شبكة ذي قار
عـاجـل










أبعاد الاستراتيجية الأمريكية والضوابط الإيرانية.. هل من ترابط؟

د. أبا الحكم

 

تناولنا في مقال سابق الدوافع الخفية للضوابط التي وضعها "علي خامنئي" لعمل جهازي الدبلوماسية والاستخبارات الإيرانية وعلى نحو يصل بالدولة الإيرانية إلى  هدف (العمق الاستراتيجي) التوسعي وهدف إيجاد (مكانة لإيران في النظام الدولي الجديد).

أعلن أنتوني بلنكن وزير خارجية أمريكا مساء الاثنين 5/6/2023 عن أبعاد السياسة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. ومن الضروري الوقوف على هذه الابعاد وترابطها مع بعضها من حيث المطالب والاهداف، فضلاً عن اشتراطاتها القريبة والبعيدة، وكيف ستنفذ على مراحل اللعبة الكبرى الأمريكية - الايرانية المشتركة؟

كشف انتوني بلنكن عما اسماه بـ(الخطر الأكبر) الذي يمثله النظام الايراني على (اسرائيل)، وكأن اقطار المنطقة العربية وخاصة دول الخليج العربي لا يشكل النظام الايراني خطراً داهماً على أمنها واراضيها وثرواتها ومستقبلها.. فقط إيران تشكل الخطر الاكبر على اسرائيل.!!

ثم يكرر تأكيد بلاده (إن كل الخيارات على الطاولة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي).. فما الذي يعنيه بالخيارات على الطاولة؟ يعني أن الخيار العسكري موجود من ضمن الخيارات، ولكن امريكا تعلن بوضوح ان نهجها يتحدد بـ 1- الضغط الاقتصادي الموازي 2- دبلوماسية الردع، التي لا تتضمن استخدام القوة. هذان العنصران (الضغط الموازي والردع الدبلوماسي) هما العمود الفقري لنهج السياسة الاستراتيجية الامريكية، فكيف تستطيع امريكا ان تستخدم خيار القوة العسكرية؟ ما هو مغزى كل الخيارات موجودة على الطاولة، ألم يكن ذلك كذباً فاضحاً وضحكاً على الذقون؟ وإذا كان النهج الامريكي الذي أعلنه بلنكن يحمل ابعاداً ثلاثة 1- دبلوماسية الضغط الاقتصادي 2- دبلوماسية الردع الاقصى 3- تعزيز القدرات العسكرية الاسرائيلية.. فما هو موقع الاقطار العربية من الإعراب؟

وهنا عدد بلنكن ما هو مطلوب من العرب في هذه المعادلة الاسرائيلية- الايرانية الفاضحة، والتي تصب نتائجها في المصلحة الاسرائيلية والايرانية.. كيف؟

اولاً- هدف امريكا الاول في هذه الاستراتيجية هو (تعميق علاقات اسرائيل مع جيرانها، من أجل ما أسماه بالتكامل الاقليمي.. بمعنى العمل على ايجاد ركائز لنظام اقليمي يخلو من كلمة عرب وعروبة.. وقد وصفه بلنكن بأنه يشكل حجر الزاوية في سياسة الشرق الأوسط.

ثانياً- تعمل امريكا على انشاء ادوات للمشاركة مع حكومات عربية ومع القطاع الخاص العربي وكذلك مع المنظمات غير الحكومية العربية من اجل تعزيز اتفاقات (ابراهيم) - وهذه الاتفاقات هي صنيعة صهيونية - لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وتوسيع هذا التطبيع من الامارات والبحرين إلى  باقي دول المشرق والمغرب العربي والسودان.

ثالثاً- انجزت الدبلوماسية الامريكية ما يسمى (فتح اجواء المملكة السعودية واجواء سلطنة عمان امام الرحلات المدنية الاسرائيلية. رابعاً- اتمت الدبلوماسية الامريكية اتفاقا بين لبنان والكيان الصهيوني بالتعاون مع إيران حول ترسيم الحدود البحرية.

خامساً-  انجزت تعاون بين الكيان الصهيوني والاردن والامارات لتنفيذ مشاريع في مجال المياه والأمن والطاقة من اجل دعم الكيان الصهيوني.

اما بشأن القضية الفلسطينية المركزية، فقد كانت على هامش حديثه الذي بدأه بأهمية وضرورة تقوية الكيان الصهيوني وحمايته، وأشار إلى  اهمية (رفاهية) الشعب الفلسطيني وآفاق (حل الدولتين) على اساس خطوط عام 1969.. وهنا يكمن الاتفاق بين واشنطن وتل ابيب على سيناريو لن يتحقق إلى  يوم الدين ما دامت أمريكا تمارس المراوغة والكذب والتسويف حتى تأتي ثمار التركيع و(التطبيع) والوصول إلى  (قوارير العسل) من الاقتصاد العربي والخليجي على وجه التحديد، وذلك لكي يعيش الفلسطينيون بسلام وتدابير أمن متساوية وفرص ورفاهية ... ولكن بدون سيادة ولا استقلال، إنما (دويلة ضعيفة محاصرة منزوعة السلاح) تعيش الإملاءات والإذلال الاسرائيلي كل يوم.!!

وكان بلنكن واضحاً جداً وصفيقاً جداً حين أكد على (أن حل الدولتين أمر حيوي للحفاظ على هوية اسرائيل كدولة يهودية).. وكان ما قاله قبل زيارته للسعودية، في منظمة (الايباك) يعدُ أكثر صهيونية من نتنياهو نفسه.. إلى  متى تبقى السعودية تغمر رأسها برمالها الصحراوية اعتقاداً منها بأن لا أحد يراها ما تفعل؟ وإلى متى تبقى في الملعب الأمريكي الإيراني الفارسي لا تعرف شيئاً من قواعد هذه اللعبة؟ لقد قالتها إيران وضمنها خامنئي بأن إيران تفرق بين سياستها الخارجية وبين اهدافها الاستراتيجية، بمعنى إقامة علاقات دبلوماسية وقنصليات بين البلدين لا علاقة لهذا مع الأهداف الاستراتيجية الايرانية ولا مع ما يسميه خامنئي بـ(العمق الاستراتيجي الفارسي).

 

الخلاصة..

أولاً- المهم في الاستراتيجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديداً هو (أمن إسرائيل) الذي يجب دعمه واسناده رغم أن الدعم المالي الامريكي السنوي بلغ (3،3) مليار دولار عدا المساعدات الخاصة بالأسلحة والمعدات ودعم البنية الاستراتيجية الاسرائيلية، اضافة إلى  (500) مليون دولار لتمويل انظمة الدفاع الصاروخية الاسرائيلية مع عشرات الملايين الاخرى لمكافحة الطائرات المسيرة وحفر الانفاق ومليار دولار امريكي لتجديد ما يسمى بالقبة الحديدية الاسرائيلية، ونفقات أمريكية على المناورات المشتركة وتطوير القدرات العسكرية الاسرائيلية مثل أشعة الليزر بهدف التفوق العسكري النوعي لإسرائيل... والمعروف إن اسرائيل إذا انقطعت عنها المساعدات الخارجية ستموت... لماذا كل هذا البذخ؟ لأن بلنكن يقول (إذا قويت اسرائيل ستكون امريكا آمنة) وهل يعقل ذلك؟

ثانياً- يربط بلنكن بين (أمن أمريكا القومي) وبين (مصالحها الحيوية) في مجال (التطبيع) الذي جاء تحت يافطة (ابراهيم) من اجل احتواء الاقطار العربية ومنها الخليجية.. هذا الربط خطير جداً بين الأمن القومي والمصالح الحيوية الامريكية، الذي أشرنا إليه في مقال سابق حين تحدثنا عن مفاهيم الردع النووي والتقليدي.. فيجب أن يأخذ المسؤولون السعوديون وغيرهم من العرب هذا الكلام بجدية ويدخلونه في أجندتهم، كما أن الإفصاح الأمريكي عن هذه المضامين الأمنية بطرق دبلوماسية غامضة يعني الشراكة الأمريكية - الاسرائيلية في التخطيط والتنفيذ، أمام مطالب واهداف العرب التي لا أحد يتحدث عنها بوضوح وقوة.

ثالثاً- ولم يكن حديث بلنكن هذا حديث اعلامي محض من اجل تسويق رسائل قبل الدخول في حوارات ومباحثات مع السعودية، إنما تحدث بلنكن بها امام لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية- الامريكية (إيباك) التي تعقد قمتها لعام 2023 في ظل الذكرى السنوية الـ(75) للشراكة الامريكية - الاسرائيلية.. هذه الشراكة تمتد على مدى نوع العمل المشترك 1- تطوير تقنيات الطاقة 2- وانتاج اللقاحات المختبرية المختلفة 3- وتطوير الاسلحة 4- والعمل الاستخباراتي المشترك 5- والمناورات العسكرية المشتركة 6- واستكشافات الفضاء.

رابعاً- يتحدث بلنكن عن (شرعية) الوجود الاسرائيلي في فلسطين ولا يتحدث عن الوجود الشرعي الفلسطيني والعربي.. إذن، فهو ليس محايداً إنما شريك سياسي استراتيجي للكيان الصهيوني.

خامساً- ينفي بلنكن وجود خطر تتعرض له (اسرائيل) عدا الخطر الايراني.. فهو يكذب، لأن إيران لا تشكل خطراً على الكيان الصهيوني لعدم وجود ما يبرر ذلك إذ انها تبعد عنه كثيراً ولم يشكل في تاريخه عدواناً على الاراضي الفارسية منذ عمق التاريخ ولحد الآن.. هذه اللعبة الامريكية الايرانية المشتركة باتت مكشوفة ولا تنطلي على أحد، لأن هذه السيناريوهات التي فقدت معانيها ومبرراتها.. كما هي لعبة (رمي اسرائيل في البحر) التي مضت عليها عقود من السنين حتى تمكنت اسرائيل من السباحة في مياه الخليج العربي وفي الساحل الايراني.!!

سادساً- أعلن انتوني بلنكن ان الادارة الامريكية تعمل على ما اسماه (التكامل الإقليمي) من اجل 1- تعزيز الدبلوماسية الامريكية- الاسرائيلية مع الحكومات العربية 2- ومع القطاع الخاص العربي 3- ومع المنظمات غير الحكومية العربية وغيرها.. وذلك من اجل إعادة البناء على اتفاقات ابراهيم للتطبيع ... والمحصلة كما ذكرها: 1- اجواء السعودية وسلطنة عمان للطيران المدني قد فتحت امام الطيران المدني الاسرائيلي 2- وان اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني قد تم ابرامه - بمعاونة النظام الايراني وبأداة حزب الله اللبناني في الجنوب - 3- انجاز مشروع تعاون بين الكيان الصهيوني والاردن والامارات يتعلق بمجال المياه وأمن الطاقة وغيرها من النشاطات لدعم الكيان الصهيوني كما افاد بذلك بلنكن.

سابعاً- قال بلنكن (ان حل الدولتين أمر حيوي للحفاظ على هوية اسرائيل كدولة يهودية).. لماذا قال دولة يهودية؟ لأن الكيان الصهيوني هو في اساسه (مشروع ديني غرضه تفكيك بنية قومية عربية)، ومن الصعب ان يسمي الكيان الصهيوني نفسه دولة ذات هوية قومية، لماذا؟ لأن مجاميع من اليهود جاءوا من مختلف شعوب العالم على اساس ديني وليس قومي، حيث جاء اليهودي الفرنسي واليهودي الانكليزي واليهودي الامريكي والروسي والافريقي الاثيوبي إلى  (أرض الميعاد) الدينية الخرافية.. وهو انسياح استيطاني استعماري للسيطرة على فلسطين العربية.. هذا الواقع من الصعب تجاهله او الاعتراف بدولة يهودية في قلب الواقع القومي العربي مهما تصاعدت سياسات التهويل والتطبيع والضم والقضم.. وان ما قاله بلنكن هو تزوير لحقائق التاريخ، فما الذي ستقوله حكومة المملكة العربية السعودية واخواتها الخليجيات ودول عربية اخرى بشأن هذه الاستراتيجية الامريكية - الاسرائيلية المشتركة من اجل إعادة تشكيل المنطقة وإرغام الجميع على القبول بكيان مغتصب لأرض العرب وكرامتهم.؟!

 






الاثنين ٢٣ ذو القعــدة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / حـزيران / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة