شبكة ذي قار
عـاجـل










اولاً - تعاملت إدارة الرئيس "باراك أوباما" مع العرب والمسلمين على وفق رؤية استراتيجية تسمى ( التفكيك والتهشيم والتغيير ).والبعد الاستراتيجي في هذه الرؤية هو بُعْدٌ صهيوني.وخلفية المشهد جاءت إثر التدخل السوفياتي في افغانستان، وليس من الضروري الدخول في التفاصيل.انتهى الانسحاب بسقوط الاتحاد السوفياتي ونجاح أداة ما يسمونها بـ ( الإسلام السياسي ) ، والظروف التي تهيأت لطرد شاه ايران وتنصيب خميني لهدفين : تدمير العرب و نخر الاسلام.وبصمة ولاية "جيمي كارتر" الأستراتيجية كانت حاضرة.

ثانياً - دعمت إدارة "أوباما" بقوة خط الأخوان المسلمين - وهو تنظيم لا يؤمن بالوطنية ولا بالقومية، إنما بالأممية الأسلاموية، وهذا الخط يقترب كثيراً من الماسونية، شأنه في ذلك شأن ملالي مؤتمر ( قم ) ومقرراته على غرار مقررات حكماء صهيون - في كل الوطن العربي والدول الاسلامية وأية تجمعات مسلمة .. والدعم الامريكي مالياً ولوجستياً واستخبارياً.

ثالثاً - إسقاط الانظمة العربية باسلوب اسموه ( الربيع العربي ).اسقطوا تونس وتركوه فوضى .. واسقطوا رئيس النظام المصري صديقهم ودفعوا بالأخوان المسلمين الى رأس السلطة، ودفعوا لمجيئ "محمد مرسي" خمسون مليون دولار لدعم انتخابه وتكريس زعامته .. واسقطوا نظام ليبيا وتركوا ليبيا دولة فاشلة، وقبلها اسقطوا النظام الوطني في العراق وتركوه نهباً للمليشيات وللنفوذ الايراني الصفوي .. وانسحب الربيع العربي على اليمن واسقطوا نظامه الوطني وتركوه مشاعاً لعصابات ايران الحوثية .. وهكذا في سوريا وفي لبنان وتغول حزب الله الارهابي .. فيما ترك الربيع العربي دول الخليج العربي على نار هادئه لكي يتم الخرق من نوع اخر اسمه التطبيع الصهيوني بالجرافة الامريكية .. كل هذا يجري من اجل دعم وإسناد تيار وتنظيمات الأخوان المسلمين وفق الأستراتيجية الأمريكية المعدة خلال ولآية الرئيس "باراك أوباما".

رابعاً - اسقط الشعب المصري العظيم حكومة "محمد مرسي" الأخوانية ، فهو الشعب العربي اليقظ الذي دحر الخط الأقوى للأخوان المسلمين في مصر .. وكان رد الفعل الاخواني ولا يزال هو القتل والحرق والنسف والأغتيالات في مصر وخاصة في سيناء، فيما تسربت فلولهم الى قطر - الدوحة وبعض بقاياهم الى تركيا حيث الرعاية الأردوغانية جاهزة في مركز الإستقطاب.
خامساً - ادرك الأمريكيون ان تيار الأخوان المسلمين لا يستطيع خدمة اهداف الأستراتيجية الأمريكية في مرحلة نهاية ولاية "باراك أوباما" الثانية .. وكان القرار التحفظ في مسألة الأعتماد على هذا الخط او التيار كلياً.

سادساً - جاءت ولآية "دونالد ترامب" بوجه أخر مغاير، ليس كلياً مع الأخوان المسلمين، بعد ان ادركت امريكا ان ستراتيجية التفكيك والتهشيم قد حققت شوطاً كبيراً لحساب الأمن الإسرائيلي، كان لا بد من العودة الى اسلوب ( ضبط محركات الصراع وعدم تفاقم الاوضاع في اطار معروف هو الفوضى الخلاقة ).

سابعاً - النظام الأيراني واجهة من واجهات الأخوان المسلمين ، قدم خدماته الكبرى للأدارة الأمريكية قبل احتلال العراق وبعد احتلاله .. ولكن مشروع النظام الايراني اصطدم بالمصالح الامريكية، رغم انه أداة فعالة في ستراتيجية التفكيك والتهشيم والتغيير التي عملت في بنية العرب وبنية الاسلام، وتجاوز الحدود المسموح له فيها وبات يهدد المصالح الامريكية والغربية والعالمية، الأمر الذي استوجب امريكياً كبح جماح النظام الايراني والعمل على تقليم اظافره الجارحة وتشذيب سلوكه المتوحش على محيطه القريب والبعيد وتعريض أمن واستقرار المنطقة والعالم الى الخطر.

ثامناً - بعد خطوات التفكيك والتهشيم، يتم الآن تسريب الوثيقة ( PSD - 11 ) التي صدرت عام ٢٠١٠.حيث تكشف الأستراتيجية الأمريكية عن المدى المتوسط لطبيعة التعامل مع القوى الأقليمية من جهة، وكيفية تأسيس نظام للأمن الأقليمي في المنطقة يقتصر على قوتين اقليميتين تتحكمان في منطقة الشرق الاوسط، وخاصة المنطقة العربية، هما الدولة التركية والدولة الأيرانية .. وقد رسمت ادارة "أوباما"، لهاتين الدولتين ان تلعبا دوراً إستقطابياً في ميزان تعادل القوى في المنطقة .. وقد تم ذلك بعد تقسيم المسلمين الى اسلام معتدل واسلام متطرف .. واسلام مسالم واسلام سياسي .. و ( اسلام سني ) و ( اسلام شيعي ) .. وعلى وفق هذا التقسيم رسمت استراتيجية تقوم على العمل المتناغم والمتناسق على ( الأسلام السني ) الذي أوكلت قيادته للدولة التركية، وعلى ( الاسلام الشيعي ) الذي أوكلت قيادته للدولة الايرانية الهيمنة على دول المشرق والخليج العربي.الأولى تروض وتقود ( الأسلام السني ) ، والثانية تروض وتقود ( الاسلام الشيعي ).!!

تاسعاً - وتشترط الأستراتيجية الامريكية التي هي من تخطيط إدارة "أوباما" إيجاد ركائز لما يسمى بنظام الأمن الأقليمي .. الركيزة الأولى الدولة التركية، التي اوكل اليها حلف شمال الأطلسي هذا الدور في مؤتمر انقرة عام ٢٠١٠ وهو العام الذي يحمل تاريخ الوثيقة الأمريكية ( August / PSD 11 ) ، اما الركيزة الثانية فهي الدولة الإيرانية، مقلمة الأظافر ومروضة السلوك .. تعتبران كفتا ميزان ثالثهما الكيان الصهيوني واعتباره ( محور ) تعادل القوى في ميزان النظام الأقليمي في المنطقة ، والمشرف على هذا النظام القوة الأمريكية.!!

والتاريخ يكشف هذالإستقطاب، حين احتلت الإمبراطورية الفارسية والامبراطورية العثمانية الوطن العربي، وقامتا بتمزيق الهويةُ القومية العربية، في ولآء طائفي للشاه الفارسي وولآء عرقي للسلطان العثماني باسم المذهب والطائفة.وما يترجمه السلوك الايراني والسلوك التركي الآن بالضد من الأمة العربية هو في حقيقته إعادة إحياء ما حدث قبل قرون وكأن التاريخ يعيد نفسه بتكريس الطائفية الفارسية والعرقية العثمانية .. والهدف تقاسم المنطقة العربية بين ايران وتركيا بقيادة اسرائيلية امريكية.

إذن، قطبان تعمل عليهما الولايات المتحدة هما ايران وتركيا، لتحويل الدول العربية إلى دويلات وكيانات طائفية وعرقية يدين بعضها إلى إيران التي تطرح نفسها قائدا وحاميا للتشيع الفارسي، لتكريس مشروعها الإستراتيجي في المنطقة المتمثل بجعل المشرق والخليج العربي منطقة نفوذ فارسية تدين بولاية الفقيه، فيما يدين ويصطف بقية العرب مع تركيا تحت ذريعة مواجهة التمدد والخطر الإيراني الفارسي .. هذه الأستراتيجية الأمريكية متوسطة المدى، اشتركت في صياغتها ثلاث إدارات امريكية متعاقبة على البيت الأبيض ( كارتر وبوش الأبن وأوباما ) ، هل تنجح ادارة ترامب بإيقاف تنفيذ هذه الأستراتيجية التي تم تسريبها لأغراض انتخابية، بعد فوز ترامب بولاية ثانية ؟ وهل يسمح ترامب في ان تهيمن ايران الملالي على المشرق والخليج العربي؟ هذا من جانب، وهل يسمح في ان تبتلع تركيا اجزاء من شمال العراق وسوريا وليبيا وتونس والجزائر والمغرب بأداة الأخوان المسلمين الذين يرتبطون باصطنبول وأنقره؟ وهل يسمح لتركيا أن تعبث وتتوسع على حساب مصالح كل دول البحر المتوسط ؟

هذه أسئلة يمكن الاجابة عليها بما يلي :
أولاً - مشروع التشيع الفارسي، الذي فشل في العراق منذ بضع سنوات، يُعَدُ أهم المتغيرات التي فرضت على إدارة الرئيس "ترامب" تغيير جزء من ستراتيجية "أوباما" وهو إنهاء التوكيل الإيراني وتسهيل الخرق الاسرائيلي للجزيرة العربية والمساهمة في إدارة أفعال السياسة والاقتصاد والآشراف عليها، خلال الولاية الثانية المتوقعة لإستكمال متطلبات التطبيع الاسرائيلي لعدد من دول الخليج العربي.!!

ثانياً - مشروع التوسع التركي في طريقه الى الفشل، بالنظر لردود الافعال القوية التي ابدتها مصر والدول العربية وفرنسا والمانيا وحلف شمال الاطلسي ( الناتو ) ، الأمر الذي جعل إدارة "ترامب" تعكس عدم رضاها على السلوك التركي وتحاول الضغط على أنقرة ومنعها من التعرض للمصالح القبرصية واليونانية والاوربية والأمريكية في حوض البحر المتوسط.

ثالثاً - فإذا تعدل السلوك السياسي الخارجي التركي والايراني – وهذا احتمال بعيد – فأن وثيقة الرئيس " أوباما " الخاصة بقيام نظام للأمن الأقليمي في المنطقة سيتم طيها وإعادتها الى خزانة وزارة الخارجية الامريكية، ريثما تتهيأ الظروف الممكنة للتطبيق.!!

وإذا كان الهدف من توسيع مشروع ( الشرق الأوسط الجديد ) بإدخال تركيا وإيران في هذا المشروع لقيادة المنطقة سياسياً واقتصادياً .. فما هو دور الكيان الصهيوني في هذا المشروع، خاصة وإن خيار هذا الكيان بات خياراً اقتصادياً وأمنياً بعد أن عجز عن تحقيق أهدافه عن طريق القوة .. وأين هي ركائز نظام الأمن القومي العربي؟ وأين هذ معاهدة الدفاع العربي المشترك؟ ثم ، اين هي الجامعة العربية وميثاقها؟

ما العمل .. ؟
الشعب العربي الذي يعلن رفضه لمشروع " الشرق الأوسط الكبير" ، والأحزاب الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية، التي تعلن رفضها أيضاً .. يتوجب عليها أن لا تعيش في حالة ( تداخل خنادق ) .. عليها أن تفرز مواقعها بوضوح تام، وتعلن مواقفها بصراحة تامة ولا مجال للتفكير المسطح الذي يقبل بالمواقف المزدوجة، بعد إدراك عمق التناقضات والتفاعلات القائمة بين مدخلات الخارج بكل أوراقه الضاغطة، ومخرجات الداخل بما يسد الثغرات ويرمم التداعيات ويعيد التوازن الموضوعي بين ما تحتاجه الجماهير العربية فعلاً وما يقتضيه تفعيل الشروط الذاتية الوطنية والقومية من أجل التصدي لهجمة الغرب المتصهين، التي حققت أهدافها في ساحا ت عربية وأخفقت كلياً في ساحات عربية أخرى بفعل الوعي المتقدم للجماهير ( الشعب المصري والتونسي والعراقي واللبناني ) مثالاً .. ومن غير هذا الوعي فأن الحديث عن الخروج من الأزمة يبقى محض كلام !!






الاثنين ١٢ محرم ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / أب / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة