شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يأتي الاسلام كدعوة دينية روحية فقط ، بل هو نظام حياة كامل شامل، وضح اسس الحياة كلها ووضع أحكاما لها، ولم يترك جانبا من جوانب الحياة الاجتماعية العامة والخاصة، الا وتطرق لها وحدد تشريعا وأحكاما لها، لذلك لم تستطع أية نظرية فلسفية أو ثقافية او اجتماعية او سياسية او قانونية او اقتصادية أو تربوية ان تتجاوز احكامه، والاستغناء عن استلهام ما جاء في القرآن والسنة النبوية، والاستدلاء باياته والاحاديث النبوية في كل مجالات المعرفة والفقه والقانون، سواء على المستوى الانساني او القومي والوطني، وحتى الأسري والفردي، ولأنه كذلك فقد عادته وناهضته الحركات والتكوينات القبلية والحزبية والسياسية والفكرية الباغية الكافرة في بداية البعثة ونزول القرآن، والتي تعمل بما يناقض ما جاء فيه في مكة وعموم الحجاز، الا الذين عرفوه حقا وادركوا معناه وما اراد الله به من السابقين السابقين ممن امتن الله عليهم وأحبهم فهداهم للاسلام، ومنذ ذلك الحين تكونت تنظيمات وعمل دجالون وكذابون أفاكون التصدي له ولاتباعه، بدءا من مجتمع مكة كمدينة نشأت فيها الدعوة الى العالم الذي يدعي التحضر والانسانية اليوم.

 

 وليطلع الناس على بعض مما جاء به الاسلام من أحكام في الحياة العامة، سأكتب في هذا الجانب لأوضح بما يمكنني ربي في تبيان الحقيقة، والتصدي لما يتحدث به الغرب الامبريالي عن الاسلام، على أنه دين الارهاب والداعي للعدوانية والبغضاء، والى الانتقاص من الاديان الاخرى ومعادي لها، في حين ان الاسلام هو الداعي للسلام والدعوة الى الله بالحسنى والذي جاء مصدقا ومعترفا بكل ما سبقه والذي وضح وطور حقوق الانسان والشعوب ، تصديق كل الانبياء والرسالات السابقة والاعتراف بنبوة السابقين وتصديقهم وعدم التفريق بينهم، وهذه واحدة من شروط وفروض الايمان به، ومن لا يلتزم بذلك فانه لم يؤمن ولم يصدق الرسول الخاتم، وفي القرآن والاحاديث النبوية الشرفة العديد من الآيات والأحاديت التي تنص على ذلك وللاستدال: (يا آيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا)، أما في مجال الحقوق واحترام الانسان فقد جاء الاسلام بما يأتي وأكثر:

 

1.  الاسلام حدد الايمان بشكل واضح : توحيد الله المطلق وعدم الشرك به، والايمان باليوم الآخر، والعمل الصالح، هذا هو دين التوحيد. (الله لا اله الا هو) و(قل هو الله أحد* الله الصمد*لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، وأن الله سبحانه رب العالمين، (الحمد لله رب العالمين)، فهو سبحانه رب العالمين كلهم وليس رب قوم دون قوم أو أمة دون أخرى، ولا رب البشر فقط بل رب كل شيء، وهم يسبحون له ولكنا (البشر) لا نفقه قولهم،(وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون*يسبحون اليل والنهار لا يفترون) الانبياء الايتين 19و20، فلا رب غيره وهذا يفترض أن يكون الحق المطلق عند كل البشر، أما أن يدعي بني اسرائيل الذين جاءهم الحق بالتوراة، والعدد الكبير من الانبياء، بدءا بموسى وهرون عليهما السلام، وانتهاءا بزكريا ويحيى عليهما السلام، فهو ليس ايمان بل تحريف للدين وتوظيف لغايات شيطانية وشرك واضح لهم قبل غيرهم، وانكار للحق لأغراض دنيوية قائمة على الكفر والعنصرية، ولذلك بعث الله المسيح بن مريم رسولا لبني اسرائيل ينهاهم عن الشرك والتحريف، ويبين لهم الدين الحق ويدعوهم للتوحيد، وآتاه الانجيل وعلمه التوراة، ليدحض مزاعمهم وتحريفهم، والبشرية تعرف ما كان موقف اليهود من المسيح عليه السلام، وجاء تنصر روما لتبدأ مرحلة اخرى من مراحل التحريف والعودة للشرك، وهو أحد أهم اسباب الحروب الغربية ضد الوطن العربي قبل الاسلام، لأنهم يعرفوا أن مصدر النصرانية، ورسالة نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام مصدرها وطننا وقومها وجندها الأول العرب، جاءوا ليدمروا ويحرقوا ويغيروا دين القوم، ونقلهم لما وضعوه، وهو القول بالتثليث (الله ثالث ثثة)، أستغفر الله وحاشا عبده ونبيه المسيح كلمة الله لمريم البتول.

 

2.  الاسلام دين التوحيد المطلق لله: وهذا أمر لا يحتاج لتعليق كثير، فهو اضافة الى كونه بديهية في عقل وفهم الانسان والبشرية بلغت كل هذا المستوى المعلوماتي والادراكي، وانا شخصيا أعتبر أي مخالف لهذه الحقيقة المطلقة كمن يكذب على نفسه، فهو أما لا ديني ، أي أنه قدري أو دهري، ولكن في عقله وأعماقه يعرف أنه منكرا لحقيقة ثابتة، هي ان الله واحد، (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا فسبحان الله عما يصفون* لا يسئل عن عما يفغل وهم يسألون) الانبياء الآيتين 22و23، وفي الآيتين 26و27 من نفس السورة يقول عز وجل ( وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون * وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون)، وهذا ينطبق على أهل الكتاب، ممن جاءهم الحق قبلنا، عبر رسالات السماء والانبياء المبوعثين لهم، كي يبشروهم بالهدى والتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ويدعوهم للفضيلة والعمل الصالح، وينذروهم ويحذروهم من الكفر والفحشاء والمنكر والبغي، فهم محرفون بدراية وتقصد وسبق اصرار، فحتى من جعل لله ولدا فهو يعرف أنه كاذب ومنحرف، ولكنه التعصب واغواء الشيطان. فهل يعقل أن انسان عاقلا يتصور مجرد تصور أن لله ولد، وكثير من اصحابي وأنا الانسان المؤمن بالله وكتبه ورسله انشاء الله وبحمده وهديه، كم ناقشت من أصحابي المتعددي المعتقدات خصوصا من النصارى العرب عن معنى قولهم بالثالوث، فالجميع يعرف أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام رسول الله وأنه بشر، ولكنه كلمة من الله فهذه هي قدسيته اضافة للرسالة والنبوة، أما قولهم أن المسيح ابن الله، فهم يعنون أن كل البشر هم ابناء الله لأنهم خالقهم ومالكهم، واخرين ممن يتبعوا ديانات وضعية كمن يعبدوا حاجات مادية، فهم يحتجوا أن هذه الحاجات هي مصدر رزقهم وعيشهم وليست هي ربهم، ولكنهم لا يريدوا تغير معتقد أقوامهم لأنها ستكون لها آثارا وتداعيات، فسبحانه هو الذي أنزل على كل انبيائه وبلغهم.

 

3.  الاسلام دين التسامح: لم يكتفي الاسلام بالتسامح مع من يخالفوه المعتقد فحسب، بل أقر التعددية، وأعتبرها احدى سنن الله في الأرض، واعتمدها منهجا، وطبقه واقعا، فأعتبر كل أصحاب الكتاب موحدين وهم مع المسلمين يشكلوا جبهة ضد الكفر والشرك، وأعتبر الايمان بكل كتب الله التي سبقت القرآن وتصديق الانبياء جميعا وعدم التفريق بينهم شرطا لدخول الاسلام، بدونه لا يكون الفرد قد أسلم وآمن، (الم* الله لا اله الا هو الحي القيوم* نزل عليك الكتاب مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل* من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان وان الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) آل عمران الآيات1-4، (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)البقرة ألاية285، وأنهم يشكلوا أمة التوحيد، وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم في ذلك، وأصحاب الكتاب مؤمنون ما زالوا يؤمنوا بأن الله واحد واليوم الآخر ويطبقوا التوراة والانجيل التي أنزلت لهم ويعملوا صالحا، وقد أكدها القرآن في الآية 62 من سورة البقرة (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند وبهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، فقد عرف التاريخ البشري قبل الاسلام الصراعات بين الحضارات والاديان على امتداد الزمن، وكان الاضطهاد للغير وعدم الاعتراف به وقتله هو اللغة السائدة بين اتباع الديانات المتعددة، ولم يعرف العالم التسامح والتعددية من قبل، وشواهد التاريخ كثيرة، دينية أو اجتماعية.

 

4.  الاسلام ضد التمييز والعنصرية: لقد كان الاسلام ،ول ديانة ربانية وفلسفة او حضارة وضعية تقر المساواة بين الناس، وترفض كل اشكال العنصرية والفخر، وأعتبر أن لا فضل لانسان على آخر الا بالتقوى،(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم وان الله عليم خبير)الحجرات آية 13. (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) ال عمران،   أهم مصدر من مصادر الرق والعبودية ألا وهو اسرى الحروب، فاضافة لتحديده الحرب فقد ألغى استعباد الأسرى وشرع لها أمران أما المنة-اي اطلاق سراح الأسيرة منة وفضلا من المؤمن الذي أسرهأو أن يدفع فدية من ماله أو تفتدية عائلته وقبيلته، فقد قالت سورة الاية :فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا أثخنتم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداءّ حتى تضع الحرب أوزارها)، و(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلف منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء) النساء من الآية1،وتكرر ذلك في سور عديدة وآيات كثيرة. ونهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن التنابز والتفاخر بالاصول والتميز بالتعامل بين الناس بأي شكل وعلى أي أساس وسبب وقال: (كلكم لآدم وآدم من تراب). فهذا هو الاسلام، وفي حكم الصحابي الجليل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شكوى النصراني الذي وفد عليه من مصر، ليشكوا له، أن ابن والي مصر عمرو بن العاص قد ضربه أثناء سباق خيل، عندما سبقه النصراني، فقال له تعال لي  موسم الحج، وكتب لعمرو بن العاص أن أقدم الينا مع ولدك فلان، فلما جاء الموعد قال الخليفة للنصراني بم ضربك ابن عمرو؟ قال بالسوط ، فاعطاه سوطا، وقال له اقتص منه، اي اضربه كما ضربك، فضربه الرجل، وبعدما انتهى قال له الخليفة: اضرب أباه ويقصد عمرو بن العاص والي مصر، فقال الرجل لم يضربني كي أقتص منه، فقال له الخليفة عمر: لو لم يكن هذا أباه لما تجرأ على ضربك، فان لم تضرب أباه سأضربه أنا، وقال قوله المشهور لعمرو بن العاص:(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). فصار قانونا للمسلمين. وهذا ترسيخ وتشرع أن لا تفضيل لانسان على الاخر الا بالتقوى (اي العمل الصالح).

 

5.   التاكيد على قدسية الانسان: وهذا يتجلى في تكريم الله عز وجل للانسان انه اعتبره خليفة ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة..) البقرة من الاية 30، وامر الملائكة بالسجود له اجلال لخلق الله (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابي واستكبر وكان من الكافرين)، ( لقد خلقنا الانسان على احسن تقويم) التين اية4، (ونفس وماسواها* فألهما فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وخاب من دساها)  الشمس ايات 7-10. أذن الله سبحانه وتعالي خلق انسان والهمه الخير والشر، ومنحه العقل ليتحكم بنفسه، وأن أخرته تتوقف عل عمله وتزكيته لنفسه عبر عمله، وكذلك جزاءه وبالجنة أو النار.

 

يتبع ...

 

 





الاحد٠٣ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة