شبكة ذي قار
عـاجـل










كوارث التدخل الخارجي من كابل إلى بغداد...!!

د. أبا الحكم

1-  دخل الجيش السوفياتي في أفغانستان، فحلت النكبة وحصل التمزق بين صفوف الشعب الافغاني وتحول إلى قوى متناحرة تصطرع فيما بينها كفصائل وقوى وأعراق ومذاهب طائفية، وعبرت في نشاطاتها إلى باكستان وجوار أفغانستان وأوروبا، فيما أسرعت أمريكا إلى حياكة شبكة اتصالات وتحالفات، وبلورت اتجاهات لما بعد انسحاب السوفيات، وهروب طالبان، وسقوط كابل، وتأسيس ما يسمى العملية السياسية التي ترتكز على الديمقراطية الامريكية الخبيثة الفاشلة.

2-  الأمريكيون استثمروا الخطأ الاستراتيجي السوفياتي الذي أدى، ليس إلى هزيمة الجيش السوفياتي فحسب، إنما إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك منظومته الاشتراكية فيما بعد، والتي كانت أحد كفتي الميزان في الثنائية القطبية، التي فرط بها قرار التدخل السوفياتي، فضلاً عن تأثيره الجيو- استراتيجي، الذي ضرب العمق الآسيوي ودول جوار افغانستان بعصف التدخل من جهة، واستثمار القوى الاسلاموية في طرد الجيش السوفياتي من جهة ثانية، وتأسيس قاعدة الإرهاب برعاية أمريكية.

3-  ومن أخطر ما حدث في هذا التحول الناجم عن التدخل العسكري السوفياتي هو ان (إيران عرضت خدماتها لمساعدة الامريكيين على طرد الجيش السوفياتي من افغانستان، كما عرضت خدماتها لمساعدة الأمريكيين على احتلال العراق).. ومن هنا، باتت الأضلع الثلاثة في العمل الاستراتيجي المشترك تتشكل من كل من (امريكا وإيران والتيار الإسلاموي كأداة تمثله طهران).. وما يزال هذا المثلث يُعَدُ زاوية العمل السياسي المشترك قائماً في المنطقة وفي العراق على وجه الخصوص.

4-  سهل التدخل السوفياتي في افغانستان في المقابل لـ(قوى التطرف)، مثل القاعدة التي كانت تمول من صندوق في كابل ومكتب تطوع استقطابي يديره " أسامة بن لادن " وهو صناعة امريكية بامتياز لمقاتلة الروس وطرد الجيش السوفياتي الغازي من افغانستان وكانت السعودية على علم بذلك من خلال ادارة مكتب التطوع في كابل حيث قدمت لهذا الصندوق خمسمائة مليون دولار دعماً لوجستيا.

5- وحين وجد الأمريكيون إن الزخم الإسلاموي أخذ يتصاعد وان النتائج كانت مبهرة في إطار التحشيد، ضغطت بقوة من أجل رحيل شاه إيران واسكتت جنرالاته وشجعت ملالي قم على ضرب القوى الوطنية الإيرانية، والتعاون مع البريطانيين، عند تأمين وصول خميني من باريس إلى طهران، ليبدأ مسلسل التهديد باجتياح العراق والعدوان عليه في حرب عدوانية استمرت ثمان سنوات وبتعنت ايراني قل نظيره في العالم.

6- ظلت امريكا تتبنى استراتيجية محاربة الارهاب، فيما تتحرك القاعدة بالتوافق مع نظام خميني على تهشيم الحدود الجيو- سياسية لمنطقة الشرق الاوسط.. بمعنى بات نظام خميني القوة السياسية - المليشياوية العابرة للحدود، التي ضربت دول عربية وافريقية واوربية - عدا اسرائيل -.!!

7- التحولات التي ظهرت في سوريا نتيجة ثورة الشعب السوري احتجاجاً على الظلم والاضطهاد السلطوي، أجبرت سلطات طهران ودمشق وبغداد على استخدام جزء من العناصر المسلحة لتنظيم (الدولة الإسلامية- داعش) ، لمجابهة الثورة السورية وقمعها من جهة، وتشكيل قوة ضاربة منها لعبور نهر الفرات إلى العراق للاستيلاء على الموصل بعد اطلاق سراح السجناء الارهابيين من سجن ابو غريب بأمر من (نوري المالكي- رئيس الوزراء في حينه) الذي أصدر أوامره كقائد عام للقوات المسلحة لخمس فرق عسكرية وفرقة شرطة، بوجوب ترك معسكراتها وثكناتها واسلحتها ودباباتها وآلياتها ومدافعها وراجماتها الصاروخية (وهي اسلحة امريكية متطورة) والانسحاب الفوري بكافة رتبهم .. وهو الأمر الذي مكن عناصر (الدولة الإسلامية- داعش)، من السيطرة على الموصل والتمدد إلى الأنبار والرمادي والفلوجة حتى مشارف مطار بغداد الدولي.. وهو الأمر الثاني في التخطيط الايراني الذي مهد لفتوى السيستاني بتشكيل الحشد الشعبي لمجابهة عناصر الارهاب الداعشي، بقوات الحشد الولائي وقوى الجيش (الدمج) والأمن والشرطة، كلها كانت تدير عمليات التدمير والتجريف للمناطق الغربية، ولا ننسى طيران التحالف الدولي في هذه المجابهة.

إذن، بات الحشد الشعبي في التخطيط الايراني النواة البديلة للجيش النظامي وتأسيسه على غرار تشكيل الحرس الايراني، عندها تغول الحشد وأخذ يبتلع مؤسسات (الدولة) المدنية والعسكرية والأمنية، وتمدد إلى البرلمان ليكتسب (الشرعية)، واعطى بعداً عسكريا للأحزاب الاسلاموية التي تدير العملية السياسية الفاشلة والفاسدة والمأزومة من أجل الهيمنة والتمدد إلى خارج الحدود والتطاول على الدول العربية المجاورة.

وما يزال مسلسل الحشد يقابله (داعش) حين يختفي ويظهر ليعزز مكانة الحشد على أساس القوة (الوحيدة) المجابهة التي لا تقهر.. فضلاً عن مسلسل الاغتيالات التي يتعرض لها الجيش والأمن والشرطة والناشطين الوطنيين والمدنيين، التي تنفذها عناصر مختارة من قتلة الحشد الشعبي، الذين يقودهم الحرس الايراني من قواعده المعروفة في جرف الصخر وفي ديالى وعند الحدود العراقية- السعودية وبالقرب من الحدود العراقية- السورية.

8- نمط التعامل ذاته في افغانستان يكرره الامريكيون مع عصابات الحشد الشعبي في العراق.. ومن هنا: تتدفق رواتب الامريكيون على امراء الحرب في افغانستان وتتدفق على عصابات المليشيات الولائية في العراق، على وفق سياقات العمل العسكري المشترك.

تولت امريكا، بعد طرد الجيش السوفياتي وتفريغ (كابل) العاصمة من طالبان، وضع الإطار الاساسي لما يسمى العملية الانتقالية وحكومة تمثيلية قائمة على توزيعات محسوبة للعرقيات والطوائف، ولكن لم تسفر هذه الحكومة عن نتائج تصب في خدمة الشعب الافغاني ومصالحه.. فيما كانت ادوات الاحتلال الامريكي لأفغانستان تعمل على:

- وضع دستور وتأسيس برلمان يحاكيان رغبات واهداف المحتل الأمريكي ويتناسبان مع رغبات وطلبات أمراء الحرب من القبائليين، وليس رغبات وطلبات الشعب الأفغاني ومصالحه الحيوية.

-  صنع عملية سياسية تمثيلية (عرقية- طائفية- مناطقية- جهوية) يديرها الاحتلال الامريكي بالتوافق مع أمراء الحرب الأفغان.

-  تنصيب رئيس (توافقي) وليس وطني منتخب بإرادة الشعب الافغاني.

-  ادارة حكومة تمثيلية شكلية لا تمثل مصالح الشعب الافغاني.

- انفتاح غير محسوب النتائج على مستوى التربية والتعليم والاقتصاد والمرأة والحريات العامة.

-  تكريس ديمقراطية غربية ليست لها جذور في المجتمع الافغاني.. وهي ديمقراطية أمريكية خالصة أوجدت شرخاً في المجتمع الأفغاني دون مراعاة لمراحل التطور الضرورية في اي مجتمع.

هذه هي أدوات الاحتلال الامريكي لأفغانستان اعتقاداً من إدارات البيت الأبيض أن الاحتلال سيمضي إلى أمام وأن الشعب الأفغاني سيتحول من مجتمع قبائلي صارم إلى مجتمع عصري يحاكي تصورات الخبراء الأمريكيين قصيري النظر والمغرضين في نياتهم منهم.

9- المجموعة الأمريكية التي أحاطت بالرئيس الأمريكي بوش الابن من المتصهينين هم الذين صنعوا قرار الحرب على العراق (خارج إرادة الكونغرس الأمريكي، والذهاب إلى مجلس الأمن الدولي الذي رفض الانصياع لرغبات الحرب (غير الضرورية) حسب فلسفة أحد خبراء السياسة في البيت الأبيض، التي طوعها (ديك تشيني - ورامسفيلد - وولفوويتز- وكولن باول- ومارتن إندك - وهادلي - وعلى رأسهم بوش الصغير ومنظمة إيباك الصهيونية في واشنطن- والذين أطلق عليهم المحافظون الجدد-).

10-  كانت هذه المجموعة القذرة، تدرك ما تفعله وتعلم بالنتائج الوخيمة التي حطمت ثقل التوازن في الشرق الأوسط، وتعلم أن الدولة المارقة (إيران) سوف تتمدد نحو العراق ودول المنطقة، وتعلم أن (الأداة) الإيرانية من الصعب على أمريكا والصهيونية الاستغناء عنها في تهديم الحدود الجيو- سياسية لدول المنطقة، وتعلم بحجم الكوارث التي ستحل بفقدان الأمن والسلم الاجتماعي للعراق ولكافة الدول العربية وغيرها جراء التدخل الإيراني تحت سقف الاحتلال الأمريكي للعراق.. ومع كل ذلك، تدعي أمريكا أنها تحمل مشعل الحرية للإنسان وللشعوب وتحمل طوق النجاة للأقليات المضطهدة في العالم وتعلن ديمقراطيتها الكسيحة على أنها تصلح للجميع!!

وحين أرغمت المقاومة الوطنية العراقية الباسلة المحتل الأمريكي على الانسحاب من العراق، سلمت أمريكا العراق إلى عصابات ومرتزقة الأحزاب الاسلاموية الولائية، وتركت أمر العراق لقرار خامنئي وسليماني وأرج مسجدي وقاآني الذي يتحرك بحرية تامة على مسرح الأحداث التي تجري في العراق.. فيما تركت سليماني يعبث بأمن العراق والمنطقة حتى تمادى وأصبح أكثر ضرراً للمصالح الأمريكية، عندها وضعوا له نهاية معروفة.. وهي طموحات إيرانية أكثر اتساعاً شملت جنوب لبنان وسوريا والجولان واليمن والعراق.  طموحات خرجت عن الخطوط الحمراء المتفق عليها.

11-  العملية السياسية، (Political Process) التي أسسها الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق.. هي في حقيقتها محاصصات عرقية وطائفية هدفها تفكيك المجتمع الأفغاني والعراقي، وترك (أمراء الحرب) في افغانستان و(عصابات المليشيات الولائية) في العراق يتحكمون في اللعبة السياسية الميدانية.

12-  هرب الاحتلال الأمريكي من أفغانستان بـ(التوافق) السياسي مع طالبان، وتركها تزحف حتى احتلت العاصمة كابل وهروب حكومة كارزاي.. والفعل الأمريكي جاء كمن يلقي صخرة في بحيرة راكدة.. وهرب الاحتلال الأمريكي، كما أسلفنا، من العراق وسلم مقاليد الحكم فيه إلى إيران بتوافق (الإدارة المشتركة) وبأدوات مختلطة هجينة نفعية فاسدة وفاشلة تتحكم بها (عصابات إيران الولائيين).. أي إن الأمريكيين هربوا من أفغانستان وسلموا الحكم إلى طالبان.. وإن الأمريكيين هربوا من العراق وسلموا الحكم إلى عصابات طهران.. فما الذي فعله الأمريكيون في أفغانستان والعراق؟

وإذا كنا قد استبقنا الحديث عما فعله السوفيات في أفغانستان، فما هي النتائج المستخلصة من الاحتلال الأمريكي لكابل وبغداد؟

النتائج واضحة لا تحتاج إلى شرح وهي كوارث متراكمة ومركبة يتحمل نتائجها المحتل الأمريكي والمحتل الإيراني، فإذا كان احتلال أمريكا لأفغانستان حسب فلسفة منظر البيت الأبيض (جوشوا) الذي تناول ما سماه (حرب ضرورة) و(حرب اضطرار).. الأولى: ارتبطت ببرج التجارة العالمي 11- أيلول/سبتمبر 2001، فما هو الربط مع احتلال العراق؟ أمريكا مدينة لشعب العراق قانونياً وأخلاقياً وتاريخياً بالاعتذار، وأمريكا مدينة بالتعويض العام والشامل عن كل ما لحق بالعراق وشعبه من كوارث وأزمات منذ سنة1991 مروراً بالحصار الجائر والاحتلال عام 2003.. وتتحمل إيران كارثة التدمير والسرقات والتهتك منذ أن تعاونت مع المحتل الأمريكي الغازي للعراق وحتى الوقت الحاضر..

إنها كوارث احتلال أمريكي ثقيلة وكوارث احتلال إيراني جسيمة.. الاحتلال الإيراني الثقيل يجب اقتلاعه بكل الوسائل.. إنها عملية تحرير العراق من خطر فارسي استشرى منذ زمن بعيد وهيمن منذ الانسحاب الأمريكي نهاية عام 2011 وحتى الوقت الحاضر.. ملحمة التحرير تقتضي حشد الشعب العراقي بكل قواه الوطنية، واستخدام كل الأدوات الممكنة والمتاحة من أجل التحرير والخلاص الوطني.!!

 

11/02/2022

 

 

 





الاحد ٢٦ رجــب ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / شبــاط / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة