شبكة ذي قار
عـاجـل










 

بيان حول زيارة البابا فرانسيس للعراق

حلّ بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، ضيفاً على العراق في زيارة طال انتظارها لبلد شهد ولادة أبو الأنبياء، سيدنا إبراهيم عليه السلام وظهرت على ترابه وعلى ضفاف نهريه أولى الحضارات البشرية التي قدّمت للانسانية علماً وأدباً وفناً وقانوناً.

وقد عبّر شعب العراق من خلال تلك الحفاوة التي استقبله بها عن احترامه لما يمثله البابا من مكانة روحية لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية الأكبر في العالم، ولا شك ان زيارته، وزيارة كل الرموز الروحية في العالم، مرحّب بها، إلا أن القطاع الأكبر من شعبنا أبدى مخاوفه من أن تكون هذه الزيارة عامل تعزيز لتسلط العصابة الغاشمة التي استولت على العراق وشعبه، وتعمل بجد على محو تاريخه المجيد وتراثه الروحي والإيماني العميق.

وإذا كان البابا فرنسيس قد لمس معاناة أبناء شعبنا من أتباع الديانة المسيحية، بكل طوائفها، فإننا نرجو أن لا يكون قد أغفل الحقيقة التي تؤكدها وقائع الحاضر وهي أن معاناة مسيحيي بلاد الرافدين إنما هي جزء من معاناة كل شعب العراق، بأطيافه وأعراقه جميعاً، وهي المأساة التي تسبب بها الاحتلال الغاشم الذي قامت به قوى الشر ممثلة بالادارة الأميركية والحكومة البريطانية، تدفعهما في ذلك الصهيونية المجرمة، بعد أن ضربت تلك الجهات الشريرة عرض الحائط كل مساعي السلام الخيّرة التي حاول العالم من خلالها ثني الأشرار عن ارتكاب جريمتهم في غزو العراق.

لقد كان غزو العراق، الذي لم يعمل الفاتيكان على منعه ولم يعلن رفضه له وما تبعه من احتلال تدميري طال كل مناحي الحياة، والذي لم يجد من الفاتيكان استنكاراً له ولا رفضاً، هو الجريمة الأكبر التي حلّت بمهد الديانات السماوية وضربت أسس العيش المشترك لأبناء العراق ودمّرت نسيجه الاجتماعي المتماسك.

ولا شك أن بابا الفاتيكان يدرك أن ما عاناه أبناء العراق من أتباع الديانة المسيحية، بكل طوائفها، وما عاناه كل العراقيين على يد تنظيم داعش الارهابي والميليشيات الطائفية الارهابية المدعومة من إيران إنما كان ناتجاً عن روح الشر وإرادة السوء التي أوجدها الاحتلال في العراق، ولا يفوته أن مسيحيي العراق، كما كل أبنائه، كانوا يتمتعون، في ظل العهد الوطني قبل احتلال العراق، بالرعاية التامة ولهم حريتهم، التي يكفلها الدستور، في أداء طقوسهم الدينية وممارسة حقوقهم الثقافية والاجتماعية في انسجام فريد ما كان له أن يتحقق لولا روح المواطنة المؤمنة التي كانت تسود بين أبناء الوطن الواحد وبرعاية رسمية من دولة العراق الوطنية.

ان العراق ليس بحاجة لإطلاق نداء لتعايش أتباع الأديان السماوية، فقد كان العيش المشترك متحققاً بينهم بالفعل، ولكنه بحاجة إلى إطلاق دعوات واضحة ترفض من خلالها الكنيسة الكاثوليكية ما حلّ بالبلاد من تدمير وتخريب متعمّد لكل مناحي الحياة، واستهدف، أولا، الانسان العراقي، حيث ذهب ضحية هذا الاحتلال المجرم وما نفذته عصابات السلطة الغاشمة من جرائم متعمّدة أكثر من مليوني انسان فقدوا أرواحهم، وفقد مئات الآلاف حريتهم، فيما يزال الملايين من أبناء شعبنا يعانون مآسي التهجير المتعمّد الذي ترفض الميليشيات الارهابية الممولة من النظام عودتهم إلى ديارهم، وبينهم الكثير من أتباع الديانة المسيحية.

إن تاريخ شعب العراق لا يمكن اختزاله بهذه السنين العجاف التي تسيّدت فيها عصابات مجرمة جاء بها احتلال أجنبي غاشم وسلّمها مقدرات البلاد والعباد، وانما تفصح عنه عراقته وجذوره الضاربة عميقاً في بطون التاريخ مما يؤكد وحدة أبنائه وانسجامهم وعملهم المشترك في سبيل نهضته وتقدمه.

إن شعبنا الذي رحّب بالبابا فرنسيس في زيارته إنما يرسل عتبه البالغ على قداسته، إذ مرّت من أمام عينيه صور أكثر من ألف شهيد و ٣٠ ألف جريح سقطوا على مذبح الحرية وهم يهتفون بالسلم وحب الوطن، بل أن قداسته الذي زار مدينة أور الأثرية في محافظة ذي قار، حيث ولد نبي الله إبراهيم ( ع ) ، لم يكلّف نفسه عناء زيارة ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية، وهي على بعد كيلومترات معدودة، والتي شهدت على مدى أكثر من سنة ونصف مجازر دموية، كان آخرها قبل بضعة أيام من زيارته، نفذتها ذات الجهات التي كانت في استقباله راسمة على وجوهها الكالحة ابتسامات مزيفة تتصنع المحبة وتخفي وراءها وحشية قاتلة طالت كل أبناء العراق.

إن هذه الميليشيات التي كان بعض رموزها في استقبال بابا الفاتيكان هي من نفّذت أبشع عملية اغتيالات وتهجير للمسيحيين في العراق، شماله ووسطه وجنوبه، وهي من استولت على أملاكهم وصادرت موارد عيشهم، ولم تترك لهم خياراً سوى الهجرة من الوطن، وهو ما لمسه البابا الذي تحدث عن تناقص أعداد المسيحيين في العراق.

وإن شعبنا ليبدي استغرابه أن لم يجد شباب العراق الثائر المطالب بحقوقه في الحياة الحرة الكريمة فسحة في جدول أعمال بابا الفاتيكان على مدى الأيام الأربعة التي مكث فيها في العراق للقائه وشرح ما يعانونه وما يطالبون به لعراق حر واحد وشعب سيد في أرضه يملك موارده ويسخّرها للبناء والتقدم.

لقد بدا من خلال جدول أعمال الزيارة، وما تحقق خلالها بالفعل، ان زيارة بابا الفاتيكان التي كان ينتظر منه إنهاء مفاهيم الإقصاء والاجتثاث والتفرقة الطائفية والعرقية التي فرضها الاحتلال إنما جاءت لتكريس سلطة مرجعية طائفية لا علاقة لها بالعراق ولا تنتمي له، وكانت لها مواقفها بالضد من تطلعات شعبه، وهو المخطط الذي ما كنا نرجو أن يقع البابا فرنسيس ضحية له.

إن الرسالة التي ينتظرها كل العراقيين من بابا الفاتيكان، بمكانته الاعتبارية والروحية في العالم، هي مخاطبة المجتمع الدولي للقيام بواجبه إزاء العراق، وإنهاء المعاناة التي تتواصل في ربوعه منذ ١٨ عاما، وتطال كل أبنائه، باختلاف أعراقهم ودياناتهم وطوائفهم، وهو ما لا يمكن ان يتحقق إلا بعودة

العراق إلى أهله، وإنهاء الاحتلال الأميركي والايراني المشترك الذي يضرب كل مقومات السلم المجتمعي والأمن والاستقرار في العراق وفي المنطقة عموما.

قيادة قطر العراق
٨ / ٣ / ٢٠٢١م
 


 




الاثنين ٢٤ رجــب ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة