شبكة ذي قار
عـاجـل










من الصعب أن يتقبل أي سياسي في العالم هذا المنطق في علوم السياسة ، على الرغم من كثرة المصطلحات التي تدخل في قاموس هذه العلوم ومنها على وجه التحديد ( حافة الهاوية ) و( إشعال الحرائق ) و( فراغ القوة ) و( ملء الفراغ ) و( المجال الحيوي ) و( الدفاع في خارج الحدود الجغرافية ) و( الضربة الاستباقية ) .. إلخ من المصطلحات السياسية والعسكرية والجيوبولتيكية .

لسنا في معرض الحديث عن كل هذه المصطلحات التي دخلت قاموس علوم السياسة ، إنما سينصب الحديث على ( الممكن والقدرة والنتيجة ) ، وهي أيضًا مفردات ليست دخيلة على هذا العلم ، طالما تعلق الأمر بقوة الدولة ، وليس الحكومة ، التي يتوجب أن ترى ممكناتها وقدراتها وتستطلع النتائج المتمخضة عن أفعالها ، وما إذا كان الهدف ، الذي تسعى لتنفيذه ، يساوي الثمن عند الفعل وما بعده ، أم أن الفعل يفضي إلى كارثة لا أحد ينجو منها وأولها دولة صانع القرار الإيراني .

النظام الإيراني الفاشيستي يضع العالم أمام هذا الاختيار ، إما أن أخصب اليورانيوم بدرجات عالية وبوحدات الطرد المركزية المضاعفة ، وهذا يعني أن إيران تقول للعالم ( سأمتلك سلاحاً نووياً ، وما عليكم إلا الرضوخ لهذه السياسة ) أو ( أنا في حلٍ من التزاماتي حيال الاتفاق النووي وما يترتب عليه من تداعيات أنتم تتحملون نتائجها ) !! .

والهدف من تنصل إيران عن الاتفاق والتخلي عن الالتزامات بتسريع التخصيب ، هو تخويف بعض دول أوربا ولأغراض الضغط على صانع القرار في البيت الأبيض ، وكأن دول  (1+5) ، تمثل كل أوربا وكل العالم ، وكأن هؤلاء يمثلون الأمم المتحدة ، وكأن الاتفاق النووي قد اعتمدته المنظمة الدولية وصادقت على نصوصه برلمانات الدول المعنية ، وليس اتفاقًا بين خمس دول خارج إطار الأمم المتحدة يضاف لها دولة واحدة ، وإحداها اكتشفت ثغرات في هذا الاتفاق وارتأت إجراءات لتعديلها من أجل حماية مستقبل العالم .

هناك معاهدات دولية واتفاقيات تحكم عدم الانتشار النووي تلتزم بها دول العالم ويتوجب على النظام الإيراني احترامها ، والخروج عنها يشكل اعترافًا يؤكد النيات بخط التسليح العسكري السري الممتد - بحسب الوكالات الدولية ومنها وكالة الطاقة الذرية (IAEA) - من مفاعل (آراك) الذي ينتج الماء الثقيل إلى منحدرات الوديان حيث الجبال التي تقبع تحتها منظومة قواعد الصواريخ البالستية ، وهو خط عسكري سري يتولى مسؤليته عدد قليل من قيادات الدولة الإيرانية وفي مقدمتهم قائد الحرس الإيراني الذي تم تصنيفه منظمة إرهابية بناءً على إدلة قاطعة ، هذا الاعتراف يضع الدولة الإيرانية في زاوية العزلة الاقليمية والدولية ويفضي بالتالي إلى أن تراعي الصين وموسكو مصالحهما بعيدًا عن المخاطرة في ظروف التوترات القصوى القريبة من الانفجار ، كما ينزع عنها أطروحاتها المتعلقة ببناء النهضة الإصلاحية والتقدم والتطور في الطاقة السلمية .

لا أحد يستطيع أن ينكر الوجود الإرهابي الإيراني المؤدلج في عواصم الدول الدول العربية – بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء - ، ولا أحد يستطيع أن ينكر نفوذ إيران العسكري هذا في خارج حدودها الاقليمية ، ولا أحد يستطيع أن يعطي مسوغًا أو مبررًا واحدًا لمثل هذا الوجود العسكري في هذه المنطقة ، ولا أحد يستطيع أن يقول أن مثل هذا الوجود العسكري ينسجم مع القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة .

إذًا ، الهدف من الوجود العسكري هو فرض ما يسمى سياسة الأمر الواقع ، أي ، ( إقبلوا هذا الواقع وإلا فأنا سأمضي إلى إمتلاك السلاح النووي لأبادتكم وإبادة من حولكم ) .

هذه السياسة لا وجود لها مثيل حتى في عالم الخيال أو الافتراض ، سياسة تنتهي حتمًا إلى الانتحار ، فهل تريد حكومة الملالي الإيرانية الانتحار من خلال سياسة يسمونها ( حافة الهاوية ) ؟ ، وهل تنجح هذه السياسة فيما تبقى الشكوك ثابتة في أذهان العالم من جهة ؟ ، والواقع الصارم والثابت يفصح عن وجود عسكري إيراني في الخارج غير مبرر ومسلك عسكري سري غير مبرر واستخدامات لصواريخ بالستية غير مبرره ، وبالتالي ، إن مثل هذا السلوك يضعه العالم في دائرة الإدانة السياسية والقانونية والاعتبارية ، فهل أن هذا السلوك يتماشى مع مطالب الشعوب الإيرانية التي تريد الأمن والاستقرار والعيش بسلام مع جيرانها شأنها في ذلك شأن بقية شعوب العالم ؟ ، وهل تستقيم المعادلة بين الممكنات في هذا العصر وقدرات توازنات القوة في ساحة الصراع ؟ ثم لماذا الانتحار والعالم يعرف النتائج قبل ظهورها ؟ .

يبدو ، أن التعنت الإيراني لم يأت من فراغ ، إنما ينبع من تساهل الدول الغربية وعدم جدية الإدارة الأمريكية بحيث تمادت إيران بتعنتها وتمادى وكلاؤها الحوثيون في اليمن وفصائل الحشد الشعوبي في العراق وبأوامر منها باستخدام الصواريخ البالستية والقذائف الصاروخية والطائرات المسيرة والألغام البحرية الممغنطة التي تفجر ناقلات النفط ، فضلاً عن التهديدات بإغراق حاملات الطائرات الأمريكية في مياه الخليج ، فهل هذا مأزق أمريكي كشفه سيناريو الردع ثم تحاشت أمريكا الاستدراج بتأكيد أنها لا تريد الحرب ، والحرب في أساسها لن تقع .. ولكن الحصار على سرطان المنطقة والعالم سيستمر ويتصاعد !! .

اللآفت ، أن التصعيد أفضى إلى استدراك الكونغرس صلاحية الرئيس بإعلان الحرب ، وهي صلاحيات تمتد إلى عام 1991 ، أخذ سريانها لثلاث ولايات رئاسية ( بوش الصغير وأوباما وترمب ) ، حيث أعلن الكونغرس وقف سريان هذه الصلاحيات المتعلقة بإعلان الحرب إلا بعد الرجوع إليه ، فضلاً عن الأخذ بنظر الاعتبار موافقة الخزانة على كلف الحرب التي يقدرها البنتاغون في حالة قرار الحرب .. ولكن هذه المحددات أو الكوابح لها مدخلاتها ومخرجاتها ، طالما أن الأجهزة الأمنية ومجلس الأمن القومي والمخابرات المركزية لها ثقلها في تحديد أولويات المخاطر والتحديات التي تجابه الإدارة الأمريكية وخاصة من دولة مارقة وإرهابية تصر على العبث بالأمن الاقليمي والدولي في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم أهمية وحساسية .





الجمعة ٢٥ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة