شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :  

- مبدأ ( الأولويات ) ..
 - فراغ القطبية الدولية ..
 - صفقة على هامش الـ ( G - 20 ) ..

1 - مبدأ الأولويات .. كما أن هنالك دولة ما تمارس سياسات شبه متكاملة وحسب مقوماتها وموقعها الجغرافي حيث تتشكل علاقاتها الدولية .. فالوطن العربي الموحد مثلاً : له علاقات أطلسية أوربية، وشمال أفريقية جنوب أوربية ، وعربية أفريقية ، ومشرقية آسيوية ، وخليجية آسيوية .. وبالتالي فأن موقع الوطن العربي هو قلب العالم وأولوياته التعامل ( المتكامل ) مع مختلف الدول الأخرى، في المحيط الأقليمي القريب أو الدولي البعيد في ضوء عاملين متوازيين هما : عامل الأمن ( الدفاعي ) وعامل الأقتصاد ( التنموي ) ، اللذان يقعان في أحكام التوازن بين هذين العاملين دون تفريط بأي منهما .. وإن عامل الأمن يرتبط بمستوى وعدد المخاطر والتحديات القائمة الوشيكة والمحتملة ، كما يرتبط ببعده القومي، الذي يتمثل بالأمن القومي العربي - الذي يجمع بين الأمن الوطني - القطري والأمن القومي العربي على أساس العمق في الدفاع - فيما يرتبط العامل الأقتصادي بين التنمية القطرية والقومية على أساس التوازن الموضوعي أيضا .

 - وهنالك دولة ما تقوم بترتيب أولوياتها طبقًا لمعايير وأسس تحددها دول كبرى وعظمى وخاصة في مجال الأمن والحماية .. فبعض الدول ترتبط سياساتها بإتفاقيات الحماية مع دولة عظمى .. وهو الأمر الذي يعكس ضعف خياراتها التي تضعها في دائرة الشك والقلق من إحتمال متغيرات السياسة وإفتقارها لمقومات او قدرات الدفاع وحماية أمنها الأجتماعي والأقتصادي والعسكري والغذائي والمائي .. وتقع في مقدمتها الكيان الصهيوني، الذي لا يمتلك مقومات وجوده الذي يعتمد الحماية الأمريكية والدعم اللوجستي الأمريكي والأسناد الأقتصادي والسياسي الخارجي .. مما يعكس ضعف هذا الكيان وحتمية زواله بفعل التحولات المفصلية الحادة التي تجتاح العالم الراهن .. وما تشهده المنطقة من تهديدات وإجتياحات وتدمير وتهجير يصب في هدف تأخير إنهيار الكيان الصهيوني على أساس دواعي الأمن وتحويل الصراع - حسب المنهج الصهيوني - من صراع ( عربي - إسرائيلي ) إلى صراع ( فلسطيني - إسرائيلي ) إلى صراع ( فلسطيني - فلسطيني ) إلى صراع ( عربي - عربي ) ومن ثم صراع ( إسلامي - إسلامي ) .. بمعنى إبقاء الصراعات في خارج الحدود الأقليمية لفلسطين المحتلة ، وهو مخطط إسرائيلي يضع الكيان الصهيوني في خارج دائرة الصراع والذي يمكن تسميته ( بتأجيج الصراعات الخارجية من أجل ضمان أمن الكيان الصهيوني، والتي تأخذ شكل التناحر والتدمير والتهجير والتغيير الديمغرافي بغية الوصول إلى جيو - سياسة تخلو من التهديد ) .. ولكن إذا كان الأمر يأخذ هذا المسار، وهو كذلك ، فليس هنالك من ضمانات لهذا النهج السياسي .. والدليل أن هذا الكيان ومنذ عام 1948 ولحد الآن يعمل على ما يسميه قاعدة الأمن الأسرائيلي، ومع ذلك لم يحقق الأمن والأستقرار الذي ينشدهما لحد الآن .!!

واللعبة الكبرى : التي تدار على مسرحها الأحداث المأساوية يعكسها كل من مشروع ( الفرسنه ) ، الذي يراد وضعه في قفص وتقليم مخالبه القاتلة ، ومشروع ( العثمنه ) ، الذي يراد تقييده وضبط مفاصل إنسياحه السلس، دونما ضجيج، صوب مناطق النفوذ والمصالح الدولية في المنطقة على أساس فلسفة ( تداخل الموروث الثقافي والجغرافي ) ، التي أفتى بها ( أحمد داوود أوغلو ) رئيس الوزراء التركي السابق ورجل العمق الأستراتيجي .. فيما يعكس المشروع الصهيوني نوازع الشعور بالغرق بعد مضي سبعون عامًا من الأحتلال والأغتصاب والتشريد الذي تعرض له الشعب الفلسطيني المناضل .. حتى مشروع الشرق الأوسط الكبير، رغم صفقات العمل الأمريكي الأيراني المشترك ، وصفقات العمل الأمريكي الأسرائيلي المشترك، فأنه ما يزال يعاني من الخواء والفشل في أبرز ركائزه التي أعتمدت على التيار ( الأسلاموي ) الخائب والفاشل أصلاً، منذ دخول الجيوش السوفياتية إلى أفغانستان مرورًا بتنصيب خميني في طهران وحتى سقوط نظام مرسي في مصر.

2 - فراغ القطبية الدولية :

 - الحقيقة الراهنة هي إنتهاء عالم القطبية الثنائية، وتراجع عالم القطبية الأحادية، وظهور عالم ما بين هذين العالمين، والذي يمكن وصفه بولادة نظام عالمي عسير في ظل صراعات وتحولات تأخذ شكل التحركات ذات الطابع ( الجيو - سياسي ) على المستوى الأقليمي من جهة، وشكل تحركات وتحولات ذات الطابع ( الجيو - إستراتيجي ) ، على المستوى الدولي .. ومخاض هذان الشكلان يقع على حافات الردع الشامل المؤكد من جهة، وهامش الفعل العسكري التقليدي الخطير من جهة ثانية، والذي قد يؤدي إلى التماس والأحتكاك والتصادم.!!

 - الروس يتطلعون إلى إحياء أو عودة ( التوازن ) الثنائي، وينعكس هذا التطلع في مجلس الأمن الدولي ، فيما يظهر الفعل الروسي في منطقة الشرق الأوسط ( سوريا ) على مدى سنوات .. والملاحظ، لم يظهر على ساحة الخليج العربي إنما يأخذ شكل التقرب الحذر من ليبيا ومصر، ودول أخرى في ضوء ثلاثة مسارات للحركة الروسية :

أولاً - تعتمد روسيا الأتحادية، كالأتحاد السوفياتي السابق في توجهاتها الراهنة على تحالفات ( عسكرية ) ومحاور ( سياسية ) في المنطقة العربية .. وهو توجه يستغل التناقضات والصراعات الكائنة، من أجل التخندق خلفها ( تحالف روسيا إيران سوريا ) يصاحب ذلك ( تحرك روسيا نحو مصر وليبيا ) ، ولا تغيب مناطق النفوذ السوفياتية عن أذهان الكرملين، عدا العراق الذي بات محمية أمريكية - إيرانية .

ثانيًا - أستغلت روسيا ( ملمح ) الولايات المتحدة الأمريكية ( ولآية أوباما ) بأن إهتماماتها في الشرق الأوسط قد قلت وزادت حيال إيران وتراجعت في سوريا والعراق .. هذا الملمح السياسي الخطير، الذي مارست سياساته إدارة أوباما قد صور للكرملين أن ( فراغًا ) جيو - سياسيًا قد ظهر في المنطقة ( سوريا ) بعد احتلال العراق، حيث حافات البحر المتوسط في قلب الأستراتيجية الروسية ( المياه الدافئة ) ، وهو الأمر الذي شجع الأندفاعة العسكرية الروسية صوب بعض مناطق النفوذ السوفياتية .. أن توغل روسيا في الشرق الأوسط جاء نتيجة للتردد الأمريكي الناجم عن الأنكفاء العسكري الأمريكي في العراق ، وتحفز الكرملين نحو ساحة صراع يلعب فيها دورًا يثبت فيه قدرته على تعزيز مكانته في ( التنافس ) الثنائي الدولي .. فيما تركز أمريكا الراهنة على ( التعاون والصراع ) وعدم إشتراط التنافس، الذي تطمح إليه القطبية الثنائية .. ويبدو أن التنسيق الأمريكي - الروسي ( محدود ) بمسرح العمليات العسكرية على الأرض السورية دون أن يتجاوز حدوده.

ثالثًا - تظهر صراعات القوى في المنطقة، وكأن ( حالة ) إختلال التوازن الأقليمي، الذي أنجزه الأحتلال الأمريكي للعراق والتمدد الأيراني الذي إنساح بهدف تحقيق الأمبراطورية الفارسية .. هذا الأحتلال لن يستمر طويلاً لكي يستقر على قاعدة التوازن الأقليمي النسبية .. وهي قاعدة ضرورية لأستقرار المصالح الأقليمية والدولية المشروعة .. فالمنطقة هي الآن في مخاض من شأنه أن يستولد الأستقرار بعد كبح جماح التمدد الفارسي.

ومن الحقائق :

أن الطموحات السياسية الأقليمية قد تصطدم بالسياسات الدولية أو تتعارض مع طبيعة الحقائق الجغرافية والتاريخية لدول المنطقة :

1 - فطموحات إيران ( السياسية - الأستراتيجية ) غير المشروعة ( الفرسنه ) ، تصطدم بالمصالح الأقليمية والدولية،وهي طموحات مبعثها إيقاظ الموروث الأستعماري، وإن حقق تقدمًا على الأرض خلف القوة الأمريكية والروسية ، إلا أن مآل هذه الطموحات إما التراجع أو التآكل أو التدمير.

2 - وطموحات تركيا ( السياسية - الأستراتيجية ) غير المشروعة ( العثمنه ) ، تصطدم بسياسات إقليمية ودولية، وهي طموحات مبعثها إيقاظ الموروث التاريخي والجغرافي، الذي لا يستقيم مع واقع السياسات في العصر الراهن.

3 - وطموحات ( إسرائيل ) السياسية - الأستراتيجية ، ومنذ سبعين عامًا، وهي تعتاش على الحماية والدعم الخارجي، تصطدم مع قوى إقليمية في سعيها نحو تأسيس ( دولة يهودية ) في ظل واقع الصراع المحتدم دون أن يحقق نتائج مهما طال الزمن.

4 - وطموحات روسيا نحو منطقة ( الشرق الأوسط ) ، هو تخطيط ذو طابع إستراتيجي أولاً ومسحة إقتصادية ثانيًا ، لا يستقيم مع الأمكانات والقدرات الروسية ، ومآلها القبول بواقع التوافقات لا المحاور، التي لن تخلق ( تنافسًا ) ثنائيًا على المستوى الدولي.!!

ولأن الطموحات غير المشروعة تصطدم بحقائق جيو - سياسية وإقتصادية وإجتماعية وأمنية، فأن أمر تحقيقها، يكاد أن يكون مستحيلاً .. وما يحكم الطموحات الفارسية غير المشروعة ينسحب على الطموحات غير المشروعة التركية والكيان الصهيوني والأمبريالية الأمريكية أيضا .

 - صفقة على هامش الـ ( G - 20 ) :

يتبع ..





السبت ٥ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.