شبكة ذي قار
عـاجـل










يا صَبْرَ بَغْداد (1)

للشاعر الدكتور ابراهيم الفايز الشعيبي

 

ما ضَاعَتِ الْأَرْضُ بَلْ جاَءَتْكَ تَرْتَجِلُ

تَمْشِي الْهُوَيْنَا عَلى شَطَّيْكَ يا رَجُلُ

 

يَحْدُو لَهَا فَارِسُ الْبَلقِاءِ مُقْتَدِراً

لا مِثْلَ حَادِيكَ إذْ أَوْدَى بِهِ جَمَلُ

 

وَلا عَلَا فَوْقَهَا إلّاكَ يا وَطَناً

وَلا هَوَىٰ شَامِخَاً فِيها كَمَا افْتَعَلُوا

وَلا رَبَتْ بِيَدِ الْأَنْذَالِ أَوْ رَجَفَتْ

فَأرْضُنَا هِبَةٌ أَوْتَادُهَا جَبَلُ

 

وَلا خَبَا صَبْرُهَا بَلْ صَارَ خَيْمَتَهَا

تَوَحَّدَتْ تَحْتَهَا الدَّهْمَاءُ وَالْمِلَلُ

 

أَرْخَتْ حَبَائِلَهَا مَدَّاً مُطَاوَلَةً

تَمْتَصُّ صَدْمَتَهُ الْأُولَى إذا دَخَلُوا

 

فَتَسْتَجِيبُ على تَمْرِيرِ مِحْنَتِهَا

ما بَيْنَهَا وَطُلُوعِ الْفَجْرِ مُحْتَمَلُ

 

حَتَّى إذا صَمَدَتْ بَانَتْ نَتَائِجُهَا

كَوَاكِبَاً تَمْلَأُ الدُّنْيَا وَتَرْتَجِلُ

 

غَطَّتْ بِهَا سَاحَةَ التَّحْريرِ يا وَطَنِي

لِتَحْتَوِيهِمْ عَرُوسُ الشَّرْقِ وَالْمُقَلُ

— — —

وكُلُّ مَا كَانَ تَحْوِيهِ صَحَائِفُنَا

في رِحْلَةِ الْعُمْرِ لا نَقْصٌ وَلا زَلَلُ

 

أَمَّا عِقَاباً وَأَمَّا وَمْضَةً قَدَحَتْ

كَيْ تَعْزِلَ الدُّرُّ عَنً أَدْرَانِ ما وَحَلُوا

 

وَإنَّمَا الصَّحْوةُ الْكُبْرَى دَوَافِعُهَا

مِنْ غَفْلَةٍ سَبَقَتْ ضَاقَتْ بِهَا الْحِيَلُ

 

فاستَجْمَعَتْ ما بِها مِنْ سِرِّ نَهْضَتِهَا

حَتَّى إذا اكْتَمَلَتْ جاءَتْكَ تَحْتَفِلُ

 

وَلِلشُّعُوبِ إذا ضَاقَتْ مَخَارِجُهَا

هٰذِي الجُّمُوعُ كَيَوْمِ الْحَشْرِ يَمْتَثِلُ

 

أمَّا الْوَضِيعُ إذا شَعَّتْ مَطَالِعُهُ

وَأَسْعَفَتْ رَكْبَهُ الْأيَّامُ وَالدُّوَلُ

 

فَتِلْكَ مِنْ حِكْمَةِ الْأقْدَارِ تَجْعَلُهُ

دَرْسَاً لِشَعْبٍ طَغَىٰ فَاحْتَلَّهُ هُبَلُ

 

وَعِنْدَهَا تَظْهَرُ الْأشْخَاصُ حَامِلَةً

كِتَابَهَا فيهِ مَا قَالُوا وَمَا فَعَلُوا

 

لِكَيْ يُفَعَّلَ سَيْفُ الْعَدْلِ مُنْتَقِماً

وَالسَّيْفُ إن سُلَّ لا يَرْضَى بِمَنْ قَتَلُوا

 

لٰكِنَّهُ يَحْتَوِي مَنْ ضَمَّ حَاضِنَةً

في بَيْتِهِ تَقْتُلُ الدَّهْمَاءَ لَوْ سَأَلُوا

 

تِلْكَ الْمَقَادِيرُ مَعْقُودٌ بِهَا أَجَلٌ

يَسْرِي عَلَيْهَا فَجَاءَ الْيَوْمُ وَالْأَجَلُ

— — —

طَعْمُ الْمَرَارَةِ مَطْلُوبٌ لِمَنْ عَشِقُوا

كَيْ لا يُحِيطَ بِأيَّامِ الْهَوَى مَلَلُ

 

لَوْ لَمْ تَكُنْ في هَوَىٰ الْعُشَّاقِ مَرْحَلَةٌ

فِيها عَذَابٌ لَمَا قَالُوا بِهَا عَسَلُ

 

كَذَاكَ أَرْضُ الْعِرَاقِيّينَ يا رَجُلُ

تَحْتَاجُ مِنَّا رِبَاطَ الجَأْشِ يَكْتَمِلُ

 

مَدٌّ وَجَزْرٌ وَإقْصَاءٌ مُطَاوَلَة ً

نَقْضِي لَيَالِيهِ حَتَّى يَصْدُقَ المَثَلُ

 

بِأَنَّنَا أُمَّةٌ أَرْبَتْ عَلى أُمَمٍ

تبْنِي دَعَائِمَهَا الْأَخْلَاقُ والمُثُلُ

 

فَإنْ غَفَا مِخْرَزُ الْمَوْتِ الَّذِي شَتَلُوا

وَقَدْ تَنَاسَوْهُ في جَنْبَيْكَ يَا جَمَلُ

 

فإنَّمَا قَصَدُوا أَنْ لا تَنَامَ على

ضَيْمٍ وَحَادِيكَ لا تَغْفُو لَهُ مُقَلُ

 

حَتَّى تَعُودَ لَنَا بَغْدادُ قَامَتُهَا

تَعْلُو عُلُوَّكَ في الآفاقِ يا زّحَلُ

— — —

يَا صَبْرَ بَغْدادَ أَيُّ الصَّبْرِ أجْمَلُهُ

لِأسْتَعِينَ بِهِ إنْ ضَاقَتِ الْحِيَلُ

 

فَقَالَ لِي يا فَتَى عِنْدَ افْتِقَادِكَ لا

أَهْلٌ وَلا وَطَنٌ يُرْجَى وَلا أَمَلُ

 

وَلا مَعِينٌ عَلَى الْبَلْوَى فَتَنْدُبُهُ

وَلا أَمَانٌ وَلا مَالٌ وَلا عَمَلُ

 

أمَّا وَصَبْرُكَ إنْ أَوْطَانَنَا سُلِبَتْ

هُوَ الْبَلاءُ فَهٰذا صَبْرُهُ أَزَلُ

 

وَصَبْرُ أَيُّوبَ لا يَرْقَىٰ بِسَاحَتِنَا

لِأنَّهُ مِنْ أَسَىٰ بَغْدادَ مُنْشَتِلُ

 

وإنَّ أيُّوبَ مَنْ عَانَىٰ بِشَقْوَتِهِ

أَمَّا الْعِرَاقُ فَكُلُّ الشَّعْبِ قَدْ شُغِلُوا

— — —

يَا صَبْرَ بَغْدَادَ وَالصَّبْرَ الَّذِي اكْتَحَلَتْ

بِهِ عُيُونُ الْمَهَا مِنْ بَعْدِ مَا رَحَلُوا

 

يَوْمَ النُّزُوحِ وَكَانَ الْلَّيْلُ مُكْتَئِباً

سَوَادُهُ بِدُخَانِ الْقَصْفِ مُنْشَغِلُ

 

وَصَبْرَ لَيْلَىٰ وَقَدْ قَصُّوا جَدَائِلَهَا

وَعَيْنَهَا برِيَاشِ السَّهْمِ قَدْ سَمَلُوا

 

وَعُرْسَ لُبْنَىٰ وَقَد ْ حَنُّوا ضَفَائِرَهَا

مِنْ زَوْجِهَا بِدَمٍ قَانٍ إذَا قَتَلُوا

 

وَطِفْلَةً مِثْلَ أَفْرَاخِ الْقَطَا زُغُبٌ

قَدْ أَعْدَمُوهَا بِسِكِّينٍ وَمَا خَجَلُوا

 

وَصَبْرَ أمٍّ عَلَى أَوْلادِهَا قُطِعَتْ

أَشْلَاؤُهُمْ وَهِيَ تُحْصِيهِمْ إذَا قُتِلُوا

 

وَهَدْمَ بَيْتٍ لَهَا في عَبْوَةٍ زُرِعَتْ

في قَرْيَةٍ مَا لَهَا فِيهَا وَلا رَجُلُ

 

مَا ذَا سَأَكْتُبُ عَنْ بَغْدَادَ لَوْ كَتَبُوا

وَصَبْرُهَا جَاوَزَ السِّتِّينَ يَقْتَتِلُ

 

وَبَيْتُ حِكْمَتِهَا ضَاعَتْ نَفَائِسُهَ

ضَمَّتْ عُلُوماً وَتَارِيخاً بِهِ دُوَلُ

 

أَمَّا مَتَاحِفُهَا فَالسَّارِقُونَ لَهَا

جَاؤُوا عَلَى عَجَلٍ جَوَّاً لِيَنْتَشِلُوا

 

لَيْتَ الزَّمَانَ لَنَا في يَوْمِ مِحْنَتِنَا

وَالزَّحْفَ لَيْتَ عَلَىٰ بَغْدَادَ مُفْتَعَلُ

 

وَليْتَ أَيَّامَنَا مَا هٰكَذَا وُجِدَتْ

وَلا حَوَاضِنُهُمْ فِينَا لَهُمْ رُسُلُ

 

لٰكِنَّهُمْ جَيَّشُوا أَبْنَاءَ جَلْدَتِنَا

وَالْعَيْنُ فِينَا إذا زَاغَتْ لَهَا حَوَلُ

— — —

هَا نَحْنُ في سَاحَةِ التَّحْرِيرِ يَجْمَعُنَا

هَمُّ الْعِراقِ وَكَيْفَ احتَلَّهُ جُعَلُ

 

جِئْنَا نُعِيدُ لَهُ صَرْحاً سَتَحْرِسُهُ

أَرْوَاحُنَا وَمَآقِينَا لَهُ حُلَلُ

 

وَتَفْتَدِيهِ فَإنْ جَفَّتْ مَوَارِدُهُ

نَأْتِيهِ كَالْمُزْنَةِ السَّمْحَاءِ تَرْتَجِلُ

 

وَفَوْقَهُ كالثُّرَيَّا سَوْفَ نَرْقُبُهُ

وفي ثُرَاهُ إذا مُتْنَا سَنَغْتَسِلُ

 

وَنَكْتُبُ الْعَهْدَ لا نَمْضِي إلَى جِهَةٍ

إلّا وَفِي سَاحَةِ التَّحْرِير ِ نَحْتفِلُ

.............................................

(1) - أرسل لي الشيخ الوقور الداعية الاسلامي الكبير الدكتور احمد الجنابي بيتاً من الشعر للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد من قصيدته (يا صبر أيُّوب) يطلب مني مجاراته وهو:

وا ضَيْعَةَ الأرضِ إنْ ظلّتْ شوامخُها

تهوي، ويَعلو عليها الدونُ والسَفَلُ

 

فكتبتُ لَهُ (يا صَبْرَ بَغْدَاد)

...........................................

معاني الكلمات

....................

البَلْقَاء: اسم فرس سعد بن أبي وقّاص في معركة القادسية.

رَبَا: زاد.

الدَهْماء: عامة الناس وسوادهم.

أودى: أَهلَكَ

هُبَل: اسم صنم وكان يُعْبَدُ في الجاهلية.

مِخْرَز: أداة لعمل الثُّقوب الصَّغيرة

الأَزَلُ: القِدَم.

جُعَل: دُوَيبَّة كالخُنْفَساء تكثر في المَواضِع النَّديَّة.

جَدائِلَ: جمع جَديلة، وتعني ضفيرة من الشَّعر.

الحاضنة: حضَن الرجل فلانًا: جعله في ناحيته، وأحاطه برعايته وحمايته.

سَمَلَ: فَقَأَ

بيت الحكمة: هيَ أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية، أُسِّسَت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، واتُّخذَ من بغداد مقراً لها.

 

...............................…………………






الاثنين ٢١ جمادي الاولى ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الشاعر الدكتور ابراهيم الفايز الشعيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة