تأميم النفط ... ثورة الاستقلال الاقتصادي
علي
العتيبي
حينما تقوم الشعوب بالثورات من أجل الاستقلال وتنجح فإن نجاح الثورة يبقى
رهين الاقتصاد، وما لم يتحرر الاقتصاد تبقى الثورة مهددة، لأن أي نظام حكم ثوري لا
يستطيع أن يحقق مطالب الشعب واقتصاده رهين الاستعمار، وهذا ما حصل مع العراق.
حينما قامت ثورة 17-30 تموز المجيدة عام 1968 أرادت أن تحقق إنجازات وطفرات
نوعية في حياة المواطن اجتماعيا وماديا وخدميا لكنها اصطدمت ان ايرادات الدولة تتحكم
بها شركات النفط الاحتكارية والتي هي شركات امريكية وبريطانية وهولندية وفرنسية اضافة
الى مستر كولينكيان والذي كان يطلق عليه مستر 5 بالمئة لان كانت حصته من نفط العراق
5 بالمئة وبموجب المعاهدات التي فرضتها بريطانيا اثناء حكمها العراق والحكم الملكي
ان يكون النفط ملك للشركات بما فيها الاراضي التي تمر عبرها انابيب النفط ( اراضي الأنابيب
وللأمانة تم تأميمها من قبل ثورة 14 تموز1958 ) اما النفط بقي رهين الشركات وكان الاتفاق
ان الشركات تعطي للعراق مبلغ دولارين من كل برميل نفط يباع والباقي حصة الشركات .
وحينما ارادت ثورة 17 تموز القيام بمشاريع اصطدمت بان الشركات وبتحريض
من دولها صارت تخفض مبيعات النفط فادا كانت الدولة تبني ميزانيتها على واقع مثلا مليون
برميل يوميا وبإيراد دولارين تتفاجأ بان الإيراد ينخفض احيانا الى النصف فشكل عجز كبير
في الميزانية وفي عام 1970 ونظرا للعجز كان مقترح بيع ( معسكر الوشاش ) كقطع اراضي
وادخال المبالغ لميزانية الدولة ولكن القيادة رفضت المقترح وجعلت المعسكر متنزها لرفاهية
وراحة المواطن فتم بناء متنزه الزوراء وذهب وفد الى الاتحاد السوفيتي واقترض مبلغ
(خمسة ملايين دولار) لنعرف الازمة التي يعيشها العراق آنذاك بحيث خمس ملايين مؤثرة
بشكل كبير في الميزانية ومنها بدأت المفاوضات مع شركات النفط حتى تستقر في الانتاج
لكي تستقر موارد الدولة وتنجح ما يخطط له في الميزانية واستمرت المباحثات التي كانت
تحت اشراف شهيد الحج الاكبر القائد صدام حسين وراس المفاوضات حينها الراحل الدكتور
سعدون حمادي وزير النفط آنذاك رحمه الله حتى وصلت في عام 1972 الى طريق مسدود.
يقول القائد صدام حسين كنت في المكتب ودخل علي الرفيق سعدون حمادي وكان
متجهم الوجه وحزين وقال لي أبو عدي لقد فشلت المفاوضات وحينها نهضت من مقعدي واحتضنت
الرفيق سعدون بفرح وقلت له هذا هو المطلوب.
لقد كانت القيادة وهي تفاوض رسمت خطة التأميم حيث جهزت كوادر عراقية وجعلتهم يتواجدون
قرب مقرات شركات النفط ومواقع الانتاج مع الانذار للجهاز الحزبي بانه اذا ما قام الاب
القائد بإلقاء خطاب التأميم فان مهمة اقتحام الشركات وطردها تتم مع كلمة ( قررنا تأميم
النفط ورفع الاب القائد احمد حسن البكر يده لإعلان التأميم ) وهذا ما حصل في الساعة
الثامنة من مساء يوم الاول من حزيران 1972 وتمت السيطرة على شركات النفط واحالة الملف
الى القضاء لتعويض الشركات عن خسائرها ووقتها قرر القضاء العراقي تعويض شركات النفط
بمبلغ وصل الى حدود 15 مليون دولار واصبح النفط كله ملك العراق ولكن عذا لم يروق للغرب
فتم محاصرة نفط العراق ولم يتم تداوله في الاسواق الاوربية مما جعل العراق يعاني من
كساد اقتصادي اضطرت الدولة الى استخدام ورقة السندات والتي تستقطع من رواتب الموظفين
كل حسب راتبه فكانت السندات ذات قيمة الربع دينار والنصف دينا والدينار مما جعل الدولة
تسير امورها بهذه الخطة ( التقشف )التي استمرت ستة اشهر حتى رضخ العالم وعاود شواء
النفط العراقي والذي بدأ تصديره عراقيا ولأول مرة بتاريخ الاول من اذار 1973 والتي
جعلت الدولة تعيد اموال السندات مع ارباحها للموظفين ثم تم تحسين الوضع المعاشي بمضاعفة
رواتب الموظفين ورسم الخطة الانفجارية والتي تحققت بفضل عوائد بيع النفط فتم بناء المشاريع
والمصانع العملاقة وبناء البنى التحتية للمناطق وبناء الدور العمارات السكنية ومد الطرق
السريعة واعادة تأهيل سكك القطارات والمطارات وبنائها وبناء الجسور والجامعات والمستشفيات
وهكذا بدا المواطن العراقي يشعر بالتحسن الكبير من خلال محو الامية ومجانية التعليم
وتحسين الواقع الصحي وهذه كلها طفرات نوعية اعترفت بها منظمة اليونسكو ومنظمة الصحة
العالمية وارتقى العراق الى مصاف الدول المتقدمة بتقديم الخدمات للمواطن العراقي اضافة
الى مساندتنا كل قوى التحرر في العالم العربي والعالم لنيل استقلالهم وكذلك جعل شعار
نفط العرب للعرب حقيقة فلم يبخل العراق بنفطه واموال نفطه على الاقطار العربية .
وبعد ان رأى الغرب حالت الطفرة النوعية في العراق من خلال تنفيذ خطط عملاقة
ليكون العراق قوي باقتصاده وعلمائه وصناعته وجيشه لان كل ذلك تأثر ايجابيا بفعل قرار
التأميم في حين كانت الدول المصدرة للنفط تعيش حالة الفقر كون نفذها ملك للشركات الاحتكارية
فكان لابد من ردع العراق على قراره بتأميم النفط فكان خطوات الغرب والتي لم تنتهي مع
بزوغ فجر الثلاثين من تموز 1986 من مؤامرات لقلب نظام الحكم وازداد حنقهم على العراق
موقفه البطولي من حرب 1973 والتي حمت دمشق من السقوط وبعدها انهاء التمرد في شمال العراق بعد توقيع اتفاقية
الجزائر والتي جعلت العراقي يشعر بالاستقرار والامن من كل النواحي فكان لابد للغرب
من اتخاذ خطوات وكان من بينها خلع شاه ايران وجلب خميني الذي تعهد لهم بشن الحرب على
العراق والتي دامت ثمان سنوات وجعلت العراق يوقف الكثير من المشاريع لان الحرب تحتاج
الى اموال فكانت هذه الحرب تعطيل لقدرات العراق
في البناء والتطور واضعاف لقوته العسكرية خاصة بعد قرارهم بمنع بيع العراق اي اسلحة
وغدر بنا حتى من وقعنا معه اتفاقية ثنائية وهو الاتحاد السوفيتي الذي كان تسليح العراق
كله شرقي
استخدمت الشركات خطة ذكية لإسكات مواطني الدول العربية المصدرة للنفط
من خلال بناء الطرق والدور والمدن وتحسين مستواهم بعد أن بدأت لديهم تحركات للثورة
على الشركات لأنهم لاحظوا التغيير الاقتصادي في العراق فأرادوا أن يكونوا مثل العراق
والذي كان رؤساء بعض هذه الدول يزور العراق بطائرات الخطوط الجوية العراقية لعدم قدرتهم
على شراء طائرة فتم امتصاص هذه النغمة ببناء مشاريع ولكن يبقى النفط رهينة للشركات
وإن اختلفت مسمياتها.
إننا نستذكر هذا اليوم العظيم الذي دفع العراق من أجله أنهاراً من الدم
ثم يأتي المحتل الامريكي ويحمل داخل بساطيل جنوده كل عميل وخائن وساقط من شواذ الارض
ليحكموا العراق ويهدموا ما بناه النظام الوطني واهمهما تأميم النفط ليعيدوه مرة أخرى
إلى الشركات الأجنبية وبشروط مجحفة بحق العراق.
إننا باستذكارنا أحداث قرار التأميم العظيم فإننا نعيش الفخر بما قمنا
به لأننا أحرار ولا نريد العبودية والاستعمار ويكون قرارنا وطنيا عراقيا خالصا وهكذا
نحن وفي طل الاحتلال وحكوماته العميلة نبقى أحراراً ولا نقبل أن نمد يدنا مع الأجنبي
الذي احتل بلدنا لتحريره بل التحرير بإذن الله يكون عراقياً خالصاً، ومن الله العون.