شبكة ذي قار
عـاجـل










ذات يوم خلال خدمتي في شركة النفط تم نصب وحدتين جديدتين لتوليد الطاقة الكهربائية التي تعمل على الغاز، ولاحظنا نحن المهندسين مدى نظافة الغاز كطاقة قياسا بالنفط الذي يولد الأدخنة الملوثة للبيئة والمؤثرة صحيا على العاملين في هذا المجال الحيوي، وتحدثنا حينها عن أسباب عدم استغلالها نظرا لوفرتها ورخص ثمنها ونظافتها، فالعملية اقتصادية بحتة، حيث يتم استغلال الغاز الخارج تلقائيا من الآبار والذي عادة ما يتم حرقه لتلافي تسربه خاصة وأنه غاز سام يعرض حياة الإنسان للخطر.

الأمر لم يكن يحتاج سوى لمنشأة غاز بسيطة لتحويل الغاز الخام الى غاز قابل للاستهلاك البشري، وهو متوفر تقريبا في أغلب المنشآت النفطية الحديثة.

تلك فقط مقدمة فنية لمدى أهمية الغاز في المستقبل، وعندما نقول المستقبل فهو زمن يطول أو يقصر، لكن المهم هنا وجود طاقة بديلة يمكن استغلالها مستقبلا، ولا نقول إنها قادمة بعد شهرين أو ثلاثة، لأن الأبحاث تشير إلى احتمال نضوب النفط خلال مئات السنين القادمة، وهي فرضية ربما لا تقلق كثيرين، لكن في علم الاقتصاد والمحاولات الحثيثة للسيطرة على مصادر الطاقة فستكون الحسابات مقلقة.

كتبت مقالة سابقة عن أهمية مشروع الغاز القادم لكشف بعض الملابسات حول ما يجري من مخططات في منطقتنا اليوم، وليس لإثبات نظرية نضوب النفط من عدمه، فذلك لا يفيد بشيء هنا، والمقالة لم تكن دراسة اقتصادية بحتة تمارس التفضيل بين هذه الطاقة وتلك بقدر ما هي تسليط الضوء على ما كتبه كثيرون بهذا الخصوص، ونحن نعلم بأنهم يدرسون ويصدرون الأبحاث ويضعون لها الاستراتيجيات قبل عشرات السنين من تنفيذها، وليس لنا هنا سوى فهم ما يجري بعيدا عن التنظير.

كمهندس نفط أعلم جيدا بان الغاز طاقة قادمة لأسباب ذكرتها في مقالتي ومنها ما لم أذكره من خلال خبرتي المتواضعة في مجال النفط، وإن استبعاد وجود استغلال لهذه الطاقة الجديدة عن اية مخططات سياسية ودراسات استراتيجية ستجعلها منقوصة وتفتقد للمصداقية.

ينبغي هنا أن نعلم بأن الغاز لا يسيل لعاب أمريكا حصرا، لكن اقتصاديا سوف تكون في مقدمة اللاعبين في المنطقة، ليس من أجل الغاز فحسب، بل لأنها تعتبر دولنا ساحتها الاقتصادية الرحبة، لكن بالتأكيد هناك صراع تدخل فيه أوروبا من جانب وروسيا من جانب آخر، مركزه الغاز القادم من روسيا، أكبر مورد للغاز في العالم اليوم، ومعها تركيا التي تعتبر المعبر الرئيس لأنابيب الغاز تلك، وعندما نتكلم عن أوروبا بلاد الطقس البارد أو المنجمد واعتمادها الكلي على الغاز فسنعلم مدى أهمية المشروع القادم، الذي سيدفع روسيا للتفكير جديا بعدم ترك أي دور قادم في المنطقة التي ستكون بمثابة البديل الغازي القادم، والذي حتما سيضعف الطلب على الغاز الروسي، وكما قلنا هذا الموضوع بعيد عن النفط وحاجة العالم إليه.

لا أتكلم هنا عن الالغاز، بل واقع حال ربما كتب عنه كثيرون ولم يستبعدوا هذه الفكرة لأن أي مصدر للطاقة اليوم سيكون مهما جدا في خضم الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري، خاصة وإن كل الحروب حول العالم أساسها الاقتصاد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ترك المجال للصدف، وسيتم استغلال كل ما يمكن أن يشكل الطاقة البديلة عن النفط الذي هو اليوم أهم مصدر للطاقة في العالم، ولا بأس بالتفكير بمستوى من يخططون وينفذون بكل فعالية في بلادنا.

علينا ان ندرك بأن الأفكار مهما كانت غريبة أو صغيرة أو بعيدة عن المنطق فلابد أن يكون لها أساس وأصل، وإنها يمكن أن تكون نواة لمخططات كبرى قرأنا عنها وعايشناها في بلادنا، وما نكتب عنه لن يكون سوى توضيح لما كتبه ويكتبه آخرون، وهو مجرد مخطط من بين الكثير، لا يلغي أحدهما الآخر بالتأكيد.





الاحد ٨ محرم ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أيلول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة