شبكة ذي قار
عـاجـل










عرفت الشائعات فى الوسط البشري منذ أول التاريخ ولم تفتا تتطور وتتبلور حسب العصر الذي روجت فيه ، إلى أن وصلت إلى ذروتها مع إحتدام الصراع فى الحربين العالميتين ( الاولى والثانية ) فاصبحت الشائعات علماً قائماً بذاته يتم تدريسه فى الكليات الجامعية والامنية على حد سواء ، وكان الفضل لعلماء النفس والاجتماع والاعلام فى وضع الاطر العلمية المُشَكَلَة لِهذا العلم .

ومما لاشك فيه إننا اليوم فى زمن السرعة والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي نتعرض يومياً لكم هائل مِنْ المعلومات والاخبار ، التي أغلبنا لا يتفقد صحة مصدرها ولا يكلف نفسه عناء ذلك ، فيمكن القول إننا فى خضم بحر لجي يصعب الخروج منه ، خاصة أن المسلمين والعرب هم اللاعب الاضعف فى الميدان ، بل إن كثيراً مِنْ أساليب الحرب النفسية تستخدم عليهم حصراً مِنْ قبل القوى العظمى ، وبخصوص الشائعات فهي تتشكل مِنْ خمسة عناصر مترابطة وهي :

١ – المصدر : الذي يكون منشئ الشائعة والمستفيد مِنْ ترويجها لعدة أسباب سنتطرق إليها فيما بعد .
٢ – ألرسالة أو الشائعة : وهي مضمون الشائعة ونوعها .
٣ – ألقناة ألتي تنشر مِنْ خلالها الشائعة : وهي الطريقة التي ستروج بها الشائعة (المشافهة ) ، وسائل الاعلام ، مواقع التواصل الاجتماعي .
٤ – الطرف المستهدف : وهو الذي صممت الشائعة لاجله ، إما لتحطيم معنوياته ، او التسبب فى احداث ضرر نفسي حاد عليه ، أو بغية أهداف أخرى يعلمه المصدر .
٥ – الارتداد : وهو الاثر الناجم بعد تداول الشائعة ومدى تفاعل الطرف المستهدف معها . لذلك تعتبر الشائعات مِنْ أخطر الاسلحة المدمرة للمجتمعات والاشخاص على حد سواء ، فكم أقلقت الشائعة مِنْ أبرياء وكم حطمت مِنْ عظماء ، وكم تسببت الشائعات فى جرائم ، وكم فككت مِنْ علاقات وصداقات إستمرت طويلاً ، وكم هزمت الشائعات مِنْ جيوش ، وكم أخرت فى سير أقوام نحو التقدم والازدهار .

ومِنْ هنا تتضح أهمية دراسة الشائعات والتحذير مِنْ خطورتها على الافراد والمجتمعات ، وقد تزايدت هذه الاهمية لِدراسة الشائعات فى عصرنا الحالي ، حيث النمو المستمر والهائل للمعلومات، وخاصة على شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) والتي تعتبر مِنْ أقوى الوسائل فى ترويج الشائعات ، فالناس فى العصر الحالي يستغلون التقدم التكنولوجي الهائل والرهيب الذي حظيت به هذه الشبكة فى الاساءة للغير سواء عَنْ حق أو باطل ، حتى غدى ( الانترنت ) منبراً لترويج الشائعات الباطلة داخل المجتمع ، وهذا بدوره أدى إلى إنتشار الشائعات بشكل أسرع مما كانت عليه مِنْ قبل ، كذلك ساهمت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة متمثلة فى استخدام الهواتف المحمولة فى نشر الشائعات بسرعة فائقة ومذهلة .

كذلك لا يمكننا أن نغفل دور الشائعات عبر وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، فالصحافة تلعب دوراً مهماً فى انتشار الشائعات ، وخاصة فيما يعرف بالصحافة الصفراء ، فهي مِنْ خلال المعالجات المختلفة للاخبار ومِنْ خلال حرصها على السبق الصحفي ، قد تميل احياناً لنشر إخبار غير صحيحة لِأهداف معينة ، لكن تخدم فئة بعينها داخل المجتمع ، وتشترك مع الصحافة والمجلات والكتب والتقارير بِأنواعها والتي تخضع لنفس الظروف وتتوقف سرعة انتشار الشائعة وتداولها داخل المجتمع على توافر عوامل عديدة ، وعلى ضوء الدراسات والبحوث التي تناولت عوامل انتشار الشائعة ، نستطيع أن نقول بِأن الاشاعة نوع مِنْ الامراض الاجتماعية التي تجد لها تربة خصبة فى أوساط وفئات إجتماعية مختلفة لها إهتمامات بالموضوع الذي تحمله الاشاعة ، والذي يكون على الاغلب على شكل خبر مجهول المصدر مِنْ أوله ، واحياناً يتم كشف مصدره فى وقت لاحق ، لكن بعد أن تكون الاشاعة قد انتشرت فى الفئات المستهدفة .

أخطر أنواع أخبار الاشاعات هي التي تستهدف جمهور الرأي العام بعامته ونخبته ، وهذه هي أقوى أنواع الاشاعات التي صياغتها وفبركتها بشكل محكم ، ليكون تاثيرها كبيراً وموضع إهتمام كافة المواطنين .

يقوم على اعداد وتاليف الاشاعة وحبكها عادة شخص أو مجموعة أشخاص داخل البلد ويطلق عليهم أحياناً جماعات ( الطابور الخامس ) أو جهات معادية مِنْ دول أو منظمات خارجية وأجهزتها الاعلامية والعسكرية والاستخباراتية ، بهدف تحقيق مصالح لتلك الجهات على حساب مصالح الافراد والمجتمعات والدول المختلفة فى العالم .

تعمل الاشاعة على التاثير فى الروح المعنوية للمجتمع والمواطن وعلى نفسيته ومشاعره ، ويعتبرها علماء الاجتماع والسياسة والنفس والدراسات الاستراتيجية والعسكرية مِنْ افتك أنواع الحروب النفسية للنيل مِنْ معنويات الشعوب وقوى الدعم اللوجستي للجيوش خاصة أثناء الحروب والصراعات الداخلية والاهلية .

أما عملية صياغة وفبركة الاشاعة فإنها تقوم فى أغلب الاحيان على إقتطاع جزء مِنْ معلومة حقيقية ويتم البناء عليها وتمزج بمعلومات ملفقة وكاذبة تضيع فيها الحقيقة وتخلق حالة ذهنية مِنْ عدم اليقين تنعكس بفقدان الثقة وتكذيب الحقائق المعلنة مِنْ قبل القيادات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية والعسكرية والتشكيك فى مصداقيتها ونزاهتها مِنْ قبل فئات المواطنين العامة أو المستهدفة ، وذلك لزعزعة الثقة المتبادلة بين القيادات ومكونات المجتمع فى الدولة ، والوصول الى حالة مِنْ الفوضى وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي بما يخدم أعداد الدولة والشعب ، ويفسد سلامة المجتمع بمرض الاشاعات . وحالياً وفى ظل تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الهائل فى العالم ، والتي اصبحت فى متناول أكثر مِنْ ٨٠% مِنْ أفراد المجتمع كما تشير الدراسات الاحصائية ، فإن خطورة وسرعة إنتشار الاشاعة تزايدت بشكل كبير واصبحت مِنْ الاسلحة المستخدمة فى حروب باردة تهدف إلى الفتك ببنيان المجتمع فى المجالات السياسية والاقتصادية والاخلاقية والامن والاستقرار الداخلي فى الدول ، فى هذا الإطار أيضاً تجدر الاشارة إلى أن قواعد القانون الدولي الانساني فى مضامينها التي تعني بأحترام حقوق إنسانية الانسان والرأفة به أثناء الحروب والصراعات المسلحة ، وإن الاشاعة التي تتلاعب بنفسية الانسان وتؤذيه هى نوع مِنْ أنواع الاعتداء على حقوقه الاساسية ، التي قررت المواثيق الدولية إحترامها وعدم الاساءة إليها بِأي شكل وتحت أية ظروف أو ذريعة .

وفي ختام حديثنا نأتي إلى موقف الحزب مِنْ الشائعات بعد أن إستعرضنا خطورة تداول الشائعات بالوسائل الحديثة فى عصرنا الحاضر وكذلك عوامل إنتشارها داخل المجتمع ، نأتي الى موقف الحزب منها ، ولابد مِنْ التاكيد أولاً على إنه منذ فجر التاريخ البشري وإلى أنَّ يرث الله الارض وَمَنْ عليها ، والاشرار حريصون كل الحرص على نشر الشائعات الكاذبة لايذاء الاخيار ولِإلحاق الضرر بهم وللتهوين مِنْ شأنهم .

ولعل أكثر الناس تعرضاً للشائعات الكاذبة والاراجيف الباطلة هم القادة الكرام الذين جاءوا لِإخراج الناس مِنمْ حياة البؤس إلى حياة سعيدة ، لذلك دائماً قادة الحزب والثورة معرضة أكثر مِنْ غيرهم لتلك الهجمة الشرسة مِنْ الاشاعات الكاذبة ، لذلك مِنْ واجب القيادة بِإستمرار تحصين القاعدة التنظيمية لحمايتها مِنْ درء الخطر الذي يواجهونه فى حياتهم اليومية وخاصة فى هذا الظرف العصيب الذي يمر به الحزب وتكالب عليه الاعداء فى جميع الجهات ، فيجب أن ينبه القاعدة التنظيمية أن يكونوا واعين ومنتبهين على خطة الاعداء ، لانه لوحظ فى الاونة الاخيرة أُطلق الاعداء أنواع واشكال مِنْ الشائعات الكاذبة ضد قادتنا وضد الحزب وضد الرفاق في الحزب وبأشكال مختلفة وينشرونها داخل صفوف التنظيم عن طريق بعض العناصر الضعيفة أو المشبوهة وقد تكون طابور خامس موجودا داخل صفوف الحزب ، لذلك الحذر واجب والرد على تلك الاشاعات ضرورية حتى يقبر فى حينها حتى لا تنتشر أكثر وتؤثر على نفسية الفرد .
 





الاحد ١٥ محرم ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيلول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ. د. أبو لهيب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة