شبكة ذي قار
عـاجـل










وكأن قدر هذه الأمة أصبح، اليوم، محصوراً في خيارات ثلاثة، أحلاها مُرُّ، فهي إما أن تقبل أن تعيش مستكينةً خامدةً ذليلةً تحت أنظمةٍ قمعيةٍ متخلّفة، أو مُحْتَلَّة، أو أن يُعمل فيها حَدُّ السيف الذي يُمارس، اليوم، عبر أسلحةٍ قاتلةٍ محرّمة ومتقدّمة، أو أن تهاجر فرادى وزرافات إلى "الدعوشة" فكراً ومسلكاً.

هل ثمّة طريق رابع؟ نعم، وهو أن يعيش الناس دون الاستعمار المسلط على الرقاب بنظامه الديمقراطي الرأسمالي في بلادهم، وأن يتداعوا إلى التغيير و النهضة على اساس مبدأ الاسلام، لكن هذا الطريق ليس خياراً مطروحاً، فدونه اليوم خرط القتاد.

نحن أمةٌ يعيش جُلُّها حرماناً من كرامة الإنسان، بكل ما تحمله الكلمة من معان. في جُلِّ بلادنا ثمّة كبتٌ وقمعٌ وديكتاتوريات متخلفة، تحكمنا بمسوغات كل أطياف الأيديولوجيا المزعومة، ليبرالية كانت أم يسارية، أم إسلامية شعائرية تقليدية، أم إسلامية حركية.. إلخ. وسواء أكانت يافطاتها الدستورية ملكية، أم مشيخية، أم جمهورية. أما عن احترامنا بين الأمم الأخرى، فحدّث ولا حرج، فقد أصبحنا صورا نمطيةً للتخلف والجشع والإرهاب.

في غالب الأحوال والسياقات عربياً، لا يهم القالب، فالمضمون واحد، وهو أننا نحن البشر، نحن الشعوب، نحن المواطنون، كَمٌّ زائد مهملٌ قابل للبتر والسحق والقتل. فإنْ لم نقبل بهذا "القدر المحتوم". حينها لا تشتكي من جزاء الوفاق، كالذي نراه ونعيشه اليوم واقعاً في العراق المحتل، أين يحاصر الشعب، يموت جوعاً . أما إن لم تَكْفِ ترسانة أنظمة إجرامنا في إطفاء جذوة كرامةٍ انبثقت من الاحكام الشرعية الاسلامية، غالباً لا إرادياً جرّاء حجم الإذلال المسلط عليهم، فحينها يكون لأعداء الامة العربية الاستعمار" لزرع الموت والدمار في كل شبر من أرض البلاد العربية وتحويل البلد إلى نهب وجشع و توحش ٍ للعالم الاسلامي العربي بقيادة هذا "القدر المحتوم" هو ما يريد الطاغية، محلياً كان أم أجنبياً، أن يوهمنا به، ويرغمنا على قبوله، فهم يصرّون علينا أننا لسنا أهلاً للحياة والعدل .

غير أنهم لا يفهمون، أو أنهم لا يريدون أن يفهموا أن مصادمة نواميس الكون وقوانينه من ضروب المستحيل.

ظن، من قبل، النظام الطائفي في عراق ما بعد الغزو الأميركي، أن الأمر استتب له، وأنه قد كسر جذوة العروبة والاسلام لدى المكوّن في الحضارة و الوعي، فراح يُمعن في سياساتٍ طائفيةٍ مقيتة، ملغياً رابطة الاخوة في الايمان بلا الاه الا الله محمد رسول الله، فماذا كانت النتيجة؟ الجواب الفتنة و الحروب و عداء بين السنة و الشيعة "داعش والحشد الصفوي البغيض ". ولولا التدخل القوات الأميركية وعودة احتلالها المباشر للعراق اليوم، وإنْ كان بصيغةٍ أكثر احترافيةً وذكاءً، لكان النظام الطائفي في بغداد، وداعمه الإيراني، يعيشان كوابيس النهار.

يمثل "داعش" استجابةً مشوهة من عربٍ كثيرين لجرح الكرامة النازف. إنه يمثل رداً مخبولاً على ما نواجهه من قمع وتحدياتٍ وغياب خيارات وآفاق.. إنه حصاد زرع الطاغية، محلياً كان أم أجنبيا، "أسوأ ما فينا".. إنه "خيار شمشون" القائم على منطق "هدم المعبد على رؤوس الجميع".. ومن كان يظن أنه محصّنٌ من سقوط أحجار المعبد على رأسه واهم، فالنسخة القادمة من "داعش" ستكون أكثر خطورةً وتطرفاً وإرهاباً خدمة لمصالح الاستعمار وواقع المؤامرة السياسية ، وذلك إن لم نسارع إلى البحث عن صيغ عقد وعي سياسي، يعلي من العروبة والاسلام و النهضة والتغيير، والحق في القرار والقوة و الهيبة والوقار . 





الخميس ٣ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.