شبكة ذي قار
عـاجـل










حين تفقد الدولة رأسها الوطني

د. أبا الحكم

 

رأس الدولة الوطني يمثل الرمز الأعلى لكيان الدولة الوطنية، وهو يحمل ثقل تاريخها المجيد وحاضرها ومستقبلها المشرق.. رأس الدولة يختاره الشعب ولا تختاره الشوارع الخلفية والأزقة الموبوءة والمواخير الفاسدة.. رأس الدولة تصوغه مخاضات التاريخ، والتاريخ يصنعه الشعب بكل إرهاصاته ونضالاته، والشعب خلق رأس الدولة القائد الشهيد الرفيق صدام حسين (رحمه الله) من طراز رفيع، كما انه صنع نفسه وأكمل عناصر ذاته القيادية في وسط مخاضات الشعب ونضالات الحزب، والتفاعل كان قائماً بين كينونته الذاتية الثورية القيادية وبين كينونة البعث الذي يخوض نضالاته اليومية دون كلل او ملل او انصاف حلول.. هذا التفاعل المتصاعد انجز عملاً تاريخياً رفيعاً قل نظيره في تاريخ الأمة تمثل بثورة العراق الكبرى عام 1968. الثورة العملاقة هذه غير مستكينة ولا تعرف المراوحة، وضع لها القائد والحزب مساراً منهجياً ثورياً في كل حقول السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة، فضلاً عن هرمية العمل الثوري الممنهجة بين القمة والقاعدة، قد أنتجت ثورات في ثورة، ثورة في الاقتصاد وثورة في الصناعة وثورة في الزراعة وثورة في بناء القوة وثورة في الثقافة وثورة في البنى التحتية والتنظيمية وثورة في العلاقات السياسية الخارجية الاقليمية والدولية.

الغزاة الاشرار الامريكيون المتوحشون، غيبوا رأس الدولة الوطنية ونظامها الوطني، وهدموا هياكلها، وحلوا جيشها، ومزقوا أمنها العسكري والاقتصادي والاجتماعي، وبعثروا قواها الوطنية وحلوا محلها عصابات جمعتهم من مواخير الخارج وأزقته الخلفية المشبوهة والموبوءة بالعفن والفساد والانحطاط والرذيلة.. سلم الغزاة المتوحشون مقاليد الحكم لهذه الحثالات وسلطوا عليها النظام الفارسي، الذي يعادي العرب منذ فجر التاريخ ويعادي الاسلام والمسلمين منذ الدعوة المحمدية ورسالتها الحق الهادية للبشر.

ثورة البعث العربي الاشتراكي العادلة قد انجزت خلال (1968-2003) ما لم تنجزه دولة بمقاسات ومعايير ذلك الزمان وبإمكانات العراق المتواضعة، فيما هدم الاحتلال (الأمريكي-الايراني) كل شيء بطريقة ممنهجة بدءً من الدولة وهياكلها الى منظومة القيم التي تربى عليها الشعب العراقي منذ آلاف السنين.. والهدف هو تفكيك عرى الشعب وتفسيخ نسيجه الاجتماعي ومسح هويته الوطنية والقومية.. وهذا ما يقوم به النظام الفارسي وطغمه العفنة في العراق وعلى مراحل لا أحد يستطيع حجبها أو نكرانها.

القائد الوطني يبني الوطن والطارئون على الوطن فقط يهدمون ولا يعرفون البناء أبداً. والدليل، حقبة الاحتلال الأمريكي - الإيراني الراهنة ومنذ سنة 2003 ولحد الان تم تدمير كل المشاريع الوطنية السابقة في كل المجالات والحقول ونقل المصانع والمؤسسات الانتاجية المدنية والعسكرية الى إيران، تمهيداً للانتقال الى مرحلة اخرى من الاحتلال وهي (التصحر).. كيف؟

أولاً- العراق بلد النفط والغاز.. الآن، بدون كهرباء منذ عشرين سنة.

ثانياً- العراق بلد النهرين العظيمين الخالدين عبر الزمان يعيش سكانه العطش ويعانون من الملوحة والتصحر.

ثالثاً- العراق بلد الزراعة ويمكن ان يكون سلة الغذاء المهمة للمشرق العربي وللخليج العربي.. الآن، ليس لديه أي مشروع زراعي.

رابعاً- العراق بلد التصنيع والابداع الصناعي بلغ مشارف الاكتفاء الذاتي من الصناعات الخفيفة ودخل مرحلة الصناعات الثقيلة.. الآن، ليس لديه أية صناعات، لا خفيفة ولا ثقيلة.

خامساً- العراق بلد الثقافة والعلوم والآداب والشعر و(المربد)، ومشهود له بالجامعات والمدارس والمعاهد والمؤسسات الثقافية المتخصصة في الداخل والخارج.. الآن، ثقافته كتيبات صفراء بائسة تجعل المواطن العراقي حبيس افكار ومعتقدات وهمية ترجع الى نحو ألف واربعمائة عام، وحبيس تلفيقات تكرس الجهل وتضعف الوعي بحقائق التاريخ.

سادساً- العراق بلد سيادي في مؤسساته الخارجية والداخلية والدفاع بجيش سيادي يحمي الدولة وحدودها وشعبها ومصالحها.. الآن، بدون جيش سيادي نظامي بل عصابات طائفية مسلحة تتحكم بالبلاد والعباد على وفق أمزجة قادتها الفرس من الرعاع الطائفيين العنصريين.

نعود الى جوهر المقال.. غياب الرأس الوطني هو غياب مؤقت ومشروط بمرحلة النضج وهي الآن قد بلغت مناسيبها التي لا تطاق والتدهور الذي لا يمكن احتماله من قبل الشعب.. والحقيقة الموضوعية تؤكد ان الحالة الراكدة والمتعفنة لن تدوم طويلاً وثورة الشعب العراقي لا بد منها وهي في مخاض ليس عسيرا طالما تمثل في (عزل) العصابات واللصوص في زاوية الخلاص كمرحلة أولى لتتم محاسبتهم أو طردهم أو إبادتهم.. ثلاثة خيارات ما تزال في قلب الثورة، التي ستأتي على اليابس ولن تبقي منه شيئاً.. إنها مخاضات شعب وهي مخاضات ثورة عارمة.. فكل القوى الوطنية قد اجمعت او كادت على إنهاء الوضع الراكد المتعفن المهين للعراق ولشعبه.. وكما أرى، لم يتبق لهذا المخاض سوى عود ثقاب ويعود الرأس الوطني الذي يختاره الشعب من جديد ومن اجل عراق حر مستقل ليست فيه عفونة وليست فيه عصابات خارج القانون وليس في غياهب سجونه سوى المجرمين والعملاء.

ورأس الدولة العراقية رأس عربي كالقائد صدام حسين يجمع بين القوة والعدالة من اجل البناء وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة والعالم.. الغزاة الفاشيست لا يريدون نموذجا لنظام يحتذى به في المنطقة العربية، لأن خلق أكثر من نموذج للعراق الوطني يخل - حسب زعمهم - بالتوازن الاستراتيجي ازاء الكيان الصهيوني وإن أمن هذا الكيان ومنابع النفط هما الركيزتان الاساسيتان للغرب الذي قرر منذ الغزو الفرنسي لمصر ومنذ أن زرعت بريطانيا الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948:

1- منع التقارب العربي- العربي.

2- منع التكامل العربي- العربي.

3- منع الوحدة العربية، لكي تبقي الكيان الصهيوني متسيداً على كل قوى الأمة العربية.

وحين اخفقت امريكا والغرب في مشروع الشرق المتوسطي الاقتصادي – وهو مشروع بيريز – ومشروع الشرق الاوسط الكبير سمحوا لإيران بالتدخل من اجل تهشيم المنطقة العربية على وفق الطائفية والعنصرية.. فيما يبقى العداء بين طهران وتل ابيب اعلامياً فقط.

النظام الوطني في العراق كان نموذجا للصحوة العربية والثورة بقيادة البعث المناضل وعلى رأسها القائد الشهيد (رحمه الله)، وكل قوى الشعب الوطنية والخيرة، وسيظل شاخصاً على ساحة العراق مهما كانت اوضاعه متردية وعلى ساحة الوطن العربي مهما كان مكبلا بلا حراك.!!






السبت ٤ محرم ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تمــوز / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة