شبكة ذي قار
عـاجـل










حرب غزة: الكل منتصرون....الكل خاسرون

 

نزار السامرائي

 

عندما كان جو بايدن عضوا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، وقف بحزم مع جورج بوش الاب والابن في خطط العدوان على العراق واحتلاله، سواء في عدوان 1991 أو في غزو 2003، لأن حقيقة الموقف الغربي عامة والأمريكي خاصة، يتلخص بالتصدي لأي مشروع عربي يسعى للنهوض من حالة التردي، ورهن الإرادة العربية للإرادات الخارجية وخاصة مع أمريكا وبريطانيا، أو مع الاتحاد السوفيتي المائت، وعلى الرغم من ارتفاع صوت البوق الإيراني بعد ١٩٧٩، بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل، إلا أن الدولة العميقة التي تديرها المؤسسات المعبرة عن مصالح الدول بعيدا عن دور السلطة التي تحكم فترة وجيزة وترحل، وخاصة مجالس الأمن القومي والمخابرات والشركات الكبرى العابرة للقارات ومراكز الدراسات، كانت قد توصلت إلى استنتاج مبكر، أنّ إيران وبصرف النظر عمن يحكمها، هي الخيار الأكثر استجابة لمصالح الغرب بإشغال الوطن العربي في اشتباك طويل الأمد وبلا نهاية، وخاصة من خلال استنطاق المخبوء من الصراعات التي عاشها الإسلام منذ نهاية الدولة الراشدة وحتى الآن، ذلك أن إيران هي القوة الوحيدة التي تمتلك جملة عناوين تاريخية ومذهبية قابلة للاستقطاب، وقادرة إن أحسنت توظيفها على تمزيق الوطن العربي، على نحو أكد أنّ إسرائيل عجزت عن تحقيقه منذ نشوئها عام 1948، بل إن مشروع زرع إسرائيل أدى إلى نتيجة معاكسة لمساعي بريطانيا صاحبة المشروع الدولي بإقامة دولة إسرائيل في فلسطين، فقد أوجد الحد الأدنى من التضامن العربي، حتى بين دول ما كان لها أن تلتقي بسبب تضارب المصالح القُطرية بينها على الحدود والمياه والثروات.

وهكذا تركت الولايات المتحدة وراءها شعارات الموت لأمريكا وتعاملت معها باعتبارها شعارات يُمليها المزاج السياسي العام لمنطقة الشرق الأوسط، التي تقيم وزنا للقناعات الخفية داخل الوجدان والعقل الشرقي، بل إن أمريكا تجاهلت احتلال (أنصار الإمام الخميني)، كما كان يُطلق عليهم حينذاك، باحتلال السفارة الأمريكية في طهران لمدة 444 يوما، واعتبرت الفعل سورة غضب شعبي من دون تخطيط، وأجهدت نفسها بربطه بغوغاء تحركوا خلافاً لإرادة خميني، فتعاملت واشنطن بمنطق صفحٍ لا مثيل له حتى مع اصدقائها وحلفائها وعملائها من الدول العربية.

وعندما صار بايدن نائبا لباراك حسين أوباما، كان مجرد روبوت يتحرك ببلاهة على وفق ما يأمره سيده، ولكنه والحق يقال، تشبع بأفكار أوباما الحاقدة على العرب وتبجيل الحضارة الفارسية القديمة، والتي وضعها أوباما في موضع لم تحلم به فارس يوما، ولكنه الإعجاب الذي يسلب ألباب الرجال الطارئين على التاريخ والجغرافيا. والذين وجدوا أنفسهم في مواقع سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أكبر منهم وأكبر من مهاراتهم، فطفقوا يُنّظرون لأوهام افترضوها مسلمات تاريخية لا لأنها حقائق التاريخ وإنما لأنهم تمنّوا أن تكون مسيرة التاريخ على مزاجهم.

بايدن المحب لإيران جرياً على خطى ملهمه الراحل، والمعجب بحضارة فارس، أجهد نفسه في الجمع بين حبيبين في وقت واحد، فقال مرة، (أنا صهيوني مع أنني مسيحي)، وظل عاشقا لفارس فنفّذ لإيران ما كانت تسعى لتنفيذه بكل الوسائل، ففتح لها أبواب المنطقة وممرات الملاحة البحرية ورفع اسم عصابة الحوثي من لائحة الإرهاب، كما فتح لإيران خزينة العراق المتخمة بالمليارات من العملة الخضراء، تحت لافتة استيراد الغاز اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية، لمحطات تعاقدَ عليها وزير إيراني الأصل والولاء في حكومة نوري المالكي، هو حسين الشهرستاني، ولأن محطات التوليد لا تكفي لتغطية حاجة الساحة العراقية فقد أجاز للعراق استيراد الكهرباء من إيران بما تزيد كلفته السنوية على عدة مليارات من الدولارات، وهذا المبلغ يكفي في كل سنة لبناء عدة محطات توليد، تكفي لتغطية الاحتياجات المحلية ثم الانتقال للتصدير.

على كل هذا، ألا يجدر بإيران الان أن تهتف بحياة بايدن في الساحات العامة وحتى في صلاة الجمعة الرئيسية في طهران؟ لأنه أبوها الروحي ووفر لها حماية كاملة طيلة رئاسته ولاحقا عند نشوب الحروب المتفرقة هنا وهناك بعد السابع من أكتوبر 2023، والآن وبعد ما سُمي (بالرد الإيراني المزلزل) على العملية الإسرائيلية في ستراد المزة في الأول من نيسان الجاري، والتي أسفرت عن مقتل ثمانية جنرالات إيرانيين في مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وعندما شعرت طهران بدوار كبير نتيجة الضربة تلك، وجدت أنها لا يمكن أن تتعامل مع هذه (الفعلة الوقحة التي استهدفت أرضا إيرانية بحكم القانون الدولي)، كما بقيت تتعامل مع أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف شهيد فلسطيني في غزة، وهي التي ظلت تتاجر بالسلعة الفلسطينية في كل الأسواق العربية، فتمكنت من استمالة الأغبياء ممن يبحث عن سقف يقيه مطر صيف مباغت، لكن تلك الدماء وذلك الدمار لم يحركا شعرة من لحية خامنئي ولحى عملائه، بل (ثأر) لدماء ثمانية من الإيرانيين الذين كانوا يتاجرون بالدم العربي.

وجاء الرد الإيراني ليلة السبت على الأحد، باهتا وبلا طعم، عندما أطلق الحرس الثوري مئات الطائرات المسيرة التي تستغرق رحلتها حتى تصل إلى فلسطين المحتلة إلى ما لا يقل عن ثماني ساعات، وبضعة صواريخ بلا حشوة متفجرة، لمجرد أن تزعم أنها ردت، ولكن فضيحة الرد كانت أقسى من فضيحةَ عدم الرد، مهما حاولت تلميع صور صواريخها وطائراتها المسيّرة.

إسرائيل ما كان لها أن تبتلع هذه الإهانة الشكلية، لأنها ستجعل منها هدفا لكل من يريد اثبات حضوره في الساحة الإقليمية، وتدفع أي طرف إقليمي، قوي أو ضعيف، يطمح بدور قيادي في المنطقة، أن يوجه صفعة لخد نتنياهو، ولكن الرد والرد على الرد سيجران المنطقة إلى غدٍ حافل بالردود التي قد يخرج أحدها عن قواعد الاشتباك فيقلب الطاولة على اللاعبين المحليين والدوليين، لهذا تحرك راعي الدولة الإيرانية، أي جو بايدن تحركا سريعا وقال إنه سيتداول مع نتنياهو في تحديد حجم رد الفعل الإسرائيلي على الرد الإيراني، فقطع اجازته (وهو المغرم بقضاء الاجازات خارج البيت الأبيض) وعاد إلى مكتبه كي يتحكم بالرد الإسرائيلي، ويبدو أنه أرضى مزاج سيده السابق أوباما وأرضى حبيب الروح، الولي الفقيه في طهران، فقد تحرك للجم الثور الإسرائيلي الهائج، عن الرد بما يتناسب مع قدرات إسرائيل العسكرية الحقيقية، وما يناسب ما ترفعه إيران من شعارات شعبوية، ظلت ترفرف فوق سماء المنطقة منذ أكثر من أربعين سنة، عن انتظارها الفرصة التاريخية لإزالة إسرائيل من الخارطة، تلك الشعارات التي مرت على من هو على استعداد لقبول كل ادعاء إيراني، فالمحب يتغاضى عن أخطاء حبيبه وإن كبرت.

إسرائيل وإيران يمتلكان مشروعين مهما اقتربا من بعضهما، فإنهما مشروعان مختلفان ولا بد أن يحصل الصدام بينهما على المدى البعيد، فالمجال الحيوي لكل منهما يرتبط بالحدود الجغرافية، إسرائيل تؤمن بأن وعد الرب لها بأن دولتها تمتد من النيل إلى الفرات، وإيران تؤمن بكذبة تاريخية تحققت لها في غفلة من الزمن قبل الاسلام، عندما كانت المدائن عاصمة للساسانيين، ليس لأنهم أصحاب أرض بل لأن فارس دولة توسعية، وهي تتطابق من حيث الشكل مع اسرائيل، ولكن الصدام واقع بينهما حتما، ويبدأ في أرض العراق حصرا ومنها، لأنها أرض البقعة التي كُتب عليها أن تكون ساحة لصراعات مستوردة، وكأنها حلبة ملاكمة معروضة للإيجار.

الغربيون رغم تطورهم المادي، إلا أنهم يؤمنون بالأساطير إيمانا عميقا، ألم تفلت من لسان جورج بوش الابن كلمة أن غزو العراق عودة للحروب الصليبية في إحدى مراحل غزو العراق عام 2003، ألم يقل الجنرال غورو بعد ان بسط سيطرته على دمشق وزار قبر القائد صلاح الدين، ثم ركله، استيقظ صلاح الدين لقد عدنا.

كل مشاريع التوسع والاحتلال ترنو ببصرها على الوطن العربي، وكأنه هو البقعة الجغرافية الوحيدة على سطح الأرض الصالحة للحياة، والزاخرة بالثروات.






الاثنين ٦ شــوال ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / نيســان / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة