شبكة ذي قار
عـاجـل










 

بين الحالة المَرَضية والسياسة الواقعية... الغطرسة الفارسية كيف نفهمها؟

د. أبا الحكم

 

انتقد قادة إيرانيون سياسيون وعسكريون الموقف الروسي من الاوضاع التي يمر بها الخليج العربي وفي مقدمتها مشكلة الجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى).

الموقف الروسي ظهر في بيان لمؤتمر عربي حاول أن يحرك أو يعالج مشكلة الجزر العربية في ظل فرصة (دعوة النظام الإيراني إلى الانفتاح على جواره الاقليمي).

والبيان الذي تمخض عن المؤتمر العربي هذا دعا فيه إلى:

أولاً- محادثات ثنائية بين طرفي النزاع - الامارات العربية المتحدة وحكومة النظام الايراني – والجلوس على طاولة المفاوضات من اجل إيجاد حلول تؤمن السلم والاستقرار في منطقة الخليج.

ثانياً- التحكيم الدولي والتوجه الى محكمة العدل الدولية في لاهاي لعرض القضية – إلا ان شرط المحكمة يقضي بموافقة طرفي النزاع حتى تتمكن المحكمة من البت في هذه القضية، وقراراها بهذا الشأن ملزم لا رجعة فيه.

الاحتجاجات الفارسية كانت قاسية جداً بالضد من روسيا الاتحادية أعلنها مسؤولون رسميون رفيعو المستوى، سياسيين وعسكريين، انصبت على الدولة الروسية، لأنها أبدت موقفا صائباً تبعاً لسياستها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.. فضلاً عن أهمية 1- إحقاق الحقوق 2- وإحلال الأمن والسلام.. حتى ان بعض الخبراء قد ركز على ان التعاون بين موسكو وطهران في ركنه (الاستراتيجي) قد تعرض للتصدع.

بماذا صرح قادة النظام الايراني:

1-قال ناصر كنعاني المتحدث باسم الخارجية الايرانية (ان بلاده ابلغت روسيا احتجاجاتها بأوسع العبارات وأعلى المستويات، وإن إيران لن تتسامح إزاء سيادة وسلامة اراضيها مع أي طرف، وإن المزاعم المطروحة بمثابة العمل ضد سيادة الاراضي الايرانية، وانتهاك لمبادئ القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، الذي يؤكد احترام سيادة الدول وسلامة اراضيها).

2-  وقال حسين امير عبد اللهيان وزير الخارجية الايراني (ان الجزر جزء لا يتجزأ من الاراضي الايرانية ... ونحن لا نجامل أحداً حول سيادة إيران على أراضيها).

3-  وقال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي (ان مواقف الخارجية الروسية مؤسفة وتضر بمكانة موسكو، وإن الضغوط في ظل الظروف المعقدة تتسبب في تضرر مكانتها من أجل الحصول على امتيازات لا تذكر).

4-  وقال محسن رضائي مستشار الرئيس الإيراني وقائد الحرس الإيراني السابق (إن التدخلات غير الودية لروسيا بشأن سلامة الأراضي الإيرانية يجب ألا تتكرر لأن الجزر الثلاث ليست القرم).!!

5-  وأتهم رئيس تحرير صحيفة كيهان التابعة لمكتب خامنئي روسيا (بالنفاق والخيانة وارتكاب خطأ لا يغتفر، وطالب باعتذار روسيا الرسمي).

6-  وذكرت وكالة (أرنا) الرسمية الفارسية (ان الحرس الثوري ومليشيات الباسيج يجريان تدريبات على انتشار القوات الايرانية والتموضع في جزيرة أبو موسى وإن الهدف من هذه التدريبات والمناورات هو إظهار الاقتدار والاستعدادات القتالية للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الايراني في حماية الخليج الفارسي والجزر الفارسية).!!

دعونا نتناول الموضوع من زاوية (الواقعية) السياسية في صيغة تساؤلات منطقية ترفضها إيران:

اولاً- لماذا ترفض طهران الحديث عن الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى؟ هل هي لا تمتلك الوثائق التاريخية في إثبات الملكية، فضلاً عما يقوله قانون البحار والقانون الدولي؟ وإذا كانت تمتلك مثل هذه الوثائق المسندة بحقائق التاريخ والجغرافيا، لماذا تخاف طهران من الجلوس على طاولة المفاوضات لحسم الموضوع؟

ثانياً- لماذا تشن طهران حربها الاعلامية والسياسية على لسان قادتها وتهدد موسكو، لأنها شاركت في مؤتمر اقليمي.. ألم يكن موقف طهران تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لروسيا الاتحادية؟

ثالثاً- لماذا تعتقد طهران ان سياسة روسيا الخارجية ومواقفها يجب ان تتطابق مع سياستها الخارجية؟ وكذلك مع سياسات دول العالم؟

رابعا- لماذا ترفض طهران وسائل حل المسائل بالطرق السلمية وترى في الانتشار والتموضع العسكري القتالي هو الطريق الوحيد للحفاظ على أو تأمين مصالحها خلافاً لمبادئ ميثاق الامم المتحدة، التي تدعو الى حسن الجوار وحل المشكلات بالطرق السلمية؟

خامساً- ولماذا يخشى النظام الايراني عرض وثائقه على محكمة العدل الدولية ويرفض فكرة الامتثال أمام المحكمة؟

ليس باستطاعة النظام الايراني ان يجيب على هذه التساؤلات الواقعية والمنطقية، إنما يبدي اصراره الفاضح ورده الوحيد المتغطرس إذا اقتضى الامر فان الحسم يتم عن طريق القوة.. فالنظام وفق هذا المنظور النازي يحشد في الخليج العربي ومضائقه وبحاره ويمارس القرصنة والاستيلاء على السفن التجارية في البحر العربي والأحمر والمتوسط، ويناور ويحشد المليشيات في جزيرة ابو موسى العربية.

كيف يمكن تفسير سلوك النظام الايراني.. هل هو سلوك ودي ترتاح له دول الجوار ودول العالم؟

لو وضعنا مقاربات ومقارنات تاريخية بين الدولة الإيرانية وبين الدول المجاورة لها.. فلا أحد منها، عبر التاريخ، كانت توسعية او استعمارية، أما الدولة الايرانية فكانت استعمارية توسعية، فقد اجتاحت العراق عدة مرات وهي الآن تسيطر عليه، ووصل نفوذها العسكري الى الجزائر وحدود اليمن وحروبها بلغت حدود اليونان عبر الاناضول ودول المشرق العربي.. وفي كل حقبة استعمارية فارسية يتم طرد الفرس من الاراضي العربية المحتلة.. التاريخ يقول ذلك، ولكن لم يكن العراق ولا الدول العربية لديها نزعة التوسع الاقليمي على حساب غيرها من دول الجوار فهي دائما في وضع دفاع عبر التاريخ.

لا أحد من دول الجوار يريد الحرب مع إيران.. ولا أحد من دول الجوار يسعى الى التوسع نحو إيران أو غيرها من الدول.. إيران هي الدولة الاقليمية الوحيدة التي تعلن الحرب على الجميع.. فهل ان السياسة الايرانية واقعية؟ وهل هي سلمية في مضامينها؟

الأدلة التاريخية والموضوعية تشير إلى أن إيران تتمتع بسمتين أساسيتين هما:

أولاً- الجبن حيث المراوغة والخداع والكذب والغدر والتوريط وعدم المواجهة.. وبالتالي الاختباء خلف الأقوى.

ثانياً- الغطرسة والإظهار بالقوة والتفوق والتهديد بقدرات التدمير الخارقة والتضخيم والتعظيم.. وبالتالي تضخيم الذات المرضية.

أمريكا والكيان الصهيوني يدركان عناصر الشخصية الفارسية الإيرانية ويستطيعان كبحها ولجمها وإعادتها إلى حجمها.. ولكنهما يتعاملان معها لأسباب استراتيجية براغماتية مثل:

1-  إبقاء التوتر قائماً، والكلب الفارسي مسعوراً من أجل صفقات السلاح مع المنطقة العربية، الذي يظل مكدساً في مخازن الجيوش العربية حتى يتآكل ويمسي (خردة).

2- توكيل النظام الفارسي في طهران بمهام تفكيك النظم العربية مجتمعاتها وتصفية القضية الفلسطينية على مراحل من أجل هدف بعيد هو تقاسم النفوذ في نظام الأمن الإقليمي في المنطقة.. وما يحصل في غزة يعد ترجمة لهذه المهام.

وفي ضوء ما تقدم هل أن السياسة الايرانية سياسة واقعية:

- تراعي حاجات الشعوب الايرانية من غذاء ودواء وأمن واستقرار.

- تراعي أهمية الجهود من أجل تنمية علاقات السلام والأمن في المنطقة لأغراض الاستقرار والتنمية المستدامة.

ولما كانت سياسات النظام الايراني في طهران لا تراعي كل ما تقدم، فهل نستطيع أن نقول إنها (سياسة واقعية)؟

الواقعية السياسية التي تنتهجها الدول العربية تجاه إيران لا يعني أنها لا تقدر على الفعل العسكري ولكنها ترى أن مأل الأفعال العسكرية الجلوس على طاولة المفاوضات من اجل الأمن والاستقرار وتجنب الخسائر.. وهل ان مثل هذه السياسة فاعلة في كل الأحوال؟ الجواب، انها تحتاج إلى الردع ومنع التمادي في التهديد، ومنع الاستهتار بالمصالح الاقليمية والدولية.. والردع لا يعني الحرب، والمقاطعة لا تعني الحرب.. إنهما سياسة، والحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى.

 






السبت ٢٤ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة