شبكة ذي قار
عـاجـل










المستقبل الاقتصادي – السياسي للنظام الدولي في إطار التحولات والأزمات الراهنة

 

الأستاذ الدكتور حسن محمود علي الحديثي

 

 

المقدمة:

يعتبر علم الاقتصاد من العلوم الأكثر ارتباطا بعلم السياسة. وأن التطورات الاقتصادية والسياسية تزيد من حجم هذا الارتباط بين الظواهر الاقتصادية والسياسية في أطار النظام الدولي. كما أن التحولات الاقتصادية وتغير أنماط التفاعل الاقتصادي بين القوى الاقتصادية العالمية وتطور تلك القوى اقتصاديا في أطار التنافس بينها والأزمات المالية الراهنة ستكون لها أوجه تأثيرات متعددة تؤدي حتما إلى أعادة هيكلة النظام الاقتصادي – السياسي الدولي. لأن سيادة القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية لثلاث عقود مضت على رأس النظام الاقتصادي – السياسي الدولي لم تعد ممكنة الاستمرار في أطار ذلك التنافس معها من قبل القوى الاقتصادية الكبرى المتمثلة أولاً بالصين قبل القوى الاقتصادية الأخرى ومنها روسيا الاتحادية.

 

خلال العقود الثلاثة الماضية، كانت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا تهدف الى الحرص على الاحتفاظ بالمركز الاول لرأس النظام الدولي وعدم فسح المجال لتلك القوى وفي مقدمتها الصين من أحداث أي تغييرات اقتصادية – مالية وسياسية في هيكل النظام الدولي تؤثر على سيادة ومركز الولايات المتحدة الأمريكية، القطب الواحد، في النظام الدولي. ولكن صعود الصين اقتصاديا وتحقيقها معدلات نمو اقتصادي عالية وعلاقاتها التجارية والاستثمارية مع الاقتصاديات الأخرى ودورها في المساعدة على حل الازمة المالية الكبرى عام 2008 م، وفشل الولايات المتحدة الأمريكية في سياسة الشراكة والاحتواء للصين واعتبار الصين منافساً استراتيجيا لها، كل ذلك جعل التنافس الأمريكي – الصيني على قيادة النظام الدولي حقيقة تغذيها التحولات الاقتصادية – السياسية والأزمات الراهنة على المستوى العالمي.

أن مستقبل النظام الدولي اقتصادياً وسياسياً في أطار التحولات والأزمات الراهنة يرتبط بالفرضية الآتية:

(1)   يعتبر التنافس الاستراتيجي الأمريكي – الصيني على قيادة النظام الدولي عمل حقيقة تغذيها التحولات الاقتصادية – السياسية والأزمات الراهنة على المستوى العالمي.

(2)   أن تغير النظام الدولي القائم اقتصاديا وسياسيا سيكون بأحد السيناريوهات الآتية:

(آ) تحول النظام الدولي القائم الى نظام المشاركة بإعادة هيكلة النظام الدولي القائم اقتصادياً - سياسياً ومشاركة القوى الكبرى في القرار الدولي وإعادة هيكلة النظام المالي والنقدي الدوليين.

 (ب) في حالة عدم موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على نظام دولي جديد يحقق المشاركة للقوى الدولية الكبرى وفي مقدمتها الصين، فأن التطور الاقتصادي وتحقيق الصين معدلات نمو اقتصادي أعلى سيجعل منها ومن مجموعة البريكس – شنغهاي القوى الاقتصادية الكفيلة بانتقال مركز النظام الدولي الجديد من الغرب الى الشرق.

 

وسيتم عرض أبرز المحاور الرئيسية لمناقشة تلك الفرضية بالآتي:

أولاً: التحولات الاقتصادية – السياسية المعاصرة وانعكاساتها على مستقبل النظام الدولي.

ثانياً: الأزمات والتطورات الراهنة وأوجه تأثيراتها على مستقبل النظام الدولي.

ثالثاً: تشكيل النظام الدولي الجديد.

 

أولاً: التحولات الاقتصادية – السياسية المعاصرة وانعكاساتها على مستقبل النظام الدولي.

يرقد العالم اليوم على صفيح ساخن، وهو يشهد مزيجا معقدا من التوترات والازمات المتصاعدة والتحولات الاقتصادية - السياسية والتي تشكل بمجملها مخاض ومرحلة ستفضي حتماً إلى أوجه تأثيرات متعددة لها على تحول وولادة نظام دولي جديد. لأن العالم اليوم بات يعيش حالة اللا_نظام عالمي ويمكن عرض أبرز تلك التحولات الاقتصادية- السياسية كالاتي:

(1) تحول الشراكة الاستراتيجية بني الولايات المتحدة الأمريكية والصين الى منافسة استراتيجية على قيادة النظام الدولي

 

العلاقات الأمريكية – الصينية تاريخياً تتسم بالتغير وعدم الثبات. حيث كان هناك تعاون خلال فترة الحرب العالمية الثانية بيني. الولايات المتحدة الامريكية والصين تحول بعد ذلك الى التوتر في العلاقات من العام 1949م بعد تحول الصين الى بلد شيوعي. وفي مرحلة الحرب الباردة أصبحت الصين ثاني أخطر عدو للولايات المتحدة الأمريكية بعد الاتحاد السوفيتي، حيث دعمت الصين كوريا الشمالية وفيتنام في حربها الدفاعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وبعد وصول الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون واسناد وزارة الخارجية إلى هنري كيسنجر، مهندس العلاقات الأمريكية الصينية، جرت أول زيارة الرئيس أمريكي الى الصيني وكان هدف الزيارة غزل الصين عن الاتحاد السوفيتي، وبموجب تلك السياسة الأمريكية حصلت الصين على مكانة الدولة الأولى بالرعاية وشهدت العلاقات تطوراً كبيراً وبناء شراكة استراتيجية وتعاون رغم أنهما ينتميان المعسكرين معاديين. الا أن أدارة جورج بوش الأبن اعتبرت الصين منافساً استراتيجيا الولايات المتحددة الأمريكية عام 2001م، وبالرغم من أن أداره الرئيس أوباما عملت على تجديد الجهود لصياغة شراكة جديدة مع الصين خلال زيارة الرئيس أوباما إلى الصين عام 2009م، حيث كان للصين دور كبير في المساعدة على حل الازمه المالية الكبرى عام 2008 م، من خلال حزمة من الحوافز الاقتصادية الضخمة ه للحفاظ على النمو الاقتصادي، وفي أدارة الرئيس ترامب ثم دعوة الرئيس الصيني الزيارة الولايات المتحدة في نيسان 2017م. واتفقا على عدم انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الجريمة العابرة للقارات أو الحدود. ولكن بقي هدف الولايات المتحدة الامريكية في علاقتها بالصين هو خيار المنافسة الاستراتيجية لمنع الصين من تهديد طبيعة النظام الدولي القائم والمكانة الأمريكية على قمته. والعمل على أنهاك الصيني وفرض قيود على تحولها إلى قوة تحويلية وتعديلية هيكل النظام الدولي من خلال:

1 – استعادة التوازن الاستراتيجي بمنطقة غرب آسيا.

2 – ابقاء المزايا الاقتصادية والتفوق التكنولوجي لصالح الولايات المتحدة.

3 – حشد التحالفات لدعم القيم والمعايير التي ترعاها الولايات المتحد والأمريكية.

أما الصين فعملت على توسيع نطاق المنافسة أو التنافس الاقتصادي – والجيوسياسي بالعمل على:

١- العمل على أضعاف الولايات المتحدة الأمريكية والتحرك نحو مركز النظام الدولي من خلال التنافس الاقتصادي حيث تحقق الصين منذ ما يزيد عن 27 عاماً معدل نمو اقتصادي قدرة 7% وهو اعلى معدل نمو اقتصادي.

2- تراجع واضح في حصة التجارة الأمريكية عالميا مقابل صعود الصين. حيث تجاوزت تجاره الصين نهاية عام 2013 م حاجز 4 ترليون دولار مما يعنى إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية الى المرتبة الثانية في سلّم التراتبية التجارية بعد تسيد الولايات المتحدة الامريكية المرتبة الأولى لعقود طويلة.

3 – تعزيز نفوذ الصيني في القارة الآسيوية

4- تطوير الصيني علاقاتها الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط. حيث بلغت الاستثمارات الصينية في منطقة الشرق الأوسط حوالي 197 مليار دولار خلال الفترة: 2005 – 2020 م في حين بلغة الاستثمارات الامريكية 75 مليار لفتره: 2000 – 2019م.

 

(3)   من أنماط التحولات الاقتصادية في العلاقات الاقتصادية: التجمعات الاقتصادية: تجمع بريكس – شنغهاي:

يركز نشوء هذي التجمعات الاقتصادية على التوافق الروسي – الصيني في تبني عالم متعدد الاقطاب ورفض القطبية الأحادية في قياده النظام العالمي الى جانب اعتماد الحلول السياسية واحترام الشرعية الدولية والقانون الدولي والابتعاد عن استخدام القوة العسكرية في تغيير النظم السياسية.

وتشير الدراسات والتقارير الدولية إلى أن دول مجموعة بریکس – شنغهاي تعد مفتاحاً لمستقبل الاقتصاد العالمي، أذ سيتجاوز الناتج المحلي لدولها الناتج المحلي لمجموعة الدول السبعة الصناعية الكبرى مجتمعاً بحلول عام 2035م.

 

وحيث أنشأت مجموعة البريكس: بنك تمويل خاص برأسمال 100 مليار دولار وقد كان معظم التمويل من الصين، كما أن اتجاه تلك المجموعة لإصدار واعتماد عملة نقدية جديدة في التعامل بينها كبديل عن الدولار الأمريكي سيعمل ذلك بالاتجاه على أعاده هيكله النظام المالي والنقدي العالي.

(3)   الأنفاق العسكري وسباق التسلح في أطار واقع النظام الدولي القائم:

لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية في ظل احتدام المنافسة مع الصين وروسيا الاتحادية والتي تهدف إلى أحداث التغيير في تراتبية النظام الدولي، أن تتراجع عن أنفاقها العسكري المتزايد حيث تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الاولى في نسبتها من الأنفاق العسكري العالمي أذ بلغت تلك النسبية 37%. في حين جاءت الصين بالمرتبة الثانية بنسبته 11%. وروسيا الاتحادية بنسبة 5 %. عام 2013 م.

 

حيث بلغ الانفاق العسكري للولايات المتحددة الأمريكية عام 2017م:

700 مليار دولار في حين كان الاتفاق العسكري للصين 215 مليار دولار الا ان القوة العسكرية لوحدها من دون قوى اقتصادية عظمى، لا يؤهل أية قوى أن تكون عظمي.

 

ثانياً: الأزمات الراجعة وأوجه تأثيراتها على مستقبل النظام الدولي:

إن مقادة النظام الدولي بالقطبية الأحادية، الولايات المتحدة الأمريكية الثلاثة عقود بعد انهيار القطبية الثنائية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وضعف قدرة الولايات المتحدة الأمريكية في تحمل المسؤولية الدولية وانتهاجها استراتيجية معلنة بمنع أي دولة في العالم من منافسة سيطرتها العالمية، أي قيادتها للنظام الدولي القائم، وبذلها كل الجهود وفي مقدمتها استخدام القوة العسكرية أو التلويح باستخدامها بهدف الاحتفاظ بقيادة العالم منفردة. والتي اعتبرت الصين وروسيا كعدوين ومنافسين للأحادية القطبية، في ظل تراجع واضح للاقتصاد الأمريكي الذي كان القاعدة والمصدر الممول للقوة العسكرية الأمريكية الأولى عالمياً.

 

في أطار ذلك برزت العديد من الأزمات الراهنة كتعبير عنى عدم قدرة القوى العظمى الأخرى في العالم الاستمرار بنظام دولي أحادي القطب يهدد مصالحها الاستراتيجية مقابل رفض الولايات المتحددة الامريكية مبدأ الشراكة في القرار الدولي، وأن أخطر الأزمات الراهنة هي الأزمة الأوكرانية وكذلك بداية أزمة تايوان.

 

(1)   الأزمة الأوكرانية: هل أزمة أوكرانيا مدخلاً لنظام دولي جديدة؟

إن خلفيات الأزمة الأوكرانية، التي ليست هي وليدة الطرف القائم ، تعود إلى  الوثيقة التي تقدم بها الرئيس الأمريكي رونالد ريفان لنظيرة السوفيتي مخائيل غورباتشوف حيث تضمنت : تعهد واشنطن بعدم توسع حلف الناتو شرقاً مقابل موافقة غورباتشوف على توحيد المانيا ، وذلك بتاريخ 6/ مارس / 1991، وهي المشكلة المركزية اليوم ، وهي ضمن عدد من بلدان خلف وارشو  (المنحل) في أوربا الشرقية إلى  حلف الناتو  خلافا لتلك الاتفاقية، وعملت واشنطن وبريطانيا على محاوله ضم  أوكرانيا إلى  حلف الناتو ووضع ترتيبات عسكرية وأمنية فيها في المجال الحيوي للأمن الروسي ، ودفع دول الاتحاد الأوربي إلى  دعم انضمام اوكرانيا وبكليته طلبها بالانضمام إلى  الاتحاد الأوربي حلف الناتو. في إطار استراتيجية واشنطن التي تركز على منع أي انتعاش للقوى الروسية مستقبلاً من خلال تطويق روسيا في مجالها الأمني الحيوي. حيث تم في معهد الرئيس الروسي يلتسن تنفيذاً لتلك استراتيجية أدخال عدد من الدول التي كانت حليقة لموسكو في حلف الناتو. وتعاملت واشنطن انهيار الاتحاد السوفيتي كما تعامل المنتصرون مع الدول المهزومة بعد الحرب العالمية الثانية. في الوقت الذي لم يكن هناك سبب وتفسير للاحتفاظ بـ (الناتو) ولا بضمة أعضاء سابقيني في خلف وارشو المحل.

 

لذا فإن تمادي واشنطن في تحديد الأمن القومي الروسي من خلال العمل على أن تكون أوكرانيا هي ساحة التهديد ذلك، أدراكاً من واشنطن كما يقول يرجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في أوائل عام 1994، أذا سيطرت روسيا على أوكرانيا فيمكن لها أن تعيد بناء إمبراطوريتها من جديد.

 

وبعد تمادي واشنطن ولندن وحلفاءها الأوربيون في عدم تقديم ضمانات إلى روسيا بأن لا تضم أوكرانيا إلى حلف الناتو ولا توضع فيها أي ترتيبات عسكرية للناتو تهدد الأمن القومي الروسي، د فشل الجهود الدبلوماسية لألمانيا وفرنسا في تقديم ما يطمئن. روسيا في ذلك، وبينما العالم كان يتحضر للمواجهة الكبرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على خلفية التوترات الحاصلة والخلافات بين البلدين بسبب المنافسة على تصدر الاقتصاد الأكبر في العالم، اندلعت الأزمة الأوكرانية بتدخل عسكري روسي واجتياح لأوكرانيا عسكرياً في 24/ فبراير / 2022، وكما تدعي روسيا أن   ذلك هو دفاع عن المجال الحيوي لروسيا والأمن القومي لها.

وقد كان رد فعل واشنطن وبريطانيا والاوربيون فرض عقوبات على روسيا اقتصادية ومالية وتقديم الدعم العسكري غير المباشر والمعونات المالية لأوكرانيا بهدف مواقعة روسيا في أوكرانيا التي تعتبر تدخلها عسكريا هدفه الاستراتيجي هو منع أن تكون أوكرانيا قاعدة تهديه للناتو إلى روسيا ومحاصرتها في مجالها الحيوي.

 

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تستمر الازمه الأوكرانية أما أصرار الأطراف لها روسيا وحليفتها غير المعلنة الصين، (لأن الحلفاء الحقيقيين في عالم اليوم ههم الصين وروسيا) من جهة وواشنطن وبريطانيا والأوربيون من جهة أخرى رغم تخوف وقلق الاوربيون وترددهم في الاندفاع تحت ضغط واشنطن ولندن في التصعيد مع روسيا في الأزمة الأوكرانية وفي مقدمتهم وأهمهم في ذلك فرنسا والمانيا التي تواجه أسئلة مهمه في أن لا مصلحة لأوربا بهذه الحرب وتصاعدها لأنها ممكن أن تحرق النار في البيت الاوربي. كما أن العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوربا ومنها المانيا التي تدرك أن قراراً روسيا بقطع امدادات الغاز لها سوف توقف عجلة التصنيع وتؤثر على اقتصادها وأدائه مباشرة، ولا تمكين لها الاستغناء حاليا عن الغاز الروسي حتى عام 2030 مع أي ترتيبات وبدائل عكن أن تلجأ اليها.

 

تستمر الأزمة التي اندلعت في 24 فبراير / 2022 تستمر الأزمة لأن روسيا لديها أهداف تعمل على تحقيقها دفاعاً عن الأمن القومي الروسي التي باتت اوكرانيا بفعل التخطيط والتنفيذ الواشنطن ولندن والناتو والأوربيون (تحت الضغط) مصدر التهدئة ذلك الأمن القومي لروسيا. في الوقت الذي تضغط واشنطن وحلفائها على محاصره روسيا وأن تكون اوكرانيا قاعده للناتو.

إن تقديرات المحللين الاستراتيجيين والذين نتفق معهم أن: الأزمة الأوكرانية بداية حرب أوربية ستصبح حرب عالمية.

حيث صرح في ابريل 2022/ رئيس هيئة الأركان الأمريكية أن الصين وروسيا تتمتعان بقدرات عسكرية كبيرة وكلاها يعتزم تغيير قواعد النظام العالمي الحالي.

 

وهي الحقيقة: أن هدف التحالف الصيني - الروسي هو هدف مشترك لها يتمثل بالعمل على الإطاحة بالهيمنة الأمريكية على العالم، وتغيير واقع النظام الدولي القائم.

(2) تايوان: نار تحت الرماد، الأزمة الراهنة:

لقد أبقت الصين حقها التاريخي والجغرافي في تايوان مؤجلاً في استعادة تايوان وضمها إلى الوطن الأم الصين، وأنصرف الصيني لبناء اقتصادها وترتيب أوضاعها في هيكل النظام الدولي القائم، وأبقت قضية تايوان على قائمة الانتظار لتفادي أية تأثيرات العملية استعادتها على استراتيجية الصيني التي تهدف إلى أن تكون الاقتصاد الاكبر في العالم والذي ينافس استراتيجيا الاقتصاد الامريكي الأكبر حالياً ويتقدم علية في معدل غير اقتصادي بلغ %7 وعمدة 27 عاما الماضية. أدراكا من الصين من أن الفرصة الاستعادة تايوان تحتاج إلى ترتيبات لا تؤثر على مسار الصين في الصعود إلى رأس هرم النظام الدولي. حيث أكد الرئيس الصيني للرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق: (أن قضية تايوان تحتاج إلى أن تعالج على نحو سليم من أجل تجنباً أي تأثير سلبي في العلاقات الصينية الأمريكية)، وبقدر ما يحمله هذا التأكيد من تروي في اختيار الوقت والأسلوب ومراعاة الظرف الدولي هو تأكيد على حق الصيني في تايوان.

ولكن التطورات الراهنة في الوضع الدولي ومنها التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، الازمه الأوكرانية، والتحولات المعاصرة في النظام الدولي القائم مع تصاعد الموقف الأمريكي الداعم لتايوان ومنها زيارة الوفد الأمريكي إلى تايوان في 2022/4/14 والذي كان يمثل استفزازا للصين، حيث قال المستشار الأمريكي للأمن القومي جيك سوليفان في أبريل /2022/14: أن سلطات بلادة ستتخذ جميع الاجراءات الممكنة لمنع أعادة توحيد تايوان مع الصين بالقوة.. خلال مشاركته في مؤتمر أنظمة النادي الاقتصادي في واشنطن. كل ذلك وغيره من التحرك للولايات المتحدة الأمريكية ومنها تحريك حاملة الطائرات الأمريكية، أبراهام لينكولن، ودخولها بحر الصين الجنوبي في ابريل 2022 قد جعل قضيته تايوان إحدى الأزمات الراهنة لذلك وصلت الصين في هذه المرحلة بأنها ترى أن اللغة الدبلوماسية أمام التجاوزات الأمريكية أصبح أمراً غير مفيد، وخصوصا فيما تتعلق بدعم تايوان ضد الصين.

حيث قامت الصين بمناورات عسكرية بالقرب من تايوان. أثناء زيارة الوفد الأمريكي لتايوان ردا على استفزازات الولايات المتحددة الامريكية للصين. وقد طوقت القوات الجوية الصينية تايوان مع بدأ تلك المناورات العسكرية في أبريل 2022؟ وقد وجهت الصين تحذير شديد اللهجة إلى حلف الناتو (على حلف الناتو أن يفكر جيداً قبل أن ينوي خلق الفوضى في آسيا، لأننا لن مح بذلك). فيما أعلن الرئيس الكوري الشمالي حالة التأهب القصوى بعد وصول الوفد الامريكي إلى تايوان.

 

ماذا يعني ذلك؟

 يعني أن استعادة الصيني التايوان أمراً حتمياً وحاليا سوف لن تسمح الصين بأن تستخدم. تايوان مصدر التهديد الأمن القومي الصيني، وأن تحركها على استعادة تايوان هوامر محسوم في الاستراتيجية الصينية وربما يكون الوقت مناسباً حالياً في التحرك في أطار ما ستسفر عنه التطورات الحالية الازمه الأوكرانية وما ستتخذه واشنطن من خطوات غير محسوبة في التصعيد لوضع تايوان قاعدة لتهديد الأمن القومي الصيني، وهو مالا تسمح الصين ته مطلقاً

هذه الأزمة هي مفردة من استراتيجية الولايات المتحدة في إطار المنافسة الاستراتيجية والمواجه المحتملة مع الصين في تطويق الصيني في مجالها الحيوي كهدف للاستراتيجية الامريكية في المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا.

 

ثالثاً تشكيل النظام الدولي الجديد:

 لم يعد النظام الدولي القائم قادراً على الاستمرار في أطار التحولات والأزمات الراهنة والمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وضعف قدرة القطب الواحد ، الولايات المتحدة الامريكية في تحمل مسؤولياتها أزاء تلك الأزمات الراهنة والتحديات العالمية لوحدها ، وكذلك بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية خلافات تصل إلى  (12) أثنى عشر خلافاً لا يمكن أن تستمر ولا يمكن حلها أولها العملة الدولية لأن الصين لم تعد مستعدة أن تقبل استمرار الدولار الأمريكي العملة العالمية في ظل النمو الاقتصادي الذي تحققه الصين : يضاف لذلك عدم قدرة الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن أتخاذ أي قرارات لمواجهة ما يهدد الأمن والسلام العالمي في أطار تلك الأزمات الراهنة لأن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الـ (5) هم أطراف في تلك الأزمات كما هو الحال في عجز مجلس الأمن أتخاذ قرار في الأزمة الأوكرانية لأن أطراف النزاع أعضاء في المجلس . كما أن الجهود التي بذلتها الصين وروسيا في هيئات الأمم المتحدة لتأكيد الحاجة إلى  المشاركة في القرار الدولي لم تحقق نتائج بفعل أصرار الولايات المتحدة الأمريكية على منع أية دولة وأولها الصين وروسيا من أن تكون شريكاً لها في قياده النظام الدولي القائم كما أن السلوك الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية والمساند له بريطانيا والمتمثل باستخدام العقوبات الاقتصادية في أطار النظام المالي العالمي الذي تهيمن علية أمريكا كأداة للتعاطي مع الأزمات والتحديات العالمية وكذلك الضلوع باستخدام القوة العسكرية كان وما يزال ذلك السلوك عاملاً تصعيدياً في الأزمات والتحديات الراهنة وليس باتجاه حلها كما أن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عسكرية أكبر في العالم تمكنها من الاستمرار باستراتيجية القطب الواحد مع تراجع اقتصادها أمام الاقتصاد الصيني الذي يتجه لأن يكون الاقتصاد الأكبر بات أمرا غير ممكن ذلك ، وكما حصل مع الاتحاد السوفيتي عندما كان القوة العسكرية الأكبر عالميا ولكنه لم يكن الاقتصاد الأكبر متراجعا أمام الاقتصاد الأمريكي الأكبر مما أدى إلى  انهيار قطبية الاتحاد الـسوفيتي.

 

كما أن التحولات الاقتصادية والسياسية المعاصرة، والتي تم عرضها وتحليلها تؤكد وجود جو اقتصادي - سياسي عالمي لا يحتفظ بالرضى عن أداء النظام الدولي القائم وتعتبر عدد من القوى العالمية الكبيرة وفي مقدمتها وأهمها الصين وروسيا أن استمرار إداء النظام الدولي بقطبيه واحدة يلحق ضرراً استراتيجيا بمصالحها الكبرى، مما يجعلهما يعملان في أطار تخالف استراتيجي لتغيير واقع النظام الدولي القائم وعدم فسح المجال لاستمرار الولايات المتحدة الأمريكية في التفرد بالهيمنة القطبية على ذلك النظام اقتصاديا وسياسيا.

 

ويمكن طرح سيناريوهات تشكيل النظام الدولي الجديد الذي بات حتمياً وضرورة عالمية في أطار السيناريوهات الآتية.

(آ) السيناريو الأول: التحول إلى نظام المشاركة كنظام دولي جديد.

(ب) السيناريو الثاني: انتقال مركز النظام الدولي الجديد من الغرب إلى الشرق.

(آ) السيناريو الأول: التحول إلى نظام المشاركة كنظام دولي جديدة يعتمد تغيير النظام الدولي اقتصاديا وسياسياً بموجب سيناريو التحول إلى  نظام المشاركة كنظام دولي جديد، على قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجي في قبول مشاركة القوة الدولية الكبرى وأولها الصين ثم روسيا في القرار الدولي بإعادة هيكلة النظام الدولي القائم إلى  نظام متعدد الأقطاب ومغادرة نظام القطب الواحد، بما يضمن ذلك مشاركة واسعة لكافة القوى الاقتصادية العالمية ويحقق مصالحها الاستراتيجية وينظم حالة التنافس الاقتصادي والسياسي بما لا يلحق ضرراً مقصوداً في أيا من القوى المشاركة في ثبات النظام الدولي الجديد . مع الاحتفاظ لكل القوى الاقتصادية الدولية بحقها في التطور الديناميكي بما يرتب تسلسلها الهرمي في أطار النظام الدولي الجديد.

 كما أن اعتماد هذا السيناريو يعني أعادة هيكلة النظام المالي والنقدي ومن أوجه تلك الهيكلة المطلوبة اعتماد العملات للقوى الاقتصادية الأكبر كعملات عالمية في التبادل كأن يكون الدولار واليوان عمليتين عالمية وأنهاء مرحلة الدولار المتفرد كعملة عالمية   كما أن المشاركة في نظام دولي جديد لا تلغي التنافس القائم اقتصاديا بين القوى العظمى بل هو ضرورة لتطور الجميع. وأن نظام المشاركة الدولية في نظام دولي جديد اقتصاديا وسياسيا يجب أن ينعكس على مستوى عالي من الفاعلية للأمم المتحدة وهيئاتها وأولها مجلس الأمن في التعاطي الفعال والايجابي لحل الأزمات الراهنة عالمياً.

  (ب) انتقال مركز النظام الدولي الجديد من الغرب إلى الشرق:

  يعتمد انتقال مركز النظام الدولي الجديد من الغرب إلى الشرق على التطور   الاقتصادي للاقتصاد الصيني عندما يكون الاقتصاد الأكبر عالميا وتصبح الصين القوى العظمى في التسلسل الهرمي الأول في النظام الدولي الجديد، نظام المشاركة، ويساند انتقال المركز للنظام الدولي الجديد إلى    الشرق بلوغ مجموعة البريكسى ناتجها المحلي عام 2035 بما يتجاوز الناتج المحلي لمجموعة الدول السبعة الصناعية الكبرى. وتطور المؤسسات المالية الكبرى لتلك المجموعة ومنها بنك التحويل الخاص والذي تدعم رأسماله وتطوره الصين.

أو قد يكون الانتقال لمركز النظام الدولي الجديد لا يعتمد على نظام المشاركة، في حالة اصرار الولايات المتحدة الأمريكية على الاستمرار إلى  النهاية الحتمية في التفرد بالنظام الدولي القائم ورفض مبدأ المشاركة للقوى الكبرى معها في إدارة ذلك النظام الدولي وإعادة هيكلته تجسيداً لتلك المشاركة منها في القرار الدولي، وإنما يعتمد على إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً من رأس النظام الاقتصادي الدولي نتيجة بلوغ الاقتصاد الصيني مرحلة الاقتصاد الأكبر في العالم بما يجعل الصين القوى العظمي التي تحتل المركز الاول في هيكل النظام الاقتصادي الدولي الجديد نظام المشاركة وليس نظام التفرد .

 

لأن صعود الصين اقتصاديا إلى مركز الاقتصاد الأكبر هو مسألة حتمية، ومسألة وقت، وكذلك تراجع الاقتصاد الأمريكي من المركز الأول إلى الاقتصاد الاكبر عالميا هو مسألة حتميه رغم كل الجهود وما تبذله الولايات المتحدة من استخدام مختلف الأساليب والسياسات لاستراتيجيتها في الاحتفاظ بالمركز الاقتصادي الأكبر.

وهذا هو العامل الحاسم في ولادة وتشكيل النظام الدولي الجديد اقتصاديا وسياسيا والذي سيكون مرحب به عالمياً لأنه سيتيح فرصاً لتحقيق كل البلدان التي تتطلع إلى مستقبل أفضل في أطار نظام دولي جديد متعدد الأقطاب وأن تباين وزنها فهي في نظام دولي يعتمد المشاركة وليس التفرد والهيمنة.






الاحد ٩ ربيع الاول ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور حسن محمود علي الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة