شبكة ذي قار
عـاجـل










هل سينقذ عادل عبدالمهدي زعيمه في المجلس الاسلامي الاعلى الطامح في زعامة العراق، بعد أن نال بالتوريث الزعامة السياسية على رأس مجلس والده؟ وهل سيستطيع الامساك بتلابيب السلطة الفعلية بيديه ويترك لعبدالمهدي الشكليات البروتوكولية، بينما يبقى محاربو المجلس القدامى فاغري أفواههم ويرددون نشيد (والله زمان يا سلاحي)، تاركين المغريات المادية والمعنوية التي يسبغها المركز السياسي الاول لبلد كالعراق بيد من كان فتى يافعا أيام كانوا (مناضلين) أشداء يقاتلون العراق مع ايران؟ أم أنها الفرصة التي لا تأتي الا مرة واحدة فحطت هذه المرة في رحل عادل عبدالمهدي الذي عانى كثيرا في السابق من عدم الاكتراث من رفاقه المجلسيين بسبب تاريخه السياسي الذي لم يستطع أبدا اقناعهم بتغيير توجهاته الفكرية، فتركوه شخصا مغمورا في غرفة صغيرة مسؤولا عن مطبعة المجلس في باريس، ولم يجودوا عليه سوى بمنصب (نائب الرئيس) في مجلس الرئاسة الطائفي الذي لم يلمس العراقيون من بلسمه أي شفاء لجراحهم طيلة السنوات الاربع من عمره، ولم يروا أي بادرة خير منه سوى توزيع الزيارات الخارجية في ما بينهم كل حسب طائفته، فالسني اقتصرت زياراته الى دول المنطقة السنية والشيعي اقتصرت زياراته الى دول المنطقة الشيعية، بينما كانت زيارات كبيرهم الى الدول التي شاركت فعليا في غزو واحتلال العراق لتقديم الشكر اليهم على (التحرير) وبناء العراق الجديد، وكذلك حضور قداس جنودهم القتلى على أرضه. هل حانت الفرصة التاريخية أمام المواطن الفرنسي عادل عبدالمهدي كي يظهر بطولته على المسرح السياسي العراقي، خاصة بعد أن أقنع مقتدى الصدر بأسلوب طائفي مقيت بأن منصب رئاسة الوزراء يجب ان يبقى في رحل احزاب الاسلام السياسي الشيعي تحت شعار يا شيعة العراق اتحدوا؟ وهل سيرفض أن يظهر بصورة حاكم ليس بيديه شيء بينما الحاكم الفعلي هو المواطن الايراني عمار الحكيم فيحكم على نفسه بالانزواء مجددا والابتعاد عن الاضواء؟ أم أن كلاهما يحاول تبديد ضيق الحال بفسحة الامل أمام المساحة الواسعة من الدعم الامريكي والايراني لغريمهما المالكي الذي التحق به دعم عربي أيضا؟


يقينا أنها لعبة السياسة ودهاليزها المظلمة، لكن الغريب في السياسة العراقية الحالية أن اللاعبين السياسيين فيها يستخدمون وسائل التعامل السياسي الخارجي الذي يجري بين دول مختلفة لا يربطها رابط، حتى يصور للمراقب البعيد بأن الحراك السياسي الجاري هو حراك من أجل تحقيق مصالح قومية مختلفة، وليس بين قوى سياسية تروم تحقيق مصلحة وطنية عليا وتحاول ايجاد أرضية سياسية مشتركة في ما بينها لتحقيق أقصى نفع مادي ومعنوي لطبقات شعبية مسحوقة، فقد انتقلت مصلحة الطائفة الى مرتبة التقديس على حساب مصلحة المجموع، وقفز الشأن الحزبي ومنافع الزعماء فيه الى مرتبة متقدمة دونها مصالح المجتمع، وتخلف الحوار الوطني حتى أصبح الجميع يحيك المؤامرات والدسائس وينصب الافخاخ للاخر للايقاع به، لذلك وجدنا وعلى مدى الاشهر الستة الماضية كيف أن الرمال المتحركة التي يقف عليها السياسيون تمضي بهم وبكل قوة الى نقطة اللقاء والتوافق بين الشتيتين بعد أن ظن الكل أن لا تلاقيا، لكن هذه الرمال تسحبهم وبصورة مفاجئة الى نقطة التعاكس والتنابذ وتبادل الشتائم والاتهامات بعد أن تفشل الصفقة، فلقد استحال الوطن في لغة الجميع الى (كعكة) كل يحاول اقتطاع أكبر جزء منها كي يقضمه بينما لا يجد المواطن البسيط لقمة يسد بها رمقه، وعلت لغة التجارة ومصطلحاتها في القاموس السياسي العراقي لبيع المناصب بعد أن سبق وأن باعوا الوطن على موائد كثيرة دولية وأقليمية، والغريب حقا أن تقف الجماهير مكتوفة الايدي تمارس طقوسها الدينية الروحية بأعداد مليونية فتنصر من ظلم قبل مئات السنين، لكنها لا تنتصر لنفسها من ظلم الطائفيين زعماء الاسلام السياسي الذين يمرغون أنفها يوميا، ويدعون زورا وبهتانا تمثيلها والدفاع عن حقوقها، لان هذه الجماهير تعيش حالة استلاب ثقافي ومجتمعي وانساني حاد وفقدان تام لجواب سؤال الكبير من أنا؟


وضمن هذه الاجواء الملبدة بغيوم المصالح والمؤامرات لاحظ مراقبو الشأن العراقي بصورة جلية تغير نبرة الخطاب السياسي لزعيم المجلس الاعلى عمار الحكيم، بل ان البعض من أوساط الاسلام السياسي الشيعي اعتبروا أن تصريحاته ومحاضراته ذهبت الى أبعد من ذلك بكثير، حتى صبت في خانة مصالح غرمائهم السياسيين، خاصة عندما ظهر بمظهر المدافع المستميت عن القائمة العراقية وزعيمها أياد علاوي الذي أسبغ عليه صكوك الغفران، وانتقاداته اللاذعة لشريكه المالكي وحكومته حتى يبين للمستمع أول مرة وكأنه أمام معارض عنيد للعملية السياسية وشخوصها، وأن التدخل الخارجي في الشأن العراقي هو خط أحمر لديه، وأن الخيمة الوطنية هي الحجر الاسود الذي لا بد أن ينال شرف رفعه بيديه على أسوار العراق دون بقية القبائل، لكن الرجل بينه وبين ذلك بون شاسع فعلى الرغم من أنه الزعيم، لكنه يعرف جيدا بأن الزعامة التي آلت اليه لم تكن انتزاعا، بل وصلت اليه بعد أن ارتضى الجميع أن تحصر وراثتها في (آل الحكيم)، وأن وجوده على رأس المجلس لا يلغي دور الصقور الذين يضحكون من تصريحاته والذين يسمون الاشياء بأسمائها عندما يلتقون مع مفاوضيهم من القوائم الاخرى، فبينما كان هو يقاتل في صفوف القائمة العراقية بلغة عربية سليمة دافعا عنها تهمة (البعثية)، ومناديا بحقوق (المكون) الذي يدعمها كما يقول ومؤكدا على الشراكة الوطنية، كان المفاوض الآخر من مجلسه يهاتف زميلا له أمام ممثلي القائمة العراقية يعلمه بانه يفاوض السنة البعثيين، ثم يعلمهم بأن شارع الاسلام السياسي الشيعي والمؤسسة الدينية التي تدعمهم لا تقبل اطلاقا أن يتبوأ أي منهم منصب رئاسة الوزارة، وبذلك يضعنا المجلس الاسلامي الاعلى وزعيمه السيد عمار الحكيم أمام حالة لا يمكن وصفها الا بأنها محاكاة تامة للتعامل السياسي الايراني القائم على أساس المراهنة على الزمن والطلاق بين القول والعمل، وهي وسائل ابتزاز رخيصة قد تبرر في التعامل السياسي الدولي لتحقيق مصالح في ظروف معينة، لكنها ليست وسائل شرعية وشريفة للتعامل بين سياسيين يفترض أنهم يتعاملون بحسن نية لتحقيق مصلحة وطنية مشتركة، واذا كان تأسيس المجلس الاسلامي الاعلى وتمويله من قبل ايران قد عكس الوسائل السياسية الايرانية على خطاب المجلس وزعيمه وجعلهم يتبنون هذا الخطاب السياسي، فعليهم أن لا يتعاملوا بروح الغطرسة، التي تتعامل بها ايران مع دول المنطقة، مع أبناء شعبهم العراقي وان يمنحوا لانفسهم حقوقا طائفية لم يدونها دستورهم العتيد الذي يتمسكون ببنوده المشتتة للوطن.


لقد قرأ عمار الحكيم المعادلة السياسية الطائفية جيدا في العراق، ولاحظ بوضوح كيف أن عدم تسلم حزبه منصب رئاسة الوزراء جعله يفقد مقاعده الانتخابية لتصل الى 17 مقعدا في الانتخابات الاخيرة بعد أن كانت 30 مقعدا، وأن يفقد سيطرته على مجالس المحافظات في الانتخابات البلدية الماضية، بينما غريمه المالكي دخل السلطة بـ15 مقعدا فقط في الانتخابات الاولى وخرج منها بـ 89 مقعدا في الانتخابات الاخيرة ببركات السلطة ووسائلها الشرعية واللاشرعية وليس بسبب شعبيته وهو يتزعم حزبا صغيرا قياسا بالمجلس الاعلى، لذلك سوف يبقى همه النجاح في الـــــوصول الى المنصب الاول مهما كان الثمن، لانه الوسيلة الوحــــدة، كما يظن، لاعادة البريق الى دوره في ظل التنازع التاريخي على الزعامة السياسية الشيعية، خاصة أنه وجد طروحاته كان لها وقع كبير في نفوس شخوص الاسلام السياسي الطائفي الســـني، الذين لا يتورعون عن اللهاث وراء مصالحهم وبيع أصواتهم الانتخابية اليه، حتى ان كانوا اليوم ينتمون الى قوائم سياسية أخرى، بل ان المرحلة اللاحقة التي يفكر فيها الرجل مليا هي وصوله الى منصب الزعامة الدينية الاولى في مرجعــــية النجف الاشــــرف من خلال عمه محمد سعيد الحكيم، في حالة غــــياب أو تغيــــيب المرجع الاعلى الحالي وبذلك يتحقق له حلم الامساك بالسلطتين الدينية والدنيوية في ظل الزواج اللاشرعي بين الدين والسياسة.

 

 





الاثنين٠٤ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٣ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة