شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

 

9 نيسان 2003م ...الذرائع   والنتائج

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي

 

هذا اليوم لا يختلف عليه صاحب دين أو ضمير أو موقف بأنه من أسوء الأيام التي مرّت بالعراق وأشدها مرارة على قلوب أبنائه المخلصين الذين يؤمنون بأن الوطن ومستحقاته أثمن من الأموال والأولاد وأغلى من الروح والمكانة والمنصب  منذ أيام نبوخذ نصر الى يومنا هذا  وعندما نستذكر هذا اليوم الأسود لا بد من أن نستخلص الدروس ونسْتلْهم العبر لنضع أيدينا على الجروح لعلها تُشفى لكي ننطلق من هذه الذكرى للبناء والتنمية وزيادة الوعي الوطني الّذي يزيدنا إصرارا على انتزاع حقوقنا في وطننا ومستحقات سيادته واستقراره وراحة شعبه وخدمتهم لتحقيق آمالهم في الحرية والسعادة والخير والرفاه بعزيمة لا تلين وبمعنويات لا تهبط في زمن التردي بالرغم من كل ما لحق بنا كعراقيين في هذا اليوم من طعناً في أجسادنا وإيلاما لقيمنا وغصة في قلوبنا , ومن هنا لا بد من البحث عن أسباب العدوان ودوافعه من وجهة نظر الاعداء ومن وجهة نظرنا من خلال تحليلنا للأحداث التي توصلنا الى الحقائق كما هي على أرض الواقع ومن وجهة نظر وطنية وشرعية لا مذهبية ولا طائفية وبذلك قسّمنا المقال الى قسمين هما المبررات والنتائج ومن وجهتي نظر متضادة هما  القوات المعادية ومن وجهة نظرنا نحن كعراقيين :

 

1. الذرائع العدوانية: وضعت الولايات المتحدة وحلفائها عدة ذرائع بعيدة عن الواقع ومخالِفة لمبادئ القانون الدولي وتُعرَض الأمن والسلم الدوليين للخطر لما فيها من انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة ويمكن إيجازها على النحو الآتي:

 

أ. جاء العدوان في أعقاب الهجوم الذي تعرّض له المركز التجاري الأمريكي في الحادي عشر من أيلول عام 2001م عندها رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعار الحرب على الإرهاب فاحتلت بذلك أفغانستان ثم أعلنت كذباً وبهتاناً تعاون العراق مع تنظيم القاعدة الإرهابي.

 

ب. الادعاء بأنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل (كيمياوية، بيولوجية، نووية) ورغم عدم ثبوت ذلك وبشهادة فرق التفتيش وتقارير الاستخبارات الأمريكية والمنظمات الدولية المعنية بالأمر والتي أكدت جميعاً على خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل ومع ذلك قامت الولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا العظمى وحلفاء دوليين آخرين بغزو العراق سنة 2003م وبدأت هجومها في 20 مارس/آذار 2003. وقبل ذلك، كانت قوات خاصة من الولايات المتحدة ودول أخرى تعمل في العراق، استعداداً لهجوم محتمل.. أكد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قبل وبعد الغزو (بأن غزو العراق انتهاء لميثاق الأمم المتحدة ومخالف للقانون الدولي).

 

 

 

ت. محاربة محور الشر بالإشارة إلى العراق وإيران وكوريا الشمالية واتهامهم بدعم الإرهاب والعمل على تطوير الأسلحة النووية وبيان أنها تهديد أمني للولايات المتحدة والاستقرار الدولي وبقيت أيران وكوريا الشمالية وتم تدمير العراق بحجة نشر الديمقراطية والحرية والتسامح فيه العراق ولا أدري أي ديمقراطية تُفرض على الشعوب بالقوة وتُكسر إرادتها وتُدمَّر مقومات وجودها.

 

2. الأسباب الحقيقية للعدوان:

 

أ. وجود عراق قوي آمن ومستقر ويمتلك موارد وإمكانيات بشرية ومادية قادر على استغلالها ليكون في مقدمة البلدان التي تمتلك قرارها السياسي والاقتصادي وقادر على البناء والتنمية يورق الأعداء ويدفعهم للتخلص منه.

 

ب. الموقع الاستراتيجي للعراق  وسط منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط تجعله دولة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة منذ فترة طويلة لوقوعه بجوار بلدان تحتل أهمية كبيرة في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية كتركيا وإيران ودول الخليج العربي والكيان الصهيوني بشكل خاص وان إضعافه يجعل ميزان القوى يميل للصهاينة ويخرج العراق من واجابته القومية إزاء القضية الفلسطينية والعداء التاريخي للعراق بسبب مواقفه القومية المتميزة في الشأن العربي عامة إضافة إلى تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام الدولي الجديد بعد خروج الاتحاد السوفيتي من ميزان القوى الدولي .

 

ت. السياسة الأمريكية للمحافظين والجمهوريين معاً وحقدهم على كل ما هو عربي وعلى رأسهم بوش الابن الرئيس الأمريكي عام 2001م وديك شيني نائبه ودونالد رامسفيلد وزير دفاعه فلقد لعبت الأفكار السياسية للحزبين الحاكمين ضغطاً كبيراً على السياسة الخارجية الأميركية في السنوات الأولى بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001م هذه الأفكار كانت الداعم الأساسي لغزو العراق وشكلت هذه الأفكار الأساس المنطقي الذي دفع الولايات المتحدة إلى غزو العراق.

 

ث. امتلاك العراق لمخزون نفطي وغازي كبير وتختزن أرضه احتياطات كبيرة من المخزون الصناعي للفوسفات والكبريت إضافة إلى الثروات الطبيعية الأخرى.

 

ج. تغيير النظام من نظام وطني وقومي إلى كل ما هو غير وطني وغير قومي رهن العراق ومقدراته وشعبه بأوامر كل من يكره العراق والعروبة والإنسانية ويُنفِّذ أجندات القوى الطامعة بالعراق وشعبه.

 

3.النتائج: لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية قد أخطأت عندما احتلت العراق بل قد خططت ونفذت عن دراية تامة بالنتائج التي ستحصل في البلد الّذي يمثل شوكة في عيون أعداء العراق والأمة مدفوعة بالحقد والغل المدفون في عقول وضمائر الغرب لكل ما هو وطني وعربي لكانت نتائجه كارثية ليس على العراق فحسب بل العرب جميعاً وعلى العالم وعلى الأمن والسلم الدوليين ويمكن إدراج هذه النتائج كما مدون في أدناه:

 

أ. عدم الاستقرار في العراق بسبب إلغاء مؤسسات الدولة وتسريح قوى الجيش والشرطة مما فتح المجال للعبث بمقدرات العر اق وشعبه إلى يومنا هذا وخلق جماعات متطرفة كتنظيم القاعدة وداعش كان أرض العراق خالية من عبثهم ويتضح أن أميركا عندما جعلت العراق بؤرة للمجاميع الإرهابية والمليشيات فإنها سمحت لنفسها ولقوى عظمى أخرى بالتدخل الشأن العربي في أغلب دوله.

 

ب. تدهور الوضع الإنساني في العراق بشكل لا يطاق ذهب ضحيته ملايين الضحايا والمهجرين في الداخل والخارج ولم تُحل قضاياهم إلى يومنا هذا.

 

ت. كان  النقص الحاد في الغذاء والأدوية الأساسية والذي بدأ في تسعينات القرن الماضي قد أوجد أزمة إنسانية كبيرة ومتفاقمة وتعرض الشعب العراقي إلى إبادة جماعية واضحة دون أن يثير ذلك ضمير الإنسانية ليقف مع ظروف الشعب العراقي المزرية هذه الظروف دعت رئيسي برنامج الأغذية العالمي هاليداي وخليفته هانز فون سبوتنيك ورئيسة برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، جوتا بوركهارت، في عام 2000م للاستقالة  من مناصبهم بعد إن تم الكشف عن فساد واسع النطاق فيما يتعلق بإدارة برنامج النفط مقابل الغذاء حتى أُلغي البرنامج بعد الاحتلال فزاد من معاناة العراقيين بعد الاحتلال .

 

ث. وجود نظام سياسي قائم على المحاصصة الطائفية والحزبية أفقد العراق جميع إمكانياته وموارده وقسم مجتمعه إلى طوائف وقوميات وكتل همها الوحيد الكسب المادي دون أن تقدم خدمة ذات جدوى للمواطن العراقي من جانبه مما أحدث تفكيك المجتمع العراقي وتقطيع أواصره وبث روح العداء والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتفضيل ابن المذهب من أي دولة على ابن الوطن حتى لو كان جارك.

 

ج. آثار شديدة ومروعة من الخوف والرعب وأثار مدمرة من قتل وسرقة وفساد وانتهاك وعنف للقيم والمعايير الأخلاقية التي كانت سائدة في المجتمع العراقي وضياع النفوس والذمم وبدأن نسمع بحوادث لم نألفها يوما ما من تجارة المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية والعنف الأسري والتوجهات المثلية والسيطرة على أموال الناس وممتلكاتهم بسبب ضعف السيطرة المركزية للدولة العراقية على مجمل أمور الدولة.

 

ح. مقتل أكثر من مليونين ونصف عراقي وتهجير أكثر من خمسة ملايين عراقيين خارج البلاد وداخلها

 

خ. الأثار السلبية للأسلحة والأعتدة المحرمة دولياً والتي سببت في كثير من الأمراض التي تصيب الصحة البدنية والعقلية للأفراد وحالات العوق والتشوهات التي تصيب المجتمع العراقي وخاصة كبار السن والأطفال والولادات الحديثة وستستمر هذه المصائب في المستقبل دون أن يحاسب المعتدي بعد كذب ادعائه وفق القانون الدولي وتحميله نتائج ما وصل إليه العراق وشعبه من سوء.

 

د. انفلات السلاح وعدم سيطرة الدولة على مصادره وتدهور اقتصادي لليني التحتية والتدهور الصحي والخدمي والتعليمي والبيئي وتفشي الفساد وانهيار قيمة الدينار العراقي وارتفاع حالات الفقر بين المواطنين.

 

ذ. لم تكن آثار الغزو محصورة بالعراق بل أحدث تغييرات كبيرة على النُظم السياسية العربية والإقليمية فحدثت مشاكل كبيرة داخل الدولة الواحدة وقتال طائفي وعرقي وتدمير للبنى التحتية لازالت آثارها تحصد اليابس والأخضر ونشأت علاقات دولية إقليمية تأخذ امتداداتها من دول غير عربية فأحدث شرخاً واضحاً في العلاقات بين الدول العربية انعكس بشكل واضح على قوة الكيان الصهيوني وعلاقاته الدبلوماسية وتسابق العرب لكسب وده حتى فرض تفوقه الشامل على المنطقة العربية.

 

ر. لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل. ولم يتم إنشاء أي صلة مباشرة بين العراق وأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة ولم تنجح الولايات المتحدة في ربط النظام العراقي مباشرة بالإرهاب الدولي.

 

ز. أدى احتلال العراق إلى نمو حركة المقاومة الوطنية التي استطاعت إلحاق الأذى بالقوات الأمريكية وكبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات والأموال حتى أجبرتها على الانسحاب من العراق بفعل ضربات المقاومة الوطنية الشجاعة والماحقة بعد إن أذاقتها المر في عدد مدن العراق.

 

س. أصبحت أرض العراق مفتوحة أمام العابثين من المتطرفين والمعروفين بأنهم قواعد للإرهاب الدولي في العراق كتنظيم القاعدة الذي أنشأ مجموعة منفصلة في العراق وقد لعب هذا لاحقًا دورًا مهمًا في الحرب في سوريا منذ عام 2011م ثم أعقبه ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتي سيطرت عام 2014م على مساحات واسعة من العراق حيث انسحبت القوات الحكومية من المناطق الغربية ومن الموصل بدون قتال وأحكمت داعش سيطرتها حتى وصلت إلى أطراف بغداد قبل أن يتم طردها ما بين 2016-2017م.

 

ش. دستور كتبه المحتل دون أي استشارة وطنية قانونية ودستورية وفيه كثير من الألغام التي تدمر وحدة العراق أرضا وشعبا ومقدرات وتهدد السلم الاجتماعي وشيوع ظواهر القوة والتحكم اليها حتى في أبسط الخلافات الاجتماعية بسبب ضعف السلطة المركزية وضياع فرص العدالة والمساواة الاجتماعية والعرقية فإن القانون لا يطبق الا على الفقراء والمستضعفين فأن سرق الغني والحاكم عفي عنه وإن سرق الضعيف أقاموا عليه الحد فيا بؤسنا على ما نحن فيه إن لم ننتفض ونثور ونصحح مسيرة بلدنا.

 

ص. فقدان العراق للآلاف من أبنائه من أصحاب الكفاءات العلمية والتربوية والصحية والأكاديمية والعسكرية إما بالقتل أو التهجير فحرمت العراق من ثروة بشرية هامة كانت ستسهم في بناء العراق وتحقيق تنميته المُستدامة.

 

ض. فقدان العراق لعمقه الوطني ودوره القومي والانساني وضياع قوته المادية والبشرية وجفاف مياه الانهر وتدمير مقومات الزراعة فيه ليبقى معتمدا على الاستيراد ولتكون السوق العراقية سوق استهلاكية لأبسط المنتوجات الزراعية والحيوانية.

 

ط. لقد أثبتت الأحداث أنّ الوطنية في بلادنا في خطر إن لم نحسن الالتفات لها والالتفاف حولها وبث الوعي الوطني والإنساني بين صفوف الشعب والا سنخسر وطننا وحاضرنا وهي قد كانت الغاية الأساسية من احتلاله والتآمر على وجوده وأملنا في الشباب العراقي المخلص الأمين على مصلحة بلده وهو اليوم على درجة عالية من الوعي والإصرار لرسم صورة منيرة لمستقبل العراق والله الموفق فلا يصح الا الصحيح.

 

 






السبت ٤ شــوال ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / نيســان / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة