شبكة ذي قار
عـاجـل










إن تعريف العدوان ، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14/كانون أول/ 1974 ، بطريقة التوافق ( consensus ) ، تمثل جزء من جهود الأمم المتحدة في تطوير قواعد القانون الدولي ، بصورة تدعم أحكام ميثاق الأمم المتحدة .. غير أن الثابت والراجح قانوناً ، هو أن القواعد المذكورة تستنبط قوتها الملزمة من أحكام الميثاق نفسه ، الذي يعتبر حجر الزاوية في العلاقات الدولية .

إن أحد أهم مقاصد الأمم المتحدة هو صيانة السلم والأمن الدوليين ، واتخاذ التدابير الجماعية الفعالة لمنع أسباب تهديد السلم وإزالتها ، وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم .

وقد أوجب ميثاق الأمم المتحدة على الدول عدم اللجوء إلى استخدام القوة في علاقاتها الدولية ، وفض منازعاتها بالوسائل السلمية على وجه لا يعرض للخطر السلم والأمن والعدل الدولي .

بيد أن ميثاق الأمم المتحدة جاء خالياً من أي تعريف للعدوان رغم إشارته له ، الأمر الذي يستوجب صياغة المبادئ الأساسية ، التي يبت بموجبها بأمر قيام حالة العدوان وتمييزها عن حالة الدفاع الشرعي وحالة تدابير القمع التي يقرها مجلس الأمن بمقتضى صلاحياته ، وخاصة الحالة التي يجوز فيها استخدام القوة ، إلا أن البت في أمر ارتكاب العمل العدواني لا يتم إلا في ضوء جميع الملابسات الخاصة بكل حالة على حده ، في ضوء تعريف العدوان ، الذي جاء بصيغة المبادئ التي يتم الاسترشاد بها من قبل مجلس الأمن .

تعريف العدوان ..

لقد أوردت المادة الأولى من تعريف العدوان مفهومه العام :

( العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف ) .. وهذا ، ينطبق تماماً على استخدام إيران للقوة المسلحة ضد سيادة العراق وسلامته الإقليمية بسلسلة من أعمال العدوان مثل ، النفير العام ، والحصار البحري والجوي ، وغلق الأجواء ، فضلاً عن قصف المدن الآهلة بالسكان وتدمير المنشآت المدنية والاقتصادية ، وزعزعت أركان الأمن الداخلي للعراق .

وقد أوضحت المادة ( الثانية ) من التعريف عناصر العمل العدواني ، بعد تحديد المفهوم العام للعدوان :

( المبادأة باستعمال القوة من قبل دولة ما خرقاً للميثاق تشكل بينه كافية مبدئياً على ارتكابها عملاً عدوانياً ، وإن كان لمجلس الأمن ، طبقاً للميثاق ، أن يخلص إلى أنه ليس هناك ما يبرر الحكم بأن عملاً عدوانياً قد ارتكب وذلك في ضوء ملابسات أخرى وثيقة الصلة بالحالة ، بما في ذلك أن تكون التصرفات محمل البحث أو نتائجها ليست ذات خطورة كافية ) .

إن حكم هذه المادة يتسم بالواقعية ، فهو يتفق مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة ، التي جعلت من مجلس الأمن الهيئة المختصة في اتخاذ القرار بشأن قيام العدوان ، فأنه يوازن بين استخدام القوة والقصد العدواني لعمل العدوان .

فالمبادأة باستخدام القوة خرقاً للميثاق ليست سوى قرينة على ارتكاب العمل العدواني يجوز فيها استناداً إلى ظروف كل قضية على حده .

فقد أوردت المادة ( الثالثة ) ، جملة من الأعمال التي تنطبق عليها صفة العمل العدواني سواء بإعلان حرب أو بدونه " وذلك دون إخلال بأحكام المادة (2) وطبقاً لها " .. والمعنى في هذا أن الأعمال الموصوفة بالعدوان ، والتي أدرجت في المادة ( الثالثة ) لا تصدق عليها تلك الصفة إلا ضمن نطاق التوازن بين العنصرين المادي ( العدوان ) والمعنوي ( القصد منه ) للعمل العدواني الواردين في المادة ( الثانية ) ، وحسبما يقرره مجلس الأمن .

إن الأعمال العدوانية التي وردت في المادة ( الثالثة ) في شكل أدرجت بسبع فقرات :

أولاً- قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً ، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة .

ثانياً- قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى .

ثالثاً- ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى .

رابعاً- قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الاسطولين التجاريين البحري والجوي لدولة أخرى .

خامساً- قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة ، على وجه يتعارض مع الشروط التي نص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها في الإقليم المذكور إلى ما بعد نهاية الاتفاق .

سادساً- سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة .

سابعاً- إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوات المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعددة في أعلاه ، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك  .

إن الأعمال المذكورة أعلاه ليست " جامعة مانعة " على حد نص المادة ( الرابعة ) من تعريف العدوان ، ولمجلس الأمن أن يحكم بأن أعمالاً أخرى تشكل عدواناً بمقتضى الميثاق .

نخلص مما تقدم .. أن الدولة الإيرانية ، التي ارتكبت أعمال العدوان على العراق تنطبق عليها بنود الفقرة ( الثالثة ) من تعريف العدوان ، فهي من بدأ الحرب ، وهي التي أصرت على استمرارها خلافاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ، فهي التي تتحمل نتائج عدوانها على العراق وما يرتبه من تجريم قانوني وتعويض عن الخسائر المادية والاعتبارية ، التي تكبدتها الجمهورية العراقية والشعب العراقي .

النتائج التي تترتب على العدوان :

1-لقد اعتبرت الفقرة (2) من المادة ( الخامسة ) الحرب العدوانية جريمة ضد السلم والأمن الدوليين ، ترتب مسؤولية دولية .

2- فيما نصت الفقرة (3) من المادة نفسها على ( أن أي مكاسب إقليمية أو مغانم خاصة ناجمة عن ارتكاب  العدوان ليس قانونياً ولا يجوز أن يعتبر كذلك .

3- أما الفقرة (1) من المادة ( الخامسة ) ، فقد نصت على أن ( ما من اعتبار أياً كانت طبيعته ، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو غير ذلك ، يصح أن يتخذ مبرراً لارتكاب عدوان ) .

هذا النص يكتسب أهمية خاصة ، فقد جاء ضمن بيان الأحكام المتعلقة بالنتائج ، التي تترتب على العدوان ومن ثم يكون مؤدى النص أن جريمة العدوان بعد ثبوتها وفق عناصر المادة ( الثانية ) من تعريف العدوان ، لا يمكن أن يقدم بصددها أي ظرف مخفف مهما كانت طبيعته ) .

عالج تعريف العدوان موضوع البحث ، حالات الاستعمال غير المشروع للقوة استناداً على أحكام ميثاق الأمم المتحدة ، الأمر الذي يستوجب النص على ما يؤكد سلامة تلك الأحكام وعدم تأثرها .. فالمادة ( السادسة ) في ذلك تشير إلى :

( ليس في هذا التعريف ما يجيز تأويله  على أنه توسيع أو تضييق بأية صورة ، لنطاق الميثاق بما في ذلك أحكامه المتعلقة بالحالات التي يكون استعمال القوة فيها قانونياً ) .

هذا النص يشير بوضوح إلى حماية مشروعية استعمال القوة استثناءً في حالتي الدفاع الشرعي والتدابير القمعية على النحو الذي شرعه ميثاق الأمم المتحدة .

فقد جاء في المادة ( السابعة ) من تعريف العدوان حكماً مهماً يخص نضال حركات التحرر الوطنية في سبيل حقها في تقرير المصير على الوجه الآتي:

( ليس في هذا التعريف عامة ، ولا في المادة (3) خاصة ، ما يمكن أن يمس على أي نحو بما هو مستقى من الميثاق ، من حق في تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة والمشار إليها في أعلاه مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ، ولا سيما الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية أو عنصرية أو لأشكال أخرى من السيطرة الأجنبية ، أو بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل ذلك الهدف ، وفي التماس الدعم وتلقيه ، وفقاً لمبادئ الميثاق وطبقاً للإعلان سابق الذكر ) .

وفي الواقع لقد قبلت قواعد التعريف صراحة أو ضمناً من لدن أعضاء الأمم المتحدة بما فيهم الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن ، ولهذا ونظراً للتأييد الواسع للتعريف  ، سيكون من الصعب على مجلس الأمن أن يهمل أحكام التعريف في أي قضية .

يتبع ...





الاحد ١٤ ذو الحجــة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أب / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة