شبكة ذي قار
عـاجـل










من زاوية الإستراتيجيا.. القضية الفلسطينية ستنتصر في النهاية.. ولكن: (ح- 2)

د. أبا الحكم

 

هل حقق الكيان الصهيوني اهدافه من الحرب على غزة؟ وهل حقق طوفان الأقصى اهدافه؟ وهل حقق النظام الايراني اهدافه المشتركة مع امريكا بإنهاء القضية الفلسطينية بعد أن أحدث (شرخاً) عمودياً مؤلماً في بنية الشعب الفلسطيني في غزة وعموم فلسطين وفناءها العربي؟ وأخيراً، أين هو العمق الاستراتيجي العربي للقضية المركزية فلسطين؟

بدأت حرب غزة الخاطفة وستنتهي حالة الحرب عند حدود الوساطات من أجل الهدنة المؤقتة ثم الدائمة، والمساعدات ومعابر الحدود والجلوس على طاولة المفاوضات، وترجع الأمور، ليست الى ما قبل الحرب، إنما الى ما بعدها، حيث المحصلة التي كرستها حالة الحرب ووزعتها على حقولها السياسية والأمنية والاقتصادية والديمغرافية والنفسية، ومن الصعب إغفال خلاصة الصراع في أبعاده الاستراتيجية اقليمياً ودولياً وتأثيرها على طرفي الصراع (الكيان الصهيوني) و (حركة حماس) من جهة والقضية الفلسطينية من جهة اخرى.

من سيربح الحرب ومن سيخسرها؟

تساؤل غريب.. لأن الحرب لم تنتهي بعد إلا بتنفيذ أهداف الحرب، سواء كانت اهداف اسرائيلية او اهداف حماسية، ولأن الشعب الفلسطيني كله لم يخض الحرب بعد والشعب العربي لم يخض الحرب بعد، والانظمة العربية العميلة والمتواطئة ما تزال تراقب وتنتظر وتساوم وتقمع جماهير الامة:

أولا- فالحرب ما تزال مستمرة، وهي في حقيقتها (حرب إبادة) وتصفيات لشعب مدني أعزل - القصف الوحشي والدموي يطال المدنيين الفلسطينيين العزل بنسبة أكثر من 96% من شعب غزة، ومع ذلك يطلقون توصيف الحرب.. الاجتياح العسكري الاسرائيلي الذي تباركه اميركا لحد هذه اللحظة، والقصف بالطائرات الحربية والراجمات الصاروخية والمدفعية والهاونات، كلها تنصب على الشعب المدني الأعزل فهي (حرب إبادة).. ومع ذلك، فان فلسطينيي غزة يكافحون ويناضلون ويتضورون جوعاً ونزفاً وصبرا.

ثانياً- الاسرائيليون السفاكون الجزارون يقولون: ان حماس هي التي بدأت الحرب وكأنهم كانوا مسالمين ولا يهدمون منازل الفلسطينيين ويجرفون اراضيهم ومزارعهم ويشردونهم ويهجرونهم الى خارج وطنهم فلسطين ويقتلون شبابهم ويغتصبون نسائهم.. وحماس تقول: ان الحرب لم تتوقف حتى تبدأ.. فمنذ سنة 1948 اندلعت واشتدت الى مجازر وتصفيات عنصرية وتهجير قسري حتى باتت احوال الشعب الفلسطيني لا يتحملها العقل البشري من اهدار للكرامة الانسانية على يدي سلطات الامن الاسرائيلية وقطعان المستوطنين العنصريين الصهاينة.

ثالثا- الحقيقة الساطعة برزت تؤكد.. كلما تطول الحرب ويتكرس الصمود، تتعزز القضية الفلسطينية وتستيقظ الضمائر من سباتها وتعتلي القضية الفلسطينية قمة الاهتمام السياسي والاعلامي والحشد الجماهيري في العالم.

رابعاً- الهدف الاستراتيجي الامريكي هو (إعدام) حماس، وكأن حماس تمثل كل الشعب الفلسطيني.. لكن المرمى من ذلك هو تهجير سكان غزة الى خارج فلسطين.

وماذا بعد التهجير القسري افتراضاً؟

بعد تهجير سكان غزة كمرحلة أولى.. تليها مرحلة تهجير مدن فلسطينية اخرى الى الضفة الغربية لتضع فلسطينيي الضفة بين الخيارات الآتية:

1-الذهاب الى ما يسمى (الدولة البديلة) بعد تصفية الدولة الاردنية - وما نراقبه الآن تركيز المليشيات الايرانية المسلحة والتعرض للحدود الاردنية من الاراضي السورية تحت غطاء (التهريب) و (المهربين) للمخدرات وفتح جبهة صراع مع حرس الحدود الاردنية، فيما تكون المليشيات العراقية رافداً للتعرض في ضوء ما تطلبه (اسرائيل) وايران للعبور الى تنفيذ هدف إسقاط الدولة الاردنية عن طريق زعزعة الأمن في داخلها بالفوضى وإحلال التهجير الفلسطيني القسري إلى الاردن حيث تظهر (الدولة الفلسطينية) بديلاً للدولة الأردنية خارج فلسطين المحتلة .. ويظل هذا الهدف وملفاته معمول به، ليس من قبل (اسرائيل) وحدها، إنما من قبل النظام الايراني في إطار سياسة (المشتركات) الإقليمية.

2- خيار التحاق سكان قطاع غزة جغرافيا بمصر.

3- الذهاب بسكان غزة الى الأنبار في العراق في ضوء اتفاق يعمل عليه حزب الدعوة بقرار من إيران وبتنسيق مع (اسرائيل).. والاتصالات ما تزال مستمرة بين ممثل حزب الدعوة العراقي وأحد جنرالات إسرائيل من أجل تسهيل التحولات الأمنية والسياسية الاسرائيلية في (الأردن - قطاع غزة - الضفة الغربية - وفي سوريا).

الاهداف الاسرائيلية هذه لم تكن جديدة، إنما ملفاتها جاهزة للتنفيذ في إطار (الشراكات) الاسرائيلية- الايرانية- الامريكية. ومع ذلك، فأن الحرب في غزة لن تتوقف بهدنة مؤقتة او بتبادل أسرى او ببيانات الشجب والاستنكار وعقد مؤتمرات لا تتمخض سوى بيانات غير قابلة للتنفيذ ومنها المساعدات التي لم يسمح لها بالعبور.

واللافت في الأمر الخطير: ان بريطانيا وفرنسا وامريكا قد سمحت لمواطنيها (اليهود) ضمن القوات المسلحة الاسرائيلية باجتياح غزة وهم من قوميات اوربية، واجتياح مدن فلسطينية أخرى، وباركت هذه الدول جهود موطنيها على القتل والقصف والتنكيل وسفك دماء الفلسطينيين وتهجيرهم.. فيما فتحت هذه الدول باب التطوع لمواطنيها (اليهود) للقتال في صفوف الجيش الاسرائيلي، وهو الأمر الذي يجعل الحرب حرباً (صليبية).!!

4- ومن الهدف العام إلى التخطيط الخاص، ثم التنفيذ (المشترك)، فان الحرب في غزة هي مرحلة البدء لمراحل قادمة تطبق خلالها سياسة (خطوة الى الخلف وخطوتان الى الامام) تبعاً للمعطيات ولردود الافعال.. ولا يغرنك التوقف لالتقاط الانفاس بالتفاوض المخادع او الهدنة الزائفة او الضغط من أجل فرض سياسة الأمر الواقع، لأن المخطط قائم وتنفيذه حثيث.

5- فأمريكا التي كرست جهودها لدعم العدوان الاسرائيلي بالسلاح وصور الاقمار الاصطناعية وحشود الحماية والتهديد من البحر، يؤكد وزير دفاعها أوستن (على اسرائيل ان تتوخى الحذر من التعرض للمدنيين وعليها ان تستمر بزخم الهجوم).. والنصيحة الامريكية هذه تنطوي على (أن العالم بات يدرك عمق الوحشية الاسرائيلية، وإن اسرائيل فقدت كل مقومات مواقفها السياسية والامنية) و (ان امريكا لم تعد اساطيلها ذات فائدة أمام فصيل فلسطيني مسلح واحد، وإن موقفها بات مداناً ومعزولاً وهي محاطة بكراهية معظم دول العالم).. فهي والحالة هذه قد خسرت الحرب، رغم ان معاهدتها الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني لعام 1985 تشير الى الدفاع المشترك.!!

ومصطلح خسارة الحرب بمعنى المفهوم السياسي وليس بمعنى القوة، المفهوم الذي يحرك القوة الامريكية سقط في هاوية افتضاح الديمقراطية الامريكية، والحياد الامريكي، وحرية الحياة الامريكية الطافحة بالتمييز العنصري.

ورغم ان الخسارة في الحرب لا يقررها القبول بوقف الحرب فحسب، إنما بما يتكبده الخصم من خسائر مادية وبشرية واعتبارية تجبره على الاستسلام للأمر الواقع، كما حصل حين أرغم العراق الوطني إيران على الركوع والقبول بقرار وقف إطلاق النار- ليس لأنه قرار أممي فحسب، إنما واقعها العسكري العملياتي أرغمها على ذلك -.

(إسرائيل) لا تمتلك مقومات الدولة كما أسلفنا سابقاً من - أرض وشعب وسيادة - فهي عبارة عن مكونات شعوب تحتل أرض غيرها طيلة 75 عاماً ولم تستطع هذه الدويلة المصطنعة ان تكتسب الشرعية ولا القبول من شعوب المنطقة العربية والاسلامية، ولم يتمكن اقتصادها من النمو والاتساع وظلت تتلقى مساعدات الغرب وفي مقدمته امريكا التي تقدم لإسرائيل (5،3) ثلاثة مليارات دولار ونصف سنويا) لكي يستمر المخطط العام الغربي بالضد من دول المنطقة العربية لتشتيتها وتمزيقها والاستحواذ على ثرواتها.. فإسرائيل قد خسرت الحرب قبل ان تخسرها فعلاً ما دامت تفتقر الى مقومات الدولة.

ولما كانت (اسرائيل) قد خسرت الحرب فأن حسابات النظام الايراني المخادع مستمرة مع شركائه في مشروع تغيير خرائط دول المنطقة العربية وبما يؤمن له 1- بقائه 2- حصته من النفوذ 3- موقع له في النظام العالمي الجديد الذي لم يولد بعد، كما أكد ذلك علي خامنئي في حديثه مع مجموعة من الدبلوماسيين الايرانيين.

أما الحديث عن العمق الاستراتيجي العربي للقضية الفلسطينية فإنه حديث مؤلم ومخزي، طالما تنصل البعض وهرول البعض الاخر نحو التطبيع والبعض الاخر يسرع الخطى في تقديم الخدمات ومنهم من يتلهف للمؤامرات على جواره من العرب ويلعب لعبة المداهنة والمناكفة ويضع امواله في بنوك إيران وبنوك أمريكا وبنوك أوربا ويشكو من التهديد الايراني.!!

العمق الاستراتيجي العربي، بهذا الشكل لا يبعث على الهيبة والاحترام والرصانة السياسية والامنية.. ومن زاوية الاستراتيجية يعمل العدو الصهيوني ويخطط سياساته الحربية، فيما يقدم هذا العمق (هدية) ثمينة لهذا الكيان لكي يستمر العمل على إنهاء قضية فلسطين العادلة. ولو كان العرب على العكس يشكلون عمقاً استراتيجياً لفلسطين، فلا أحد يجرؤ على التحرش والعدوان على العرب. 

إيران عدوة العرب وتسعى الى تمزيقهم والاستيلاء على أراضيهم وثرواتهم.. ألم يعمل النظام الايراني على تقديم خدماته لإسرائيل لتمزيق الشعب الفلسطيني في غزة، فيما تتلقى قيادة حماس (السياسية) التي تقيم في الدوحة التوجيهات ويلتقون بقادة فيلق القدس وجنرالات الحرس الثوري الايراني – حسب تصريحاتهم.؟

النظام الايراني افتضح أمره فخسرت إيران الحرب والشعب الفلسطيني ينتصر لقضيته مهما طال أمد الحرب لأنه يؤمن بقضية، أما امريكا وأوروبا وبعض الحكام العرب، فليس لديهم قضية يقاتلون من أجلها، إنما لديهم قضية واحدة هي التجارة ودسائس إشعال فتيل الحروب وشراء السلاح لتخزينه والتآمر من أجل النفوذ.!!

تمت .....

 

 

 

 

 

 

 






الجمعة ١ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة