شبكة ذي قار
عـاجـل










الرفيق  على الريح السنهوري الامين العام المساعد يلقي كلمة  القيادة القومية  الى جماهير الامة العربية ومناضلي الحزب

 في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي .

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 يا جماهير أمتنا العربية على إمتداد الوطن العربي الكبير

 يا رفاق الدرب والمسيرة في حزب الوحدة والحرية والإشتراكية والرسالة الخالدة

 

تحل الذكرى الخامسة والسبعون لتأسيس حزبنا العظيم  حزب البعث العربي الاشتراكي ، وأمتنا العربية تعيش لحظة مفصلية في تاريخها المعاصر ، لحظة  يحتدم فيها الصراع على الامة وعلى الخيارات الكبرى التي ترتسم  على ضوء نتائجه صورة الواقع القومي في حاضره وآفاقه المستقبلية .

خمسُ وسبعون سنة مضت على ميلاد البعث وهو دائم الإلتصاق بجماهير أمته أميناً على أهدافها ، معايشاً تفاصيل حياتها ، متواصلاً مع تاريخها المشبع بكل منظومة القيم والمبادئ التي شكلت المحتوى العقائدي الإيماني  ببعده  الإنساني  ومضمونه الإجتماعي وهدفه السياسي  في قيام نظام العدالة والحرية والمساواة .

إننا ونحن نحي ذكرى ميلاد البعث ، فإننا نحييها  ونحن نستحضر كل المحطات المضيئة في تاريخ الأمة العربية، كما نحييها ونحن نتوقف عند أبرز المعوقات التي إعترضت وتعترض مسيرة النضال العربي في وقت تشتد فيها الهجمة العدوانية على الأمة العربية  لدفع الوطن العربي نحو مزيد من الانقسام والتفتت  في كياناته الوطنية، ومزيد من التمزق في نسيجه الإجتماعي، وصولاً الى إسقاطه كوعاء لأمة عربية  تشكلت خواصها على تعاقب المراحل التاريخية  منذ أن خرجت  من واقعها القبلي والتبعي   إلى واقع الأمة التي إنبعثت في ثورة عظيمة، ثورة الإسلام ، التي أحدثت  إنقلاباً في المفاهيم الإيمانية  وأنماط العبادات  التي كانت سائدة في بلاد العرب قبل ١٤٠٠  سنة ، بقدر ما أحدثت  ثورة حضارية في المفاهيم والعلاقات الإجتماعية والإنسانية، وفيها أثبتت نفسها  كأمة دعوةٍ، بأنها أمة حية تنطوي ذاتها على كل  معطيات الإنبعاث المتجدد في كل مرة تتعرض فيها لمحاولات إسقاطها  كأمةٍ واحدةٍ ذات رسالة خالدة. 

 

 ايها الرفاق  ، يا أبناء أمتنا العربية المجيدة

لقد مرت الأمة العربية خلال قرن من الزمن بمحطات أساسية، تركت معطياتها بصماتٍ واضحة  على الواقع العربي، وتجلى أبرزها بتلك التي تمخضت  عن الحرب العالمية الاولى والثانية والهزات الإرتدادية للزلزال الذي أنهى النظام الدولي الذي قام على ثنائيته القطبية،  وكان أشدها ايذاءً وايلاماً ذاك الذي تجلى بإستهداف العراق بالعدوان والحصار والإحتلال.

لكن  هذه الأمة التي واجهت تحديات كبيرة في مسار عبورها المحطات المفصلية في تاريخها أفصحت عن  يقظتها القومية في العصر الحديث بتبشير  رواد الحركة الفكرية التنويرية  وإن كانت في جانب منها رداً على محاولة التتريك مع تنامي الشعور الشوفيني التركي، الا أنها في  حقيقتها كانت تعبر عن  عمق الإنتماء القومي الكامن في ذات الأمة ، والذي لم يتسن له  البلورة  في إطار  مشروع متكامل العناصر الفكرية والتنظيمية والسياسية.  ولهذا استمرت حالة المخاض طويلاً حتى افصحت عن ذاتها بولادة الحركة التاريخية التي إنبثقت من واقعها في لحظة كانت فيها الأمة تواجه تحدياً قومياً تنذر مؤشراته الخطيرة بتحويل الوعد الإستعماري بإغتصاب فلسطين الى حقيقة مادية محسوسة. فكان حزب البعث الذي أطلقته كوكبة من المناضلين العرب عشية السابع من نيسان لخمسٍ وسبعين سنة خلت .

لقد كان  ميلاد البعث إستجابة لتوق  شعبي عربي رنا لتحقيق ذاته والإفصاح عن شخصيته الحضارية  وهويته القومية عبر مشروع سياسي يعتمد  آليات النضال الجماهيري لتحقيق اهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية، وهو طريق  المستقبل العربي من بوابة التحدي للعوائق التي تعترض مسيرة النهوض القومي، ليكون طليعة القوى التي تتصدى  لقوى الاحتلال والاستعمار، كما لقوى الشعوبية والرجعية وللإستلاب الثقافي وكل أدوات التخريب في بنى المجتمع العربي.

إن البعث  أعطى  ارجحية معنوية لشعار الوحدة ، لأن التجزئة التي  شكلت أكبر آفةٍ تعرض لها الوطن العربي مكّنت  القوى المعادية من  محاربة محاولات اليقظة والنهضة والوحدة والتحرير بأكثر من اسلوب وعلى أكثر من خط ، سواءً بأسلوب العدوان المباشر أو بالتخريب والتعطيل من الداخل بواسطة أدوات ارتضت لنفسها ان  تكون اداة تنفيذية للمشاريع المعادية التي تستهدف الأمة بحاضرها ومستقبلها كما بكل موروثها التاريخي القيمي المتعلق بكل جوانب الحياة الانسانية. 

هذه الاولوية للنضال الوحدوي المرتبط جدلياً بالنضال التحرري ، أطلقها  الحزب قولاً ومارسها فعلاً  من خلال دوره المحوري في تحقيق أول وحدة عربية في التاريخ  المعاصر وصولاً الى دوره الريادي في مقاومة العدوان المتعدد الجنسيات على العراق وانخراطه الفاعل في الحراك الشعبي العربي في كل ساحة انطلق فيها ضد أنظمة الاستبداد والقمع والردة والرجعية والتوريث السياسي والتأبيد السلطوي.

إن الحزب  الذي تصدر قيادة النضال الجماهيري في الخمسينيات ضد الاحلاف الاستعمارية والنظم الرجعية وانتصاراً لثورة الجزائر و كان مناضلوه المؤسسين في طليعة الذين تطوعوا للقتال في فلسطين ضد العصابات الصهيونية ،أطلق جبهة التحرير العربية انفاذاً لمقررات المؤتمر القومي التاسع  كي يعطي بعداً عملياً للنضال الوطني الفلسطيني متوجاً بذلك المسيرة التي بدأها القادة المؤسسون يوم كانوا طليعة الذين تطوعوا للقتال في فلسطين ضد العصابات الصهيونية.

واذا كان الحزب لم يتسنَ  له ان يقيم تجربة مكتملة الأكان والمواصفات على مدى عقدين من الزمن على تأسيسه ، إلا أنه تمكن من   تحقيق  هذا الهدف بعد ثورة ١٧-٣٠ تموز ، التي قدم من خلالها نموذجاً ثورياً رائداً استطاع أن  يوفر ارضية لمشروع إستنهاضي يعبر عن أهداف البعث في البناء الوطني بكل تحولاته الإقتصادية والإجتماعية والعلمية ، ويجعل من العراق قاعدة إرتكاز للمشروع القومي بكل أبعاده الوحدوية والتحررية.

هذه الثورة التي استطاعت في وقت قياسي أن تنقل العراق من موقع الدولة المتخلفة االمتلقية للإملاءات الخارجية ، إلى موقع الدولة التي تملك ناصية قرارها الوطني قد أحدثت  النقلة النوعية  التي  إستفزت القوى التي تناصب الامة العداء وتلك التي استمرأت الحكم في ظل واقع التجزئة القائم وكل من وجد في  العراق في ظل التحولات والإنجازات العظيمة التي حققها خطراً وتهديداً لمصالحه.  ولهذا فإن الوقت لم يتأخر كثيراً حتى بدأت القوى التي  تضمر عداءً للأمة إعداد نفسها  مباشرة وبالواسطة عبر أدوات التخريب للإنقضاض على العراق وتدمير الصرح الوطني والقومي التقدمي  عبر  الحرب العدوانية التي أطلق شرارتها نظام االملالي في ايران كوكيل اقليمي للتحالف الصهيو أميركي .  وبعد فشل الوكيل ، تقدم الأصيل ليحقق ما عجز عنه الوكيل ، عبر تحشيدٍ  دولي غير مسبوق، قادته اميركا مستغلة التداعيات التي نتجت عن ازمة الدخول الى الكويت ، لشن حرب تدميرية على العراق واجهاض النتائج التي تمخضت عن سياقات حرب الثماني سنوات مع نظام الملالي.

إن العدوان الثلاثيني الذي لم يروِ غليل اعداء العراق والامة ، أُلحق  بحصار ظالم استمر ثلاثة عشر عاماً ، ومن بعدها غزو واحتلال. وبإحتلال العراق كياناً وطنياً وبإسقاط نظامه الوطني التقدمي   تفككت مقومات الدولة ومرتكزاتها وتفلت الواقع المجتمعي من ضوابطه .

إننا لا ننكر أن النتائج التي ترتبت على احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني والقومي التقدمي كان وقعها شديد الوطأة على العراق أولاً ، وعلى الأمة العربية ثانياً، نظراً للموقع التي يشغله العراق في البنية القومية ، وللدور الذي كان يضطلع به في ظل سلطة البعث ومشروعه السياسي بكل أبعاده القومية ومضامينه التحررية. وقد  أفضى  الى انكشاف شامل ، مكّن النظام الفارسي اولاً ، من التغول في العمق العربي ، كما النظام التركي ثانياً ، الذي لاقى نظام طهران في احتلاله وتدخله في الشؤون  العربية ، وثالثهما الكيان الصهيوني ،الذي حقق اختراقاً في القواعد الخلفية العربية من خلال اتفاقيات التطبيع مع بعض الأنظمة العربية التي تبرر ذلك استجارة  من الرمضاء الايرانية بالنار الصهيونية.

 

ايها الرفاق ، ايها المناضلون والمواطنون الأحرار داخل وخارج الوطن وفي مخيمات النزوح واللجوء

 

إذا كنا لا ننكر ثقل  النتائج الكارثية  التي ترتبت على احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني ، إلا أن ثمة حقيقتان لم تدرك كنهما جيداً القوى التي ائتلفت في حلف غير مقدس ضد العراق.

الحقيقة الاولى ، هو تجذر الوطنية العراقية في نفوس جماهير العراق وعمق إنتمائها للعروبة كهوية قومية، والحقيقة الثانية ، أن حزب البعث لم يتشكل بقرار سلطوي كي يسقط بسقوط السلطة. 

إن هاتين الحقيقتين ،لم تكونا افتراضيتين ، بل كانتا حقيقتين أثبتتا وجودهما من خلال الوقائع وتكاملتا في النتائج التي أفرزتها  فعاليات المقاومة الوطنية التي أطلقها  البعث  لحظة وطأت اقدام المحتل الاميركي أرض بغداد واجبرته على الانسحاب بعدما كان يمن النفس بإحتلال طويل الأمد ، وفي فعاليات الإنتفاضة الشعبية التي عمت الساحات والميادين عقب الإنسحاب الاميركي وتواصلت ضد الاحتلال الفارسي ، وأعطت لحراكها بعداً وطنياً  وقومياًضد التوغل الايراني .   

 

أما  فلسطين فإن  شعبها بمقاومتة الباسله قد إستطاع أن يحرر ارادته ويحبط مخططات  الرضوخ والإستسلام ويتصاعد نضاله الذي بدأ يؤتي ثماره . فعندما تتحرك جماهير فلسطين على أرضية موقف وطني واحد يعتبر "الكيان الصهيوني"، سلطة إحتلال قائمة على كل ارض فلسطين التاريخية، وعندما يبدأ التحول في موقف  الرأي العام الدولي حيال الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني ، وأخرها تقرير منظمة العفو الدولية التي اعتبرت "اسرائيل" دولة فصل عنصري ورفض القادة الأفارقة على منحها صفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي وإعتبارها سلطة  احتلال ، يكون الصمود الفلسطيني قد بدأ يؤسس لواقع سياسي جديد . لكن ما يؤسف له أن هذا التطور  النوعي في مقاربة المؤسسة الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني والقادة الافارقه  لقضية الشعب الفلسطيني ، لم يوازه تطور نوعي في توافق الاطراف  الفلسطينية  بما يحقق الوحدة الوطنية لشعب فلسطين   ، حيث مازال  الصراع على سلطة وهمية  يضعف  الصراع مع العدو الصهيوني  الذي يوسع من قضمه للأرض عبر اغراقها بالمستوطنات وتدمير الاحياء السكنية بدءاً من القدس وحرم الاقصى.

إن حزب البعث،  الذي اعتبر ان قضية فلسطين هي القضية المركزية  في حركة  النضال العربي ، يشدّد على أهمية الارتقاء بالعلاقات الوطنية الفلسطينية الى مستوى الوحدة الفعلية على ارضية الموقف المقاوم ، والخروج من وهم التسويات التي تروج لها قوى الاستسلام  والتي لا تعدو كونها ترتيبات ادارية وامنية تخدم مصلحة العدو الصهيوني ، وتفرّغ المشروع الوطني الفلسطيني من مضامينه الفعلية كما هو اتفاق اوسلو.

والحزب اذ يؤكد على  مبدئية هذا الموقف،  فلأنه  يرى ان تحرير فلسطين ، يحتاج الى  وحدة وطنية  لقيادة حركة النضال الوطني الفلسطيني  يتم بالانطلاق منها استقبال كل متغير إيجابي لمصلحة قضية فلسطين على المستوى القومي كما على مستوى الرأي العام الدولي  . ان هذا ما دأب الحزب على تأكيده من خلال مقررات مؤتمراته القومية وخاصة تلك التي صدرت عن المؤتمر القومي التاسع التي أُعلن فيها عن تأسيس جبهة التحرير العربية في التاسع من نيسان من العام ١٩٦٩ ، لتكون اطاراً للكفاح الشعبي العربي في مسيرة تحرير فلسطين ، وان الوحدة والنضال من أجلها هو الطريق الاقصر لبلوغ هذا الهدف ، لأنه بقدر  ما يقترب  العرب من تحقيق وحدتهم بقدر ما يصبحون اكثر اقتراباً من تحرير فلسطين. 

 

يا جماهير امتنا العربية ، أٌيها المناضلون العرب على امتداد الوطن وخارجه.

 

في كل مرة يكون فيها العالم على مشارف تشكل نظام جديد، يكون للوطن العربي نصيبه من إنعكاسات التشكيلات الدولية على أوضاعه٠إن  هذا ماحدث في السابق ،.وهو يحدث اليوم من خلال الاطباق على وطننا  من قوى المشروع المعادي الذي تلعب الإمبريالية الأميركية دور القيادة الاستراتيجية له بغية إنتاج نظام اقليمي جديد تحت مسمى الشرق الاوسط الجديد يكون الكيان الصهيوني  وايران في ظل النظام الشعوبي الحاكم،  وتركيا المسكونة بحنين العودة الى ايام السلطنة العثمانية ، واثيوبيا من بوابة الامن المائي، من أركانه الاساسية ،وذلك  بعد الضعف الذي انتاب  المكون القومي العربي من جراء تكبيل مصر باتفاقيات "كامب دفيد" الذي ادى الى إنكفاء دورها القومي والعدوان على العراق واحتلاله  وما آلت اليه الاوضاع في سوريا بفعل التدمير لبنيتها الوطنية وتحولها الى ملحق بمراكز القرار الدولي والإقليمي. والتدخل الاطلسي المباشر  في ليبيا  وتشظي اوضاعها وتزاحم القوى الدولية والاقليمية للتدخل في شؤونها الداخلية ، والانقضاض على الشرعية والدولة  المدنية والتعددية السياسية  في اليمن بفعل التدخل الايراني المباشر لإقامة موطئ قدم على مشارف باب المندب، وليس اخيراً الانقلاب العسكري في السودان لقطع الطريق أمام  إستكمال عملية التحول الديمقراطي المدني.

 

من هنا فإن ما تعرضت له الانتفاضات الشعبية العربية ذات الطابع الثوري في العراق وسوريا واليمن ولبنان  والسودان والجزائر من محاولات لحرفها  او أحتوائها، كان هجوماً مضاداً  شنته  وتستمر به  القوى المرتبطة بأجندة القوى الخارجية من دولية واقليمية على الحراك الشعبي العربي، من أجل قطع الطريق على عملية التغيير السياسي بوسائل النضال الجماهيري السلمي  وتدارك السقوط  أمام مشروع  قوى التغيير  لبناء دولة المواطنة التي تحكمها قواعد الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة

والمساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية والتنوع في اطار الوحدة .  وهذه القوى التي تعاند التغيير منها من كان مشاركاً في أنظمة الإستبداد والفساد  التي أسقتطها الجماهير بانتفاضاتها الباسلة  أو من فلولها  ومنها من كان يشكل اذرعاً وأداة تنفيذية  لمشاريع الهيمنة وتدمير البنية المجتمعية العربية

ففي اليمن فإن الميليشيات الحوثية الخارجه من كهوف القرون الوسطى والتي تدعو الى الحكم بالحق الإلهي واستنساخ تجربة ملالي طهران تم استقوائها  بالنظام الفارسي  لضرب الشرعية الوطنية،بعد الانقضاض على مخرجات الحل السياسي الذي توافقت فيه القوى الوطنية على الديمقراطية والتعددية السياسية وبناء دولة حديثة وبسببها ادخل اليمن في دوامة صراع دام مدمر مازالت تداعياته تتواصل

 وفي سوريا، استقوى النظام الحاكم على الحراك الشعبي السلمي بالنظام الايراني وأذرعه الامنية التي دفع بها الى الداخل السوري من لبنان والعراق وباكستان وافغانستان ، ومن ثم الاستقواء بالتدخل العسكري الروسي الذي دمر المدن والحواضر السورية وهذا ما دفع الى عسكرة الحراك ودخول قوى التكفير الديني على مجرياته وهي قوى تم ويتم  الإستثمار بها من اميركا والنظام الايراني لتدمير البنية المجتمعية في العراق وسوريا بشكل خاص  لإحداث تغيير في التركيب الديموغرافي لأهم  قطرين في المشرق العربي واضعاف مناعتهما الوطنية وتشويه الهوية القومية .

 

وكما عمدت بعض  أنظمة الخليج الى تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني بحجة الاستقواء به في مواجهة التهديدات الايرانية في الوقت الذي تنسج علاقات تحت الطاولة مع نظام الملالي ، فإن الطغمة العسكرية التي نفذت ردتها في ٢٥ اكتوبر/تشرين الاول ٢٠٢١ في السودان ، عمدت إلى الاستقواء بالعدو الصهيوني لضرب الانتفاضة الشعبية ذات الافق الثوري.

ولهذا فإن الهجمة المتعددة الاطراف والاشكال على الجماهير العربية المنتفضة والذي تتولاه قوى التخلف والارتهان للخارج ، إنما هو استكمال للعدوان الذي تعرضت له المواقع الوطنية العربية في أكثر من قطر وخاصة العراق الذي كان يشكل رافعة للمشروع القومي العربي الوحدوي التحرري.

إن حزب البعث  عندما يدعو الى إعادة الإعتبار للنضال  الجماهيري لتحقيق التغيير وإنجاز التحرير  فلأن الجماهير هي صاحبة المصلحة ، وهي دائماً التي تحدد الإتجاهات الصحيحة التي يجب أن يسلك مسارها العمل النضالي. ولهذا فإن الحزب هو  دائماً  على الضفة  التي تقف عليها الجماهير في مواجهة اعداء الامة المتعددي المشارب والمواقع. 

إن الحزب مارس هذا الدور منذ أطل على الحياة السياسية قبل خمسٍ وسبعين سنة  . وفي مناسبة يوبيله الماسي ، فإنه يستحضر هذا الموقف في مقاومة الإحتلال الصهيوني لفلسطين  وفي مقاومة الإحتلال الأميركي الايراني للعراق وما أفرزه من نتائج سياسية ، كما يستحضره في مشاركته الناشطة في الإنتفاضة الشعبية في لبنان ضد منظومة الفساد والمحاصصة وإعتماد ساحة لبنان منصة لتنفيذ اجندة المشروع الايراني ، والارتهان لشروط صندوق النقد الدولي ، ولمحاولة التطبيع مع العدو الصهيوني تحت عنوان ترسيم الحدود البحرية. كما هذا الموقف يجد ترجمته العملية  في إنخراطه في تحالف دعم الشرعية في اليمن ضد الحرب التي تسبب بها من ارتبط بالمشروع الايراني وأدى الى إندلاع الحرب المتواصلة فصولاً مع ما خلفته من تدميرٍ ومآسٍ على جماهير اليمن الصامدة.

 

واذا كان الحزب لم يغب عن ساحة الحراك في تونس والجزائر ، فإن مشاركته الفاعلة  في تفجير انتفاضة ديسمبر ذات الافق الثوري في السودان شكل علامة فارقةً  في تأكيد حضوره على مستوى الموقف كما على مستوى دوره  في الساحات والميادين والإدارة السياسية لحركة التغيير. ويتعرض مناضلو الحزب في السودان بعدد من  رموزه القيادية وكوادره ومناضليه لحملة شعواء تشن ضده الى جانب القوى الوطنية ولجان المقاومة الشعبية  بلغت حدّ  التحريض عليه من العدو الصهيوني.

 

ايها الرفاق ايها المناضلون العرب من اجل الوحدة والحرية والاشتراكية. 

ان الحديث عما تواجهه الامة  من تحديات يطول كثيراً ، وما تتعرض له من عدوان وتخريب يطول أكثر، لكن ما نود التأكيد عليه في هذه المناسبة المجيدة ، مناسبة اليوبيل الماسي لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ، حزب الثورة العربية ، حزب الوحدة والحرية و الاشتراكية ، إن الحزب الذي إنبثق من واقع الامة سيبقى حياً ينبض قلبه بالحياة طالما بقي قلب الامة  ينبض بالحياة وهو عصي على الإجتثاث لايغريه إغراء ولا يثنيه عن عزمه قمع وإرهاب ، يواصل مسيرته طليعة لحركة الثورة العربية ويمهر نضاله بدماء الشهجاء الأكرم منا جميعاً ولانامت أعين الجبناء.

 والأمم وان واجهت معوقات لمشروع إستنهاضها ، فإن إبداعاتها تنبع من عمق معاناتها ،والامة العربية كأمة حية لم ولن تموت لأنها اليوم  كما كانت في  السابق الأمة التي أُختيرت لحمل رسالة خالدة ، وستبقى الامة المؤهلة لحمل الرسالة الخالدة التي تنطوي على أهداف التحرير والتوحيد وقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

إن البعث وفي ذكرى يوبيله المآسي ، يعيد التأكيد بأن الامن القومي العربي هو وحدة عضوية

 بحيث أن أي تهديد لأي من  مكوناته الوطنية هو تهديد للأمن القومي برمته ، وهذا ما يجب أن يكون أساساً في صياغة التحالفات السياسية وخاصة بين القوى القومية والوطنية حيث تفرض التحديات التي تواجهها الأمة قيام الجبهة الشعبية العربية حتى تشكل الحاملة القومية للمشروع القومي الذي يجابه المخاطر التي تحيق بالوضع العربي.

إن حزب البعث الذي لم يألوا جهدا لبلورة هذا الإطار الجبهوي منذ التأسيس، يجدد اليوم،  الدعوة لكل القوى السياسية والاجتماعية على المستويين القومي والوطني  لقيام الجبهة الشعبية العربية كي يتسنى لها قيادة  النضال الجماهيري في صراع الأمة ضد أعدائها المتعددي المشارب والمواقع. وإلى إعطاء المسألة الديموقراطية مساحة أوسع في الخطاب السياسي للحزب وفي ممارساته العملية على قاعدة إرتباطها بمحتواها الإجتماعي  . وفي سياق المهام المرحلية لتعزيز الروابط القومية فإن  الحزب يشدّد على أهمية  تعزيز  مراكز البحث العلمي وتفعيل المؤسسات القومية الاقتصادية منها، وذات الصلة بالتنمية الصناعية والزراعية كخطوة على طريق تحقيق التكامل الاقتصادي ، وهو الذي يتطلب تأمين كل الشروط والمستلزمات اللازمة  لحرية التنقل والاقامة  والتملك والاستثمار وربط الأقطار العربية بشبكة من البنى التحتية والمواصلات التي تسهل تنقل الاشخاص والبضائع.

في هذه الذكرى القومية التي يحييها  البعثيون  بكل جوارحهم ، مدعوون  اليوم لإستلهام  روح البطولة والتضحية والفداء المختزنة في ذات الأمة ،كي  يرتقوا في نضالهم الى مستوى التحديات التي تواجه الأمة ، وإلى  مواجهة تصاعد  التآمر على الحزب الذي يتخذ اشكالاً مختلفة وأخطرها نوازع الردة التي أسس لها في ٢٣ شباط من العام ١٩٦٦ ، وتعود لتطل برأسها في كل مرة تجد الفرصة متاحة أمام مريديها.

وإذ تحل هذه الذكرى هذا العام مع حلول شهر رمضان المبارك ، فإننا نتوجه بالتهنئة الى أمتنا العربية والمسلمين قاطبة بحلول هذا الشهر الفضيل داعين الله  أن يعيده  على أمتنا وقد تحررت من كل أشكال استلابها القومي والاجتماعي. 

فهنيئاً لأمتنا حلول شهر رمضان المبارك وهنيئاً للبعثيين ميلاد حزبهم حزب الأصالة والمعاصرة وهم يصعدون نضالهم ضد  قوى  الردة والتخريب من الداخل والعدوان والتآمر من الخارج  . وهو كما عهدته أمته سيبقى أميناً على العهد النضالي وأميناً على المبادئ ، ووفياً للتضحيات التي قدمت خلال المسيرة النضالية الطويلة ، ومستحضراً دائماً وصايا القادة التاريخيين  للبعث العظيم  وعلى رأسهم القائد المؤسس الرفيق  أحمد ميشيل عفلق  ولمن ارتقوا في تضحياتهم مستوى الشهادة وعلى رأسهم شهيد الحج الاكبر الأمين العام للحزب الرفيق صدام حسين والتحية إلى روح الرفيق القائد الأمين العام للحزب عزة ابراهيم عليه رحمة الله ورضوانه.

 تحية الى مناضلي الحزب في ساحات الوطن العربي والمغتربات .

 تحية لهم في فلسطين وهم يقاومون الإحتلال الصهيوني وعنصريته، وإلى الرفاق في جبهة التحرير العربية قيادة وقواعد في الذكرى الرابعة والخمسين لإنطلاقتها.   

تحية لهم في العراق العظيم وتحية لفصائله المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي الصهيوني الفارسي

تحية لهم في الأحواز المحتلة، في البحرين والجزيرة العربية وهم يتصدون لنهج التطبيع ولأجل إطلاق الحريات العامة .

تحية لهم في اليمن وهم يدافعون إستقلاله وعروبته وخياراته في الديمقراطية والدولة المدنية

وفي الأردن وهم يناضلون دفاعاً عن التعددية السياسية والحياة الحرة الكريمة وضد التطبيع مع العدو الصهيوني

وفي وسوريا، وهم يناضلون ضد إستباحة الارض الوطنية من العدو الصهيوني والقوى الدولية والإقليمية التي تعبث بأمنها الوطني وضد  نظام  الردة والاستبداد والتوريث السياسي ومصادرة الحريات العامة ولأجل إستعادة سوريا لدورها القومي وقلبها النابض بقيم العروبة الاصيلة .

تحية  لهم في لبنان وهم يناضلون ضد نظام المحاصصة والفساد والطائفية ، وفي المغرب العربي في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ، وهو يناضلون لمواجهة التدخلات الإستعمارية  ولكل المحّرضات على تفجير الصراعات الاثنية والقبلية والجهوية ، وفي مصر العروبة التي يطمح الحزب لأن تستعيد دورها كرافعة للنضال القومي العربي. 

تحية لهم في السودان وهم يناضلون لأجل التحول الديموقراطي والتنمية المستدامة وتثبيت ركائز السلم الأهلي والوطني ومقاومة نهج التطبيع

التحية لهم في ارتيريا وهم يناضلون ضد حكم الفرد والنظام الديكتاتوري الطائفي ومن أجل الديمقراطية و التنوع في اطار الوحدة ولإعادة أريتريا الى فضائها العربي .

 

تحية للرفاق المؤسسين الذين أطلقوا هذه الحركة التاريخية التي تمارس النضال وتقيم التحالفات والعلاقات بصدقية الانقياء في الموقف والسلوك.

تحية لشهداء الحزب والأمة الذين سقطوا وهم يقاومون الاحتلال وأنظمة الاستغلال  والاستبداد والرجعية .

التحية والحرية للأسرى والمعتقلين في معتقلات العدو الصهيوني والأحواز والسلطة  العميلة في العراق  وقوى  الردة في السودان  . 

المجد والخلود للشهداء الأكرم منا جميعاً

 

عاشت الأمة العربية وعاش نضال جماهيرها على طريق تحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.

عاش البعث العظيم في يوبيله الماسي

 

7نيسان2022






الاربعاء ٤ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة