شبكة ذي قار
عـاجـل










خداع المجتمع النيابي للمجتمع الانتخابي!

"تريد غزال اخذ أرنب تريد أرنب اخذ أرنب"

 

أ.د. عبد السلام سبع الطائي

أستاذ علم الاجتماع. ستوكهولم

 

تساؤلات انتخابية للتأمل والحوار

     أهي انتخابات حقوقية ام بيعة وتكليف شرعي!

     ما سر تناشز المجتمع الانتخابي مع المجتمع النيابي وتحول شعبنا الحائر الي شعب ثائر ؟

     ولم اصبح المجتمع البرلماني، مجتمعا” نهابا وهابا” ؟

     وهل استلاب مجالس المحافظات السنية: نينوى والانبار لتامين الطريق الى سوريا ولبنان ؟

     ام لغرض الانفتاح الجغرافي نحو حدود ايران عبر ديالى وصلاح الدين؟

 

 منذ ان تزعم العراق مدرسة السياسة المذهبية العصابية بعد الغزو الأميركي، فان كل ما حاولته أميركا بعد الغزو هو بناء عراق جديد بأحجار مذهبية قديمة، تجيد إيران هندستها أكثر من واشنطن، بموجبها اضطرت واشنطن تسليم العراق لإيران. من المعروف في كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية، انها ترفض اجراء انتخابات تحت اسنة الحراب لأنها لن تكون شفافة. وبهذا الخصوص (كوندوليزا رايس) وزير خارجية امريكا عام 2007 دعت الرئيس اللبناني عدم اجراءات انتخابات مرتبطة بالماضي السوري). في حين يغض النظر عن اجرائها في العراق، رغم انه مازال مرتبطا بالماضي الاسود للاحتلال الأمريكي والايراني!

 ولا بد من الإشارة هنا، لأجل ان تكون الانتخابات شفافة وجب ان تجرى بدون بنظارات شمسية، أي بلا – تقية – سياسية حتى لا يكون باطنها غير ظاهرها لتمرير الحيل الانتخابية على الشعب. وبهذا الصدد، يفيدنا الواقع لوقائع الاحداث في العراق بان معضلة الديمقراطية في العراق، تكمن بالحيل الانتخابية المعلبة والمغلفة ب (الديموقراطية) من قبل المجتمع البرلماني والحكومي. وإنه لحري بنا التطرق بهذا الإطار الى عمليات الخداع والتدليس الانتخابي للمجتمع البرلماني، وذلك من خلال تشكيل عشرات الاحزاب تعود ملكيتها ايديولوجيا إلى نفس الاحزاب الحاكمة التي رفضها أكثر من 80% من المجتمع الانتخابي للشعب العراق في انتخابات عام 2018- والتي تمخض عنها انطلاق الحراك الثوري التشريني 2019 واسقاط حكومة عادل عبد المهدي.

 

ولا يفوتنا ان ننوه، الى انه بالرغم عمليات المكر والتدليس والبهتان فان الانتخابات من الناحية الإجرائية سيجريها المجتمع النيابي العاجز والفاشل، وفق ما نطلق عليه، بنظرية الاحاطة في القيادة من اجل إيجاد نهاية دالة لفوز الفاشلين. ولتقريب نظرية الاحاطة أكثر الى ذهن القارئ، فهي تسمى بالعرف العسكري- قواعد التحوط والامان لتجنيب الجندي مخاطر الهزيمة او الموت. ان الغاية من استخدام عمليات الاحاطة، هي ان يحمي المرشح نفسه من مخاطر الفشل، ولكي يصبح المجتمع الانتخابي يدور في فلك الحيل البرلمانية وقانون مفوضية الانتخابات، فلا سبيل امامه الا باختيار هذا المرشح او ذاك!  وهنا لا يفوتنا أن ننوه، ان من بين الحيل الانتخابية المستخدمة من قبل المجتمع النيابي للكتل السياسة، تشكيل احزاب بأسماء اخرى لتمويه وتضليل الناخب، وهي أحزاب فضائية كاريكاتورية تصب لصالح نفس الحزب السابق، من اجل جعل الناخب يدور في حلقة مغلقة، على غرار المثل الاحتيالي القائل: "تريد غزال اخذ ارنب تريد ارنب اخذ ارنب". ان هكذا نمط احتيالي من الانتخابات لا يقوم على الاختيار الديمقراطي الشرعي بل على اجبار الناخب لاختيار المرشح السيء الصيت بطرق ملتوية.

 لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا اعتمد المجتمع النيابي للأحزاب اجراء الانتخابات وفق نظرية الاحاطة، لان تركيبة الاحزاب والدولة منذ 2003، يمكن وصفها: بانها دولة ولدت من ام ايرانية عجوز عاجزة، ومن قابلة امريكية غير مأذونة، فالمولود الجديد (الدولة وبرلمانها) لا يربطهم اي شيء بالشعب والوطن سوى تربية الام الايرانية العجوز للوليد الجديد بالشكل الذي يجعله خادما وذيلا ذليلا، هذه التربية السياسية جعلت العلاقة بين النائب والناخب كالمثل القائل: " "عصفور كفل زرزور واثنينهم طيارة"

 وهو ما أدى الى تناشز الشعب مع النظام السياسي.  لذلك أصبحت وعود النائب للناخب كوعد عرقوب.

 ولا مناص من القول، بأنه يخطئ من يتصور أن الانتخابات هي بداية ونهاية العملية الديمقراطية، لان الديموقراطية تؤسس قواعدها ومبانيها من دستور الدولة الى قانون الانتخابات فالمفوضية وثم القضاء العادل.  ولعل هذا الامر، يدعوني بان اقوم بتصنيف الحيل الانتخابية للمجتمع البرلماني، كما يلي:

أولاً: الحيل السياسية

يتزعم هذه المنظومة من الحيل، الإطار التنسيقي، من خلال محاولاته الزحف إلى المحافظات السنية بتوجيه ورعاية من الحرس الثوري الإيراني. علما بان هذا الزحف سيكون تحت مضلة الاشتراك في انتخابات مجالس المحافظات المقرر في 18| 12| 2023. الغاية من هذه المناورة السيطرة على القرار في المحافظات السنية واضعاف الاحزاب الاخرى الغير متحالفة مع الاحزاب الشيعية. علما بان المحافظات السنية المستهدفة، فهي:

 محافظة نينوى

محافظة الانبار

محافظة ديالى

 محافظة صلاح الدين

ومن اللافت للنظر، تبين ان جميع هذه الاحزاب مسجلة بأسماء مستعارة لصاحبها، فلان وعلان، من الولائيين لإيران.  ولا بد من الإشارة، بان الهدف من اقتحام المحافظات السنية، هو الهيمنة على محافظة نينوى والانبار لتامين الطريق وعمل خطوط تماس اقليمية، للتوغل الى سوريا ولبنان من جانب، ولغرض الانفتاح الجغرافي نحو الحدود الايرانية عبر محافظة ديالى وصلاح الدين، ومن اجل إيجاد طريقين الى سوريا، الأول، من داخل مدينة ربيعة في محافظة نينوى والثاني من خلال مدينة القائم في محافظة الانبار. ناهيكم عن البعد الثالث، المتجسد باختراق المحافظات السنية، الا وهو تشكيل الاقليم السني، وفقا لمقاسات الحرس الثوري الإيراني والأحزاب الشيعية الولائية له.

 ثانياً: الحيل الدستورية: لقد سن المحاصصون الحصريون، دستور الاقلية والاغلبية، ببدعة او فتنة المحاصصة، ليجعلوا من أنفسهم، وكأنهم “اصحاب الامتياز الحصري في العراق، كي يصبحوا هم من يقرر مصير العباد والبلاد، كما لو إنها مما ملكت أيمانهم، يعطون منها لمن يشاؤون، ويقصون كل من لا يتماشى أو يتمشّى مع نزواتهم “

ثالثاً: حيل المحاكم القضائية: كما هو معروف بكل دول العالم، الديمقراطية تسيرها القوانين لا الفتاوى، في حين نجد ان القضاء العراقي تتحكم فيه الميليشيات، والأخيرة تسيرها الفتاوى، اخذين بالاعتبار ان الفتوى تمتلك قوة إلزام أكثر من قوة القانون، لان الفتوى تصنف ك” قرار خاص” والخاص يقيد العام، من الناحية القانونية. مثال، إياد علاوي لما فاز وفشل المالكي، القضاء حكم لصالح المالكي، وهكذا أصبح الخاسر رابحاً والفائز خاسراً، بحيل قضائية!

 رابعاً: حيل مفوضية الانتخابات: وتتجسد معالمها الأولى، بإشكالية قانون تعديل المفوضية رقم (31) لسنة 2019 واحتمالية إبطال انتخابات مجالس المحافظات المقبلة. على الصعيد الاجرائي، فقد قام مجلس النواب في جلسته (الاستثنائية) المنعقدة في 22 -11- 2023 بالتصويت على مقترح قانون تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2009. ولا بد من الإشارة بهذا الصدد، بان مجلس النواب لم يلتزم بقرار المحكمة الاتحادية رقم (9) لسنة 2009 بعقد جلسة استثنائية لانتخاب رئيسا جديدا للمجلس، بعد اقالة الحلبوسي، بل تمت القراءة الاولى والثانية لمقترح قانون تعديل المفوضية رقم (31) لسنة 2019 قبل تعين الرئيس الجديد. وبالتالي فان اي "طعن بهذا التعديل لدى المحكمة الاتحادية وقبوله قد يؤدي إلى  أبطال هذه الانتخابات حكما"  من جهة،  اما بشان الحيل ذات العلاقة  بمبادئ ونظام تشكيل مراقبي الانتخابات الدوليين رقم(1 )لسنة / 2020 ، فعلى صعيد فرق المراقبة الدولية، يتم اختيارها من قبل المفوضية، علاوة على ان  المادة (3) من القسم الثاني للنظام توجب موافقة الجهات الامنية والسياسية على تسجيل واعتماد المراقبين الدوليين من جهة ، ومن جهة أخرى، فان شروط والتزامات المراقبين الدوليين وفقا للمادة (9):  تؤكد بان للمفوضية حق سحب او تسجيل اعتماد فريق مراقبي الانتخابات، وهذا يعني ان من سيعترض من المراقبين الدوليين على التزوير سيتم سحب الفريق بحجة خرقه لقواعد السلوك و اخلاله بالالتزامات، ووفقا لهذه الضوابط فان المفوضية، اصبحت هي من تشرف على فريق المراقبين الدوليين وليس العكس، وهو خلل انتخابي  قانوني واضح البيان!

خامساً: الحيل المذهبية: وتتمثل بإصدار الفتاوى التسطيحية، اكانت من قبل المجمع الفقهي (السني) او المرجعية الشيعية، كفتوى المجرب لا يجرب 2018، تلتها فتوى او توجيه صدر عام 2021 من نفس المرجعية، تدعو لانتخاب المجرب، رغم ان معظم المجربين رشاه زناة ومرتشين! وهكذا يتبين، بان الانتخابات، هي تكليف شرعي لانتخاب هذا الفاسد او ذاك المجرم!

وإن الأدهى من ذلك، أن المجربين من قادة الاحزاب ورؤساء وزراء اعترفوا أنفسهم بفشلهم، على الفضائيات. اما عن مسوغات جعل المجتمع البرلماني “نهابا وهابا” على حساب المجتمع الانتخابي المغلوب على امره، فهو يعود الى {نظرية المالك المجهول لأموال الدولة} التي تبيح نهب المال العام واستخدامه من قبل المجتمع النيابي حيثما يشاء، نظرا لكونه مشرعن في الفقه الخميني والسيستاني، الذي ينص: بـ” أن الدَّولة، في عصر الغيبة، كلّ ما تملكه يُعد أمراً مغتصباً، وكل من يستولى عليه من قبل الاخرين لا يُعد فساداً، وبهذا الصدد، اجازت  نظرية المباني الفقهية ، حق تخويل فقيه الحزب السياسي او الميليشيات المسلحة ،، تفويضا شرعيا مفتوحا للتصرف بأموال الدولة كما يشاؤون.

نافلة القول، نستقرئ وبجلاء، ان الانتخابات “مشرعنة” بإلزام فقهي، فهي تكليف شرعي، معززة بالفتاوى، وكأنها او انها “بيعة” بالانتخابات لكنها، لا هي بيعة شرعية ولا ديمقراطية حقوقية، ومن لم يلتزم بها فان الميليشيات الولائية لإيران لهم بالمرصاد، قتلا وتقطيعا، وفقا لما يشتهيه السيد المشرع.

مسك الختام

 انتخابات تجرى تحت سلاح ميليشيات المحتل ذات الماضي الأسود، ما هيه الا انتخابات (دمقراطية) لانتخاب عناصر ميلشياتيه بغية الوصول بها الى قبة البرلمان كحزب الله الارهابي وال PKK التي توعدت اهالي سنجار بانتخابهم وائلا سيكون مصيرهم كمصير أهالي جرف الصخر.

وانطلاقاً مما سلف، فان في العراق ظاهرة انتخابية، شاذة عالميا ونموذج انتخابي فريد، باتت تسيطر وتتحكم فيه الاقلية السياسية بالأكثرية، وسينتخب فيه لا محال نظاما سياسياً، لا يمتلك عنصر تعايش داخلي مع شعبه ولا توازن خارجي مع المجتمع الإقليمي والدولي، محصلة ذلك مزيدا من التناشز والازدواجية ما بين المجتمع الانتخابي والمجتمع البرلماني النيابي والسياسي للدولة.  هذا التناشز ولد جيلا استمد من يأسه بأسه الشديد، تجسد بالحراك الوطني الثوري التشريني، الذي حول شعب العراق الحائر الى شعب ثائر، فقلب موازين القوى التي كانت تعتقد بان التغير لا يمر إلا عن طريق (العملية) السياسة وامريكا وإيران، لكننا أصبحنا اليوم بفضل التشارنة نردد: ان التغير لا يمر الا عبر ثوار تشرين البواسل. وهكذا سيرسم لنا هذا الجيل الذي ولد من معاناة الاحتلال، استراتيجية الخروج العملية من العملية السياسية المنتهية الصلاحية. وما النصر إلا صبر ساعة، طالما دولة الباطل ساعة ودولة الحق حتى قيام الساعة.

 






الاثنين ٢١ جمادي الاولى ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د عبد السلام سبع الطائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة