شبكة ذي قار
عـاجـل










من يخفض منسوب التوتر والتصعيد؟

أحمد صبري

 

منذ تولي بنيامين نتنياهو حكومة «إسرائيل» اليمينية الأكثر تطرفا بأذرعها العنصرية، زادت هذه الحكومة من قتلها وتنكيلها للفلسطينيين عبر رفع منسوب الاقتحامات للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، لا سيما القدس الشريف، لتنفيذ عمليات اغتيال واعتقال وهدم منازل الفلسطينيين، ما شجَّع المستوطنين اليهود إلى حرق بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم وسط تشجيع المتطرفين في حكومة نتنياهو وصمت المجتمع الدولي إزاء ما يجري من جرائم بحق الفلسطينيين العزَّل. الجرائم المرتكبة والمتوالية فصولا ضد الفلسطينيين تزداد بشاعة من غير تدخل حقيقي من راعية كيانها «إسرائيل» الولايات المتحدة التي تغضُّ الطرف عن جرائمها، وتطالب الفلسطينيين بعدم التصعيد فقط.

وهذه المفارقة في مسار تخفيض منسوب التوتر بين الجانبين وكأن الطرف الإسرائيلي هو المتضرر والمستهدف، في حين أن الآلة العسكرية تستهدف يوميا أمام أنظار العالم الفلسطينيين في مُدنهم وقُراهم بالقتل والاعتقال والخطف من دون وازع إنساني في عملية القتل المباشر.

وإزاء ما يجري من تطورات خطيرة في مسار الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أين يكمن الموقف الأميركي حيال هذا المنحدر الخطير في المنطقة عموما وفي الأراضي الفلسطينية خصوصا؟

الجواب يكمن في غياب الموقف الأميركي إزاء ما يجري في مسار هذا الصراع وارتباطه بالملفات الأخرى بالمنطقة، وهو غياب واستدارة مقلقة وغير مسؤولة تتطلب موقفا جادا ويرتقي إلى مستوى التحدِّيات والمخاطر المترتبة عن هذا الغياب، خصوصا أنها راعية اتفاقات السلام وراعية لها، فبدلا من دعوة الفلسطينيين إلى خفض التصعيد والتحلِّي بالصبر، فإن الإدارة الأميركية تركت يد «إسرائيل» طليقة من دون مساءلة، وهذه الازدواجية في المعاير شجعت «إسرائيل» على المُضي في نهجها الدموي، وأوقعت أفدح الخسائر بين الفلسطينيين، ناهيك عن عدم التزامها بما يُسمى بالاتفاقات المبرمة مع الجانب الفلسطيني. إن ردود أفعال الفلسطينيين في عملية الدفاع عن النفس في مواجهة آلة القتل والتدمير الإسرائيلي، طبقا لمعايير العدالة الإنسانية، هي طبيعية؛ لأنها مشروعة لوقف مسار القتل والتهويد والإلغاء.

ومهما بلغ منسوب التوتر والتصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن حكومة المتطرفين العنصريين، وعلى رأسهم نتنياهو، هي مَن تتحمل مخاطر الانزلاق في مسار التصعيد وليس الفلسطينيين الذين يدافعون عن حياتهم وممتلكاتهم، فضلًا عن أرضهم، ولا سيما القدس الشريف.

إن خفض التصعيد والتهدئة ووقف دوامة الصراع يتطلب ويحتاج إلى موقف أميركي جادٍّ لوقف هذا المسار يتناغم مع قرارات المجتمع الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية، ويلزم «إسرائيل» تنفيذها والإذعان لمتطلباتها؛ لأنها قرارات حظيت بدعم ورعاية المجتمع الدولي.

ونخلص إلى القول: إن من يضع حدًّا لدوامة العنف والصلف الإسرائيلي، ووقف تماديه وإنكاره لحقوق شعب فلسطين المشروعة هو إجبار الكيان الصهيوني على تنفيذ التزاماته بقرارات الشرعية الدولية وولاية مجلس الأمن، ومن دون ذلك فإن فلسطين ـ مهما طال الزمن ـ ستبقى عربية رغم التهويد والقضم والتهجير والقتل ومسار أحداث الصراع يشير ويؤكد أن شعب فلسطين لن يتخلى عن أرضه وثوابت قضيته ومتمسك بها حد الاستشهاد من أجل عروبتها.

 






الثلاثاء ١٥ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أذار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أحمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.