستقلال وتقرير المصير.

وهنا، نستنتج أن من احتُلَّت أرضه من حقه أن يطلب المساندة من المجتمع القومي أو الدولي، ومن واجب هذين المجتمعين أن يقدما المساندة من دون انتظار ثمن لقاء تنفيذ هذا الوجب.

ونذكر تماماً أن التاريخ لم يسجل أن الذين قدموا الدعم للثورة الجزائرية اشترطوا عليها نوع النظام الذي سيختاره الشعب الجزائري، أو الذي اختاره، فانتهت مهمة المساندين عند حدود إعلان انتصار الثورة الجزائرية.

وما ينطبق من توصيف على الثورة الجزائرية ينطبق أيضاً على الثورات الأخرى، مما ذكرنا.

وهنا، وبعد أن حددنا مقاييس دعم ثورات التحرر ومقاييس قبوله، نعود للنظر إلى الإشكالية التي تثيرها بعض المقالات والخطابات : متسائلين عن واقع المساندة التي تلقتها المقاومة اللبنانية أولاً من إمكانيات الدعم والمساندة الإيرانية. فهل قواعد قبول الدعم الإيراني من قبل حزب الله، وقواعد تقديم الدعم الإيراني لحزب الله، تنطبق على المقاييس العامة لشروط تقديم الدعم أو قبوله؟

الدفاع عن حسن نصر الله لا يجيز تجهيل دور العرب
إننا قبل البدء في عرض واقع الحال، جواباً عن السؤال، دعونا للقيام بتوضيح زاوية جاءت في مقال السيد سامي كليب تحمل حكماً قاسياً لأنه يجرد فيه كل العرب، أنظمة وحركات تحرر، من الفضل في مواجهة العدو الصهيوني، وقد كان الحكم نافراً ويستثير الانتباه والاستغراب، ومن الجدير الوقوف عنده، والعمل على توضيحه. وفي حكمه في الدفاع عن السيد حسن نصر الله، قال : ( هو ليس ككل قادة التنظيمات اليسارية والقومية والإسلامية والعروبية التي دمرتنا بشعاراتها ولم تدمر دبابة إسرائيلية واحدة ) .

أعتقد أولاً، أن عمر السيد كليب، وهو الفتي والشاب، لم يسمح له بمواكبة المرحلة التي مرَّ فيها الوطن العربي منذ أوائل الخمسينيات من القرن العشرين. ولكنه على الأقل كان عليه ، أن يقرأ عنها من مصادرها التاريخية الموثوقة. ولو فعل ذلك، لاستطاع أن يلتقط أكثر المشاهد بطولة والتي حصلت على ساحة الوطن العربي. وهنا لا بُدَّ من التذكير بالعناوين التالية، ولكن من دون الوقوف عند عدد من المظاهر السلبية التي رافقت تلك البطولات، ومن أهمها :

1- العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 : وإذا كانت مصر قد انتصرت في ردع العدوان، وتلقَّت الدعم العربي والدولي، نتساءل : هل الجيش المصري حقق ذلك النصر من دون أن يدمِّر دبابة واحدة، أو من دون أن يقتل جندياً واحداً، بريطانياً، أو فرنسياً، أو صهيونياً؟

2- انطلاقة المقاومة الفلسطينية في العام 1965 : وما جاء بعدها من عمليات متواصلة، وما تلقته من دعم وإسناد عربي، رسمي وشعبي. شارك في صفوفها الآلاف من المتطوعين العرب من كل الأديان والمذاهب. ذهب الكثير منهم شهداء في مقاومة العدو الصهيوني. مما يدفعنا للتساؤل : وهل وقوع آلاف الشهداء والجرحى، سقطوا من دون أن يدمروا دبابة واحدة، أو من دون أن يقتلوا جندياً صهيونياً واحداً؟ ألم يسمع السيد كليب بمعركة الكرامة التي حصلت في الأردن ضد العدو الصهيوني وشارك فيها المقاتلون الفلسطينيون جنباً إلى جنب الجيش الأردني؟ وألم يتأكد من نتائج العمليات الاستشهادية في قلب الأرض المحتلة؟

3- حرب 6 أكتوبر في العام 1973 : وبغض النظر عن توظيف نتائجها البطولية في الاتجاه الخاطئ، أحسب أنه قد سمع بأن عدداً من الجيوش العربية شاركت فيها، إلى جانب الجيشين المصري والسوري. ألم يتساءل كيف عبر الجيش المصري قناة السويس بكفاءة شهد بها العالم كله؟ وكيف استطاع الجيشين السوري والعراقي استعادة جزء من القنيطرة قبل قبول النظام السوري بوقف إطلاق النار؟ ونتساءل يضاً : وهل لم تدمر الجيوش العربية دبابة واحدة، ولم تقتل جندياً صهيونياً واحداً، ولن تسقط طائرة صهيونية واحدة؟

4- انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان منذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين : وكان مؤسسها حزب البعث العربي الاشتراكي في أواخر الستينيات من القرن العشرين، ومن أهم مظاهرها، معركة الطيبة، وكفركلا، وسقط شهداء للبعث فيهما في العام 1975. وتأسيس الحرس الوطني الذي أشرف عليه الحزب الشيوعي اللبناني في بعض القرى الحدودية. ومن المفيد هنا، وبإطلالة سريعة، أن نعرِّف بالظروف القاسية التي رافقت تلك التجربة مما لا يعرفه سوى مؤسسيها. كان من المعروف تشدد أجهزة المكتب الثاني اللبناني في ملاحقة الأحزاب الوطنية بشكل عام، والتشدد في ملاحقة أي توجه للانخراط في صفوف العمل الفدائي الفلسطيني، ناهيك بمنع الحصول على السلاح، لذلك كان الأوائل ممن بنوا تلك التجربة يحصلون على السلاح بتهريبه ونقله بالطرق الوعرية حاملينه على الأكتاف، ليصلوا به إلى المجموعات التي تطوعت للدفاع عن القرى الحدودية، ومواجهة أي اعتداء صهيوني. هذا علماً أن كل الذين شاركوا في التأسيس أو في مجموعات الحماية لم يتلقوا أية مساعدة لقاء قيامهم بالواجب. فالعامل يشارك بعد عودته من عمله، والموظف بعد أداء وظيفته نهاراً، والطالب بعد عودته من مدرسته. وظلَّ الأمر كذلك، حتى حصول الفراغ الأمني في الجنوب في بدايات العام 1976. ويكفي هنا أن نقول بأنه عندما سُئل السيد موسى الصدر عن سؤاله عن سبب فتح معسكرات لتدريب المنتسبين لحركة أمل في البقاع، فأجاب : أنا أبني تجربة شبيهة بتجربة كفركلا.

5- تجربة القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني بشكل مباشر على طول الحدود الجنوبية منذ أواسط العم 1976، وصولاً إلى حزيران من العام 1982 : وفيها قدَّم المقاتلون مئات الشهداء في قواعدهم العسكرية المتقدمة في مواجهة العدو الصهيوني، وهنا نتساءل : وهل لم تدمر القوات المشتركة دبابة صهيونية واحدة؟ أو لم تقتل جندياً صهيونياً واحداً؟ ويمكن لمن يشاء أن يعود للوثائق المنشورة في تواريخها.

6- مواجهة قوات الغزو الصهيوني في حزيران 1982 : في الشهرين الأولين من الغزو، وقبل وصول جحافله إلى بيروت، اعترف العدو الصهيوني بمقتل ثلاثماية جندياً من جنوده. وكان مقاتلو القوات المشتركة هم الذين تصدوا للعدوان من دون نصير أو مساعدة. والكثير من وقائع تلك المرحلة، يجدها الباحث عن الحقيقة في مصادر الإعلام المنشورة. ونتساءل : هل هذا أصبح واضحاً لدى السيد كليب؟ وما الذي يدفعه الى تعمد نكران وتجاهل كل هذه الحقائق والتاريخ القريب المثبتة وقائعه والذي مازال الكثير من المساهمين باحداثه احياء يرزقون .

7- تشكيل فصائل قوات المقاومة الوطنية اللبنانية بعد الاحتلال : لم تنقطع تجربة القوات المشتركة بل استأنفت العمل المقاوم تحت مسمى آخر. فقاومت العدو الصهيوني أينما دنَّست قدمه أرض لبنان. فقتلوا المئات من جنود العدو، ودمروا المئات من دباباته. ولعلَّ هذا ليس خافياً، أو سيصبح واضحاً، بالعودة إلى عشرات آلاف الوثائق المنشورة.

8- وفي أواسط العام 1985، أعلن حزب الله دخوله ميدان المقاومة العسكرية في لبنان، أي بعد عشرين سنة من انطلاقة المقاومة الفلسطينية، وخمسة عشر سنة من انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية. وحتى عند انطلاقته فقد استفاد كثيراً من خبرات من استقطبهم من التنظيمات السابقة لتأسيسه. حينذاك، فقد لوحظت ظاهرة غريبة تتمثل في ان حجم وسرعة وصول المساعدات التي تهافتت بدعوى خدمة مهمته كانت من السعة مما لم تكن قد حصلت وتحصل عليه كل تنظيمات الحركة الوطنية مجتمعة !! . وإذا أضيف وضع إمكانيات دول ثلاث، لبنان، وسورية، وإيران، في خدمة " مقاومة" حزب الله، هذا بالإضافة إلى ما هو اغرب من ذلك وهو الامر غير المسبوق في كل تاريخ حركات المقاومة الوطنية في العالم ، والمتمثل في الشروع بمنع التنظيمات اللبنانية الأخرى من المقاومة لتحرير بلدها ، لأصبح من الواضح أن وراء ذلك الدعم الكبير أهداف لا علاقة لها بالهدف السامي المعلن ، سعى إليها من قدَّم ذلك الدعم السخي وبهذه الشروط الغريبة . وهو أقله العمل على استثمار دور حزب الله لمآرب سياسية لها علاقة بمصالح الدول الداعمة واجنداتها . وعلى الرغم من أننا لن نفعلها، كما فعلها السيد سامي كليب، نعتبر أن دخول حزب الله مسار المقاومة العسكرية، ولو متأخراً جداً، كان عملاً إيجابياً بلا شك. ومع عمله السلبي لا بل المريب في إقصاء كل التنظيمات الوطنية من حقها في المقاومة لتحرير وطنها ، فلم يصدر أي لوم، بل اعتبر اليوم الذي هرب فيه جنود العدو في العام 2000 يوماً وطنياً يحتفل به الجميع.

9- كانت المقاومة الوطنية العراقية التي انطلقت في مواجهة الاحتلال الأميركي في نيسان من العام 2003، المنسية والمعتَّم على دورها الكبير، من أنصع صفحات المقاومة العالمية، والعربية والإقليمية. ولأنها تجربة مُعاشة، يعرفها كل من يتنكر لها ويتجاهلها من خلال انعدام الاشادة بها او حتى ذكرها اوتحليلها ، منشغلاً بما قام ويقوم به من الدفاع عن إيران، رغم انه لا عذر لأحد منهم اذا ما ادعى معللاً بأنها قد مرَّ عليها الزمن. ورغم ان الكلام عنها يستهلك آلاف المجلدات، يكفي أن نقول : لولا أداء هذه المقاومة لكان العالم بأسره يسير في ركاب أميركا، ويساهم في بناء ( قرن أميركي جديد ) ، ولكان قد أصبح النظام الإيراني وغيره من رعايا الإمبراطور الأميركي . ويكفي تلك المقاومة البطلة فخراً أنها أرغمت أميركا ذات الإمكانيات الهائلة، والحلفاء الكثر ، قد خرجت مهزومة من العراق. ولم يكن ذلك ليحصل من دون أن تحصد المقاومة العراقية البطلة أرواح عشرات الآلاف من جنود أميركا ، والآلاف من دباباته والياته ومعداته ؟

لن نطيل الكلام بأكثر من هذا العنوان العريض، وإنما لا بد من الإشارة إلى أن إيران قد ارتكبت أكبر حماقة في التاريخ عندما شاركت ( الشيطان الأكبر ) في احتلال العراق، وعندما رضيت أن تكون وكيلاً لذلك ( الشيطان ) باحتلال العراق. ولم تكتف بذلك وحسب، بل امعنت في ملاحقة أبطال المقاومة العراقية، واعتقالهم أو قتلهم، أو تهجيرهم. وهنا، هل يمكننا أن نقول بسخرية رداً على من يقول : ( أعطونا مثل حسن نصر الله .. فتخرج إيران ) ؟





السبت ٢٣ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب إعداد محمد الحسيني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة