شبكة ذي قار
عـاجـل










تَمرُّ على ثورة تشرين المباركة في العراق سنتين ولاتزال تدور في حلقة فارغة ، تبدأ مِنْ نقطة وتعود إِلى نفس النقطة ، وسبب ذلك يعود الى عدم وحدة ألصف وعدم وجود قيادة موحدة ، وليس هنالك إِستراتيجية موحدة ، لكي يغيرون ألسلطة ألْاوليغارشية في العراق. يتداخل مفهوم الثورة في الادب السياسي مع مفاهيم أُخْرى مقاربة ، كالانقلاب والانتفاضة والعنف والتمرد والفتنة والفوضى ، كما تمتد جذورها كظاهرة إِنسانية لِنشأة ألنظم السياسية وتطفوا على السطح كلما خرج هذا التنظيم عن إطار وحدود مشروعيتها ومالت السلطة فيها إِلى أَلْإِستبداد والدكتاتورية.

مِنْ الواضح إِننا لايمكن أَنْ نطلق صفة الثورة على إِنتفاضات الكبرى ، في التاريخ الانساني إِلاَّ مِن خِلال قياس مدى قدرتها على إِحْداث إِنتقالات نوعية عميقة في بنية ألمجتمع مادياً مِنْ خلال نظام سياسي ، نخبة جديدة ، وتكريس منظومة قيم إجتماعية جديدة ، بمعنى آخر إِمكانية هذه الانتفاضة الشعبية الكبرى على إكتساب مضموناً ثورياً مِنْ خلال قدرتها على التاسيس لِمُتغيرات جديدة تعيد رسم خارطة موازين القوة في المجتمع وفق رؤيا جديدة ، لايقتصر الثورة على الجانب السياسي ، فقد أصبح مِنْ الشائع في العصر الحديث أَنْ يطلق على إنماط أُخْرى كالثورة التكنولوجية أو ثورة الاتصالات أو غيرها ، وعلى الرغم مِنْ كونها ثورات مادية لكن المعيار الذي تحدثها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي للمجتمعات وهي لاتقل خطورة في تقرير تقدم وإزدهار بعض الشعوب مقارنة بمفهوم الثورات السياسية والشعبية الكبرى.

كما أنَّ للثورة عناصرها وشروطها في الادب السياسي يشير الاستعمال المعاصر لِمفهوم الثورة إِلى شقين ، يتعلق الشق الاول بنمط التغييرات الكبرى والجذرية التي تحصل في المجتمع نتيجة إِنتقال السلطة مِنْ طبقة إِجتماعية إِلى أُخْرى أَو نشوء طبقات جديدة كدلالة على وجود ثورة حقيقية.

في حين ينطبق الشق الثاني مِنْ الاستعمالات المعاصرة لمصطلح الثورة على التغيير الجزئي على نطاق صغير الذي يطال قشرة السلطة السياسية فحسب حيث تتم الاطاحة بِالحُكمْ مِنْ مناصبهم واستبدالهم بِآخرين دون ان يتبع ذلك تغيير جذري على المستوى الاقتصادي ألسياسي والخدمات العامة أوعلى المستوى منظومة القيم الاجتماعية التي تسود المجتمع يوصف التغير في الشق الاول ، غالباً بِأَنَّهُا ثورة مستوفية للشروط في حين يعتبر نطاق التغيرات في الشق الثاني في حدود الانقلاب ، ويمكن قياس المد الثوري بمدى التغيير الحاصل على ثلاثة مستويات سياسية وإِقتصادية وإِجتماعية ، وكثيراً مايقترن مصطلح الثورة في شقها السياسي لتختزل بعملية إِستبدال طاقم الحكم بِآخر مثل ما يحصل الان في العراق.

وغالباً ما يقف النمط الاول مِنْ الثورات خلف الانتقالات التاريخية في حياة الشعوب ، وهي تحدث عبر آليتين ، إِمَّا عن طريق إنعطافات حادة كالانتفاضات التي تحدث صدمةً تكفي لتغيير مسار وطريقة تفكير هذه الشعب فتستوفي لاحقاً كافة شروط الثورة أو أنَّ هذهِ الشعب تكتسب المضمون الثوري لتطورها تدريجياً عبر تبنيها مناهج وافكار خلاقة ترسم للمجتمع خطواتها اللاحقة بصورة مدروسة تتسم بِالعقلانية والواقعية تقضي عبر خاصيته التراكم إِلى تقدم المجتمع وإزدهاره عبر ترسيخ منظومة قيم جديدة ، وعند دراسة هذا النمط مِنْ التغيرات في المجتمعات المزدهرة حالياً نجد ان الطبقة المتوسطة تقف وراء هذا الانجاز في كافة تجارب المجتمعات الناجحة بفضل هذا النوع فهي الطبقة الاكثر تأهيلاً لِأحداث إِنتقالات حقيقية نوعية في حياة المجتمع ولكن هادئة وتدريجية ، فالثورات الشعبية التي كثيراً ما تنطلق بصورة عفوية هنا وهناك ، كثيراً ما تنتهي إِلى عكس ما تشعربِهِ الجماهير الثائرة أو تحتاجه.

وجه اليقين ، وذلك بسبب عدم تنظيم هذه الجماهير لنفسها ، وعدم وجود إهداف وبرامج واضحة ، لذا غالباً ما تتمخض هذه الثورات غير المنظمة عن ولادة طغاة جدد وإعادة إنتاج دكتاتوريات إستبدادية جديدة تحكم وتضطهد الشعب بِإِسم الثورة لتعود بِهِ إِلى المربع الاول ، وفي الوقت ذاتهِ فَإِنَّ الثورة التي تقوم بها قلة سواء مِنْ ضباط الجيش أَو المناوئين ، ورغم كل الشعارات الجذابة والبراقة التي يرفعونها في بداية الامر كثيراً ما تنتهي إِلى العكس وتتحول هذه الاقليات ( الاوليغاشية ، على إِنها النظام السياسي الذي عرف تكون فيه معظم القوى في يد عدد قليل مِنْ الافراد ، فَإِنَّ بعض العائلات أو جزء صغير مِنْ السكان ، وعادة ما تكون الطبقة الاجتماعية أو الطائفية مثل ما يحصل الان في العراق ، قد يكون مصدر قوتهم ثروة التقاليد ، القوة العسكرية ، القسوة .. الخ.بيد أَقلية طائفية فَإِذا أَطلقنا على النمط الاول مِنْ الثورة بِالثورة العفوية والعاطفية ، والنمط الثاني بِالانقلاب الذي لا يتحول إِستبدال نظام سياسي بِأَضَّرْ، فَبِالامكان أن نطلق على نمط الثورة التي مِنْ الممكنْ أَنْ تنجزها الطبقة المتوسطة بِالثورة مِنْ الوسط أَو الثورة العاقِلة وفي كل الحالات لايمكن لهذهِ الانتقالات أن تحدث لوحدها مِنْ دون تدخل العنصر البشري كأفراد أو جماعات للتاثير سلباً او إِيجاباً في زخم تقدمها أو في تحديد مُنْحَنِي أتجاهها.

وعليه فإن الثورة كواقعة لايمكن أن تحصل بصورة رومانسية ويتيمة مالم تستكمل عناصرها الحاكمة وإلا فَإِنهُ مِنْ العبث أن تطلق عليه صفة الثورة.

لِذلك الثورة الحقيقية تقوم على ركائز أساسية ومنها :

فكر خلاق تشتقهُ عقول المفكرين الذين يمثلون عصارة وضمير العقل الباطن لِمعاناة شعبهم على أَنْ يستند هذاالفكر إِلى قضيته العادلة.

كما يجب أن تتبنى هذا الفكر مِنْ قبل نخبة شجاعة ومنظمة تمتلك رؤيا تنفيذية وتخطيط سليم.ويجب تنفيذ ذلك أَنْ يتواجد جماهير واعية بجوهر قضيتها وليست قطعان ديماغوجية يسهل التلاعب بها إِنَّ مِنْ شأن توافر هذه العناصر التي ذكرناه أَنْ ترتقي إِرهاصات الشعب ومخاضها الثوري إلى مصاف الثورة الحقيقية فالفكرة والتنظيم والتخطيط السليم ، والحاضنة كفيلة بصناعة الوقود الثوري اللازم الذي لَنْ تُنْفَذْ طاقَتَهُ إلا بتحقيق الاهداف النهائية للشعب الثائر على واقعها الفاسد.

لذلك نحذر شبابنا الابطال شباب ثورة تشرين لَنْ تَدْعُوا بِأن تسرق ثورتهم المباركة ويوحدون صفوفهم وإِختيار قادة كفؤة لهم ضمن استراتيجية ورؤية موحدة حتى لا تاتي مجموعة ( ديماغوجية ) لِخداعهم تحت عناوين مختلفة لحصولهم على السلطة.أنتم اديت واجبكم الوطني بِأمانة واعطيت نهراً مِنْ الدماء ، استشهد منكم أكثر مِنْ ألف شابٍ وشابة ، واصيب أكثر مِنْ خمس وعشرون ألف ثائر بطل عدا المخطوفين والغائبين مِنْ الذين لايعرف أحداً مصيرهم ، أنتم أمل الامة والشعب العراقي الابي لتغير الحكم المحتلين وإخراجهم مِنْ العراق وتاتون بحكم ديمقراطي صحيح بحيث كل فرد في المجتمع ياخذ حقهُ.

ألف ألف رحمة لشهداء ثورة الشباب في العراق ،
وندعوا مِنْ الله الشفاء العاجل للمصابين وتحرير الغائبين والمخطوفين.






الثلاثاء ٢٩ رمضــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / أيــار / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أَ.د. أَبولهيب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة