شبكة ذي قار
عـاجـل










مغامرات في التدخلات الخارجية .. نموذجان يتكرران..!!

د. أبا الحكم


تدخل الأتحاد السوفياتي عسكرياً في أفغانستان، ثم انسحب بعد ذلك مكسوراً، وإنكساره السياسي أدى إلى تدمير بنيته التنظيمية من القمة الى القاعدة على وفق مبدأ البراسترويكا والغلاسنوس)، فتفككت منظومته الاشتراكية وتلاشى حلف وارسو .. ما الذي أفاد الاتحاد السوفياتي من تدخله في افغانستان .. ألم يكن مستنقع إستنزاف لم يستطع الاتحاد السوفياتي بقوته ومكانته وقدراته ان يستمر في تدخله العسكري؟ ولكن إنسحابه لم يسعفه ولم ينقذه من تداعيات هذا التدخل، ليس على الاتحاد السوفياتي فحسب، إنما على عموم دول العالم .

تدخلت روسيا الإتحادية في مناطق قريبة منها وهي مناطق كانت ضمن كيان الاتحاد السوفياتي الذي انهار وتفكك، مثل جورجيا وجزيرة القرم وسوريا وحالياً في أوكرانيا. والتدخل العسكري الروسي كان مدروساً بعناية فائقة وفي حساباته النجاح لإبتلاع اوكرانيا كلها او القبول مرحلياً بإقتطاع المدن الكبيرة المحاددة لروسيا وموانئ السواحل الحيوية الأوكرانية ، ومن ثم التوغل تدريجياً نحو مدن العمق والعاصمة كييف تقع في هذا المرمى، وحسابات الكلف ليست ذات قيمة في مضمار السوق العسكري التدخلي لا في الممتلكات ولا في ارواح البشر تحت الأنقاض او المشردين، لأن المهم – عودة المناطق الحيوية من اجل إعادة إرث الأتحاد السوفياتي كقوة لها موقعها في (قطبية ثنائية).. فهل يتم ذلك؟ وهل ان عناصر القوة قد بلغت حد التكامل؟ وهل ان مقومات إعادة بناء القطبية الثنائية التي لن تعود على المسرح السياسي الدولي، قد اكتملت على المستويين الدولي والاقليمي؟ وهل القوة العسكرية وحدها تكفي للقفز نحو القطبية؟

اسئلة اجبنا عليها في مقالات سابقة تناولت بعض ملامح هذا الموضوع، ولكن لا بأس من تأكيد 1- استحالة عودة القطبية الثنائية إلا بشروط غاية في الأهمية 2- إستحالة تكرار الإستقطاب الآيديولوجي بين المعسكرين لفقدان المقومات الأساسية. طالما ان روسيا الاتحادية لم تعد تمتلك ايديولوجيا الاتحاد السوفياتي كما إنها لم تعد قادرة على تجميع عناصر قوتها، إنما تمتلك انياب ذرية موروثة عن الاتحاد السوفياتي غير قادرة على إستخدامها والتهديد بها يعد سخرية في عالم السياسة، كما إنها لا تمتلك قوة اقتصاد متكامل، إنما تعتمد على واردات النفط والغاز وبيع الأسلحة، وفي سياستها تتلاعب بخطوط أنابيب النفط والغاز وبموارد الغذاء الأوكراني .. فروسيا الاتحادية الآن ليست إشتراكية كما إنها ليست رأسمالية إنما دولة قومية- قارية تستخدم الدين الأرثودوكسي أداة في سياستها الخارجية وفي تدخلاتها المدنية والعسكرية، وخاصة في اوربا. وقد شهدت العواصم الأوربية في ظل اجواء انتخاباتها تدخلات روسية تعمل على خلط الاوراق والتحكم بمفاصل سير النتخابات، ومنها على وجه الخصوص العاصمة باريس وواشنطن، والضجة الاعلامية والسياسية حول تلك التدخلات كانت شاهدا على ذلك .

فالتدخل العسكري الروسي في اوكرانيا لا يختلف كثيرا عن التدخل السوفياتي العسكري في افغانستان، مع اختلاف الاحجام واختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية التي سادت الفترة السابقة من القرن والواحد والعشرين. فإذا كانت هزيمة الاتحاد السوفياتي مدوية بإنهياره وتفكك منظومته وحلفه العسكري، فما الذي نتوقعه من التدخل العسكري الروسي في مستنقع الإستنزاف في اوكرانيا؟ والمقارنات في القوة تختلف بين قوة الاتحاد السوفياتي ومكانته الدولية وبين قوة روسيا الاتحادية واقتصادها ومكانتها وتحالفاتها التي تتوجس خيفة في عالم قائم على التهديد باستخدام القوة وبالعقوبات الاقتصادية والحصارات المالية والنقدية وحدود التسويقات التجارية والمالية والمصرفية .

والتسائل في هذا المجرى روسيا إلى أين ؟ هل تستطيع عبور اوكرانيا صوب محطة ثانية؟ وهل تستطيع ان تخترق دولة اخرى من دول الاتحاد السوفياتي المستقلة بدواعي الأمن والمجال الحيوي؟ وهل تكتفي بإقتطاع مدن من اوكرانيا مرحليا أم تهيمن على أوكرانيا وهي كومة من حجارة وأهلها موزعون في الشتات؟

التساؤلات هذه لها جواب واحد هو ان روسيا لن تخرج من اوكرانيا سالمة مثلما خرج الاتحاد السوفياتي من افغانستان مدحورا ومفككا تحت شعار الـ(براسترويكا والغلاسنوس) ذلك الفخ الذي اصبح من التاريخ، ولكن المستنقعان الأوكراني والسوري مايزالان ينتظران النتائج.!!

لقد تدخلت الولايات المتحدة في عدد من دول ومناطق العالم ومنها على وجه التحديد افغانستان وانهزمت وفي العراق كانت هزيمتها مدوية ولم تعد قادرة على تحريك الجيوش للغزو انها باتت مجرد شبح يمتلك القوة ولكنه غير قادر على استخدامها.!!

01/07/2022

 






الخميس ٨ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة