شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل وبعد غزو الجمع الكافر نصارى يهود ومن تحالف معهم بالعلن والسر ووصولا لاحتلال العراق  عام 2003 م كان هناك سؤال يتردد فيما بين النخب الوطنية القومية والمنصفين من أبناء الأمة العربية والعراق لماذا كل هذا الاستهداف لحزب البعث العربي الاشتراكي  وقاعدته المحررة العراق ، وأجاب من أجاب وكان أول المتصدين بالإجابة هو الحزب ذاته  ببياناته وتحليلاته واستنتاجاته للأحداث المحلية والإقليمية والعالمية ، وكانت جميعها بلسما" لجراح أريد أن يكون غائرا" في جسم الأمة وصولا إلى تجريدها من السمة الإنسانية التي حباها الله الواحد الأحد  بحملها لرسالاته السماوية وان تكون أرضها موطن أنبيائه ورسله ، وان يكون رحمها الحامل لخاتم النبيين وسيد المرسلين  وخيرة خلق الله في هذا الكون وان تكون رسالته خاتمة الرسالات ولا يقبل  من جاء بغيرها يوم البعث والنشور ، ولما تعرضت له الأمة من هجمات عدوانية وصراع حضاري وصولا إلى سقوط بغداد عام 1258 م ، وما لحقه من فعل إجرامي الهدف منه تجريدها من موروثها العلمي والحضاري الإنساني ، وتكبيل أبنائها ليكونوا خانعين مستضعفين لا حول لهم ولا قوة  ، واستمرت الحياة بهكذا انكفاء  ولحين قيام الحرب الكونية الأولى لتنتقل الأمة من الكيان الموحد الخاضع لجبروت السلطان المتنكر لكل معاني الحق إلى أقطار متناحرة وحدود تفصل بين أبنائها وحكام بعضهم ليــــــس من نتاجها  وزرع ما زرع من تيارات وحركات وأحزاب هواها الوحيد  تنفيذ الأجندة التي أرادها الإفرنج والصهيونية والصفوية الجديدة التي اتخذت من منهج أل البيت النبوي عليهم السلام وســــيلة لتمرير أهدافها وبرامجها ،

 

فتم اســــتلاب فلسطين بالوعد المشئوم ، والاحواز ، واريتريا والاسكندرونه وغيرها في الحقبة الأولى ، أقول ضمن هذه الأجواء انتفضت إرادة الفتية المؤمنة بقدرها بان تكون الشعلة التي تنير الطريق وتفتح الأبواب أمام الصفوة من الشباب العربي ليخطوا الطريق طريق المجد والحياة الجديدة للأمة العربية بحركة الإحياء العربي ومن ثم حزب البعث ليكون حزبا" قومي علماني ، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي النابع من صميم الحاجة العربية بأفقه الإنساني المتجدد  وطرح شـــعاره المعلن (  أمة عربية واحدة    ذات رسالة خالدة  ) وهو رسالة الحزب الإنسانية التي يلتقي من خلالها أبناء العروبة مع الأمم والشعوب الأخرى التي تعاني ذات المعانات من حيث الاحتلال والاستغلال والحرمان وتجزئة ، أما أهدافه فتتمثل في الوحدة والحرية والاشتراكية والترابط فيما بينها ترابطا" جدليا" لان احدهما يكمل الأخر ويجعله بمكان من إيصال الجماهير العربية إلى مبتغاها  ،  في سنة 1932م عاد من باريس قادماً إلى دمشق كل من المرحوم أحمد ميشيل عفلق نصراني ينتمي إلى الكنيسة الشرقية وقد أعلن إسلامه كونه وجد في الإسلام المحمدي  الثورة الكبرى التي من الله بها على الخلق ويتقدمهم العرب كونهم  أبناء الحضارات ، وكلمته بمناسبة مولد الرسول العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم في جامعة دمشق عام 1934 م  * ذكرى الرسول العربي *  والتي جاء فيها 

 

((   إن حركة الإسلام المتمثلة في حياة الرسول الكريم ليست بالنسبة إلى العرب حادثاً تاريخياً فحسب ، تفسر بالزمان والمكان ، وبالأسباب والنتائج ، بل إنها لعمقها وعنفها واتساعها ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياة العرب المطلقة ، أي إنها صورة صادقة ورمز كامل خالد لطبيعة النفس العربية وممكناتها الغنية واتجاهها الأصيل فيصح لذلك اعتبارها ممكنة التجدد دوماً في روحها لا في شكلها وحروفها ،  فالإسلام هو الهزة الحيوية التي تحرك كامن القوى في ألامة العربية فتجيش بالحياة الحارة ، جارفة سدود التقليد وقيود الإصطلاح مرجعة اتصالها مرة جديدة بمعاني الكون العميقة ، ويأخذها العجب والحماسه  فتنشئ تعبر عن  إعجابها وحماستها بألفاظ جديدة وأعمال مجيدة ، ولا تعود من نشوتها قادرة على التزام حدودها الذاتية  فتفيض على الأمم الأخرى فكراً وعملاً ، وتبلغ هكذا الشمول فالعرب عرفوا بواسطة هذه التجربه الأخلاقيه العصيبة كيف يتمردون على واقعهم وينقسمون على أنفسهم ، في سبيل تجاوزها إلى مرحلة يحققون بها وحدة عليا ، وبلوا فيها نفوسهم ليستكشفوا ممكناتها ويعززوا فضائلها وكل ما أثمر الإسلام فيما بعد من فتوح وحضارات إنما كان في حالة البذور في السنوات العشرين  الأولى من البعثة ، فقبل أن يفتح العرب الأرض فتحوا أنفسهم وسبروا أغوارها وخبروا دخائلها ، وقبل أن يحكموا الأمم حكموا ذواتهم وسيطروا على شهواتهم وملكوا إرادتهم ولم تكن العلوم التي انشأ وها والفنون التي أبدعوها والعمران الذي رفعوه ، إلا تحقيقا ماديا جزئيا قاصرا لحلم قوي كلي عاشوه في تلك السنوات بكل جوارحهم وإلا رجعا خافتا لصدى ذلك الصوت السماوي الذي سمعوه  وظلا باهتا لتلك الرؤى الساحرة التي  لمحوها يوم كانت الملائكة تحارب في صفوفهم ، والجنة تلمع من بين  سيوفهم ، هذه التجربة ليست حادثا تاريخيا يذكر للعبرة والفخر، بل هي استعداد دائم في ألامة العربية - إذا فهم الإسلام على حقيقته لكي تهب في كل وقت تسيطر فيه المادة على الروح ، والمظهر على الجوهر فتنقسم  على نفسها لتصل إلى الوحدة العليا والانسجام السليم ، وهى تجربة لتقوية أخلاقها كلما لانت وتعميق  نفوسها كلما طفت  على السطح ، تتكرر فها ملحمة الإسلام البطولية بكل فصولها من تبشير واضطهاد وهجرة وحرب ، ونصر وفشل ، إلى أن تختم  بالظفر النهائي للحق والايمان ، إن حياة الرسول وهي ممثلة للنفس العربية في حقيقتها  المطلقة لا يمكن أن تعرف بالذهن ، بل بالتجربة الحية لذلك لا يمكن أن تكون هذه المعرفة بدءا بل هي نتيجة فالعرب منذ ضمور الحيوية فيهم ، أي منذ مئات السنين يقرؤون السيرة ويترنمون بها ولكنهم لا يفهمونها لان فهمها يتطلب درجة من غليان النفس قصوى ، وحدا من عمق الشعور وصدقه لم يتوفر لهم بعد ، وموقفا وجوديا  يضع الإنسان أمام قدره وجهاً لوجه ، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك ، إن أرواح أبطالنا لتجفونا وتهجرنا منذ زمن طويل ، لان البطولة لم تعد مزايا العرب المألوفة ، ويخشى أن يكون هذا التعظيم العامي للرسول الكريم معبراً عن القصور والعجز أكثر منه تقديراً للعظمة ، فقد بعد عهدنا بالبطولة حتى أمسينا ننظر إليها نظرة خوف ورهبة واستغراب كأنها من عالم غير عالمنا ، في حين  إن التعظيم الحقيقي للبطولة إنما يصدر عن المشاركة فيها وتقديرها بعد المعاناة والتجربة ، فلا يقدر البطل إلا الذي يحقق ولو جزءا يسيرا من البطولة في حياته حتى الآن كان ينظر إلى حياة الرسول من الخارج  كصورة رائعة وجدت لنعجب بها ونقدسها ، فعلينا أن نبدأ بالنظر إليها من الداخل ، لنحياها كل عربي في الوقت الحاضر يستطيع أن يحيا حياة الرسول العربي ، ولو بنسبة الحصاة إلى الجبل والقطرة إلى البحر طبيعي أن يعجز أي رجل مهما بلغت عظمته أن يعمل ما عمل محمد  ولكن من الطبيعي ايضاً أن يستطيع أي رجل مهما ضاقت قدرته أن يكون مصغراً ضئيلا لمحمد  ، ما دام ينتمي إلى الأمة التي حشدت كل قواها فأنجبت محمدا  ، أو بالأحرى ما دام هذا الرجل فردا من أفراد الأمة التي حشد محمد كل قواه فأنجبها  في وقت مضى تلخصت في رجل واحد حياة أمته كلها واليوم يجب أن تصبح كل حياة هذه الأمة في نهضتها الجديدة تفصيلاً لحياة رجلها العظيم  كان محمد كل العرب  ، فليكن كل العرب اليوم محمدا  ))

 

أيها المتخرصون الناعقون  نعيق الشــعوبية ومن عميت بصيرته إنها داله واضحة على فهمه للإســـلام وإيمانه برسالته  ورسوله ، وهل هناك من بينكم تمكن من الفهم ألإيماني هذا وعرض السيرة وترابطها بالوضوح النابع من التفاعل الوجداني معها ، وصلاح البيطار مســــــــلم من الجمهور وذلك بعد دراســـــــــــتهم العالية محملين بأفكار قومية وثقافة تدعوا إلى الحرية والخلاص والمساواة ، والتخلص من القيود التي فرضتها على الأمة وأبنائها معاهد سيكس بيكو ، عمل كل من أحمد ميشيل عفلق والبيطار في التدريس ومن خلاله أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب ، وأصدر التجمع الذي أنشــــــــأه - حركة الإحياء العربي -  مجلة الطليعة مع الماركسيين سنة 1934م ، نشرى فيها المقالات التي تنمي الفكر القومي وتحث الشباب على العمل  بما يخدم حالة النهوض ، وفي نيسان 1947م تم تأسيس الحزب تحت اسم ( حزب البعث العربي ) ، وقد كان من المؤسسين : ميشيل عفلق ، صلاح ألبيطار ، جلال السيد ، زكي الأرسوزي كما قرروا إصدار مجلة باسم البعث  ، وكان لهم بعد ذلك دور فاعل في الحكومات التي طرأت على سوريا بعد الاستقلال سنة 1946م

 

 

يتبع بالحلقة الثانية

 

 





الاربعاء ٩ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب زامــل عــبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.