شبكة ذي قار
عـاجـل










افتتاحية عدد جريدة الثورة لشهر أيلول 2023

هل هناك حل جاهز لأزمات الأمة؟

 

يجدر بنا أولا أن نؤشر على أهم قضايا الأمة التي تضغط باتجاه إيجاد حل، لننتقل بعدها إلى البحث عن ماهية الحلول الآنية وبعيدة المدى، بما يؤمّن معالجة التداعي الذي عصف بالأمة منذ أن خرج العراق، أو على الدقة منذ أن أُخرج العراق، من معادلة الأمن القومي العربي عام 2003، وما أعقب ذلك من انكسارات سريعة ومتوالية في أكثر من ساحة عربية، وكأن القوى الدولية من صهيونية وصليبية وصفوية، كانت قد حددت لنفسها خط الشروع لبدء مخططها العدواني، الذي يتلخص بتحويل العرب إلى مشاريع متصادمة مع بعضها بدلا من مواجهة موحدة لخطط أعدائها، بعد أن كانت تتوفر على الحد الأدنى من الموقف القومي المطلوب الخروج به على المجتمع الدولي المتمثل بالعراق الذي نجحت بإزاحته وتهديم جدار الصد العربي ضد التيارات الاستعمارية والشعوبية، لقد كان المجتمع العربي يعيش حالة مخاض عسيرة لظهور نظام دولي، جديد على أشلاء النظام الذي يحكم العالم مستندا على نتائج الحرب العالمية الثانية، وهو الذي اُصطلح تسميته بالقطبية الثنائية، هذا المخاض لم يكن ليترك وراءه الضعفاء والقاصرين عن فهم معادلات التطور الإنساني.

منذ فقدان العرب لدورهم القيادي الريادي في صنع الحضارة وتطوير المسيرة الإنسانية نحو الرقي والتواصل الإنساني مع سائر الحضارات الأخرى، سادت مرحلة طويلة من السبات العربي استمرت عدة قرون، وكأن الأمة كانت تتفرج بسلبية إلى ما يشهده الغرب خاصة من نهضة صناعية تكنولوجية متعددة المحاور، وعلى الرغم من أن محاولات فردية بُذلت من قبل المتنورين العرب، لبعث الحياة في عروق الأمة، إلا أن تلك المحاولات ظلت محصورة في نطاقها الفردي ولم تتمكن من شق طريقها إلى مكاتب المسؤولين المتحكمين بتلابيب القرار السياسي، لأن العرب صاروا ضحايا لحكم شعوبي مارس ضدهم أبشع أنواع الاضطهاد والتهميش والعزل، باسم الإسلام تارة وباسم التباين المذهبي تارات، وكان هذا كله يخفي وراءه حقدا قوميا على العرب لا سيما من الفرس الذين اتهموا العرب بأنهم غزاة حطموا أركان الإمبراطورية الفارسية الساسانية في معركة القادسية الأولى، ولأن من تسبب بهذا الانكفاء القومي هم المتحكم بالقرار السياسي، ولأنه يعي جيدا بأن استمرار حكمه للوطن العربي يتلخص في منع التنوير ونشر الجهل والخرافة على أوسع نطاق فقد وُوجهت كل المحاولات الهادفة لإحداث نقلة فكرية حداثية بمقاومة ضارية نتيجة تفشي الجهل والأمية على مستوى المجتمع العربي، وامتلاك القوى التي تشد إلى الوراء، لأدوات سلطة القمع والمال، مما أعاد إلى الذاكرة ما شهدته أوربا في بداية عصر النهضة، من مقاومة الكنيسة ورجال الدين المتزمتين لكل الأفكار الجديدة والاختراعات العلمية، واتهام المئات من المفكرين والعلماء بالجنون تارة وبالكفر تارة أخرى، بهدف قمع أية محاولة لإحداث ثورة فكرية، حاول التنويريون في أوربا تحقيقها لانتشال المجتمعات الأوربية من قرون طويلة من الظلام، ومع أن أوربا على مرمى حجر من الوطن العربي، فإن أحداً من المتنورين العرب لم يكن قادرا على استيعاب دروس الأمم الأخرى كي ينقلها إلى المجتمع العربي، على الرغم من أن العرب، هم أنفسهم الذين بعد أن طرقوا أبواب فرنسا بعد أن استكملوا فتح الأندلس، ونقلوا إلى أوربا والعالم المسيحي كل حلقات التطور والتقدم الذي كان يتنقل من الشام وبغداد وقرطبة إلى أركان الأرض الأربعة من دون تأشيرة، ومع كل الإضافات الفكرية والعلمية التي قدمها العرب إلى العالم القديم بلا مِنةٍ، فقد أضاعوا كل انجازاتهم، مع أنهم كانوا الأكثر قدرة على استيعاب حلقات النهضة التكنولوجية التي عاشت على حدودهم، وبها استطاع الأوربيون الحاق الهزيمة بآخر القلاع العربية الإسلامية في غرناطة.

لقد لحق العرب بركب النهضة العلمية في أوربا في وقت متأخر جدا، وبمكن تأشير النصف الثاني من القرن العشرين كنقطة انطلاق العرب بالركب العالمي، ومع ذلك  فقد ركزوا على استيراد التكنولوجيا الحديثة بآخر حلقاتها جاهزة من مصادرها من دون تمحيص ودرس، وأهملوا الحلقة الأهم في المعادلة أي توطين التكنولوجيا واستيعاب دروسها، فأغفلوا إقامة مراكز بحث علمي ومؤسسات تعليمية عليا وخاصة الجامعات، مع أن أقدم الجامعات هي التي عرفتها بغداد وفاس والقيروان والأندلس، لقد تخلف العرب عن الركب العلمي التكنولوجي والمساهمة مع الشعوب الأخرى في إضافة حلقات إلى المخترعات والاكتشافات العلمية، وبات كل ما يشغلهم هو التركيز في حديثهم وأنشطتهم الثقافية والفكرية، على التغني بتاريخهم القديم السابق للإسلام أو ما عاشته الأمة من قوة وازدهار تحت الراية الإسلامية، وحتى في هذه النقطة برزت الصراعات القُطرية التي رسمت معالمها اتفاقية سايكس بيكو، وتم طرح شعارات تقسيمية غذتها القوى الاستعمارية التي لا تريد نهضة الأمة مجددا، من قبيل أيهما السابق للأخرى؟ هل هي حضارة وادي الرافدين أو حضارة وادي النيل؟ ومن قبيل أي التجارب أرقى من الأخرى؟ هل هي تجربة الدولة الأموية في الشام أو العباسية في بغداد؟ مع أن لكل منهما إضاءاته وألقه وتأثيراته الراسخة في الودان الإنساني، فالتاريخ حلقات متصلة لا يمكن أن تزعم أنها نامت ليلا لتجد نفسها وقد وصلت إلى ما وصلت إليه بداية النهار.

ثم إنّ أصواتا أخذت أخرى ترتفع في الأفق، أي الأقطار أكثر تأثيرا في التحرر من سيطرة الدولة العثمانية من غيره؟ ولأن أمة العرب أمة حضارة متماسكة وذات تاريخ عريق، فقد اكتفت باجترار الماضي حتى أهملت الحاضر فأضاعت المستقبل، ومما يحز بالنفس حد القرف، أن أي قطر عربي سعى لاستيعاب دروس الماضي وحاول الانفلات من النسيج المُقيّد لحركته كان يواجه تظافر الجهود وإنفاق الأموال الطائلة لتكبيله بقيود ثقيلة، ومنعه عن أي جهد للحاق بركب التطور التكنولوجي الذي يسير بتسارع يشد الأنظار والعقول إليه، ولعل تجربة العراق منذ 17 تموز 1968، ما يمكن اعتبارها الدرس الأكثر وضوحا في حجم ما تعرض له العراق من تخطيطات سرية مع القوى الدولية الكبرى، ومن تنسيق لحركة الإعلام المضاد له تمهيدا للعدوان عليه ثم غزوه عام 2003.

هذه بعض معالم الأزمة العربية وفي حال تشخيصها بشكل علمي ودقيق، يمكن أن يتم تأشير الحلول الناجحة لها، شرط القضاء على التخلف والجهل والخرافة، والقضاء على التنابز القطري المقيت.






الاحد ٩ ربيع الاول ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جريدة الثورة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة