شبكة ذي قار
عـاجـل










اتخذت السلطات الجزائرية قرارا جريئا ونوعيا يتسم بالنوعية ويحدث بانبلاج عهد جديد في بلاد ثورة المليون ونصف شهيد وذلك بعد أن أصدرت الحكومة أوامر صارمة تتعلق بتفعيل تعريب الوثائق الإدارية شملت عددا من القطاعات كان من أهمها على الإطلاق مصالح البريد حيث شددت المسؤولة الأولى عنه على ضرورة القطع مع القرارات السابقة والتي تلزم الجزائريين باعتماد لغة المستعمر الفرنسي في المعاملات اليومية.

وتتخذ مثل هذه القرارات أهميتها القصوى وحيويتها المطلقة نظرا لما خيم على جزائر العروبة من ليل التغريب والفرنسة الثقيل طويلا لعدد من المعطيات التاريخية المعروفة لعل أهمها طول المدة الزمانية التي جثم فيها الاحتلال على صدور أبناء شعبنا العربي في الجزائر ناهيك عن السطوة والقبضة الحديدية التي تتملكها الجهات التغريبية المتنفذة هناك بفعل الدعم الهائل الذي تغدقه عليها فرنسا بما لها من نفوذ هناك لا يمكن إنكاره رغم كل المحاولات الوطنية والقومية الصادقة والجدية التي اتسم بها عدد من أعلام الجزائر وحكامها خاصة المرحوم أحمد بن بلا والمرحوم الهواري بومدين وغيرهما والتي حظيت خلالها مسألة التعريب في الجزائر بمكانة استراتيجية تتماهى مع هوية الجزائر الوطنية والقومية من جهة وترتقي لحجم التضحيات الجسام التي قدمها شعب الجزائر العظيم في مقاومته للاستعمار ومن ثم دحضه وطرده من جهة أخرى.

فما انفكت الجزائر تعاني من الانسلاخيين والمنبتين المعروفين بالفرونكفونيين الذين ما فتئوا يسعون لضرب هوية البلاد ونسف عروبتها وتفسيخها بل وإنكارها واستغلوا استغلالا فجا التنوع الذي تتميز به تركيبة المجتمع الجزائري فأطنبوا على التركيز على مسألة الأمازيغ بكل ملابساتها وتداعياتها، حيث صوروا الثقافة العربية الإسلامية خطرا زاحفا يتربص بالهوية الأمازيغية البربرية وروجوا لكون اللغة العربية تحديدا أكبر الأخطار عليها لما يعلمون من قيمتها وعجز اللهجات المحلية القبائلية التي أرادوا تثبيتها والارتقاء بها لمرتبة اللغات عن الصمود أمامها ومجاراتها، وعليه عملوا ما في وسعهم لتنفير الجماهير من لغة الضاد وهي لغة الأباء والأجداد فاحتموا بلغة المستعمر لغة بديلة تحقق لهم هدفين اثنين وهما ضمان تدفق الأموال الفرنسية وغير الفرنسية وكذلك الحماية والدعم.

إن الحرب الهوجاء التي فتحتها تلك المجاميع التغريبية منذ زمن رغم شراستها لم تفلح في تحقيق أهدافها إذ ظلت مطالب التعريب ومزيد تدعيم الرجوع للغة الأم والأصل كما ينص على ذلك دستور الجزائر في أول بنوده ومواده على رأس اهتمامات الجزائريين لتعاني هذه الفئات الموتورة رغم سطوتها مزيدا من العزلة والازدراء واحتقار الجماهير. وما الانطباعات الطيبة والأثر الجليل الذي وقعته قرارات التعريب في بعض الإدارات الجزائرية إلا دليل ساطع على ذلك.

بل إن تاريخ الجزائر وحاضرها أيضا يتحدث بأقوى الحجج والبراهين عن مدى التصاق الجزائريين بعروبتهم هوية طبيعية أصيلة يرتضونها ويذودون عن حياضها بالغالي والنفيس، فما أكثر شواهد ذلك إذ يكفي التأشير مثلا لعدد من أعلام بلد المليون ونصف شهيد لنلامس هذه الحقيقة بمنتهى الجلاء وبعيدا عن أي عناء، فمن منا ومِن الجزائريين مثلا لا يعتز أيما اعتزاز بعبد الحميد بن باديس وآثاره المنافحة عن عروبة الجزائر والمتصدية لأطروحات هجينة لا سند لها في التاريخ والواقع؟ ومن منا يسقط عن ذهنه المبدع مالك بن نبي وكيف أسهب في تبيان فضل الحضارة العربية ومآثر العروبة وأفضالها وشيمها وقيمها في الجزائر؟ ثم من منا ومن مِن الجزائريين لا يسمع بالمؤرخ والباحث والعلامة عثمان السعدي ولم يطالع دراساته وأعماله وبحوثه وهي عصارة أكثر من ستة عقود أفناها في إثبات عروبة الجزائر بالحجج التي لا يمكن إنكارها؟

إن عروبة الجزائر مسألة مفصلية وبديهية، وهي إذا ما تعاضدت جهود أبناء شعبنا العربي في الجزائر وتظافرت من أجل مزيد تكريسها واقعا ملموسا تترجمه اعتماد اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات وفي كل التعاملات الإدارية والرسمية ستمكن من الانتقال بالجزائر إلى سفر جديد من الازدهار واطراد النماء بما يوفره التصالح مع الذات ومع الهوية للمرء بطريقة واعية حرة ومسؤولة من إبداع وبذل ونبوغ، بل إن هذه الخطوات لا يمكن إلا أن تكون بداية فجر جديد أساسه الاستقرار دون أن يخامر أحد من الخيرين والصادقين المخلصين أدنى شك من إمكانية التصادم بين الإخوة في الوطن واللغة والهوية والتاريخ والعقيدة والمصير المشترك، حيث يتوجب على الجزائريين أن يعلموا أن كل تلك الأجواء المشحونة إنما هي بفعل دسائس ومؤامرات تحيكها فرنسا وبيادقها وعملاؤها لتعمد إشاعة مناخ من الخوف والرعب وعدم الأمان بما يعرقل أي فعل وأي جهد جزائري عربي.

إن هذا الفجر الجديد الذي نتلمس ونتحسس نسائمه لا يتوقف عند عتبات الجزائر، بل إنه سيعود بالمنفعة والمصلحة أيضا على كل المغرب العربي ومن ثم على كل الوطن العربي الكبير الذي ينتظر دورا جزائريا بسواعد وعقول وهمم عروبية خالصة الهوى.

حفظ الله الجزائر وحفظ شعبها.





الخميس ٣ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.