شبكة ذي قار
عـاجـل










مسرحية الصدر.. فصل كوميدي من فصول الصراع..!!

د.أبا الحكم

 

من الأمور التي تستوجب الادراك هي ان نقتفي سير الاحداث لحركة الصدر على مسرح مفتوح لعوامل الضغط الإيراني والأمريكي وبقية القوى ، وليس في هذا الإقتفاء سرداً تاريخياً عادياً، ولكن في اطار خطوات بدأها مقتدى الصدر، وهو بيضة القبان في مسألة  اتوازن القوى داخل العراق يستخدم كلما حشر الموقف السياسي في زاوية الإختناق فيطلقون مقتدى لمعالجة الموقف كما تريده اطراف الصراع امريكا وايران .

عاش العراق المحتل في محنة عامة ومنها انعدام التوافق في البرلمان وانحشر الموقف وبات معطلاً تماماً فما الذي فعلته كتلة الصدر؟

-  لبست كتلة الصدر البرلمانية (الأكفان) داخل البرلمان ، تعبيراً عن العزم وإستعدادهم للموت شهداء للوطن .!!

-  ثم انسحبت الكتلة من البرلمان بقرار من الصدر واستقالت، وطالبت بتعويضات (نهاية الخدمة) .. وحصل النواب الصدريون على مبالغ طائلة، وهي لعبة نفعية وليست وطنية، وحصولهم على امتيازات التقاعد الذي يستمر مدى الحياة، على أمل تعيين بديل عنهم حين يصار الى إعادة تشكيل الكتلة التمثيلية للصدر ثانية في البرلمان.!

-  استمرت الاحتجاجات، وتمترس الصدريون بأمر من الصدر في تظاهرات، صاحبها تهديد وتهديد مقابل من ذيول ايران (الاطار التنسيقي)، وأتُهِمَ الصدر بتعطيل ما يسميه حسن نصر الله بـ(الثلث المعطل)، وهي لعبة خامنئية عطلت لبنان وشلت الدولة اللبنانية وأفلستها وأذلت شعبها., ويراب بها ان تطبق في العراق.

-  دفع الصدر بأنصاره الى حافات المنطقة الخضراء المحصنة امنياً ، واسقطوا دعامات السمنت المسلحة بالشفلات وتدفقوا الى باحات وقاعات البرلمان واحتلوه واتخذوا منه مقهى وملهى واستعراضا مسرحياً امام الكاميرات .

-  ثم تدفقت مجاميع اخرى من انصار الصدر لتدخل القصر الجمهوري وتستقر في باحاته وقاعاته وحدائقه ومسبحه .. فيما بات الاطار التنسيقي يدفع بمليشياته الموالية لإيران الى تظاهرات في مخيمات على غرار ما يفعله الصدريون وبالقرب من الجسر المعلق.

-  طيلة هذه الفترة المرسومة للإستعراضات المسرحية كان الصدر يُصَرِحْ ويرفع شعارات في شكل اهداف (حل البرلمان - التغيير وليس الإصلاح- لا لحكومة المحاصصة الطائفية- لا لتدوير الوجوه الفاسدة والفاشلة- نعم للإستقلال الوطني - نعم للعراق القوي الموحد- نعم للمواطنة وكلا للمحاصصة الطائفية - وكلا للتدخل الخارجي في الشأن العراقي) ، هذه اهداف اساسية اطلقها الصدر .. فيما رفع شعارات (هيهات منا الذله- كرامة العراقيين فوق كل اعتبار- لا احد اكبر من العراق لا الفرد ولا الحزب ولا الكتل، الوطن فوق الجميع - لن نتنازل عن ذلك، لأنها جوهر قيمنا واخلاقنا).

والتساؤل هنا : هل كان مقتدى الصدر لا يعلم بأن أنصاره الذين دخلوا البرلمان والقصر الجمهوري واغلقوا مقار المحافظات ودوائر الدولة، سيجلب تحركهم هذا ردود فعل من فصائل الحشد الشعبي وجهات أمنية اعلنت انها معنية بالمحافظة على الأمن وممتلكات الدولة ؟ وهي ردود تحمل في طياتها تهديد بالرد عن طريق استخدام القوة، فيما تقبع خلف اتباع الصدر (سرايا السلام) المسلحة استدراكاً لأسوء الاحتمالات المتوقعة . ألم يدرك مقتدى الصدر بأنه قد تخلى جملة وتفصيلا عن اهدافه وشعاراته دفعة واحدة حين أسدل الستارة على المسرحية في خطابه الأخير ليتلقى الشكر والامتنان من كل الاطراف: امريكا تقول تفاوض وتهدءة ، وايران تقول تفاوض وتهدءة ، والأمم المتحدة تقول تفاوض وتهدءة ، ودول الجوار تقول تفاوض وتهدءة .. وكان مقتدى الصدر يرفض التفاوض ويرفض سحب انصاره ، ووزيره للإعلام صدع رؤوس العالم بتصريحاته النارية وتأكيده على اللآتراجع حتى يُحَلُ البرلمان ويتم التغيير لا التصحيح . ومع كل هذا وبعد مشوار من التصادم الذي اشعله الاطار التنسيقي بإغتيال عدد من انصار الصدر .. طلبت ايران التوقف وإنهاء حالة التصادم، على وفق سيناريوين :

الأول: لأن ورقة العراق الضاغطة على طاولة المفاوضات مع امريكا بشأن الملف النووي الايراني قد وصلت ذروتها القصوى بتراشق اطلاق النار وبالاسلحة الخفيفة والمتوسطة والصاروخية، الأمر الذي (خرج عن السيطرة) حسب اللغة الايرانية والأمريكية، من اجل الاسراع في التوقيع على اتفاقية التفاوض النووي.

الثاني: هو ان الصدر خضع لتهديد مرجعية (قم) عبر مرجعية (النجف) الاكثر عراقة وتأثيرا ، وليس عبر مرجعية الفارسي الأصفهاني (كاظم الحائري) الذي يتبع ولآية الفقيه التي لا تؤمن بها- حسب الزعم- مرجعية النجف .. والتهديد جاء من النجف ، بعد ان شعرت المرجعية بوصول النيران اليها  و وجوب ايقاف تراشقاتها  ومنع اتساعها حفاظاً على (البيت الشيعي) وإلا فإن تصفية الصدر جسدياً ستكون على المحك .. جاء هذا التهديد من خامنئي الى مرجعية النجف عبر قاأني الذي رفض استقباله الصدر والاستماع إليه، لكن مرجعية النجف استقبلته . إذن ، حصلت النتائج التالية 1- ليس لمرجعية النجف من مكانة أعلى وأشمل من مكانة مرجعية (ولي الفقيه)، وإن الاحتلافات المعلن عنها مجرد صيغة لغرض التوازن على اطراف اللعبة الطائفية وإدامتها واستمرارها 2- ان تأثير الاحتلال الايراني واضح على العراق من خلال قنوات وادوات باتت مكشوفة تماماً 3- اثبتت حركة الشارع العراقي وتدفقات الجماهير استعداداتها للتضحية من اجل الوطن 4- كما اثبتت بأن الاطار التنسيقي والحشد الشعبي وحتى الوجود الفارسي في العراق ضعيف وضعيف جداً . وان التهويل والتضخيم والتخويف هو الاسلوب الفارسي لتحجيم جماهير الشعب العراقي من اجل الردع 5- ان التوافق الأمريكي- الإيراني قائما بتوحد المواقف (فرض اسلوب التفاوض والحوار وبآليات الاحزاب الطائفية التي تهيمن على العملية السياسية الفاسدة والفاشلة) على واقع الصراع في العراق وهو صراع لم يأت إلا من اجل التغيير الجذري ورفض الدستور وإعادة تشكيل النظام السياسي نحو نظام وطني مستقل في قراره السياسي والاقتصادي.  

ما الذي يريده مقتدى الصدر من هذه العملية؟ لا شيء، سوى الشكر والتقدير وزيادة رصيده السياسي، لكن رصيده العام قد خسر زخمه وصدقيته كما خسر ثقة الناس البسطاء والذين فقدوا أبنائهم شهداء وجرحاهم معاقين بدنياً وربما نفسياً . إن تأكيد امريكا وايران على التفاوض والتهدئه دليل على رغبتهما في إبقاء الامور كما كانت (دستور اعمى ، وبرلمان مشلول ، وحكومة كسيحة ، وعملية سياسية تعيش التأزم والفشل) .. إذن ، ما الذي يريد ان يقوله مقتدى الصدر إزاء واقع تريده امريكا وتريده ايران ؟

ليس لدى مقتدى الصدر شيء يريده ، إنما ينفذ ما امره مرجعه الأساس الذي تتلمذ على يديه في قم وهو المرجع (كاظم الحائري)، الفارسي الذي يسكن اصفهان ويؤمن بولآية الفقيه الخامنئي .

قال المرجع كاظم الحائري ، في البداية ، لمقتدى الصدر ..- اخرج بأتباعك في تظاهرات مليونية واحتلوا البرلمان واكتسحوا مصدات السمنت نحو المنطقة الخضراء ثم ادخلوا القصر الرئاسي وهددوا مؤسسات حكومية واستفزوا كياناتهم الولائية وتقاذفوا بالنيران -  هذا التصعيد تريده ايران لتذكير بايدن بسرعة التوقيع على الملف النووي الايراني دون تأخير والتغاضي عن الخطوط الحمر – الصواريخ البالستية والمسيرات وتسويق السلاح الى مليشياتها في اليمن وسوريا ولبنان وسوريا والعراق، وعدم التعرض للحرس الايراني كمنظمة إرهابية - هذه الخطوط الحمر التي تريد تكريسها ايران، من اجل توقيع الملف لتجني بعد التوقيع (163) مليار دولار ستقوم طهران بإنفاقها في ما بعد على عملياتها الإستخباراتية الخارجية،  وستدفع كوريا الحنوبية (8) مليارات دولار والعراق (10) مليارات دولار.

ماذا سيقول مقتدى الصدر للشباب الذين سقطوا شهداء ولعوائلهم وللجرحى والمعاقين؟ هل من المتوقع ان يأمرهم بالدخول ثانية وثالثة الى البرلمان والتظاهر امامه وقطع الطرق واختراق المنطقة الخضراء؟  وهل سيدعو الى العصيان المدني العام ؟

المسرحية تم التمهيد لها حين سمحت حكومة الولائيين وطلبت من قوى الأمن والشرطة عدم التعرض للتظاهرات وعدم التعرض لأتباع الصدر عند إسقاطع دعامات السمنت والحواجز، وعدم التعرض لهم وهم يتدفقون الى البرلمان ومن ثم القصر الرئاسي .. كل ذلك قد تم بسلاسة وهدوء .. وحين رفض الصدر التفاوض والتنازل عن شرط حل البرلمان وبروز اشكالية المحكمة المسيسة المرتبطة بالولآئيين الايرانيين، وإصراره على حل البرلمان، اصاب الذعر الاطار والاحزاب الموالية لإيران والحشد الشعبي والسفارة الايرانية في بغداد والمرجعية في النجف، افتعل الحرس الايراني (قناصة) هليوكوبتر بالتنسيق مع الاطار ازمة إطلاق النار واسقط عدد من القتلى في صفوف اتباع الصدر، حينها بدأ التراشق بالنيران بين الجانبين، الذي اثبت ،كما اسلفنا، ضعف الطرف الآخر وعدم قدرته على الصمود .. عندئذٍ ، ظهر تهديد المرجعية النجفية بأن القتال يهدد (البيت الشيعي) ... وهل يهدده ولا يهدد الوطن؟ وهل البيت الشيعي اهم واكبر من الوطن ؟ وهل هناك عاقل يفاضل بين الفساد والفوضى بمعنى ، القبول بالفساد احسن من الفوضى؟

سقط مقتدى الصدر، وإذا كان اتباعه تحركهم مشاعر الوطن ، فلن يستجب له إلا المنتفعون منه من القيادات الميدانية، وهو الذي يمتلك حصصاً في وزارات الحكومة وشركات تجارية ومكاتب وآليات بيع العملة وعقارات وطائرة خاصة لرحلاته الداخلية والخارجية ، فيما اتباعه يتقاسمون موارد المنافذ الحدودية وسيطرات الطرق الخارجية مع تشكيلات الولائيين من الاطار التنسيقي والحشد الشعبي .. هذا التداخل في المصالح والمنافع المشتركة يظهر ويفرز واقع الصدر الذي لا احد يعول عليه في التحرك .. فهو مجرد بيضة القبان توازن فيه ايران الاختناقات في العراق، وتحرك البرك الآسنة كلما تطلب الأمر ذلك .. اما الأمريكيون، فيعرفون ان الفساد يقود الى التفسخ والتفسخ يقود الى التقسيم والتقسيم ينتهي بالتفتيت ولا عراق على الخارطة .. محو الذاكرة  في عرف امريكا واسرائيل ومن ثم محو الوطن من الخارطة .. فالمسرحية هذه بسيناريوهاتها ومؤشراتها وتداعياتها باتت مكشوفة تقاومها الجماهير ولن تسمح للعملاء والجواسيس التلاعب بمستقبل العراق وشعبه ابداً.

 

30/09/2020

 

 

 

 

 

 






الخميس ٥ صفر ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيلول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د.أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة