شبكة ذي قار
عـاجـل










بدأ المؤتمر الجغرافي الإقليمي للاتحاد الجغرافي الدولي أعماله يوم 12 يوليو / تموز في تل أبيب وتنتهي في 16 منه 2010، تحت رعاية الاحتلال الصهيوني وفي استضافته تكريما وتأييدا متبادلا بين الطرفين. ولا زال المؤتمر مستمرا في بحث قضايا الإنسان وتحولات المكان والمناخ على وجه الأرض ولكنه لا يبدي اكتراثا بما يدور غير بعيد عنه حيث تطارد وتلاحق القوات البحرية والجوية الصهيونية وفي المياه الدولية قوافل الحرية لإغاثة وفك الحصار على غزة.


لا زال المؤتمر الصهيوني مستمرا في أشغاله وهو غير منشغل ولا مكترث بما يجري حوله من توسع للاستيطان وتهويد للقدس وتشويه للجغرافيا بل مسح تام لمعالم الجغرافيا الفلسطينية، جرد كامل لهوية الأرض وتاريخها من خلال هدم الممتلكات الفلسطينية وطرد السكان الأصليين لإقامة المستوطنات الصهيونية وتشييد الوجه الجديد للدولة اليهودية الاستعمارية.


إن انشغال المؤتمر بقضايا الإنسان والمكان أعمته عن رؤية الإنسان الفلسطيني وهو يقتل بدم بارد ويطرد ويجوع ويحاصر وعن رؤية الأرض الفلسطينية وهي تغتصب وتهود وعن رؤية جدار الفصل العنصري وهو يمتد ويلتف على القرى والبلدات الفلسطينية لخنقها وتحويلها إلى سجون تغلق ولا تفتح على الشعب الفلسطيني الأعزل.


إن عدم اكتراث المؤتمر الجغرافي الدولي بما يدور حوله هو من باب الحياد الموضوعي إزاء انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه لأن الاتحاد نشأ وتأسس في حضن الاستعمار الغربي وبدعم ودفع من المؤسسات العسكرية الاستعمارية والحركة الصهيونية العالمية فهو منحاز لمبادئه وأصوله وانحيازه يفرض عليه الحياد إزاء سياسات الاحتلال واضطهاد الشعوب بل عمله موجه لصرف نظر الجغرافيين عن تلك السياسات الاستعمارية العنصرية.
وهذا ما يبرر وجوب مقاطعته بل إدانته مثلما أدينت الجغرافيا الاستعمارية والجيوبوليتيك النازية من قبل الجغرافيين الأحرار والمتنورين في الغرب.


إن الحياد لا يعني السكون عن الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية وعن جرائم الاحتلال وإبادة الشعوب. فلو كان الاتحاد الجغرافي الدولي محايدا كما يدعي المغررون لما حط رحاله في عاصمة الاحتلال. ولكونه فعلها بكل إصرار ودون خجل أو تردد فهو إذن مستمر على نهجه في خدمة الاستعمار وتأييد سياساته التوسعية والإجرامية.


ورئيس الاتحاد الجغرافي الدولي الحالي يبدو أنه أكثر جرأة ممن سبقوه في تكريم دولة الاحتلال وقادتها من مجرمي الحرب وإبادة الإنسانية. وهذا أمر طبيعي ينسجم أصلا وفصلا مع النهج الحقيقي لتوجهات الاتحاد الصهيوني إلى النخاع. ومن يعتقد غير ذلك فهو لا يدرك تاريخ الاتحاد وخلفياته الفكرية ومن يقف وراءه دعما وتوجيها.


بناء على ما تقدم وبكل صراحة وشفافية يصبح من العبث أو الجهل أو التهور أو الخيانة تعليق الآمال على هذا الاتحاد الذي صار قاطرة مكشوفة للتطبيع ولتسويق الاحتلال الصهيوني علنا وسرا. ومحطة هذه القاطرة الأخيرة هي أكبر دليل. ومن ركبوا هذه القاطرة من العرب والمسلمين وجدوا أنفسهم أخيرا في رحاب دولة الاحتلال يصفقون ويصافحون في حفل صهيوني بهيج قادة الاحتلال ومجرمي الحروب والإبادة الجماعية.


والخطير أن يشد رئيس الاتحاد (المزهو بدوره) العزم على زيارة القدس المحتلة يوم السبت 17 جويلية / تموز القادم بعد اختتام المؤتمر الجغرافي المشبوه ليشهد بأم عينه الانجازات الصهيونية وقدرة الاحتلال على التمادي في التهويد والاستيطان والتنكيل بالشعب الفلسطيني.


وحين يتأكد ميدانيا فسيبصم على خريطة الطريق نحو المزيد من اغتصاب الأرض وتنظيفها من الوجود الفلسطيني وكذلك خريطة الجدار وخريطة الاستيطان وتناميه وخريطة الاستيلاء على مصادر المياه لضمان أمن دولة الاحتلال اليهودية العنصرية واستدامة توسعها وتفوقها.


والأخطر من كل هذا وهو أمر لا نتمنى حدوثه بل نرفض بكل شدة التفكير فيه من أي جهة كانت وأرجو أن أكون مخطئا في الإشارة إليه حيث تراود الرغبة البعض في أن الزيارة المشار إليها ستتوج بلقاء الزائر المؤزر والمؤازر للاحتلال برئيس الجمعية الجغرافية الفلسطينية لتنال زيارته الشرعية الكاملة ولتكون فاتحة تطبيع بين الاحتلال وضحاياه.


وتصديا لهذا التوجه من حقنا ومن واجبنا استباق التوقع حتى لا يقع المحظور وعلينا أن نحذر المعنيين من المنزلق الخطير.
وننبه الناوين فتح أبوابهم ومد أيديهم من بعض الجغرافيين الفلسطينيين لاستقبال رئيس الاتحاد المؤزر والمؤازر للاحتلال وحتى نفند تبرير خطوتهم بل خطيئتهم بمحالة طرح وشرح قضيتهم الوطنية العادلة للزائر وهنا تمكن المغالطة والمخادعة المفضوحة بحكم الأسباب التالية:


1- أن رئيس الاتحاد ليس أعمى ولا أطرش ولا غبيا إلى درجة الجهل بالقضية الفلسطينية وجرائم الاحتلال المستمرة المنشورة بالصوت والصورة.
2- أن رئيس الاتحاد ملزم بالحياد في القضايا التي لا تخدم الاحتلال المنحاز له بطبيعته والمؤازر له بحكم انتمائه الصهيوني.
3- أن الاتحاد ليس مؤسسة خيرية ولا حقوقية ولا سياسية ولا إنسانية ولا يملك أية سلطة أو وسيلة لخدمة القضية الفلسطينية.


وعليه لا يوجد مبرر منطقي واحد لاستقال رئيس الاتحاد لتعريفه بالقضية الفلسطينية بل من المجدي جدا رفض استقباله وهو التعبير المنطقي والبالغ الأثر لإفهام من لم يفهم بعد أن القضية الفلسطينية ليست مسألة استجداء موقف من هنا ومن هناك، من هذه الجهة أو تلك لأنها قضية عادلة وإنسانية بكل المقاييس وحسب القوانين الدولية والشرائع السماوية.


فلماذا التطبيع المجاني والتهافت المذل والجميع يدرك أن الممانعة والمواجهة والمقاومة بكل الوسائل المتاحة هي السبيل الأمثل لنيل الحقوق وطرد الاحتلال. والشعب الفلسطيني قد علمنا الصمود، والمقاومة قد علمتنا التضحية وعدم الاستسلام باستثناء تلك القلة ممن تربعوا على المناصب ليعتاشوا على المساومة والتفاوض باسم الشعب الفلسطيني وهمهم مصالحهم وخدمة أسيادهم مثلهم مثل طبيعة الكثير من الأنظمة العربية العميلة والعليلة.


وبحكم التزامنا غير المشروط بالقضية الفلسطينية وبحكم التزامنا بخط الممانعة ومقاومة الاحتلال ورفض التطبيع وملاحقة المطبعين، فما نتمناه أن يكون قطار التطبيع خاليا ممن هم ضحية الاحتلال ويأملون التحرر واستعادة السيادة والكرامة. إن قطار التطبيع يفضي إلى محطة واحدة عنوانها الخيانة واللعنة الأبدية. ومن اختار الركوب عليه تحمل لعنة التاريخ والجغرافيا مهما علا شأنه وتصور أنه ناج من الحصار والملاحقة.


وتبا للذين استهوتهم المساومة فاستسهلوا الاستسلام وتاهوا عن سبيل المقاومة وشرف المواجهة وعزة الصمود. وعسى أن تكذب ظني وتدحض ادعائي عودة الوعي وصحوة الضمير لدى المغرر بهم والناوين وصالا واتصالا برعاة الاحتلال وأنصاره في الاتحاد الجغرافي الدولي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية شكلا والصهيونية مضمونا.


ورغم هذا وذاك نرجو من رئيس الجمعية الجغرافية الفلسطينية توضيح الموقف الحقيقي ليكون كلامي مجرد تخمين ومخاوف لا أساس لها من الصحة وفي هذه الحالة أتحمل الإدانة ويكون المظنون فيهم محل إشادة وتقدير وفي مستوى القضية الوطنية والقومية والإنسانية التي يدافعون عنها.


تونس في 14 جويلية / تموز 2010.

 Hedi_mathlouthi@yahoo.fr





الجمعة٠٤ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الهادي المثلوثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة