شبكة ذي قار
عـاجـل










مع تطور الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، بدأ بضرورة تنمية مبدأ الالتزام بين أفراده من أجل إيجاد حل للقضايا العامة المتراكمة، وبخاصةٍ أصبح يتأثر في قرارات السلطة السياسية، ويعي خطورة تفاقم هذه المشاكل من جراء عدم اهتمامهم بالسياسة أو الشؤون العامة، وبعدها جاء دور الأحزاب السياسية لخدمة المجتمع ومعها تطور مفهوم الالتزام، ليدخل صلب الحياة السياسية.

لذلك إِنَّ الالتزام التنظيمي الذي يتمتع به المنظمون السياسيون يزيد مِنْ ولائهم تجاه منظماتهم وصولاً إلى تعزيز إدائهم السياسي ، ليثبت جدارته ، وإِنَّ علاقة وتاثير الالتزام التنظيمي متمثلاً بابعاده ( العاطفي والمعياري والتزام المستمر ) فى أداء المنظمين فى المنظمة السياسية.

لذلك يجب على المسؤول الاعلى إختيار أفضل نوع مِنْ الالتزام السائد فى المنظمة السياسية وهو إِلالتزام المعياري ، لِأنَّ له علاقة إيجابية بين الالتزام التنظيمي ببعده العاطفي والمستمر ، مجتمعةً و منفردةً وبين أداء المنظمين.

لذلك إِنَّ إلتزام المستمر كان مِنْ بين أكثر الابعاد تاثيراً فى أداء المنظمين ، وبناءً على ادخال فكرة إِلتزام المنظمين كشيء حديث يعتمد عليه بما يحقق أهداف المنظمة والمنظمين فيها على حد سواء ، ولتحقيق هذا يجب تكثيف عقد الدورات والندوات التثقيفية لتدعيم الالتزام التنظيمي وصولاً لتعزيز الاداء ، وتوجيه المنظمة إلى خلق الالتزام العاطفي بمستويات عالية نسبياً لدى منظميها لَمَا لَهُ مِنْ دور كبير في تعزيز الاداء السياسي ، والمحافظة على المنظمين الكفوئين فى المنظمة الحزبية مِنْ خلال رفع مستوى الالتزام المستمر لديهم.

لذلك نوضح هنا إلى فهم العلاقة بين المنظمين والمنظمات التي يعملون فيها وعلى وجه الخصوص شهدت السنوات الاخيرة موجة مِنْ الاهتمام بمدى الصلة بين كثير مِنْ اتجاهات المنظمين المرتبطة بالتنظيم ومِنْ ضمن ابرز المتغيرات تسلط الاضواء على موضوع سلوك المنظمين ، ويعرف هذا بِالالتزام التنظيمي ، والذي يعد مِنْ المفاهيم التنظيمية الحديثة فى أدبيات إِدارة التنظيم السياسي بشكل عام نظراً لِأَهميته المنظمات الحزبية وتحديداً في فهم سلوكيات المنظمين فى محيط العمل السياسي وتفسيره لِأَنَّ مايميز المنظمات الحديثة هو مدى توفر الموارد البشرية مِنْ المنظمين ذات الالتزام العالي ، ومما لاشك فيه أن أرى تقدم في أي منظمة لايمكن تنفيذه بعيداً عَنْ العنصر البشري الذي أَضحى مِنْ أهم موجودات المنظمة واساس بنيتها ، لذلك أن الموارد البشرية مِنْ المنظمين هي المفاتيح الاساسية في تقدم المنظمات.

مِمَّا لاشك فيه إن نجاح تطور أي منظمة مِنْ المنظمات الحزبية يتطلب الاهتمام بِالمورد البشري مِنْ المنظمين بِأعتباره مِنْ أهم موارد المنظمات الحزبية وهو بنفس الوقت يمثل ميزه تنافسية للمنظمة لما يمتلكه مِنْ خبرة ومعرفة ومهارة سياسية وثقافية قد لاتتوفر في منظمات أُخْرى ، حيث تسعى غالبية المنظمات إلى التنافس والتميز والبقاء مِنْ خلال تعزيز الالتزام التنظيمي لمنظميها ، لقد لعب التنظيم أدواراً مهمة فى تامين الجبهة الداخلية ، والدور الاهم لهذا التنظيم يمكن فى تجسيد إهتمام الثورة بِقطاع الشباب وإفساح اكبر مساحة ممكنة أمامهم واعدادهم وفقاً لِمنهج علمي وسياسي لتولي المواقع المهمة القيادية في المستقبل.

ولاشك أن نظرة عامة على هياكل التنظيم في المستويات المختلفة يمكن أن توضح حجم المساهمة التي قدمها التنظيم في تلبية إحتياجات العمل السياسي والمراكز القيادية حيث مازال النظام السياسي يستعين بِأعضاء التنظيم الذين أثبتوا وجودهم على الصعيد السياسي والثقافي وادارة التنظيم والالتزام التام بقرارات القيادة.

وهنا يبرز الدور المهم للتنظيم بِإعتباره جزءً لايتجزء مِنْ حركة الثورة البعيدة المدى ، فَإنَّ أول مايلفت النظر في مجال الالتزام هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه ، ولعل الفلسفة السرية هنا تختلف إختلافاً جذرياً عَنْ مفهوم السرية لدى التنظيمات التي تعمل تحت الارض لمعارضة نهج الدولة ، وإنَّ هذه الفلسفة السرية لدى تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي ، فقد تم استهداف حماية الحزب والتنظيم والعضو المنتمي إليه حتى مِنْ نفسهِ ، لان سرية التنظيم يمكن أن توفر لهم حرية كاملة فى الحركة في البناء السياسي والتنظيمي وتطبيق المنهج بصورة متدرجة وهادئة ، ليتحول بعد ذلك إلى حزب سياسي فعال في صفوف المجتمع على المدى الطويل ، الامر الذي يستوجب تفادي ضغوط العلنية التي قد تعيق خطواته في هذا الاتجاه ، خاصةً في مايتعلق بِأعتماد أساليب الموضوعية في إنتماء الكوادر الصالحة وتربيتها سياسياً وثقافياً لِإِدارة التنظيم.

هنا اريد أن أوضح شيئاً مهماً بِشأن التنظيم السياسي وآليات العمل السياسي الداخلي ، لابد أن اشير إلى أن وقوع نكسة عام ٢٠٠٣ م قد دفعت القيادة إلى ضرورة إعادة النظر في تنظيماته السياسية ، حيث شعر وقتها بِأهمية إجراء تغيرات جذرية في أساليب وأدوات العمل السياسي الداخلي ، وبينما كان يصرح لنا مِنْ وقت إلى آخر بِأنَّ تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب الثورة الذي سوف نعتمد عليه عندما يحين الوقت المناسب لتطبيق التعددية الحزبية السياسية.

على مدى تاريخ تطور الفكر السياسي، حاول الكثيرين تحديد مفهوم الالتزام السياسي، وعلى الرغم من الصعوبات، منهم من عرّف الالتزام السياسي بالانتماء الإرادي إلى مؤسسات معيّنة يؤيدها الفرد، ومنهم من أوضح مفهوم الالتزام بأنه موقف اللاحياد تجاه تنازع بين الواجبات.ولكن، ما هو الالتزام السياسي؟

في إطار الفلسفة السياسية، توجد عدة مفاهيم وتفسيرات للالتزام السياسي، وتنطوي هذه التفسيرات على عدد من المفاهيم الأساسية كمفهوم المواطن، العقيدة والعمل السياسي.فأتى تعريفه على الشكل التالي : "إن الالتزام السياسي يكون عند المواطن الفاعل الذي ينضوي تحت عقيدة سياسية ولا يمكن فصل الالتزام السياسي عن العمل السياسي، وهذا الملتزم عليه أن يكون مستعدًا لمجابهة الموت ليصبح التزامه التزامًا فعليًا".

نرى أن عنصر العمل يطغى على التحديدات جميعها، على أن الالتزام السياسي من دون عمل سياسي هو كالأقوال من دون أفعال فالالتزام السياسي هو العمل على إحداث تغيير في الحياة المدنية لمجتمعاتنا، وتطوير مزيج من المعرفة والمهارات والقيم والدافع لإحداث هذا الاختلاف.وهذا يعني تعزيز نوعية الحياة في المجتمع، من خلال كل من المسارات السياسية وغير السياسية إذًا، كيف تتجلى مظاهر الالتزام؟

إن الالتزام هو أولًا وقبل كل شيء دليل على مشاركة المواطن في إرساء قواعد لمجتمعٍ أفضل، كي لا يبقى المارد سجين القمقم، ولا تبقى الرؤوس شامخة بلا عنفوان، وبالطبع بهدف عيش الرجاء.

إذًا، الالتزام هو وليد عدة عوامل اجتماعية، اقتصادية وسياسية، أثرت عليه لتدفع الأفراد على الالتزام في مجتمعاتهم.وبما أن الالتزام هو وليد عوامل محددة، إلا أنه أيضًا يظهر عند أفراد معيّنين وليس جميعهم.مفاده أن هؤلاء الأفراد أصبحوا ملتزمين بسبب قوة هذه العوامل المؤثرة وفعاليتها، التي طبعت في تفكيرهم أسس الالتزام السياسي وقيمه.

نصل إلى هنا لطرح الإشكالية الرئيسة الآتية : ما هو الالتزام السياسي؟ وما هو الجديد فيه؟ وإلى أين تصل أهمية الالتزام السياسي خاصة داخل الأحزاب، وانعكاساته على الصعيد الوطني؟ وما هي طبيعة مسارالالتزام السياسي؟ أي ما المبررات التي تدفع المواطن للالتزام السياسي داخل الأحزاب؟ وفي حال الالتزام ما هي معللات استمراريته في ذلك؟ وهل الملتزم هو مواطن عادي أم مجرد منتسب أم من المناضلين؟

وتفترض كل مرحلة من مراحل النشاط الحزبي السياسي أنماطها الملائمة لتعزيز وتيرة الالتزام الحزبي وتفعيلها أو تخفيفها والحد منها.لذلك عرفت الأحزاب السياسية مظاهر متعددة من دوافع الالتزام الحزبي ومبرراته على مدار تاريخها الطويل، لأنه كما ذكرنا، إن الأحزاب السياسية قادرة على اختصار معاناة الشعب والوطن.

إن ظاهرة الالتزام الحزبي أثارت العديد من التساؤلات حول طبيعة الالتزام الحزبي وواقعه ومساره العام، وأيضًا تطرح تساؤلًا أساسيًا حول الدوافع المحركة لاستمرار الالتزام في الحزب السياسي.فلماذا يستمر عضو الحزب في التزامه الحزبي؟ وما هي مبرراته؟ وبالتالي ما هي المغريات التي تشده للبقاء؟ وما هي التصورات التي يختزنها كدفعٍ لهذه الاستمرارية، وعواملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والنفسية، أم تبدو نوعًا من العادة والروتين المعهودَين؟ وهل يواجه الحزب نوعًا من النزيف التنظيمي كحركة نزوح من صفوفه؟ فكيف يمكن ملاحظة هذه الحالات والأشكال كظاهرةٍ من ظواهر الالتزام الحزبي؟

ويبدو أن هذا الجانب على قدر كبير من الأهمية في البناء التنظيمي للحزب السياسي.إن تراجع الالتزام الحزبي يترك آثاره السلبية على مسار الديمقراطية في البلد، وعلى طبيعة المشاركة في الشأن العام، لأن رفض الالتزام يكرس سياسة معيّنة وفي أغلب الأحيان تكون دكتاتورية كما قد يعزز موقع الانتماءات الأولية وأشكالها التقليدية.

إذا كان الالتزام ضرورة يفرضها الواقع، وإذا كان الحزب ضرورة تؤكدها التجربة، فما هي الآليات التي تدفع الالتزام من الواقع النظري والقول اللامسؤول إلى الواقع العملي الفعلي المسؤول؟ لنفكر في طبيعة الالتزام الذي يتجاوز العقل والعاطفة إلى الإرادة.

لقد شبه الصينيون القدامى إرادة الإنسان بعربةٍ يجرها حصانان يمثّلان العقل والعاطفة، وينبغي أن يسير الحصانان في الاتجاه عينه حتى تسير العربة.فالالتزام هو حصيلة إقناع عقلك وعواطفك بالتحرك إلى الأمام، ثم المضي قدمًا مهما كان الثمن.وعلى القادة أن يكونوا قدوة في هذه المزية.

نشير هنا إلى رغبة الحزب في التركيز على الفكر وتنشئة الحزبيين من خلال عملية تثقيف، هدفها خلق التناسق الفكري فيما بينهم لتثبيت الالتزام، و تنتهي بفعل إلايمان الحزبي بعقيدة تنظيمه بشكلٍ يصبح من المستحيل عليه الرجوع عن هذا الإيمان لئلا يُتّهم بالخيانة أو الردة.

هذا ما يجعل الحزب وعقيدته أشبه بالدين.لدى تصنيف الأحزاب.التثقيف السياسي، من أهم وظائف الحزب المعاصر.التنظيم وتقسيم العمل من جهة، والعقيدة – البرنامج من جهة أخرى يخلقان الكثير من التماسك والقدرة والإرادة، ويعبّران بشكلٍ واضح عن هدف المنظمة بالاستيلاء على السلطة.

إضافة لهذه العوامل هناك عوامل، حسب الظرف الزمني للحزب، تدفع آليات الالتزام الحزبي لحمل البندقية والمشاركة، والالتزام بالمقاومة على الصعيد الوطني ( في حالات الاحتلال نرى هذا الطموح ) ، إن قوة المشاركة في القرارات التي يؤمّنها الحزب، تضمن مستوى التنظيم والالتزام والتضحية المطلوبة في الظروف الصعبة مثلًا في حالة الحرب.

ما هي أهمية الدوافع الداعمة لاستمرارية الالتزام الحزبي؟ لماذا هناك حالة تراجع في الالتزام الحزبي؟ تتعدد أسباب التراجع في عملية الالتزام الحزبي، والسؤال الأساسي هنا : ما هو مدى قدرة الحزب على تجسيد تطلعات الملتزمين؟

هناك حالة يكون فيها الحزب يعاني من حالة نزيف في داخله يخسر فيها الكثير من الملتزمين.يعود سبب النزيف إلى ترهّل البنية الحزبية وعجزها عن الإحاطة بالمحازبين، وإضافة إلى ذلك، إن عدم السماح بالنقاش الداخلي يعكس غياب التفاعل الداخلي في الحزب.وتتجلى مظاهر التراجع في الالتزام إلى انخفاض عدد المحازبين والنشاطات الحزبية.ولكن هناك عوامل أخرى متنوعة تحيط بالالتزام السياسي وتؤثّر عليه إن العوامل النفسية تؤثّر فعليًا على الالتزام، كالإحساس بالإحباط وبأن لا جدوى من النضال، وعدم فهم طبيعة وضعهم، وحقيقة دورهم، وعدم إدراكهم لكامل القوى أو المشاكل التي يواجهونها.فكل فرد يسعى للالتزام داخل حزب يحقق له أهدافه، ولكن إن عدم وجود هدف واضح وطريقة عمل واضحة من أجل الوصول إليه سيخلق حالة اجتماعية محبطة وضعف في القناعة، وخاصة عند فشل محاولات الوصول.

ونقول فى الختام إن الالتزام السياسي مهم جدًا ومن الأفضل على الأفراد جميعها الانخراط في الحياة السياسية على عدمه، لأنه تقع عليهم مسؤولية نقل قيم الالتزام من جيل إلى آخر.فالالتزام السياسي ليس مجرد مشاركة في العملية الانتخابية، إنها أكثر من ذلك بكثيرٍ، وتنطوي على تأدية دور نشيط في ما يحدث من حولنا.كما إن المشاركة السياسية أو منح الأفراد الأدوات اللازمة ليكون لهم صوت مدني وسياسي، تعني أن يصبحوا وكلاء تغيير في المجتمع، ونؤكد هنا أن مجتمع القبيلة لا يبني وطنًا.

إن الالتزام السياسي له قوة، بخاصةٍ داخل الأحزاب السياسية، وقدرة تغييرية مجتمعية.والمناضلون هم الأكثر التزامًا.كما لا توجد أوقات جيدة للانخراط في السياسة.في الواقع، كل مواطن حر في الانخراط.قد يكون الدخول إلى حزب سياسي أو الذهاب للتصويت، وأفضل وقت للمشاركة هو بالتأكيد عندما تكون شابًا، لأن الشباب عادة ما ينشّطون السياسة، ويجرؤون على تقديم أفكار مبتكرة، تجعلها تتلائم مع عالم القرن الحادي والعشرين نستنتج أنه من دون وجود لعنصر الشباب في المجتمع لن نرى أي التزامات، لأنه عنصر مهم، كونه ميدان خصب لنشوء الالتزامات وتفاعلها وخاصة الالتزامات الحزبية، أيضًا من دونه لن نرى أي التزامات، وبالتالي لن يتقدم المجتمع إلى الأمام ونحو الأفضل، لأن الرجوع إلى الوراء في عالم يتقدم، معناه : الخروج من التاريخ، وهذا ما سيدفعنا إلى السؤال التالي : ماذا لو فقد الشباب الأمل بالتغيير أو رفضوا الالتزام من جديد؟، من سيحرك المجتمع نحو الأفضل؟ أو بالأحرى هل سيصمد المجتمع في هذه الحالة ؟ في ظل ما قد تؤول إليه البلاد من فاجعات على الأصعدة كافة، والتي قد تكون نتيجة حتمية للمذهبية المحمومة التي قد تُطيح الشأن العام، وتشوّه الممارسة السياسية في سلوك صعب يوتّره العامل المذهبي في الداخل، والذي قد يجنح من الداخل إلى الخارج، إذ يأتي الالتزام والإلزام للوطن في الداخل إن صح التعبير تفاديًا للصراع الطائفي الذي يحتّم الاستنجاد بالأجنبي والولاء له.





السبت ٩ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أَ.د.أَبولهيب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة