شبكة ذي قار
عـاجـل










إن إنتماء البعثي لمبادئ الوطن والأمة لم يكن إنتماءاً عابراً أو مؤقتاً أو موسمياً، فهو يعيش في وسط متنوع في إنتماءت قومية ودينية تظهر في شكل احزاب وتكتلات وشخصيات لا تمتلك منهجاً فكرياً متكاملاً يجمع بين الوطني والقومي على قاعدة النضال من اجل، ليس الإستقلال السياسي فحسب إنما الإستقلال الاقتصادي والتكامل الأجتماعي على مستوى القطر وعلى مستوى الأمة.

لم تكن ثقافة البعثي، كما عايشتها ، ثقافة محدودة إنما كانت واسعة اطلعت على معظم الأفكار والتجارب في العالم، ولم تكن ثقافته مركبة تجمع بين نقيضين لتشكل منهما منهجاً ثالثاً ، بمعنى لا تجمع ثقافة البعثي بين المثالية والمادية ولا بين الرأسمالية والإشتراكية .. ولم تكن خليطاً من كل هذا وذاك.

كنت اقرأ في بدايات الستينيات من القرن المنصرم لماركس وفريدرك إنجلز ولينين وماوتسي تونغ ولم اصبح ماركسياً .. واطلعت على ثقافات الثورة الأشتراكية، الكسندر بوشكين وميخائيل شلوخوف وفيودور ديستويفسكي وليون ترتسكي وهربرت ماركوس ، ولم اصبح ماركسياً بالمعنى الذي تؤكده ابجديات الثقافة الماركسية اللينينية، ولكني أؤمن بالتكافل الأجتماعي .. قرأت لكنت وديكارت وسورين كركجورد وهنري بيرغسون وغيرهم الكثير ولم اكن فيلسوفاً، ولكني كنت أميل الى الفلسفة التي تبحث عن اصل الترابط بين الأشياء، فاكتشفت ان الأمة تحتاج الى الترابط لأنها مجزئة، وتحتاج الى الحرية لأنها مستلبة في قرارها السياسي والاقتصادي، وتحتاج الى التكافل الاجتماعي لأنها تعيش واقعاً تصطرع فيه التناقضات بين فقراء كثر واقليات متخمة وطفيليات اجنبية تمتص خيرات الشعب وخيرات الأمة .. اطلعت على الفلسفة الوجودية، جون بول سارتر و سيمون دي بوفوار وألبير كامو و كولن ويلسون وغيرهم ولم أمسي وجودياً .. وقرأت لأبن خلدون وعلي الوردي وطه حسين والمنفلوطي وميخائيل نعيمه وجبران خليل جبران وكتاب وشعراء عرب كثر وعلى رأسهم المتنبي والبحتري ومحمود درويش وسميح القاسم والجواهري والبياتي ونزار قباني، والذين عاشوا في صدر الاسلام والذين سبقوهم، فوجدتني اجد الأرضية التي تعزز الشعور بالإنتماء القومي، كما ان ما كتبه الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق كان تحولا فكريا رصيناً عزز معنى الترابط في وحدة الجدل القومية للثلاثي وحدة الأمة كضرورة وحريتها كضرورة وعدالتها الأجتماعية كضرورة موضوعية، شكلت منهجاً فكرياً متفرداً عن أية مدخلات افرزتها فلسفات المدارس المثالية والمادية ذات الطابع الفكري المحض والتي تبتعد عن طبيعة إرهاصات الواقع المعاش، التي وجدتها محتدمة في واقع الأمة العربية التي تنخرها التجزئة وهي التي كانت موحدة، ويسودها الإستعباد وهي التي كانت حرة مستقلة، وينهكها الحرمان وتكويها الأمراض، وهي التي كانت قوية متمكنة ومعافات وقادرة على الفعل واتخاذ القرار.

البعث هو الروح المكثفة لهذه الأمة في تطلعها ونضالها من اجل اهدافها الواقعية ذات الطابع الأنساني . والبعثي على وفق تكوينه الفكري والعقائدي لم يكن طائفياً ولا عرقياً بمعنى ترجيح المذهب او العرق على الوطنية والوطن ، فإن المنتمي إليه، سواء كان كردياً أو تركمانياً ، مسلماً أو مسيحياً أو صابئياً ، فهو عراقي إنتماءاً وهوية وطنية .. البعثي لا يمتلك إزدواجية الفكر أو إزدواجية السلوك، فهو لا يمد يده إلى الخارج ولا يتلقى الأوامر من الخارج ولا الدعم منه، لأن الخارج له سياساته ومصالحه ويطالب دائماً بالمقابل، والبعثي لا يساوم على بلاده ولا ينفذ اجندة دولة أجنبية على حساب بلاده وسيادتها وإستقلالها الوطني، ولا يتراجع عن ثوابته الوطنية والقومية، ولأنه لا يعتدي على احد وليست لديه اطماع في خارج بلاده فلا يسمح بالعدوان الأجنبي عليه مهما كان شكله ولا بالتدخل مهما كان لونه.

وعلى وفق هذه الثوابت استمر البعث في ثباته ورسوخه منذ تأسيسه عام ١٩٤٨ في السابع من نيسان، حزباً وحدوياً مستقلاً، ليس حزباً دينياً ولا مذهبياً وليس محايداً أمام الإيمان، فهو الذي يجمع كل القوميات والأديان على أساس المواطنة المكفولة بالقانون وبالتشريع الدستوري في نظام العدالة والبناء والتوزيع العادل للثروات والاختيار المنصف للقيادات القائم على اساس النزاهة والكفاءة والوطنية .. فكر البعث ليس فكراً فئوياً ولا جهوياً ولا مناطقياً، إنما هو فكر شامل منفتح، يستوعب معطيات العصر، ويفرق في الفهم بين الثابت والمتحرك في السياسة والأقتصاد والمجتمع، يرفض اساليب الإقصاء ويرفض الغلو ويرفض الإنتقائية في المواقف التي تستند على الحقيقة الموضوعية الشاخصة.

وعلى هذا الأساس من الفكر والتجربة العملية والتاريخية، استمر زخم الحزب يتصاعد في خضم الأحداث الجسام وفي قلب معترك المواقف القاسية، ولو كان الحزب موسمياً لسحقته الظروف القاسية التي مرت على العراق والأمة .. ظروف كانت تحمل منجل الإبادات والتصفيات الجسدية فضلاً عن التجريف والتشريد .. ولكنه كان حزباً وفكراً من الصعب إقتلاعه أو إجتثاثه ، طالما كان راسخاً في عقول وقلوب وضمائر الناس بغض النظر عن إنتماءاتهم القومية والدينية، لأن حزب البعث كان قد نمى وترعرع بين الناس، طالما كان وما يزال يعبر عن تطلعاتهم ورغباتهم واهدافهم في البناء والثورة على كل ما هو قديم يتعارض مع روح العصر، فهو حزب الجماهير الوطنية صاحبة المصلحة الاساسية في الثورة والنهوض والبناء الوطني، ولا احد يستطيع وقف تياره الثوري الجارف ابداً.

حزب البعث العربي الاشتراكي وجماهيره الواسعة من كل اطيافها الوطنية الزاهية هي المُعَوَلْ عليها في التحرر الوطني وهي المُعولْ عليها في البناء والنهضة، مهما رسم الخارج من سيناريوهات الاجهاض والتقسيم والتفتيت التي درجت على إعلانها مراكز الأبحاث الأجنبية والصهيونية ، لبث اليأس والخيبة في صفوف الجماهير .. فالخارج بسياساته واعلامه يشيطن الاحداث لصالحه ويرسم صورة كالحة تلمح بأنه هو المنقذ .. ولكن الحقيقة هو القاتل والمدمر ورعاعه من اللصوص والجواسيس والخونة مهمتهم مسك الأرض مقابل النهب والسلب وتقاسم المصالح.

البعث ثورة منذ تأسيسه مروراً بتجربته الرائدة في العراق ولحد الآن يظل المِعْول الذي يحطم اصنام الغزاة ويفجر ادمغتهم إلمحشوة بالدجل والخرافات والإنحرافات الأخلاقية.!!








الاحد ٢٨ شعبــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة