شبكة ذي قار
عـاجـل










أضرار الربط السككي لموانئ إيران عبر العراق بمواني اللاذقية في سوريا الأهداف والآثار السلبية على العراق

 

بقلم خبير عراقي

 

مقدمة

تعد محافظة البصرة بحكم موقعها الجغرافي المطل على الخليج العربي أهم المدن العراقية من حيث امتلاكها للواجهة البحرية الوحيدة التي تربط العراق مع العالم الخارجي، ومع ما تمتلكه من ثروات نفطية أصبحت البوابة التي يستطيع من خلالها العراق أن يطور علاقاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع دول العالم بالإضافة إلى ارتباطها بشبكة سكك حديدية تمتد إلى شمال العراق ومنها إلى تركيا وأوروبا.

كما أن موقع العراق الجغرافي أثار اهتمام القوى الدولية منذ القدم متمثلة بخط سكة بصرة -بغداد- برلين (B.B.B).

وتعد الموانئ العراقية بصفتها الحالية موانئ لا تفي بالغرض المطلوب، بسبب ما تعرضت له من دمار لبنيتها التحتية وعرقلة الملاحة في قنواتها الملاحية بسبب الترسبات النهرية والغوارق الناتجة عن الحروب المدمرة التي تعرض لها العراق منذ عام 1980 وحتى سنة 2003.

وللأسباب أعلاه تم اختيار موقع ميناء الفاو الكبير ليحدث نقلة نوعية في الأهمية الجيوبولتيكية لربط العراق بالعالم الخارجي من خلال إعادته لأهمية الموقع الرابط بين الشرق والغرب، وإن إنشاءه سوف يغير خارطة النقل البحرية العالمية كأقصر طريق لربط القارات الثلاث، افريقيا وآسيا مع أوروبا.

 وفي كل دول العالم أصبحت الموانئ بشكل عام مشروع اقتصادي متكامل في أدخال مشاريع صناعية وبالتالي سيكون الميناء عبارة عن مشاريع تجارية واقتصادية وسياحية ولوجستية مما يوفر عوائد مالية ضخمة تؤثر تأثيرا مباشرا على اقتصاديات ذلك البلد وانتعاشه.

 

من المستفيد من الربط السككي بين إيران وسوريا عبر العراق

إن فتح طريق رسمي يربط طهران ببيروت مرورا بكل من سوريا والعراق يشكل حتماً ممراً للاستخدام العسكري وتقوية النفوذ. وإنّ طهران تلجأ للعودة إلى المشروع القديم - الجديد بإنشاء سكة حديدية تصل إيران بميناء اللاذقية غرب سوريا وبالتالي تحقيق الهدف الأبرز من مشروع الطريق أو السكة للوصول إلى مياه البحر المتوسط وتأمين وقوفها على منفذ بحري أضافي تحت هدف معلَن هو توفير سكة الحديد للمسافرين، لكن الدافع الاساسي هو ضمان تحقيق أهدافها باعتبارها المورد الأهم لاقتصادها في الظرف الراهن وأهمها تجارة السلاح والمواد الممنوعة، ونقل البضائع الأخرى المنظورة والغير منظورة بالإضافة إلى نقل المسافرين. وبالنتيجة سيكون نهاية لموانئ العراق للنقل بالسكك الحديدية عبر أراضيه إلى شمال العراق ومن ثم إلى تركيا واوروبا سواء عن طريق شبكة السكك القديمة او خط سكك التنمية الجديد المقرر تنفيذه.

كما أن الاستراتيجية الصينية سياسياً واقتصاديا هي ان تقود حرب باردة ضد امريكا وأمامها طريقان أحدهما عن طريق إيران او العراق لتمرير طريق الحرير الجديد القديم عبر ميناء الفاو الكبير. وهنا سيكون الصراع السياسي هو كم ستتمكن أمريكا من أن تحجم دور الصين في الوصول عن طريق شبكة سكك حديد العراق وتركيا إلى مياه البحر المتوسط وأوروبا.

إن مشروع طريق الحرير هو مشروع بحري بري، ولكن بالأساس هو مشروع اقتصادي لقلب موازين القوى في العالم والهدف منه هو ربط آسيا الشرقية بأوروبا الغربية مروراً بالشرق الأوسط وخاصة منابع النفط في الخليج والعراق، لتأمين مصالحها علماً ان العراق هو ثالث بلد يورِّد الوقود إلى الصين.  

كما أن الصين وروسيا تتقاسمان الأدوار في الوصول إلى سواحل البحر المتوسط، وأن الصين تتحرك بالجوانب الاقتصادية أذ بدأت بالاستثمار في إيران ما يقارب 100 مليار دولار لبناء بنى تحتية وتقوية إيران من ناحية التسليح. أما روسيا فتتحرك بالجوانب العسكرية، علماً بأن روسيا لا تريد التفريط بمواني سوريا عن طريق تسليمها إلى آخرين بمن فيهم إيران، ولذا فقد قامت بدفع نفوذ الأخيرة من موانئ سوريا إلى لبنان، وهذا ما تتحكم به الجغرافية السياسية عند التنفيذ مما سيساهم في تحقيق تغيير سياسي كبير في المنطقة.

وفي يوليو/ 2019، أعلنت السلطات الإيرانية رسمياً البدء بأعمال المسوحات والتفاوض مع الجانب العراقي للبدء بتنفيذ مشروع ربط الميناء الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج بميناء اللاذقية السوري، عبر شبكة سكك حديد تمر عبر الأراضي العراقية والربط بمدينة خرمشهر جنوب غربي البلاد على أساس أن يتم اتصاله بخط شلامجة (الإيرانية) ثم مدينة البصرة.

ويعتقد أنّ "هذا المشروع مرتبط باتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران والتي تمتد لـ25 عاماً والتي وقعها الطرفان، باعتبار أن مثل هذا المشروع الضخم والذي يمتد على مسافة 1041 كيلومتراً ويكلف قرابة 10 مليارات دولار بالحد الأدنى، قد يصبح رديفاً لطريق الحرير، لذا فإنّ طهران وبكين هما أكبر المستفيدين من مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية ولكن المشروع سيكون وأداً لمشروع ميناء الفاو الكبير وضربة لمشروع سكة الحديد من الفاو وصولاً إلى تركيا ومنها إلى أوروبا والذي يعد تجسيداً للمصالح الوطنية العراقية لأنه سيستفيد منه العراق اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً بالدرجة الأولى على عكس مشروع الربط السككي بين شلامجة الإيرانية وصولاً إلى ميناء اللاذقية مروراً بالعراق الذي سيكون عبارة عن ترانزيت فقط لا غير، والذي ستستفيد منه إيران بالدرجة الأولى والأخيرة .

 

خارطة توضح الدول العربية وموقع حدود بعضها مع إيران

 

الهدف الأساسي للربط

الهدف الأساسي لهذا الربط هو تأكيد إيران على فتح طريق رسمي للوصول إلى مياه البحر الابيض المتوسط وتأمين وقوفها على المنفذ البحري له. ويتم العمل الآن بإعداد التصاميم على هذا المسار وبحمولة محورية 25 طن للقطارات أي لحمل البضائع. ولا يقتصر على نقل المسافرين كما هو معلن رسمياً، إذ لو كان الأمر لنقل المسافرين والزوار لكان التصميم بحمولة محورية 15طن لنوع القطارات وحمولتها.

وسيظل هدف الصين هو المرور عبر ميناء الفاو والعراق لأنها أقصر طريق إلى تركيا وأوربا، عبر وجود شبكة سكك حديدية توصل إلى الحدود العراقية التركية سواء الشبكة القديمة أو طريق التنمية الجديد، إضافة إلى جلب الأيدي العاملة والمواد الأولية الصينية إلى هذه المنطقة، وكذلك رغبة الصين بإنشاء مصانع ومعامل صينية على طول هذا المسار وذلك لترويج صناعتها في العراق.

 

أضرار الربط السككي مع إيران

1.    إنهاء الصناعة العراقية وخاصة برامج توطينها في ميناء الفاو في البصرة إضافة إلى عدم الحاجة إلى إنشاء البنى التحتية الأخرى وأهمها مجمعات البتروكيمياويات في الفاو.

2.    خسارة أجور وعوائد السفن، لصالح الموانئ الإيرانية بدلاً من رسوها في ميناء الفاو الكبير.

3.    خسارة أجور وعوائد الوكالات البحرية والتي كان من المفروض أن تقام في ميناء الفاو، لصالح موانئ إيران إذ سيتم تفريغ بضائع السفن في موانئ إيران وبعدها ستُحمَّل بقطار الشلامجة إلى العراق مروراً بسوريا وإلى البحر الأبيض المتوسط.

4.    خسارة إيرادات الخدمات البحرية واللوجستية المقدَمة للسفن في موانئ العراق، لصالح موانئ إيران لأن البضائع ستنتقل سككياً عبر موانئ إيران إلى العراق وإلى سوريا ثم إلى البحر الأبيض المتوسط.

5.    خسارة عشرات الألوف من فرص العمل لعمال الشحن والتفريغ العراقيين في الموانئ العراقية، لصالح العمالة الإيرانية في موانئ إيران لأن السفن سترسو في الموانئ الإيرانية إذ أن موقعها متقدم في الخليج العربي على الموانئ العراقية.

6.    خسارة فرص عمل لسائقي الشاحنات العراقية لصالح إيران.

7.    تقليل أرباح الموظفين العراقيين في شركة الموانئ، بل ستتحول شركة موانئ العراق إلى شركة خاسرة تدريجياً.

8.    خسارة الأهمية الاستراتيجية لميناء الفاو الكبير، بل ستنتفي الحاجة لبناء أكثر من 15 رصيف هي جزء من 99 رصيف ينبغي بناءها كما هو في التصميم الأساسي للميناء.

9.    فقدان الحق الحصري للعراق لربط الخليج العربي بأوروبا بأقصر وأرخص طريق عبر ميناء الفاو الكبير وإلى شمال العراق وتركيا باعتباره الطريق الأقصر إلى أوروبا وسيخسر العراق المنافع الاقتصادية والسياسية والأمنية لذلك.

 

 

 

الاستنتاج والخلاصة

     إن مشروع خط سكة حديد البصرة – الشلامجة – إيران وبطول 32-كم مفرد قابل للازدواج ينطوي على آثار سلبية بالغة الخطورة على العراق. وقد تم إعداد دراسة ابتدائية لهذا المشروع من قبل كادر السكك الحديدية العراقية وتضمنت مخططات مسار المشروع.

إن مثل هذا المشروع بتبعاته الخطيرة يتطلب إعداد دراسة جدوى اقتصادية جديدة وإعداد تصاميم تفصيلية جديدة من وجهة نظر عراقية تأخذ بعين الاعتبار أولوية المصالح العراقية. علما بأنه قد تبنى الجانب الإيراني مسؤولية إعداد التصاميم التفصيلية وإنشاء الجسر فوق شط العرب عدا الفتحة الملاحية بموجب الاتفاقيات بين الطرفين مع تطهير المحرمات من الألغام القديمة.

     ضرورة مواجهة تحديات إيران لربط الشلامجة بالبصرة وابطال هذه الاتفاقية ويتطلب الأمر أن تتحرك الشركة العامة للموانئ العراقية وشركات نفط الجنوب وجامعات البصرة والمجتمع المدني العراقية للضغط على الحكومة لبذل الجهود الاستثنائية لكسب الوقت واعطاء الأولوية في التخصيصات المالية لما تبقى من الخدمات والمدينة الصناعية والأرصفة المتبقية والمدينة السياحية لميناء الفاو بدلاً من خط الشلامجة... إلخ. وتأمين تشغيل ميناء الفاو الكبير والذي بدوره سيتم تشغيل عشرات الألوف من الأيدي العاملة العراقية في البصرة والمحافظات الجنوبية.

     لقد تم الآن الإعلان عن إقرار تنفيذ المشروع أعلاه وهو في مرحلة الإحالة على إحدى الشركات الأوروبية للتصاميم التفصيلية وبدء التنفيذ ما لم يتخذ المجتمع العراقي ومختصيه ونخبه العلمية والاقتصادية والعمالية وأصحاب القرار الخطوة الإيجابية لحماية ميناء الفاو الكبير وبالتالي حماية اقتصاد العراق ومستقبل أجيالنا نحو إقامة بنى تحتية وطنية مستدامة.

 

 

ملتقى

الخبراء والاختصاصيين العراقيين

 

22/4/2024






الاثنين ١٣ شــوال ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / نيســان / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ملتقى الخبراء والاختصاصيين العراقيين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة