شبكة ذي قار
عـاجـل










أمريكا ستضرب إيران.. أمريكا لن تضرب إيران.. كيف؟! (ح-1)

د. أبا الحكم

 

 

لا أدري على أي أساس تحليلي وموضوعي يعزز أصحاب السيناريو الأول رأيهم؟، ولكني، في الوقت ذاته أدرك أن إيران لن تضرب عسكرياً، وهو واقع حال منذ عام 1979، وذلك لاعتبارات تتعلق بواقع جيو- استراتيجي يتعدى جغرافية إيران ليشمل الشرق الاوسط والعمق الآسيوي والصراع القائم على تخوم البلقان والقرم.

هذا الواقع، يستوجب العودة إلى جمع المعطيات، فضلاً عن الاحاطة بالوضع (الجيو- سياسي) و (الجيو- استراتيجي) الاقليمي والدولي، اضافة إلى حقائق التاريخ، الذي يفسر طبيعة العلاقات الكائنة بين القوى الاقليمية في المنطقة (تركيا – إيران – اسرائيل).

هذه المعطيات على درجة عالية من الأهمية لفهم السلوك السياسي الخارجي للدولة الايرانية على وجه التحديد، والدولة التركية وسلوك الكيان الصهيوني.. ومن دواعي الفهم الموضوعي عدم الخلط ما بين القوى الدولية والاقليمية، لأن لكل من هذه القوى حساباته وسياساته واستراتيجياته القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، ولا بأس من ربط الاهداف بأدوات التنفيذ في صلب استراتيجية الدول الكبرى والعظمى، وخاصة حين استخدمت الدولة الأمريكية العظمى دولة إقليمية هي (إيران) كأداة من ادوات سياستها في التخطيط الذي وضعته في إطار تحالف، كما وضعتها كدولة عازلة. (Buffer State). لمنع وصول الخصم الاسيوي إلى مياه ونفط الخليج العربي.

فالدولة الايرانية عبر التاريخ الذي يمتد إلى ما قبل ظهور الإسلام كانت وما زالت تبدي عداوتها للوجود العربي وترى في هذا الوجود ما يعرقل طموحاتها للوصول إلى 1- البحر المتوسط والبحر الاحمر والمضائق والخلجان العربية، والبحر العربي ومضيق باب المندب وقناة السويس فالبحر المتوسط 2- التوسع البري عبر الحدود الشرقية المحاددة للعراق نحو بلاد الشام - سوريا ولبنان والاردن وفلسطين - والعبور إلى الشمال الافريقي العربي مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ثم التوغل في قلب القارة الافريقية 3- بناء الامبراطورية الفارسية وفرض سياستها (الثيوقراطية) المستبدة والعدوانية على محيطها القريب والبعيد .. يتم ذلك حسب مقررات مؤتمر (قم) الذي بلور هذه الاستراتيجية لكل عشر سنوات ولمدى مائة عام.

جاءت الدعوة الاسلامية قبل 1400 عاما، رفضت قبولها الدولة الفارسية لأنها كانت متمسكة بنهجها الامبراطوري موضوع البحث فدخلت الحرب وانكسرت امام العرب ودخلت الاسلام بـ(التقيه) بمعنى القبول ظاهريا بالإسلام وعدم الاعتراف به باطنياً. وظل العدوان والحقد يمثل جوهر التفكير الفارسي تجاه العرب وتجاه الاسلام.. وكحقيقة ثابتة ان العداء الفارسي للعرب قبل ظهور الاسلام، وتعزز الحقد الفارسي بعد ان كسر العرب المسلمون شوكة العدوان الفارسي.

فالتوجه الـ(جيو - استراتيجي) الفارسي مكرس اساسا نحو غرب الهضبة الايرانية الجرداء باتجاه ارض السواد بلاد (ما بين النهرين) العراق، والدوافع (جيوبوليتيكية) حيث تستثمرها النخب الفارسية الحاكمة عبر التاريخ منذ ما قبل اسماعيل صفوي مروراً بشاه إيران وخميني وخامنئي والذي سيأتي بعده.. لم يأت نظام وطني في طهران ليحل معضلة التوجهات الايرانية العدوانية المنحرفة، التي لا تراعي مصالح دول الجوار ولا تحترم القانون الدولي ولا حتى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وظلت نزعات العداء للعرب قبل ظهور الاسلام مستمرة لحد الآن، كما استمرت نزعات تدمير الاسلام مستمرة هي الأخرى بوسائل متعددة 1- محاربة الدين الاسلامي بمذهب التشيع الفارسي، معتمدين على التبعية الفارسي المتشيعة، ومعتمدين على جهل الكثير من الفقراء والبسطاء من الشيعة الذين تطغي عليهم عواطف حب أل البيت الكرام ، وفارضين وصاية فارسية على عموم الشيعة وبالتالي 2- تضخيمهم لمذهب التشيع الفارسي وتقزيمهم للإسلام الحنيف، وبأدوات عديدة ايضاً منها اسلوب (البدائل) : – بدلا من الجامع والمسجد يتم بناء (حسينية) – وبدلا من الحج إلى مكة المكرمة يستعاض بضريح الرضا وضريح أل البيت الكرام – وبدلا من ممارسة الطقوس التاريخية كموروث ثقافي، تمارس طقوس لا تمت للدين الاسلامي ولا للتاريخ الاسلامي بأية صلة مثل: التطبير وجلد الظهور بالزناجيل ولطم الصدور بالأكف والمشي لمسافات طويلة والركض نحو المراقد تحت يافطات المولد والوفاة والبدع  في تصوير سيرة أل البيت الكرام في قصص لا تمت للحقيقة بصلة، بل الإمعان في قذف اصحاب الرسول وزوجة الرسول، وتشجيع المنابر الفارسية على هذا المنهج وسكوت المرجعيات الفارسية في النجف على هذا السلوك الفارسي، وإشاعة الكذب والدجل وطمس الحقائق وتزوير صفحات التاريخ من خلال منابرهم ودعاتهم الذين يتاجرون بالمخدرات ويتاجرون بالدعارة التي يسمونها (المتعة) - .

 

ولهذه المحصلة اهداف بعيدة:

اولاً- اقناع الغرب بأن الارهاب يأتي من السنة، فيما ينتج النظام الفارسي في طهران الارهاب ويرعاه ويتعاون معه وباعترافات قادته من كابل إلى بغداد، كالقاعدة وداعش اللتان تعدان اداتان استراتيجيتان للاستخبارات الفارسية لتشغيل المليشيات في سوريا ولبنان واليمن والعراق - الحشد الشعبي. وهكذا انخدع الغرب وامريكا منذ كلنتون وبوش واوباما بالكذبة الفارسية الكبرى، حتى ان امريكا قد بنت استراتيجيتها المتوسطة المدى في ضوء الخداع السياسي الفارسي.

ثانياً- اقناع الكيان الصهيوني بأن النظام الفارسي لا ينوي امتلاك السلاح النووي وليس عدوا له رغم إعلامه المهرج (الموت لأمريكا) و (الموت لإسرائيل)، ولكن التعاون الاستخباراتي قائم بين الاستخبارات الاسرائيلية والاستخبارات الفارسية من اجل الابقاء على تقسيم الشعب الفلسطيني بين جغرافيتين (الضفة الغربية) و (قطاع غزة) وفرض ما يسمى بمعادلة الصراع القائم على مزاعم (المقاومة والممانعة).. وكما نرى، كيف أمرت إيران خدمها في حماس والجهاد الاسلامي وبواسطة السمسار حسن نصر الله العبد لولي الفقيه تجميع وفد إلى دمشق لإعادة ترتيب شبكة تحالفات إيران في المنطقة على اساس المستجدات الدولية التي باتت طهران تشعر بخطورتها في الداخل الايراني وفي خارجها - وتؤكد الحقائق ان السمسار حسن نصر الله هو المعول عليه ايرانيا في تصريف السياسات الفارسية الاستخباراتية في المنطقة والعالم فضلا عن تمويل المليشيات وخلايا التنظيم التشيعي ومنظمات الاخوان المسلمين في المنطقة. فحين شعرت إيران بضغط الجماهير الايرانية وتأزم الوضع في العراق، اوعزت إلى عبدها المأمور حسن نصر الله ان يشرف على مفاوضات تقسيم المياه الاقليمية بين لبنان والكيان الصهيوني ومباركتها، وقد تمت لصالح الكيان الصهيوني ولصالح إيران تنفيذاً لشروط طهران بتمرير تشكيل وزارة حزب الدعوة في العراق التي وافقت او قايضت امريكا عليها في صفقة مشينة ستدفع ثمنها لاحقاً كما هو حال النظام الايراني المتهالك امام ضربات الشعوب الايرانية. تم تمرير حكومة المحاصصة في بغداد بتسويات فاضحة مع أطراف فاسدة، رئيس جمهورية كردي فاسق ورئيس وزراء من حزب الدعوة سارق، سبق ورفضته جماهير انتفاضة تشرين الباسلة ورئيس برلمان مرتشي وفاسد يسانده نائب حرامي محكوم عليه رسميا قبل الاحتلال بتهمة مخلة بالشرف (السرقة).. فيما جاءت مسرحية مقتدى الصدر التي حاكت فصولها المخابرات الفارسية لتضع نهاية مزرية لحراك التيار الصدري الذي نفذ فصول المسرحية بطريقة مذلة ورخيصة ومبتذلة وفاضحة، دفعت إلى حالة تسمى وصمة العار الذي لحقت بالتيار وبمقتى وأبيه.

المتغير الاقليمي.. والمرتكز الجيو- استراتيجي العالمي:

من البديهي ان الوضع الاقليمي والدولي في ظل تأزمات الحرب على اوكرانيا وتزايد معدلات العنف والتصعيد والتهديد بضربات نووية، وتصاعد اسعار النفط والغاز والمواد الغذائية التي تهدد عواصم الغرب والدول الفقيرة التي تعاني اصلا من الاضطراب والحاجة إلى الدعم والاسناد اضافة إلى شعوب انهكتها الفاقة والمجاعة.. كل هذه العوامل والمسببات لن تسمح بأن يستمر النظام الفارسي بتعريض أمن المنطقة والعالم إلى الخطر.. فمركز المتغير هو مركز الانهيار الذي حل في العراق عام 2003 وما يزال هذا الاختلال في التوازن قائماً حتى الوقت الحاضر.. فكيف سيعالج بعد ان دمرت امريكا ميزان تعادل القوى وحطمت بمساعدة إيران عناصر القوة في العراق لصالح ما يسمى بالأمن الإسرائيلي وهو الهدف المركزي في الاستراتيجية الأمريكية ليأتي بعده النفط؟

استراتيجية التخادم:

استراتيجية التخادم بين دولة عظمى ودولة إقليمية في منطقة مهمة وغنية بالموارد وفي مقدمتها النفط والغاز.. لكل منهما مشروعها الخاص، العظمى لها مشروع (الشرق الاوسط الكبير) وهي امريكا، والاقليمية لها مشروع (الإمبراطورية الفارسية) وهي إيران.. وهناك تركيا لها مشروع (الامبراطورية العثمانية)، فيما أعلن الكيان الصهيوني ان له مشروع (من النيل إلى الفرات). أما العرب كجماهير لديهم مشروع (الوحدة العربية من المحيط الاطلسي حتى الخليج العربي) يرفعه حزب البعث العربي الاشتراكي على امتداد الوطن العربي، وهو مشروع قومي يحاربه الغرب وتحاربه امريكا وتحاربه الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني، كما تحاربه الأنظمة العربية خوفاً على مصالحها الأنانية وأمنها القطري.

المشاريع الثلاثة المذكورة في اعلاه.. كيف تبدو للبعض هل هي متقاربة أم متقاطعة أم هي متنافرة؟ وأين تلتقي؟ وما هي مشتركاتها والاختلافات القائمة بينها؟ وهل هي اختلافات رئيسية ام ثانوية؟

دعونا نبدأ بالمشتركات القائمة بين المشروع الامريكي والمشروع الايراني ومشروع الصهيوني:

المشتركات في الاهداف بين هذه المشروعات الثلاثة هي 1- منع العرب من قيام الوحدة العربية 2- العمل على تفكيك الدول العربية وإعادة تشكيلها بما يتناسب او يتوافق مع اهداف تلك المشاريع.. إذن: مصلحة امريكا وإيران واسرائيل تجتمع وتلتقي من اجل منع وحدة المنطقة العربية (جيو- سياسياً) والعمل على اضعافها واستنزاف مواردها ومن ثم تفكيكها وتدمير عناصر قوتها على مراحل.

ولما كانت هذه القوى قد حددت المشتركات الاستراتيجية كأهداف لها لا بد من اختيار الوسائل او الادوات التي تنفذ هذه الاهداف.. وهنا يتوجب الحديث عن ثلاث ادوات. الاولى: وهي الاداة الاسرائيلية التي لم تستطع ان تنفذ الهدف منذ عام 1948 ولحد الان. الثانية: وهي الاداة الأمريكية كقوة امبريالية تعاونها بريطانيا واوربا ولكنها فشلت لكونها امبريالية متوحشة ومكروهة من الشعوب. الثالثة: وهي الاداة الإيرانية كقوة اقليمية دخلت إلى المنطقة كأداة تنفيذ بوسيلتين الأولى: انها اعلنت تصدير الثورة، ومعادية لإسرائيل ومعادية لأمريكا وترفع شعار تحرير القدس. والثانية: التشيع الفارسي لطالما هناك عدد غير قليل من الشيعة (العرب) وعدد قليل من (المتشيعين الفرس- اي من اصول فارسية)، ففرضت الاستراتيجية الفرنسية وصايتها هذه على عموم الشيعة وتلك من أخطر المغلطات التي فبركتها المخابرات الفارسية.. هاتان الأداتان، تصدير الثورة الخمينية- الخامنئية لتحرير القدس ومنذ اربعين عاما، وأداة التشيع الفارسي التي مزقت شعبنا الفلسطيني على اسس طائفية وجغرافية اضعفت النضال والكفاح الفلسطيني المسلح اضافة إلى عوامل اخرى ذاتية وعربية.. وما تزال هاتان الاداتان الفارسيتان تعملان لحد الان، على الرغم من انكشاف نيات طهران وتبعثر اداة التشيع الفارسية في العراق والمنطقة ولم يعد لها في نظر الجماهير أية قيمة تسويقية او اعتبارية ايديولوجية. ومن هنا: باتت القوى العظمى والكبرى تدرس المتغيرات المركزية التي تأكل من جرف النظام الايراني بقوة وخاصة بعد اشتعال الداخل الايراني.. وهكذا يتضح ان الاداة الوحيدة القادرة على تنفيذ الاهداف الامريكية والصهيونية في المنطقة هي الاداة الايرانية التي سبق وتعاملت مع امريكا في افغانستان وتعاملت مع امريكا في العراق.

الآن تغيرت قواعد اللعبة الاستراتيجية ولم تعد ايران تستطيع ان تهدد الملاحة الدولية ولا تضر بمصالح الدول النفطية وبات الأمن والاستقرار في قمة اهتمامات الدول العظمى والكبرى طالما ارتبطا بالنفط والغاز وتوريد الغذاء في ظل تصاعد مستويات الصراع في اوكرانيا وتداعياتها الخطيرة، فيما بات موقف طهران يتكشف في هذه الحرب من خلال الدعم العسكري واللوجستي الايراني للدولة الروسية في حربها بالضد من اوكرانيا فضلاً عن تبلور الموقف الاوربي من النظام في طهران في ضوء معطيات باتت على جدول اعمال صناع القرار في امريكا والاتحاد الاوربي .

فهل ستضرب امريكا إيران؟

امريكا لن تضرب إيران، لأن اللعبة في مسألة المشتركات في الاهداف لم تنتهي بعد، لماذا وكيف؟ لأن الربط هنا هو القضية الفلسطينية من جهة وتدمير البلدان العربية من جهة اخرى.. فالقضية الفلسطينية لم يتم القضاء عليها او تفكيكها، كما ان إضفاء (الشرعية) على الكيان الصهيوني بالاعتراف المدموغ بالتطبيع لم يكتمل بعد، وكل ذلك يرتبط بالأداة الايرانية وفعالياتها التشيعية في منع وحدة الأمة العربية وتكاملها الاقتصادي وتنميتها والعمل على تفكيكها.. وعلى هذا الاساس من التخطيط واستثمار الاداة الفارسية كجرافة في المنطقة العربية يتم التعامل السياسي والاعلامي لإيهام الشعب العربي وكل القوى العاملة على الساحات العربية بقرب الضربة الامريكية وبقرب الضربة الاسرائيلية والنتيجة هي الخداع وتصريف الاوهام وشل حركة الجماهير المناضلة عن العمل النضالي الجدي.

الحلقة الثانية: سيتم التطرق إلى المشروع التركي والمشروع الصهيوني والمشروع الامريكي ومشتركاتها وتقاطعاتها وبالتالي طبيعة المساومات والصفقات التي تطرح على تخومها.




الاثنين ٢٨ ربيع الاول ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة