شبكة ذي قار
عـاجـل










بين الأيديولوجيا والاستراتيجيا.. العالم إلى أين؟

د. أبا الحكم

 

 

ثمة من يرى ان الايديولوجيا قد تلاشت وفقدت بريقها بعد الحرب الباردة وتبعثرت قواها وفقدت بريقها ولم تعد قادرة على التعامل في عالم مضطرب ومتصارع وبالتالي فأن (المصالح) هي المعول عليها بين الدول وليست الأيديولوجيا، لأن حقبة المدرستين المثالية والمادية التي شطرت العالم قد انتهت اطروحاتهما على المسرح السياسي الدولي.. والآن، كما يرون، ان الصراع قد أفرز واقعية مادية.

وثمة من يقول ان الاضطراب السياسي وصراع القوى المحتدم قد غيب الأيديولوجيا من عالم السياسة، وكرس الاستراتيجيا لإدارة التوترات والازمات في ظل النظام الدولي الذي يعيش فراغ القوة.

وثمة من يقول أيضاً، ان البراغماتية النفعية هي التي تسيطر على منحى العلاقات الثنائية ومتعددة الاطراف.. وإن هذا المنحى شديد البروز، قد أضعف الى حد ما الايديولوجيا في فراغات القوة - حسب تصورهم - وكرس انعدام تقسيم العالم بين معسكرين، وأكد أهمية الأخذ بتطور الظروف الموضوعية لكل بلد وشروطها الذاتية التي تحكم معادلة التطور.

1-فالاتحاد السوفياتي الذي كان يتبنى القطبية الثنائية قد انهار.

2-وبرزت بانهياره الامبريالية الامريكية كقطب أوحد.

3-والصين قد اعتمدت على قاعدتها الفلاحية - الاجتماعية فضلا عن تشجيعها الاستثمار الرأسمالي المحدود الذي طبقه القائد والمفكر الصيني " دنك تسشياو بنك " في بعض المدن الصينية الساحلية، ونجح في تطوير ومزاوجة النهج الاشتراكي مع النهج الرأسمالي في الانتاج ووسائل الانتاج.

4-وروسيا الاتحادية الراهنة لم تعد اشتراكية ولا رأسمالية ولا تجمع بين الاثنين، إنما انحدرت الى مفهوم (القارية) والانتشار القاري، كمنهج لاستعادة إرث الاتحاد السوفياتي على مستويين:

الأول - مستوى السعي لاستعادة الجمهوريات التي انفرطت عن الاتحاد السوفياتي، عن طريق القوة.. وطريق القوة لا يحقق الاستقطاب الثنائي الذي حققه الاتحاد السوفياتي على مستوى العالم، لأن الشروط الذاتية من جهة والظروف الموضوعية السابقة لم تعد قائمة ومن الصعب ان تتكرر في ثنائية الصراع والتنافس.

الثاني - مستوى بناء عناصر القوة الروسية بصورة غير تكاملية وغير شاملة.. ومثل هذا البناء لن يحصل ما دام الاقتصاد الروسي يعوزه التكامل في الانتاج، وإن ضعف هذا الاقتصاد مرده اعتماد روسيا على أحادية موارد النفط والغاز وصفقات الاسلحة، لذلك، فأن البناء العام لعناصر القوة الروسية لن يتحقق.

الثالث - مستوى بناء المكانة الدولية لروسيا على المسرح السياسي الدولي (الهيبة) ، لن يأت بدون استكمال بناء عناصر القوة الشاملة، فضلا عن افكار وافعال من شأنها أن تكرس نموذجا (للاستقطاب)، وبناء علاقات ثنائية ومتعددة الاطراف تكرس الدعم والتأييد لا أن تمارس اساليب التضخيم والتوريط واساليب الاستحواذ على ثروات مناطق الاضطرابات والتوترات وبأساليب غير لائقة يتبعها الرأسماليون الجشعون لنهب أبار النفط ومناجم الذهب والاحجار الكريمة من سوريا الى السودان فالنيجر ودول الساحل الافريقي الغنية بمصادر الطاقة، وبأسلوب العصابات .. إن بناء المكانة الدولية أو استعادتها لن يتم بدون شروط ومقومات بناء القوة بمعناه الشامل، لا تمتلكها روسيا الاتحادية حالياً مهما حاولت القيام بالتهديد النووي والتقليدي وبالاجتياحات العسكرية.

الرابع- روسيا الاتحادية تعاني من مأزق اقتصادي وعسكري وإشكاليات سياسية في تعاملاتها الميدانية الدولية والاقليمية التي تزيد من مأزقها في سوريا وأوكرانيا وتوافقها الاستراتيجي مع النظام الثيوقراطي في طهران.

لهذا فإن روسيا لا تستطيع ان تستعيد إرث الاتحاد السوفياتي، ولا تستطيع ان تستعيد عناصر قوتها في ظل المعسكر الاشتراكي، ولا تستطيع ان تتبنى الأيديولوجيا السوفياتية باستقطابات دولية، ومن الصعب عليها ان تتحرر من مستنقع أوكرانيا واستنزافاتها التي سترغمها على ترك الساحة السورية، كما أن الاعتماد على التعامل اللوجستي الايراني لن ينفعها على المدى المتوسط والبعيد، والطوفان سيحل في شرق المتوسط على وجه التحديد فكيف تعالج مأزق التدخل العسكري؟ فهل تعالجه بالتصعيد والمطاولة؟ أم على طاولة المفاوضات؟ لأن المطاولة، بدون زخم عناصر القوة، تأكل في دواخلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً حين تبدأ الانهيارات والاخفاقات والتراجعات وارتدادات الفوضى نحو الداخل.!!

أما الامبريالية الامريكية فهي تعالج مشكلاتها عن طريق إعادة تموضع قواتها العسكرية في إطار سياسة الردع الأقصى المدعومة بالعقوبات الاقتصادية ذات البعد الدولي.. وإن تعاملاتها تأخذ مجرى الصراع والتنافس على مناطق النفوذ من جهة، وعرقلة طريق الصين نحو اهدافها، ومنع القارة الاوربية من بلوغ القطبية، وإبقاء روسيا الاتحادية تخوض الاستنزاف المادي والبشري في اوكرانيا على وجه التحديد، فيما تستبقي حالة الردع القصوى تجاه إيران وكوريا الشمالية بتحالفات القوة الإقليمية، ومتابعة عدم الاخلال بالتوازنات القائمة في الشرق الاوسط والعمق الاسيوي وحسب الضرورة.. وكل هذه السياسات التي تتعامل بها الامبريالية الامريكية تقف محرجة أمام تبلور نظام دولي جديد لا تقوى امريكا على منعه.!!

 

 

 

 

 

 






الاثنين ٣ ربيع الاول ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة