شبكة ذي قار
عـاجـل










الصين وروسيا والمستنقع الأوكراني.. إلى أين؟ (ح - 1)

د. أبا الحكم

 

 

خلال الحرب الروسية- الأوكرانية، المستمرة منذ أكثر من عام، فقدَ الجيش الروسي أكثر من (200) ألف عسكري مسلح ونحو 90% من دروعه الثقيلة و 50% من دباباته، وسحب هذا الجيش دبابات (T-54) و (T-55) القديمة وبصورة نهائية وأخرجها من الخدمة.

1-وقدعملت روسيا على هيكلة جيشها في خضم الحرب الاوكرانية، وحولت نموذج (الألوية) إلى هيكلة (الفرق) الكبيرة.. ونتيجة الهيكلة هذه، كان الفشل في وسط الحرب. والمعنى في هذا النهج السياسي- العسكري إيجاد صيغة جديدة للتهديد مع التفتيش عن صيغة للخروج من المأزق (Dilemma) الأوكراني.

2-وفي اطار إصلاحات المؤسسة العسكرية الروسية أقر الكرملين مؤخراً عملية تَجْمَعْ بين التجنيد (الإلزامي) والتجنيد (التعاقدي) .. وتعدُ هذه العملية- حسب مدفيديف خليفة بوتين المناوب- أحد مفاهيم بناء القوات المسلحة في ظروف الاعمال القتالية في اوكرانيا، حيث تستدعي روسيا نحو (150) ألف من الشباب للتجنيد الإلزامي مع نظام التعاقد للخدمة العسكرية، وذلك، من أجل سد نقص إحتياجات الجيش من المقاتلين.

3-الهجوم الروسي على (مساكن المدنيين والمجمعات السكنية، ومحطات الكهرباء والطاقة والمياه ومحطات النقل القطارات والجسور والبنية التحتية بما فيها المخازن)، ماذا يعني ذلك في العرف السياسي؟ يعني ان روسيا لم تعد قادرة على استمرار الحرب على اوكرانيا نتيجة العجز في (إدامة زخم الحرب)، فيما تحاول موسكو العمل في إطار المناورة والإنسحاب والتموضع والهجوم بطائرات إيرانية مسيرة.

وبعد ان فقدت روسيا الكثير من سلاحها الثقيل ورجالها فهي تحتاج الآن، الى اعادة تقييم الموقف العسكري، فضلا عن اعادة تقييم علاقاتها السياسية وخاصة مع محيطها القريب.

4-إعادة ترتيب موسكو لعلاقاتها مع الصين قد يخلط الأوراق السياسية والعسكرية ويمهد للدعم اللوجستي الحذر، لأن الصين ليست في موقع التهور أو الإنزلاق مع روسيا في مستنقع تهدر فيه الصين طاقاتها على أساس تحالف (إستراتيجي)، ولكن الصين لا تتحمل خسارة روسيا، وبالمقابل لا تستطيع أمريكا تحمل خسارة اوكرانيا.

5-الصين تمارس التعقل في تصريف مواقفها اعتمادا على مقولة فيلسوفها " كونفوشيوس " ( لا تغامر، بل انتظر على حافة النهر، سوف تمر جثة عدوك) .. ولكن، هل تغير الصين في استراتيجيتها في عصر المتغيرات؟ إنها ستأثر بثقلها (الجيو- إيكونوميك) الهائل الذي يحمل تأثيراً كبيراً على الواقع الجيوبوليتيكي في خطوط حركتها الثقيلة المتوازنة اقتصادياً وتجارياً.. وقد تتبنى الصين نهج (الوساطة) في حركتها من أجل تعزيز مكانتها الدولية والاقليمية على أساس (الأستقطاب), ولكنها لا تجازف في تحالفات (تخندقية) غير مجدية لنهجها العام .. نهج الوساطة الصينية هو في حقيقته نهج (جيو- سياسي) يساير حركتها الـ(جيو- إقتصادية)، وهدف الصين الاستقطابي يرمي إلى توسيع قاعدتها في العمق الآسيوي وفي الشرق الأوسط وهي في طريقها نحو البحر المتوسط وافريقيا وأوربا.

7-الصين دولة كبيرة ومؤثرة وهي احد الاقطاب الدوليين وتمتلك سلاحاً نووياً، ولكن اقتصادها يعوزه التكامل في عناصر القوة وخاصة (النفط والغاز) فضلا عن المعادن النادرة التي تفتش عنها في الشرق الأوسط وفي افريقيا.. فنهج الصين الثابت كما يعرفه العالم   (Geo-Economic).. ولكن نمو الناتج القومي الاجمالي الصيني لعام 2022 قد بلغ نسبة 3% متخلفاً بشدة عن الهدف الذي خططت له وهو 5.5% حيث تراجع النمو نحو 4.8 لعام 2021 ، لعدد من المسببات منها وباء كورونا وتراجع الطلب وإنكماش السوق .. ومن المتوقع انتعاش الناتج المحلي الاجمالي للصين الى 4.3% لهذا العام 2023.

8-مفهوم التنافس لا يتحدد بين امريكا والصين فقط لكي، يتم التعرف على الصراع في العالم . التنافس يأخذ سياقه في معظم المجالات وخاصة الاقتصادية والسياسية ومناطق النفوذ.. إذ ليس هنالك شراكة استراتيجية بين الصين وامريكا، إنما علاقات ثنائية وحجم تبادل تجاري يميل لصالح الصين ولم تستطع امريكا تعديله بسهولة .. وجراء ذلك يظهر1- التوتر بين البلدين 2- وتصاعد المنافسات بينهما 3- وتبرز بعض الضغوط العسكرية وردود الافعال على تخوم بحر الصين وحدود تايوان.. كما لم تكن هنالك (شراكات) بالمعنى الاستراتيجي للصين مع دول العالم ومنها ايران.. والشراكات الأستراتيجية التي تتبناها الصين لا تعني الاتفاقيات الاستراتيجية في صيغة معاهدات دفاعية، إنما اتفاقيات (براغماتية) نفعية، أي تنمية العلاقات التجارية في اطار قد يمتد الى خمس او عشر سنوات يتم خلالها تنمية علاقات التبادل التجاري.. ومن خلال هذا الاسلوب الذي درجت عليه بكين تصاعدت دعواتها للـ(شراكات الاستراتيجية) لتصل الى فرنسا وبعض الدول الاوربية والافريقية والامريكية اللآتينية والعربية، يرافق ذلك مشاريع مشتركة تدخل باب الاستثمارات، وبكلف أقل وأقل جودة وتقنية أقل، على عكس الاستثمارات الغربية ذات القيم العالية والمتانة والتقنية المتطورة.. وهذا يعني عدم توفر التقنية المتطورة لدى المستثمر الصيني لينافس نظيره في اسواق الاستثمارات العالمية.

لن يحسم التنافس لصالح أحد لا يمتلك التقنية. والتطور في العالم لا يميل الى أنصافْ التقنيات على أساس قلة الكلف الاستثمارية. والاستثمار يختلف عن التسويق التجاري.. فوجود بضائع صينية رخيصة تملاْ اسواق اوربا لا يعني انها تتمتع بالافضلية، انما تعرض في شكل واسع للطبقات المحدودة الدخل. ومن هذه الزاوية فقد أخذت الصين بعامل (تقليد) المنتوج الاوربي من حيث الشكل، ولكن يجودة ومتانة متدنية.

9-التجمعات الاقتصادية (بريكس وشنغهاي) هي في حقيقتها تجمعات مسكونة بالمشكلات السياسية، وتأسست أصلا من اجل التعاون التجاري وتخفيف حدة الاحتقانات والمشكلات السياسية القائمة بين دولها كمخلفات حروب، وتجاوزات حدود وتبعاتها ومطالباتها ما تزال مشاكل كامنة وعالقة .. وليس هناك مؤشر لقيام (كيان اقتصادي عملاق) في العمق الآسيوي يشكل مرتكزا لنظام دولي جديد .

فمن الصعب القبول بمبالغات تقدير حجم الناتج القومي الاجمالي لدول منظمة (شنغهاي) على انها باتت مفتاحاً لمستقبل الاقتصاد العالمي. هذا التضخيم يصعب هضمه طالما كانت اقتصادات دولها ما تزال قد خرجت لتوها من مرحلة انتاج العالم الثالث الى العالم الرابع في بداية تصنيعه وتسويقه للتجارة ويعوزها الكثير من اساليب الانتاج الحديثة والتقنية المتطورة والاسواق التي تستوعب تسويقها الانتاجي.. وعلى هذا الأساس، لن تستطيع الصين ان تقوم بعمل من شأنه تحويل هيكلية النظام الدولي لوحدها، إلا من خلال التعددية الدولية،

10-روسيا تجازف في نهج إستعادة إرث الأتحاد السوفياتي لكي تتحول الى القطبية الثنائية، التي من الصعب استعادتها، لأنها تعاني من اقتصاد ضعيف يقوم على مورد واحد هو مبيعات (النفط والغاز) أما مبيعات الاسلحة، فأن حربها في اوكرانيا قد سلب منها هذا المورد. إعتقاداً منها بأن الحرب مدعومة بالخيار النووي، الذي يصعب استخدامه، سيحقق لها اهداف الحرب، وهي 1- استعادة مناجم الصناعة ومواردها المعدنية وسلة غذائها وموانئها وسواحلها واطلالاتها على محيطها 2- ثم الزحف في مرحلة قادمة نحو دول الاتحاد السوفياتي التي انفرطت، إثر الإنهيار العام للكتلة الشرقية وسقوط جدار برلين في نهاية عام 1991. 3- أعادة تجميع عناصر القوة السوفياتية لتشكيل القطب الروسي الاتحادي على أساس (القطبية الثنائية) التي لن تتحقق عن طريق الحرب أو استخدام القوة، وبإسلوب إرجاع عجلة الزمن إلى الوراء.. والإشكالية في الأستراتيجية الروسية هي إعلانها عن رغبتها وتطلعها نحو نظام دولي متعدد الأقطاب من خلال الحرب,!!

 

 

 

 

 






الاربعاء ١٤ رمضــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة