شبكة ذي قار
عـاجـل










لم نقرأ في القرآن الكريم ولا في تفاسيره أنه قد فرض الديكتاتورية أو نوه لها من قريبٍ أو بعيد، فحاشاه من مثلِ هذا الأمر، ولم نقرأ في الأحاديث النبوية الشريفة حديثاً أيضاً قد جاء بذات المنحى، فحاشا السنة النبوية الطاهرة من مثل هذا الأمر، ولكن هناك مَنْ يسعى إلى إلصاق مُصطلح الدكتاتورية بالإسلام عنوةً، ومثل ذلك الأمر لا يخرج عن البدع التي نهى عنها الإسلام، فكان أنْ تفتقت ذهنية الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأن خرج علينا ببدعةٍ جديدة رفض فيها التعددية الحزبية في إيران وحصر حُكم إيران ببدعةٍ أسمها "ولاية الفقيه"، ولا يحقُ لغيرها أن تتولى الحُكم في إيران، وهذا ليس اتهاماً أو افتراءاً على سيادة الرئيس نجاد، وإنما هو مَنْ قال هذا في لقاءٍ لهُ في الأسبوعِ الثاني من شهر تموز/يوليو 2010 مع مُمثلي "ولاية الفقيه" في الجامعات الإيرانية؟ ونص قولهِ: ((القيم الإسلامية للثورة كبيرة وأن التعددية الحزبية لا يمكنها احتواء تلك القيم لذلك يوجد في إيران حزب واحد هو “ولاية الفقية”..؟! وإنه لا يوجد في إيران أكثر من حزب واحد فقط وأن وجود أحزاب أخرى يعني “قراءة الفاتحة” على قيم الثورة.. وإذا أردنا إيجاد التغيير في الجامعات فعلينا بمكاتب ممثلية ولاية الفقيه، لأن هذه المؤسسات لها ثقل في الوسط الجامعي..؟!)). ([1])    

 

لو تدبرنا في كلام سيادة الرئيس نجاد فإننا نستخلصُ منه الكثير الذي هو على الضد مما يدعيه "قيم إسلامية للثورة الإيرانية"، فمن هذا الكثير أذكر القليل لعدم الإطالة، سيما وأن تاريخ الثورة الإيرانية لم يُثبت بوقائع حقيقيةٍ ملموسة أن "للقيم الإسلامية" مكاناً أو حيزاً في تلك الثورة اللهم، فقط ما يرد في وسائل الإعلام الإيرانية التي تعكس على الأعم ما هو مُختلق، وكاذب، ومُظللٍ ومبالغٌ فيه، فمن الشواهد على ذلك:

 

 

صورة من داخل إيران تُظهر "أصحاب الزي المدني" المُصطلح المتداول في الشارع الإيراني الذي يقصد به مخابرات الحرس الثوري بدرجاتهم النارية وهو يضربون عناصر المعارضة بالعُصي الكهربائية

 

(1) أنَّ الرئيس نجاد والمؤسسة الدينية أبعد ما يكون عن ممارسة تلك القيم من حيث النظرية والتطبيق، سيما وأن مفهوم "القيم الإسلامية" في الإسلام تعكس جُملة من الحقائق تتمحور جميعها حول إنسانية التعامل مع الإنسانية أينما كانت، فمنها أنَّ تلك القيم لا تعني أنْ تحتل إيران المدن العربية (الأحواز، والمحمرة وعبادان)، وعليها وفق القيم الإسلامية إنْ كانت صادقة من حيث الإدعاء بها، أنْ تمنحهم استقلالهم لأن أرضهم عربية، وأنهم عرب لا يمتون بصلةٍ للعرق الفارسي..إلخ، ثم أنَّ القيم الإسلامية لا تعني أنْ تحتل الجزر العربية التي هي جزء لا يتجزأ من الإمارات العربية المُتحدة، وأن القيم الإسلامية أيضاً لا تعني أنْ تعقد الحكومة الإيرانية الإسلامية تحالفاً مع قوات كافرة أمريكية تحتل العراق، وأنْ تتفق معه على ملاحقة واغتيال عناصر المقاومة العراقية، وتستبيح ميليشياتها الإرهابية العراق من شماله لجنوبه لقتل أبناءه؟ وأي "قيم إسلامية" وأنت تضع العثرات يا سيادة الرئيس نجاد لمنع تشكيل حكومة عراقية إلا إذا كانت موالية لطهران؟ ومن الأدلة والشواهد على ما ورد آنفاً وأنت يا نجاد تدعي الـ: "قيم إسلامية"، أذكر فقط دليلاً وشاهداً واحداً لعدم الإطالة، دعمُك مالياً التيارات الطائفية الشعوبية في العراق الموالية لك وللمؤسسة الدينية بملايين الدولارات شهرياً، فهذا: ((المحلل الأميركي المعروف ديفيد اجناتيوس ذكر هنا في احد مقالاته انه في الأشهر التي سبقت الانتخابات العراقية، كانت إيران تدفع تسعة ملايين دولار شهريا للمجلس الإسلامي الأعلى لتمويل حملته الانتخابية، و ثمانية ملايين دولار شهريا للتيار الصدري. طبعا هذه الأرقام متواضعة، والأرجح إن ما دفعته إيران للقوى الموالية لها اكبر من هذا بكثير..؟!)).([2]) ففي أي "قيم إسلامية" يدخل يا سيادة الرئيس نجاد كُل ذلك وغيرُهُ الأكثر؟! أي إسلامٍ هذا الذي تدّعيه وتتحدث باسمه؟ نعم يا سيادة الرئيس، أنك لا تتحدث باسم الإسلام، فحاشا للإسلام أنْ يكون دموياً أو إرهابياً، بل تتحدث يا سيدة الرئيس باسم "المُنافقين"، فأنت كبيرهم؟ سيما وأن العديد من نواب مجلس الشورى الإيراني قد عبروا عن سخطهم أيضاً من سياستك وذهبوا أبعد مما ذهب إليه المُحلل الأمريكي أعلاه بتأكيدهم على أنَّ:(( السياسة الإيرانية الخارجية هي السبب الرئيس بتدهور الأوضاع في داخل إيران، إذ أن الكثير من الأموال تصرف لدعم مؤيدي النظام الإيراني في لبنان (حزب الله اللبناني ومنظمة أمل ومنظمات المُجتمع المدني الطائفية) والعراق - بدعم الميليشيات الطائفية مثل جيش المهدي وفيلق بدر والكثير من منظمات المجتمع المدني التي تمارس دوراً شعوبياً دموياً- والأموال الطائلة والمُعدات العسكرية والدعم الإعلامي للمُتمردين الحوثيين في اليمن،  فضلاً عن صرف الكثير من الأموال لتأجيج الأوضاع في البلدان العربية الأخرى مثل مصر والسودان والبحرين والكويت..؟!)).

 

(2) ثم هل أن تلك "القيم الإسلامية" تعني يا سيادة الرئيس نجاد أنْ تزج إيران والمؤسسة الدينية والحوزية أنوفها في ما يجري باليمن، وتكون عوناً لا شرعياً ولا أخلاقياً في دعم الحوثيين ضد الحكومة المركزية في صنعاء، ولا زالت تمارس ذات الدور بعد توقف الحرب حيث تسعى إلى إعادة تأجيجها مرةً ثامنة لا سامح الله تعالى؟!

 

(3) ثم ها أنتم وما تفعلونه من مجازر في أفغانستان التي لم تسلم من تدخلاتكم الإرهابية كما في العراق واليمن ويكفي بهذا الصدد أنْ استشهد بشهادة المبعوث الأمريكي الخاص في شؤون أفغانستان وباکستان "ريتشارد هولبروک" الذي أعترف فيها على مرأى ومسمع من العالم بتدخلكم فيها سيما في ولاية "هرات" الأفغانية التي تكاد تتحول إلى ولاية إيرانية، مع العلم أن اعتراف المندوب المذكور قد نقلته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "أرنا" التي ذكرت ما نصهُ" ((طهران/ 15 آب / أغسطس 2009 / أرنا اکد المبعوث الأمريكي الخاص في شؤون أفغانستان وباکستان ريتشارد هولبروک في ندوة عقدت في مقر "مرکز تقدم أميرکا " في 12 آب / أغسطس الجاري، على دور إيران المهم في أفغانستان وخاصة في ولاية هرات. وأضاف هولبروک "کل من زار إقليم هرات من الموجودين حاليا في هذه الغرفة مثل "اشلي بومر" وأنا أيضا زرت إقليم هرات وآخرين کثر يعلمون أن هرات متأثرة بنفوذ إيران السياسي في نوع التعاطي الثقافي والاقتصادي"، وقال: أن لإيران دورا مشروع تضطلع به لمعالجة القضية الأفغانية. متسائلا "هل إيران تتولي هذا الدور أم لا فهذا يرتبط بالعديد من العوامل"..)).([3])

 

ما ورد آنفاً يُمثل القليل مما هي عليه "القيم الإسلامية" وفق المفهوم الإيراني للرئيس نجاد والمؤسسة الدينية الحوزوية علماً أنني لم أتطرق إلى حقوق الأقليات الإيرانية المُضطهدة بكُل معنى الكلمة مثل الأذربيجانيين، والبلوشستانيين، والأكراد، ..إلخ التي نصت "القيم الإسلامية" على إعطائهم لحقوقهم المشروعة التي هي ذاتها حقوق الفرس الذين يحكمون إيران منذ قرون مضت ويتمتعون بسلطوية الحُكم، فأي ثورة تصف نفسها بأنها إسلامية تمارس مثل ما ورد آنفاً؟! الصهاينة في فلسطين ربما يكونون من الناحية الكونية على ذات منوال "القيم الإسلامية للثورة الإيرانية" فكلاهما اللهم أشهد هدفهم واحد هو: الإسلام والعروبة؟! وكلاهما مُتعطش لدماء المُسلمين والعرب؟ وكلاهما يسعون إلى جر المنطقة العربية إلى حربٍ لا تبقي ولا تذر وقودها حصراً المُسلمين والعرب في المنطقة لا غير؟! وأجد خير دليل وشاهد يؤيدُ ما ذهبتُ إليه آنفاً الحُكم المنطقي الذي أطلقه رئيس البرلمان الإيراني السابق حجة الإسلام "مهدي كروبي" من أنه: [ لا يوجد في إيران لا جمهورية ولا إسلامية ” قائلاً للحكومة “إنكم تطالبون الالتزام بالدستور لكننا نقول لكم إن الدستور ليس وحي منزل من السماء”.؟!]. ([4])

 

(4) أنَّ سيادة الرئيس نجاد في كلامه أعلاه قد حصر فهم الإسلام في ولاية الفقيه حصراً، وأن الأحزاب الإيرانية المُتعدده لا يُمكن لها فيهم الإسلام كما تفهمهُ ولاية الفقيه، بمعنى أنها قاصرة الفهم بهذا الخصوص، وهذا حُكمٌ جائر من قبل الرئيس نجاد ويُمثل الدكتاتورية بعينها، وربما سيصل حُكمهُ لتلك الأحزاب بالتكفير لاحقاً، وهذا غير مُستبعد سيما وأن الأحزاب الإيرانية  قد اقتنعت منذ سنوات خلت أن حكومة ولاية الفقيه ليست إلا بدعة دينية يُراد بها ومن خلالها احتفاظ المؤسسة الدينية بالسلطة ليس إلا؟!

 

(5) جزم الرئيس نجاد بـ: "إنه لا يوجد في إيران أكثر من حزب واحد فقط..؟!" وهنا أعترف الرئيس نجاد بدكتاتورية ولاية الفقيه من جهة، ومن جهةٍ أخرى أنَّ تلك الولاية ليست إلا بدعه دينية يُراد منها كما أشرنا الاحتفاظ بالسلطة لأن الإسلام لم يُقر الدكتاتورية لا من قريب ولا من بعيد، وهذا بدوره أيضاً تشويه لمبادئ الإسلام التي رفضت أن تكون عقليه مثل عقلية الرئيس نجاد تتسيد ما يزيد على 70 مليون نسمة عدد نفوس إيران، وفي بيان شاهد واحد فقط من جملة آلاف الشواهد: "قتل عشرات المتظاهرين وألقي القبض على آلاف آخرين خلال الاضطرابات السياسية التي أعقبت الانتخابات في حُزيران/يونيو 2009. وعبر زعيم حزب “الثقة” الإصلاحي عن أسفه لاعتقال شخصيات مقربة من مؤسس الثورة وإيداعها السجن مثل المعتقل أحمد زيد أبادي وعبد الله مؤمني وعلي مليحي.؟!"

 

(6)  قول الرئيس نجاد: (( وأن وجود أحزاب أخرى يعني “قراءة الفاتحة” على قيم الثورة ))، ولعمري فإن هذا القول هو اعتراف صريح من قبل الرئيس أعلاه بأن الحملة الدموية التي تشنها أجهزة الأمن والمخابرات للحرس الثوري الإيراني الذراع الطولى الدموية والإرهابية لولاية الفقيه تلك ضد المعارضة الإيرانية، هي بمثابة "قراءة سورة الفاتحة" على الأحزاب السياسية المُكونة لتلك المعارضة، وهذا انتفاء كُلي وليس نسبي لمبدأ الديمقراطية الذي جاء به الإسلام، بمعنى آخر أن دكتاتورية الفقيه قد خالفت الإسلام، وأصبح مصير الديمقراطية في قيادة الدولة الإيرانية تحت رحمة العصي الكهربائية للحرس الثوري الإيراني، والمُختصين بالتعذيب في سجني ايفين وكهريزك؟! سيما وأنَّ الأحداث الدموية التي تزامنت ولا زالت مع الانتخابات الرئاسية العاشرة تؤكد رؤيتنا هذه حيث كشفت تلك الدكتاتورية عن أنيابها الدموية ومارست شتى أنواع الاضطهاد الإرهابي ضد المعارضة الإيرانية التي قررت أنه لا بد من أنْ تغادر ولاية الفقيه الحكم بدون رجعة، مثل هذا الاضطهاد يُمكن أن نستدلُ  عليه من خلال مُخاطبة الزعيم المعارض رئيس البرلمان الإيراني السابق "مهدي كروبي" للرئيس نجاد، بـ: [ إنه ينبغي أولاً على الأخير [المقصود الرئيس نجاد] وقف قمع شعبه وتسوية الخلافات الداخلية بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ورفع أشكال الحظر المفروضة على الأحزاب السياسية والسماح بحرية الصحافة؟!].

 

(7) بذات الوقت حظرت دكتاتورية ولاية الفقيه نشاط أي حزبٍ سياسي في الجامعات الإيرانية وجعلت مثل ذلك النشاط وقفاً على "ولاية الفقيه" ونستدل على مثل هذا الحظر بقول الرئيس نجاد للطلبة خلال لقاءه بهم: [ إذا أردنا إيجاد التغيير في الجامعات فعلينا بمكاتب ممثلية ولاية الفقيه، لأن هذه المؤسسات لها ثقل في الوسط الجامعيويُمكن أنْ نستشف من حديث الرئيس نجاد أن تلك الولاية قد تحولت إلى حزب سياسي وبدأت الهالة الدينية التي كانت تُُحيط بها نفسها تفقد بريقها؟!

 

(8) كلام الرئيس نجاد آنف الذكر يأتي من جملة تخبطاته الدكتاتورية على المستويين الداخلي والخارجي الذي أجاد رجل الدين المعتدل "مهدي كروبي" وصفهما بقولهِ: [ “السياسات الخارجية اللاعقلانية وقمع المنتقدين في الداخل، تسببا في وضع مزعج للغاية في البلاد”؟!]، حيث ألقت تلك السياسات بظلالِها على تردي الأوضاع الاقتصادية الإيرانية سيما وأنَّ تلك الأوضاع نأتي على بيان حقائقها بعيداً عن العاطفة، بل بالحقائق الملموسة التي فيما إذا: ((سلطنا الضوء على المعطيات الكَمية للاقتصاد الإيراني نصل إلى خلاصة مفادها أن 85% من البنية الإنتاجية الإيرانية مملوكة من قبل حكومة ولاية الفقيه. و على غرار الاقتصاديات الموجهة، فالقرارات لا تصدر بدون موافقة "السلطات المعنية" الشيء الذي يُضعف الحريات الاقتصادية و يشجع اقتصاد الريع. ففي إيران، قام النظام الحاكم القائم على ولاية الفقيه بتفويض إدارة شؤون البلاد الاقتصادية للحرس الثوري (الباسداران) مقابل توفير الحماية للنظام. مما أدى إلى سيطرة الباسداران بقيادة الجنرال سفافي على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني وما نتج عنه من تضييق على حرية ممارسة التجارة و عرقل نمو و تطور البلاد بشكل واضح، ومن أجل حماية مبادئ قيم الثورة تحول حوالي اثنا عشر ألفا من عناصر الباسداران إلى التجارة مستفيدين من السلطة المطلقة التي يتمتعون بها التي منحتهم إياها سلطة ولاية الفقيه المُطلقة. فالرئيس الإيراني الحالي، السيد أحمدي نجاد، وعدد من وزرائه ينتمون إلى الباسداران، ومن البديهي أن يصبح من السهل حصول التجار المنتمين إلى الباسداران، على مشاريع الدولة الكبيرة كمشروع تطوير حقل بارس الجنوبي للغاز المقدر ب 1.56 مليار يورو (حوالي 2.10 مليار دولار)، التي يجنون منها أرباحاً مالية خُرافية، يتم تحويل الجزء الأكبر منها لبنوك أوربا وغيرها تحسُباً من انهيار حكومة ولاية الفقيه، وبالتالي ضياع أرصدتهم المسروقة من قوت الشعب الإيراني الذي يعيش نسبة كبيرة منه دون خط الفقر؟! ويؤيد ما ذهبنا إليه وصف الزعيم الإيراني المعارض "مهدي كروبي" يوم الأحد 11 تموز/يوليو 2010 ، لسياسات الرئيس نجاد الخارجية بـ: [ ”اللا عقلانية” مُبيناً أنها تسببت بخلق “وضع مزعج” في إيران، واتهم الحرس الثوري بدعم العقوبات الدولية والأحادية التي فرضت على البلاد لأنه “سيجني من الإجراءات العقابية أرباحا فلكية”.. وإن الحرس والنظام لم يتأثرا بعقوبات الاقتصادية بل عامة الناس هم مَنْ ستطالهم تداعيات العقوبات.]، ومن الجدير ذكره وبما يؤيد ما ذهب إليه السيد "كروبي" أنه غالباً ما يسخر أقطاب الحرس الثوري من العقوبات الدولية، فيما تحدثت تقارير عن أن أبرز قادة هذه الميليشيا يبدون رغبة في السيطرة على مشروعات ضخمة انسحبت منها شركات غربية بما في ذلك استثمارات عملاقة في قطاع الطاقة. نحن إذن أمام نظام حكومة ولاية الفقيه مبني بالأساس على الفساد، والبحث عن المكاسب المالية. اقتصاد غير قابل للتطور في ظل هذه الظروف. فككل مجموعة ضغط، حول الباسداران تحول دعمهم لحكومة ولاية الفقيه إلى امتيازات. إذ عُهد إليهم الأمن الداخلي و الخارجي و جميع الصناعات العسكرية و النفطية و الزراعية فأصبحوا يسيطرون على الاقتصاد بدون أي منافس. وشكل الباسداران في العديد من القطاعات التي يسيطرون عليها اتحادات احتكارية، فأصبحوا بذلك المُسيرين الجدد للاقتصاد الإيراني على حساب حرية ممارسة التجارة و ديناميكية السوق.

 

ويُعد الاقتصاد الإيراني في الوقت الحالي (2008) فريسة للتخلف. فالناتج المحلي الإجمالي الإيراني يقارب 196,3 مليار دولار، والدخل الوطني الإجمالي (بمقياس القوة الشرائية للعام 2005) وصل إلى ألـ 545 مليار دولار، أي ما يقارب الـ8050 دولار للفرد الواحد. أما بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية، فتحتل إيران المركز الـ 96 بين دول العام بمعدل 0,746 كما أن التضخم الذي تصل نسبته إلى 15% سنويا يعرقل بدوره مشاريع الفاعلين الاقتصاديين. فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة التي تُطال 20 مليون نسمة من سكان إيران الذين يصل عددهم إلى 70,5 مليون نسمة، كما أن سوق العمل حاليا مشبع ولا يمكنه أن يحتوي/يستوعب الـ 800.000 شابا الوافدين إليه سنويا سيما وأن جميعُهم على الأعم دون سن الـ 23 عاماً.

 

يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل أساسي على الصادرات النفطية. فالذهب الأسود يشكل 85% من إجمالي الصادرات. صحيح أن العائدات النفطية ارتفعت من 32 مليار سنة 2004 إلى الـ50 مليار سنة 2006. إلا أن غياب التنوع في نشاطات التصدير يضر بالاقتصاد لأنه يقوم على التخصص في قطاعات أولية غير متطورة و غير قادرة على مواجهة المنافسة. كما أن الضعف التكنولوجي للاقتصاد الإيراني يفرض عليه التموين من الخارج خاصة وأن ذوي الكفاءات يهاجرون إلى الغرب مما يزيد من حدة ظاهرة ضعف التنوع الاقتصادي.

 

إن الاقتصاد الإيراني يعيش حالة من الازدواجية لأن الاقتصاد المقنن يصطدم مع اقتصاد السوق السوداء الذي يتمثل بالتجار الصغار الأحرار. فالسوق السوداء أو الاقتصاد الموازي يشكل ما بين 20%  و30%  من الاقتصاد الحقيقي في إيران. هذه الازدواجية تعكس الشغف بالتجارة المعروف عند الإيرانيين. شغف يتم إضعافه وإهماله من قبل الباسداران، الساعد السياسي والاقتصادي للمرشد الأعلى وأصحاب القرار الجدد في إدارة الاقتصاد الإيراني.)). ([5])

 

الأداء الاقتصادي السيئ للرئيس نجاد كان موضع انتقاد الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" أيضاً، وكان انتقاده الذي أعلنه حزب "مُشاركة الإصلاحي" خلال شهر أيلول/سبتمبر 2008 لاذعاً وقوياً جداً، سيما وأنه ربط بين ارتفاع أسعار البترول العالية جداً التي وصل فيها سعر البرميل 110 دولار، وديمومة حالة الفقر السائده بين شرائح المُجتمع الإيراني جميعاً باستثناء الباسدران/الحرس الثوري وأنصار المؤسسة الدينية الحوزوية، حيث يقول بهذا الخصوص ما نصه:(( (( وعلى الرغم من وصول النفط إلى أسعار خيالية، فان الحالة الاقتصادية في إيران استمرت في التراجع، كما أن الهوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة تزداد، وان العمال والفلاحين وموظفو الدولة يعانون الكثير من المشاكل الاقتصادية والمعيشية.؟!)).

 

الأداء الاقتصادي الذي تناولنا منه جزئيات محدودة لعدم الإطالة أثار بدوره انتقادات داخل إيران نفسها وبالذات في مجلس الشورى الإيراني، فمنها كانت إقالة وزير الاقتصاد داود دانش جعفري في ابريل/ نيسان 2008 ثم تبعه في سبتمبر/ أيلول إقالة رئيس البنك المركزي طهمصب مزهري, حيثُ كان يدعو كلاهما إلى مزيد من استخدام سياسة  التقشف في الإنفاق، وفي 4/11/2008 أقيل وزير الداخلية الإيراني علي كردان الذي من مهامه بسبب مذكرة حجب الثقة بعد أن تبين انه كذب وزور شهادة جامعية قال انه حصل عليها في اوكسفورد، ولم ينجح خلفه الملياردير "صادق محصولي" المقرب من الرئيس نجاد في نيل الثقة إلا بغالبية ضئيلة جدا عندما صادق البرلمان الإيراني يوم الثلاثاء 18-11-2008 حيث حصل على 138 صوتاً وهي تُمثل الحد الأدنى من أصوات البرلمان التي تؤهلهُ للثقة وبالتالي المصادقة عل تعيينه في منصبه، وكان النواب قد انقسموا عند التصويت عليه بسبب تشكيكهم بمصدر ثراءه)). ([6])

 

وكان المُحلل والباحث الاقتصادي "باتريك كلوسون"  بمعهد واشنطن لشئون الشرق الأدنى، قد أجمل بدقة مُتناهية الأداء السيئ جداً للسياسات الاقتصادية للرئيس نجاد، بقوله: ((إن الاقتصاد الإيراني بات أداءه باهت في الخمس سنوات الأخيرة، حيث يُعاني من أربعة مشاكل رئيسية: الأولى هي سيطرة المؤسسات الثورية على الاقتصاد وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، التي تجنى مكاسب سياسية خرافية من جراء نفوذها مما يعزز الفساد الإداري والمالي داخل المؤسسات الاقتصادية الرئيسية، أما المُشكلة الثانية: فهي الاستخدام السيئ  لموارد الحكومة، التي تنفق مُعظمُها على دعم السلع الاستهلاكية والبنزين. المُشكلة الثالثة: تتعلق بالبطالة التي تتزايد بشكل مستمر، سيما في أوساط الشباب الذين يمثلون الأغلبية من التعداد السكاني الإيراني، أما المُشكلة الرابعة: فهي خاصة بالانحدار المستمر في أداء قطاع البترول، والتي تشهد حالة من الانهيار بعد أن أصبحت المصافي النفطية الإيرانية  فقيرة للغاية، غير قادرة على توفير الحد الأدنى من احتياجات الشعب الإيراني من الجازولين.]. لذا فإن المستوى السيئ للسياسات الاقتصادية لنجاد أهلاه دفع: [ الخبير الاقتصادي "كلوسون" الذي عمل بالبنك الدولي لفترة طويلة، أن تستخدم الولايات المتحدة سياسة العصا والجزرة مع إيران عن طريق استغلال هذه المشاكل الرئيسية، لضغط على النظام الإيراني لتغيير سلوكه أو لإسقاطه بعد أن يكون الاقتصاد الإيراني قد انهار تماما.؟!].)). ([7])     

 

لذا فليس من خيارٍ للرئيس نجاد سوى التشبث بأذيال بدعة "ولاية الفقيه" التي أكدت السنوات العجاف من حُكمها كم أنَّ هناك تشابها قوياً بين أساليب حُكمها وحُكم الصهاينة في فلسطين؟!

 

وأودُ التنبيه توخياً للدقة أن "إسلام ولاية الفقيه" هو "إسلاماً صُورياً مُنافقاً" ليس إلا، غايتُهُ تمرير وتوظيف سياساتها المذهبية، والعُنصرية والشعُوبية بغطاء الإسلام، سيما وأنَّ الشواهد التي أشرنا إليها في تحليلنا أعلاه تُمثل جزئيات تؤيد رؤيتنا هذه، ونتمنى عدم الخلط وسوء الظن في فهم الرؤية أعلاه.

 

 

الدكتور ثروت اللهيبي  

almostfa.7070@ yahoo.com

 

[1] أنظر الموقع الإلكتروني: http://us.mg4.mail.yahoo.com، أحمد سعيد، وكالات، كروبي يتهم الحكومة والحرس الثوري بـ «الإفادة من العقوبات» ويحذر من «وضع مزعج»... نجاد: لا وجود لحزب غير «ولاية الفقيه» في إيران، تاريخ النشر: الاثنين 12 يوليو 2010.        
[2] شبكة المعلومات/الإنترنيت: السيد زهرة: خفايا التدخل الإيراني في العراق دراسة، 27/5/2010.
[3] أنظر الموقع الإلكتروني وكاله الجمهورية الإسلامية للأنباء (أرنا) http://www.irna.ir، كود الخبر: 635362، ريتشارد هولبروک: لإيران نفوذ کبير في أفغانستان، 15 آب/أغسطس 2009
[4] أنظر الموقع الإلكتروني: http://us.mg4.mail.yahoo.com، أحمد سعيد، وكالات، كروبي يتهم الحكومة والحرس الثوري بـ «الإفادة من العقوبات» ويحذر من «وضع مزعج»... نجاد: لا وجود لحزب غير «ولاية الفقيه» في إيران، تاريخ النشر: الاثنين 12 يوليو 2010، وأدود الإشارة إلى أن الكلام الموضوع بين [ ] مصدره أعلاه.        
[5] شبكة المعلومات/الإنترنيت: نيكولا لامي... الاقتصاد الإيراني في ظل نظام الباسداران ، الخميس, 20-نوفمبر-2008.        
[6] أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alrashead.net، عبد الرحمن العراقي، نجاد والأزمة الداخلية في إيران وجهاً لوجه، 7/1/2009.
[7] أنظر الموقع الإلكتروني:http://www.annabaa.org ، إعداد:علي الطالقاني، ملف تخصصي: الاقتصاد الإيراني في مهب الريح.
 

 





السبت١٨ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور ثروت اللهيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة