شبكة ذي قار
عـاجـل











يَحيا العِراق تَحيا فلسطين

الدكتور حسن العالي

 

في رحاب ذكرى تأسيس البعث العظيم، وفي ذكرى احتلال مغول العصر لعراق الحضارة، وفي خضم تضحيات وصمود بطوليَّين لغزة وشعبنا الصابر في فلسطين، نستحضر الحقائق اليقينية التي تربط بين هذه المناسبات الثلاث، ولكأنها تتمخض عن بعضها البعض، وتتعانق في مسار الماضي والحاضر والمستقبل.

في البدء كان العراق

والبدء كان حزب عانق ماضي وحاضر العراق، فاستعاد امجاد ماضيه، واستنهض حاضره، وأنار مستقبله، مستقبل العزة والكرامة.. مستقبل يحث الخطى نحو الوحدة والحرية والاشتراكية.

وبات لا يمكن لأي بشر ذي بصر وبصيرة ان يخطأ ما كانت تنطوي عليه تجربة العراق في ظل قيادة البعث من امكانات وتطلعات واسعة لا حدود لها ليس للعراق فحسب، وليس فقط للامة العربية، بل للإنسانية جمعاء.

لقد وجد البعث في العراق أمانيه وتطلعاته، فتحولت أطروحاته الفكرية إلى نظرية ثورية وإلى برنامج عمل ثوري طال الانسان والمجتمع والاقتصاد والثقافة والعلوم والتعليم والمرأة والشباب والطفل، ووجدت الأمة في العراق حادي ركبها في ارتقاء المركب الصعب الذي تتلاطمه أمواج قوى الشر والتآمر.

كما وجد العراق في البعث ضالته التاريخية التي فجرت فيه كل شموخ الماضي وعنفوان الحاضر ووثبة المستقبل.

لقد كان البعث والعراق على موعد لقاء تاريخي عبر عنه القائد المؤسس بالقول عام ١٩٨١ في ظل استمرار الحرب مع إيران:

(إن هذه التجربة الصحية "أي تجربة العراق"، والمعركة الظافرة، والحالة النادرة، انما هي تعبير عن تكامل شروط تاريخية للدخول في مرحلة جديدة لكي يندفع البعث بكل قوة وعمق على طريق الانبعاث القومي، لكي تسترجع الأمة كل قواها، وتصب كل طاقاتها في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين، وتحقيق الوحدة العربية، لأن هذا هو معيار ثوريتها ومبدئيتها وقدرتها على تجديد النضال، والوعي، والارتفاع إلى موقع أكثر تقدماً في مسيرة النهضة العربية. فكيف لا أشعر بالسعادة لرؤية تجربة ثورية عربية، تحمل الافكار الأساسية للحزب، وتجمع إلى الأمانة للفكر البعثي، العبقرية والإبداع في فهمه واخصابه وتطبيقه).

وعلى مدى عشر سنوات أو أكثر بقليل ما بين 1968 و1979، تواصلت وتراكمت إنجازات العراق الوطنية والقومية في كافة الميادين. لكن أهم ما ميز هذه الانجازات هو حرصها على الاستقلالية الوطنية وبناء القدرات الذاتية وتحرير الثروات والاقتصاد، كذلك تحرير الخيارات الوطنية والقومية من التبعية للخارج بكافة أشكالها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ولم يعد الأمر قاصرا على العمل على استقلالية العراق الوطنية، بل أيضاً على استقلالية أقطار الأمة من خلال تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة الفعلية والحقيقية لكفاح تحرير فلسطين، ولجهود هذه الأقطار في التحرر من التبعية للخارج ومقاومة مؤامرات فرض الهيمنة من القوى الاستعمارية سواء في جنوب الوطن العربي أو مشرقه أو مغربه.

لقد بات العراق في ظل قيادة البعث رافعة النضال الوطني التحرري ونموذج لكافة الشعوب المتطلعة نحو حريتها وكرامتها، وعلى الصعيد القومي، أحيا العراق وحدة نضال الأمة وآمال الوحدة العربية بعد سلسلة الإحباطات والانكسارات أثر هزيمة حزيران وما أفرزته حرب تشرين المجيدة من نتائج تم تجييرها لصالح اتفاقيات الصلح مع الكيان الصهيوني.

في ظل إنجازات العراق الوطنية والقومية، استنهض العمل القومي وعاد الدم ينبض في عروق نضالات الجماهير العربية، وحركات المقاومة والانتفاضات الفلسطينية، وبات العراق هو قلعة الأمة المحررة التي تشع بنور الحرية والكرامة على أقطار الأمة، وبصورة خاصة تركيز مواقف الأمة تجاه القضية الفلسطينية وتحرير الأراضي المحتلة بعد زيارة السادات للقدس الشريف. 

في البدء كان العراق

في العام ١٩٧٨ بدأت تحركات الشارع الإيراني بمختلف قواه السياسية ضد نظام الشاه الذي كان يمارس شتى صنوف القهر والاضطهاد ضد الشعب الإيراني، وواجه النظام هذه التحركات بالقمع والسجن والقتل، اعتقادا منه بحماية الولايات المتحدة والقوى الغربية له بوصفه كان شرطي الخليج يمارس التهديد والوعيد ضد دول الخليج العربي ليدفعها للمزيد من الارتهان للقوى الغربية.

لا يمكن لأحد أن ينكر أن شروط الثورة ضد نظام الشاه كانت قد توفرت، بل ووصلت إلى حالة من النضج، وكان الرهان أن يقود الثورة مختلف القوى الليبرالية والديمقراطية والإسلامية، لكن ما إن شعرت الولايات المتحدة وانظمة الغرب بانهيار نظام الشاه لامحالة عملت على إبراز وتشجيع وتمهيد الطريق أمام القوى الاسلامية التي يقودها الملالي على تصدر واجهة الثورة، وقد نجحوا في ذلك، حيث برزوا في الوجهة وتصدروا الثورة، وسرعان ما انقلبوا على حلفائهم بعد نجاح الثورة وعملوا على ملاحقتهم وتصفيتهم الواحد تلو الآخر.

لم يخطئ الغرب حساباته القريبة والبعيدة المدى بان عمله من أجل تصدر مجموعة من الملالي الثورة، حاملين معهم شعارات تصدير الثورة الإسلامية إلى بقية دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق، سوف يعود عليهم بالنفع الكبير، وخاصة في مواجهة المد الوطني والقومي الذي يقوده العراق. ولم يكن الهدف هو اسقاط النظام الوطني في العراق فحسب، بل ضرب موجة النهوض القومي التي بعث روحها العراق وذلك بإشعال مد طائفي وشعوبي حركته الشعارات الطائفية. وهذا كان بالفعل أكبر إنجاز لمجيء نظام الملالي حيث غزى المد الطائفي دول الخليج العربي خاصة، وأحدث موجة من الردة على النسيج المجتمعي الموحد والآمن الذي كانت تعيشه. كما تحول النظام تحت شعارات تصدير الثورة إلى بعبع آخر دفع أنظمة هذه الدول للارتهان أكثر للقوى الغربية.

ووفقا لتعبير القائد المؤسس، فأن هذه الثورة المزعومة إنما أريد منها وضع الإسلام في مقابل العروبة بما يخدم إطالة أجل الاغتصاب الصهيوني رابطاً بذلك ربطاً محكماً بين التآمر على العراق وبين مواصلة اغتصاب فلسطين، حيث قال في كلمته بمناسبة السابع من نيسان 1987:

(ومعركة العراق، لها في المنظور التاريخي، هذا المعنى الكبير، بأنها لخصت مراحل تلمس النهضة العربية لطريقها السوي، وانقذت المصير العربي من محاولات خبيثة ومشبوهة لوضع الاسلام ضد العروبة، والتذرع بالإسلام للانقضاض على الأمة العربية بقصد التوسع على حسابها، والتواطؤ مع أعدائها لتمزيق كيانها وتفتيته، وإطالة أجل الاغتصاب الصهيوني والاستغلال والنهب الاستعماري، وتعويق نهوض العرب وقيامهم بدورهم الإنساني.)

لقد تعمدت القوى الاستعمارية إطالة أمد الحرب لإنهاك العراق وإيران معا واستنزاف قواهما، وتدميرهما، وبنفس الوقت إشغال العراق عن دوره الوطني والقومي التحرري وخاصة تجاه فلسطين وفي الوقت نفسه تغذية الأحلام المريضة للنظام الإيراني.

وبغض النظر عما آلت إليه الأمور بعد الحرب وصولاً إلى احتلال العراق في سنة ٢٠٠٣، فأن القناعات الراسخة إن العراق لم يعد مسموح له من قبل القوى الاستعمارية آنذاك تجاوز الخطوط الحمر في استقلالية القرار الوطني والنهج القومي والتحرري الذي مثل تهديدا مباشرا للكيان الصهيوني، والذي استغل ظروف الحرب لكي يقوم بضرب المفاعل النووي العراقي سنة ١٩٨١.

وكان تقدير القوى الاستعمارية أن العراق سوف يخرج مهزوماً أو بأقل تقدير منهكاً ويتفرغ لشئونه الداخلية، منكفأ عن دوره القومي. لكن ما حدث هو العكس، حيث لم يتوقف العراق حتى في ظل ظروف الحصار الاقتصادي عن حماية الأمن القومي ودعم انتفاضات الشعب الفلسطينية.

بل إن العراق خرج منتصراً من الحرب وبجيش يمتلك أعلى الخبرات القتالية مما جعل خطر العراق مضاعفاً بالنسبة لتلك القوى، وخاصة على الكيان الصهيوني. ونجزم أن قوى الاستعمار والكيان الصهيوني خططوا لتدمير هذا الجيش، والعراق، سواء دخل الكويت أو لم يدخل. وقد عبرت عن ذلك التصريحات الشهيرة لوزير خارجية أمريكا جيمس بيكر في لقائه الشهير مع المرحوم المناضل طارق عزيز. بالطبع كانت السيناريوهات ستختلف بين حالة وأخرى.

في البدء كان العراق

تقع كل من فلسطين والعراق ضمن منطقة تاريخية واحدة، أطلق عليها الباحثون والمؤرخون اسم الهلال الخصيب، والتي بقت منطقة متحدة الحكم معظم الفترة القديمة بعد هجرة القبائل من الجزيرة العربية إلى هاتين المنطقتين وتأسيسها لحضارات كبيرة.

تاريخ العلاقة بين العراق وفلسطين ودور العراق في تحرير فلسطين عبر التاريخ تواصل منذ نبوخذ نصر، ويمكن القول إن مدن وادي الرافدين بقيت تشكل العمق الاستراتيجي للمدن الساحلية لشرق المتوسط منذ فجر الإسلام مروراً بحكم الأمويين ثم العباسيين - رغم سقوط الخلافة في بغداد على أيدي المغول واستعصاء فلسطين عليهم بعد معركة عين جالوت - حتى انتهاء حكم العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى، والذين حكموا المنطقة منذ بداية القرن السادس عشر.

هذه المكانة التاريخية والاستراتيجية للعراق في حماية فلسطين ترجمت عبر الكثير من المحطات في العصر الحديث في حروب 1948 و1973 ودعم انتفاضات الأقصى وتأسيس جبهة التحرير العربية وقصف الكيان الصهيوني بالصواريخ العراقية عام 1991 وربط الشهيد صدام حسين الانسحاب من الكويت بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وغيرها الكثير.

لذلك، عندما حشد بوش مغول العصر لغزو العراق كان من الواضح أن الهدف الاستراتيجي لأميركا لم يكن يتعلق بحرية العراق أو إزالة النظام كنظام وطني فحسب، بل كنظام يحمي الأمن القومي العربي، وكان لا بد من إزالته كتمهيد إلى تغيير خرائط المنطقة وتأكيد حقائق الهيمنة الأميركية، وهذا ما أعلنته الوثائق الاستراتيجية والتصريحات الرسمية الأميركية.

كان الهدف لما وراء احتلال العراق هو ضرب المقاومة الفلسطينية وفرض شروط تسوية مذلة تستهدف بالأساس حقوق الشعب الفلسطيني استكمالاً لاتفاقيات اوسلو بعد حرب الكويت، في مقابل تفتيت الخارطة العربية وإضعافها لفرض هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، يعقبها البدء بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير عبر ما بات يعرف اليوم بالاتفاقيات الإبراهيمية.

الأمريكان اعتبروا إن غزو العراق هو ممر لا بد من عبوره لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية وترجمة لهيمنتهم الساحقة، بينما رأى الكيان الصهيوني في احتلال العراق تقرير لمصير بقائه.

وبنظرة ثاقبة شخص القائد المؤسس هذه الحالة وهذا الترابط تشخيصاً دقيقاً منذ وقت مبكر وفي أثناء تواصل العراق رد العدوان الإيراني، عندما قال في نيسان 1981:

(لا جدال بان معركة تحرير فلسطين هي المعركة الحاسمة في مسيرة النهضة العربية الحديثة، وأن هذه المعركة ليست مواجهة للكيان الصهيوني فحسب، وإنما للإمبريالية الداعمة له أيضا. الانتصار فيها متوقف على مدى ما يستطيع العرب تحقيقه من وحدة وتضامن فعليين حقيقيين بين أقطارهم، وعلى مدى ما يستطيع كل قطر أن يحققه من إعداد جدي لهذه المواجهة، يقوم على مشاركة مجموع الشعب، وعلى علاقة الثقة القائمة بين الشعب وقيادته. ولقد أعطى العراق في معركته الراهنة، الصيغة الجدية للإعداد العقلاني الطويل، والصورة المشرقة للثقة العميقة المتبادلة بين الشعب والقائد وان الانتصارات البطولية التي يحققها جيش العراق على جبهات القتال ضد الفرس العنصريين، وتتلقف الجماهير العربية في الوطن الكبير أخبارها بلهفة واعتزاز، ستحرك في نفوس هذه الجماهير، بالإضافة إلى شعور الثقة بالنفس والقوة والاقتدار، وعياً جديداً للأسباب والعوامل الفكرية والنفسية والمادية ولطريقة الحياة الجديدة التي أوصلت الى هذه الانتصارات، والتي بدأتها على أرض العراق ثورة السابع عشر من تموز المجيدة).

ثم أكد على هذا الربط في نيسان 1983 مع اتضاح صورة المؤامرة على العراق في بعدها القومي بصورة أكبر وأوضح:

(إن أول مساهمة للعراق الجديد في النضال العربي التحرري، هي أنه حمى نفسه من الغزو الايراني التوسعي، ومن اغراضه الخبيثة المبيتة، والتي تلتقي مع اغراض الصهيونية واسرائيل. فعندما يبرهن العراق على مناعته ضد الردة، وعلى انه يملك بنية صحية قوية، فهذه أول خدمة يقدمها للأمة العربية ونضالها في سبيل تحررها ووحدتها. لأن العراق جزء مهم وخطير وقيادي في جسم الأمة، فبقاؤه صامداً، سالماً ومعافى، هو في حد ذاته تعزيز لثقة الأمة بنفسها وبقدراتها، كما أنه تعزيز لأملها في الانتصار على أعدائها، ولا أحد يستطيع أن يتصور أن معركة تحرير فسلطين ممكنة دون العراق العربي القوي، ودون أن يكون العراق في الطليعة والمقدمة).

في البدء كان العراق

مؤلفا كتاب "تحولات العلاقات السياسية الدولية وتداعياتها على الصعيد العالمي" هما أستاذان أمريكيان مشهوران الأول هو ستيفن وولت أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، والثاني هو جون مير شايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وفيه يكشفان عن سر العلاقة الاستثنائية بين الولايات المتحدة واسرائيل، ودور اللوبي الاسرائيلي" في السياسات الأمريكية.

ويتحدث الكتاب بتفاصيل موثقة عن دور اللوبي الصهيوني في الحرب على العراق ويتضمن الكثير من الحقائق الهامة التي يجدر تسليط الضوء عليها. يعترف المؤلفان صراحة في الفصل الرابع عشر أن الحرب على العراق كانت لأجل "إسرائيل".. ويوضحان الأساليب والضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني في أمريكا وداخل الإدارة الأمريكية من أجل شن الحرب على العراق وغزوه لإسقاط النظام الوطني. ونظرا لضيق المساحة نتناول فقرتين من الكتاب حول ما يتعلق بمقالنا هذا.

تقول إحدى فقرات الكتاب (كانت القوة الدافعة الكبرى داخل الولايات المتحدة وراء إيقاد الحرب على العراق زمرة ضئيلة من المحافظين الجدد، وأكثرهم تربطه صلات حميمة بحزب الليكود الاسرائيلي. وإضافة إلى ذلك فإن كبار قادة المنظمات الرئيسية التابعة للوبي الاسرائيلي صوتوا لمصلحة شن الحرب. وحسب مجلة فوروارد: فحين سعى الرئيس بوش لتسويق الحرب على العراق والترويج لها هبت لنصرته أهم المنظمات اليهودية الأمريكية واصطفوا جميعا كالبنيان المرصوص للدفاع عنه. وفي بيان إثر بيان أكد زعماء اليهود في أمريكا ضرورة تخليص العالم من صدام حسين ومن أسلحته للتدمير الشامل. وتمضي الافتتاحية لتقول إن هاجس سلامة "اسرائيل" والحفاظ على أمنها كان بحق العامل الفاعل الأكبر الذي طغى على مداولات ومشاورات الجماعات اليهودية الرئيسية، وكان جديراً بأن يستحوذ على اهتمامها).

ويضيف (يعتقد بعض الأمريكيين أن هذه كانت حربا من أجل النفط لكن في الحقيقة لا يكاد يوجد أي دليل مباشر يدعم مثل هذا الزعم والقرائن كلها توحي بعكس هذا. وعوضاً عن ذلك، فإن الحرب إنما كان الدافع الأكبر وراء شنها الرغبة الجامحة في جعل "اسرائيل" أكثر أمناً). ووفقاً لفيليب زيليكاو، وهو عضو في المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية الرئاسية، والمدير التنفيذي للجنة تقصي الحقائق وشغل منصب مستشار وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، فإن التهديد الحقيقي الذي كان يمثله العراق لم يكن خطراً يحدق بالولايات المتحدة أو يهددها بأي صورة من الصور. فـ (التهديد غير المعلن كان خطرا يتهدد اسرائيل).

بعد احتلال العراق، وحتى ما قبله، تكشفت كل أوراق المؤامرة الأمريكية الصهيونية الفارسية على الأمة العربية من خلال هذا الاحتلال، وكرة سبحة الأهداف المخطط لتنفيذها، حيث سارعت أطراف هذه المؤامرة في ذلك، ونكرر مرة أخرى، لم يكن الهدف العراق كنموذج وطني تقدمي تحرري فحسب، بل وفوق ذلك، كنموذج لقاعدة الأمة المحررة بوجه أطماع الشعوبية والصهيونية والاستعمارية.

وعمل الاستعمار الأمريكي بتنسيق وتعاون وثيق مع الصهيونية ومع نظام الملالي وبشكل متزامن على تحقيق هذه الأهداف وفي مقدمتها إنهاء دور العراق في حماية الأمن القومي العربي، وبانتهاء هذا الدور سقط بالفعل الأمن القومي العربي واستبيحت الأمة سواء من خلال التوسع الفارسي في عدد من أقطار الأمة، أو من خلال التوسع الاستسلامي مع الكيان الصهيوني، كما ركبت بعض الأنظمة العربية المتآمرة بالتعاون مع الغرب موجة التحركات الجماهيرية ضد أنظمتها لتستبيح العديد من أقطار الأمة وتجرها إلى حروب أهلية وتدخلات إقليمية ودولية سافرة تأخذ طابع الاستعمار للأراضي العربية. لقد كشف احتلال العراق عن هشاشة الأمن القومي العربي، وضعف استعداد الأنظمة العربية للدفاع عن مصالح الأمة القومية، بل حتى مصالحها القطرية، وميلها للاعتماد على القوى الكبرى في الحفاظ على هذه المصالح، بدلا من الاعتماد على شعبها مفضلاً الارتهان للخارج بدلاً من نشر العدل والمساواة والحرية والديمقراطية في بلدانها.

 وبعد الاحتلال تكالبت أحقاد مغول العصر من أمريكان وصهاينة وفرس وبتنسيق وتعاون بينها على نهب وتفتيت وتقسيم وأضعاف العراق واغتيال كافة الوطنيين الشرفاء والعلماء والضباط والمفكرين وتغيير هويته الوطنية والعروبية واجتثاث المناضلين من أبنائه. ولم يكن بث كافة هذه الأحقاد إلا تمهيدا لبدء تنفيذ المؤامرة الكبيرة على الأمة، وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية.

وبعيداً عن استعراض ما جرى ويجري على اقطار الأمة من مؤامرات تستهدف تمزيقها، فأن ما جرى على القضية الفلسطينية منذ احتلال العراق هو المسار المشترك لكافة هذه المؤامرات وخاصة بعد وفاة الزعيم ياسر عرفات سنة 2004، حيث تكررت وتصاعدات العمليات العسكرية لاجتياح الضفة والقطاع وتصفية المناضلين ونشوب النزاع المسلح بين فتح وحماس، وتسارع عمليات تهويد القدس والتوسع في المستوطنات بشكل خطير وعلى نطاق واسع، ثم اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ثم إطلاق الشق الاقتصادي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، تلاها إطلاق اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني أو ما سمي بالاتفاقيات الإبراهيمية، وهي جميعها إجراءات مبرمجة تحث الخطى نحو تصفية هوية القدس الشريف والهوية الفلسطينية والحق التاريخي الفلسطينية وتصفية قضية اللاجئين والتصفية السياسية والاقتصادية والعسكرية للحقوق الفلسطينية المشروعة.

عشية انطلاق عمليات طوفان الأقصى كانت خطوات تصفية القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة قد بلغت مراحل متقدمة وعلى كافة مستويات السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية والغرب الاستعماري، قد اجتمعوا على وأدها كما فعل أخوة يوسف. لذلك، كان لا بد من عملية تخترق السحب، وتقلب الطاولة على المتخاذلين والمطبعين، وتعيد الحق الفلسطيني للصدارة وتبدد أوهام القوة والغطرسة الصهيونية. لقد كشف طوفان الاقصى عورات النظام العربي الهش والمتهالك، وكذلك البطولات الاستعراضية لما يسمى بمحور المقاومة، وحقيقة الطبيعة الاستعمارية العنصرية للولايات المتحدة والغرب.

لقد أعاد طوفان الأقصى للواجهة الهدف التاريخي لزرع الكيان الصهيوني في خاصرة الأمة بدعم من القوى الغربية، وها هي هذه القوى تقدم اليوم بكل سخاء كل ما تمتلك من دعم عسكري وسياسي لإبقاء هذا الخنجر المسموم يستنزف دماء فلسطين والأمة، بينما المناضلون والشرفاء والعوائل العزل التي يسفك دمها الطاهر تدافع وحيدة عن شرف فلسطين وشرف الأمة.

كيف تركت فلسطين وحيدة تدافع عن شرف الأمة؟

لم يكن كل هذا ليحدث، ولم يكن الأعداء ليستفردوا بأهلنا وشعبنا في فلسطين لو لا احتلال العراق وسقوط الحصن القومي المنيع للأمة.

يحيا العراق ... تحيا فلسطين






الاربعاء ١ شــوال ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / نيســان / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة