شبكة ذي قار
عـاجـل










من هذا كان فهم البعث للإسلام انه روح الأمة ودستورها، فاعتبر القائد المؤسس احمد يوسف عفلق في كثير من كتاباته الأولي في المرحلة التأسيسية للحزب، إن العروبة جسد روحه الإسلام، ومن هذا كان حديثه في ذكرى الرسول العربي بقوله: كان محمدا كل العرب فعلى العرب اليوم أن يكونوا محمدا، ومن هذا الفهم العميق لعلاقة العروبة بالإسلام أسس القائد الشهيد صدام حسين لمعنى الأمة المؤمنة وعليه بني ضرورة تسلح كادر الحزب بالفكر الإيماني، ولذلك ألزم الحزب كل بعثي وخصوصا الكادر بدراسة علوم القرآن والسنة النبوية الشريفة والتاريخ العربي، وافتتح لذلك معاهد ومدارس على مستوى كل محافظة عراقية وكل شعبة حزبية، واعتبر اجتياز تلك المعاهد شرطا إلزاميا في تاريخ البعثيين الحزبي وتقويمه، نعم نحن لسنا حزبا دينيا بالمفهوم الاسلاموي لتسييس الدين، ولكنا حزبا إيمانيا نؤمن بكل ما جاء من الله في كتبه وعلى لسان أنبياءه ورسله، ونناهض ونتصدى للكفر والإلحاد، بل حزبا قوميا يكافح لبعث نهضة الأمة العربية واحياء دورها في حياة البشرية الايجابي. يستمد فكره ومنهجه من ارث الأمة العظيم الدين والذي يعتبر الاسلام تصديقا بكل ما سبقه ومهيمنا عليه،

 

إن فهم البعث الواعي لما يريده الله للبشرية من خير ورحمة، بتنزيل الكتب وبعث الأنبياء والرسل والمصلحين، وفهمه بوعي وقناعة وايمان بالدور العظيم للدين واحكامه الربانية في إحداث التغيير النوعي الأخلاقي والإنساني للبشر، كان السبب لرفض البعث كل الفلسفات الايديولوجية الغريبة والغربية، التي لا تطابق الذات العربية التي ألهمها الله سبحانه لهذه الأمة، التي أختارها لتكون أمة الرسالات وحاضن النبوات والمبشرة بها لكل الناس، لذلك اختار هذا الطريق رغم صعوبته لم يتخذ الطريق السهل، ولكنه الطريق الخاطئ بعزل الدين عن الدولة، وأنه عمل بما جاء في حكم الله بتطبيق الأحكام العامة بين البشر دون التمييز على أساس الدين أو العرق، بل احترام إنسانية الإنسان، وحقه في العيش بكرامة واحترام، حيث أشار القرآن الذي جاء مصدقا لما قبله ومهيمنا عليه إلى ذلك مرارا، وأكده الرسول الكريم رحمة الله للبشرية قولا وفعلا وإقرارا في دستور المدينة (أول دولة للاسلام)، وهذا رسول الله يحكم بين يهود المدينة عندما حكموه بحكم التوراة، وهو صلى الله عليه وعلى آل بيته وصحبه وسلم الذي افتقد شابا يهوديا كان له موقف معه بإيذائه، فعلم انه مريض فعاده ليطمئن عليه، أمام هذا الخلق السامي والفعل الإنساني كان رد فعل اليهودي أن صدق وآمن، وقال لرسول الله ما هذا إلا خلق الأنبياء والرسل، وهو الذي نهى عن إجبار أهل الكتاب على أن يتبعوا رسالته، ولم يعتبرهم لا الرسول العظيم ولا القرآن الكريم كفارا، بالرغم من إن من لا يصدقه كفر بحكم الإنجيل والتوراة، اللذان نزلا على سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام اللذان بشرا به، وكان موقف سيدنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم مطابقا لتنزيل الله (لا إكراه في الدين)، وكانت وثيقة الرسول صلى الله عليه وسلم التي كتبها لنصارى نجران تعتبر متقدمة في علاقة الدولة مع مواطنيها رغم اعتناقهم معتقدا دينيا آخر،متقدمة ليس في وقتها بل ولحد الآن، وموقف الصحابي الجليل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصلاة في الكنيسة عند توجهه لبيت المقدس (مدينة القدس) ووثيقة الصلح التي ابرمها مع نصارى القدس والمتسمدة من الوثيقة الأم وثيقة نصارى نجران، وكذلك موقف القائد عمرو بن العاص من نصارى مصر عند فتحها، وموقف سيدنا علي عليه السلام من اليهودي الذي نازعه درعه بأن احتكم إلى القضاء وهو علي في دولة الإسلام، هذا وغيره الكثير من الوقائع والدلالات تؤكد مدنية دولة الإسلام، وطبيعة احتكامها للقانون واحترام الغير وحفظ إنسانية الإنسان ومواطنته، بعيدا عن التعصب والبغي والعنجهية والقوة والسلطة، فهل يمكن للبشرية أن تطبق جزءا من أحكام الله في حياتها لتحترم إنسانيتها وتعيش بسلام؟ الدين بعد الإيمان بوحدانية الله وتنزيهه مجموعة مناسك وعبادات تعبر عن شكر الإنسان لربه كي يزيد نعمه له، فالله سبحانه لن يحتاج لها ولا تضره بشيء، والدين سلوك وتعامل رفيع السمو وتجسيد لإنسانية البشر، التي أراده الله عليها، وليس تعصب وتناكف وحروب وفتن وإقصاء وبغي وبغض وكراهية، الدين سلام ومحبة ودعوة للخير وأمر بالمعروف والفضيلة، ونهي عن المنكر والفحشاء واجتناب كل سلوك وفعل وضيع وأية إساءة للبشرية، لم يعطي الدين عبر كل كتبه حق قتل النفس إلا بقصاص، وهو حق لولي الأمر حصرا، وقد خير الله الناس بين الدية والعفو والقصاص، وحبذ للناس العفو ووعدهم بالجزاء من الله بالخير والمغفرة، حيث ورد بنص القرآن (وان عفوتم فهو خير لكم)، ولم يجز الحرب والعدوان إلا دفاعا عن خمسة أشياء دفاعا عن الدين والأرض والعرض والمال والنفس، ونهى عن العدوان وأكد إن الله لا يحب المعتدين، الرسول الكريم لخص الدين بكلمة (الدين النصيحة)، وابلغنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وأفهم الناس إن نصر الظالم رده عن الظلم والبغي ونصحه من عاقبة الظلم والبغي، والله سبحانه الذي أوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي، وحذرنا من مغبة ذلك وحدد كبائر الذنوب وجعل كل بغي وعدوان وانتهاك لحرمات الناس وأنفسهم وأموالهم من ضمنها، وأكد على مال اليتيم والأعراض والزنا واعتبرها من الكبائر التي لا تقبل فيها توبة إلا برحمته القادر على أن يغفر كل الذنوب، هذا خلق الدين الاسلامي ونبيه الذي جاء مصدقا لما بين يديه من الانجيل والتوراة ومهيمنا عليها، فماذا حفظ البشر من مبادئ الدين اليوم، خصوصا المنادون بالديمقراطية وحقوق الانسان والشرعية ومكافحة الارهاب؟ وهل التزم بها المدعين بإيمانهم بدين الله؟ ان الدين تعرض لتشويه داخلى وخارجي، أديا الى نتيجتين مختلفتين في الاتجاه ولكنهما ملتقيتان بالضرر هما التطرف والتحريف بغية استغلال الدين كوسيلة لمصالح دنيوية تنافي مبادئه واحكامه، والأخرى ابتعاد الناس عن الدين ولجوء كثير منهم الى مناهج وفلسفات الحادية كالعلمانية والقدرية وغيرها.

 

لو عملنا كمسلمين بخُلق الدين وتسهيله وأسسه للتعامل بين الناس عموما، لكسبنا للإسلام والإيمان أكثر مما دخل أناس الإسلام والأديان بكل الوسائل الأخرى، ولظل الدين وشرائع السماء هي مصدر التشريع الأساسي في الحياة البشرية، إن لم يكن المصدر الوحيد، ولكن توظيف الدين وتحريفه من قبل أتباع الشيطان وذوي النفوس الشريرة هو الذي أوصل البشر لتفادي الالتزام دينيا، واعتبار الدين سببا من أسباب البغضاء والاختلاف بين البشر، حاشا الدين وسبحان من أراده رحمة للعالمين، ولكن من تخصصوا في علوم الدين وتفسيره وأحكامه راودهم الشيطان على عقولهم فملكها وأنفسهم الأمارة بالسوء والشح واغراء الحكام ودخول رجال الدين في كل الديانات عالم السياسة والتجارة والبحث عن السلطة والمناصب كان سببا كبيرا في تحريفهم للدين وتوظيفه لخدمة غاياتهم، هذان الشيطان والنفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي هما مسببي الخطايا، فبدلا من أن يكونوا فعلا رجالا للدين صار كثير منهم رجالا للأعمال والمال والدنيا، فوظفوا الدين في مصالحهم ومجاميعهم وأقوامهم، ونسوا أن الدين قيم عظيمة السمو ودعوة خير ورحمة، فضلوا وأضلوا كثيرا من عباد الله، وأساءوا للدين ولحكمة الله في الخلق، فولدت المذهبية والصراعات والبغضاء أسلوبا لتحقيق مآرب وغايات لم يكن لها اي ارتباط بالدين ولا تخدم التدين بل تضعفه وتنفر الناس عنه، وبدأت النزاعات باسم الدين وتحت غطائه، والدين من كل ذلك براء.

 

كانت أوربا ساحة الصراعات الدينية والطائفية الأولى، ومنها انتقلت الصراعات الدينية والعدوان والبغي إلى أرضنا، بذريعة تحرير ارض الميعاد والقدس (أورشليم)، ولو تمعن المؤمنين في حكمة الله أن جعل القدس الشريف مقدسا عند كل أنبياءه ودينه بكتبه الثلاثة، ومن كل أنبياءه بدءا بابينا إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، إنما أراد أن يدرك البشر إن الدين كله واحد وان المقدسات مشتركة بينهم وهذا البيت نموذجا، ولكن رجال الكنيسة في أوربا وظفوا الدين لخلاف ما أراد الله به فكانوا اعوانا للاستعمار والعدوان وهذا منافي للدين، فكانت حروب اوربا الداخلية التي اهلكت أكثر من عشرة ملايين اوربي، باسم الدين واختلاف المناهج الكنائس في تفسيره، واعتبارهم كل من يخالفهم كافر،  وهنا لابد أن اؤكد إن رجال الكنائس ومراجعها لم يكن هدفهم ديني بل صراع على النفوذ والسلطة والحكم والمصالح الذاتية فجندوا عباد الله لأغراضهم، وأن الدين براء من كل ذلك التحريف، الذين كان للصهيونية والكافرين المتطرفين من اليهود والتحالف بين الحركة الصهيونية وبعض رجال الدين الغربيين الذين تصهينوا مع الطبقة البرجوازية الاستعمارية الدور الأول فيه،فصار رجال الكنيسة دعاة الحروب الصليبية، وان تلك الحروب التي خاضتها اوربا باسم الدين وتحت راية الصليب لم تكن للدين بل كانت حروبا لغايات استعمارية وبغي ولأجل استعباد ونهب الشعوب، وهذا ينافي في مجمله وتفاصيله احكام الدين ورسالة نبي الله المسيح بن مريم عليه السلام، وهو انتهاكا لشرائع السماء التي نزلت بها الكتب السماوية وبعث بها الأنبياء عليهم السلام.

 

هذا هو منهج رسول الله ورحمته للبشرية وهذه هديه والكتاب الذي أنزل اليه، وهو شرف الأمة العربية وهاديها وقائدها الذي نهتدي بهديه، ونخدم القومية وهويتها رسالات السماء، كما علمنا رسولنا الكريم فهو من دعى لها وطهرها ونقاها، نحيا ونموت على ما هدانا وعلمنا وما ترك لنا من إرث حضاري وشرف قومي، وإن جهل الجاهلون، وكره الكافرون، وخدع المخدوعون، وضل الضالون، وحرف الشعوبيون، وابتدع المنافقون.

 

لأن البعث العربي الاشتراكي كحزب، يعتمد فكر ايماني عميق، أدرك حقيقة الدين كله والاسلام بشكل خاص، وأعتمده كمرجع إستلهام فكري وجهادي وإجتماعي وسياس، بعيدا عن كل التشويهات والبدع التي لحقت بتطبيق أحكامه، إعتبروه العدو الأول والأخطر لهم، وصار البعثيون أخطر حتى من المتطرفين والمغالين دينيا، هذا هو السبب الحقيقي لقانون اجتثاث البعث وإباحة قتل البعثيين في العراق بعد الاحتلال.

 

 





الاثنين٠٦ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد ابو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة