شبكة ذي قار
عـاجـل










من كبائر الاثم في السياسة العراقية اليوم , هو أن البعض راح يسبغ بدون وجه حق على من تسبب في دمار الوطن والمواطن , صفات الوطنية والبطولة ويطوي صفحات تاريخهم الاسود , لاغراض سلطوية ضيقة ولمصالح ترتبط بتشكيل الحكومة وتوزيع المناصب . أنها الانتهازية في أبشع صورها تلك التي تضرب جذورها في أعماقهم حتى أصبح الوطن بكل عمقه الحضاري والتاريخي هو مجرد سلما لرغباتهم , وباتت المأساة التي يعاني منها المواطن مجرد شعارات يؤطرون بها برامجهم السياسية , ويزوقون بها تصريحاتهم التي أصبحت تزيد الطين بلة .


لكن صكوك الغفران عن الجرائم التي أرتكبت بحق العراق والعراقيين والتي راحوا يوزعونها فيما بينهم , وترتفع أسهمها تبعا لما يقدمه هذا لذاك من مناصب سيادية وغير سيادية , لن تغري الذاكرة العراقية بالنسيان , ولن يتسامح التاريخ في بناء مجد لمن لامجد له , كما أنه لايقبل التزوير .  فالكل دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه , لكنهم خلدوا في صفحاته السوداء بعد أن تشاركوا وتشاطروا في صنع المأساة مع المحتل , كي يضيع الدم العراقي بين أحزابهم وتتشكل دولهم وفدرالياتهم الاثنية والطائفية , ويتسلطوا على من يسمونهم ( المكونات ) كي يسرقوا ويثروا , في ظل غياب القانون والضمير , ورضى مرجعهم الاعلى أن كان دوليا أو أقليميا , فأرادة الاخرين اليوم هي التجزئة الى مالانهاية لانها الطريق الوحيد لبقاء الهيمنة , بعد أن شهد القرن الماضي أتفاقيات التقسيم التي لم تعد تلبي طموحاتهم الاستعمارية .


لقد مرت الاحزاب والكتل العراقية التي وفدت أو برزت على أرض الواقع بعد 9 نيسان 2003 بثلاث مراحل أساسية منذ أن قدمت مع المحتل وحتى اليوم . فعلى الرغم من أنها  أنشأت على أساس طائفي أو قومي وذات منهج أيديولوجي مستورد , وقاسمها المشترك خدمة التوجهات والاهداف الاجنبية , الا انها حاولت الوفاء بالتزاماتها تجاه المحتل الرئيسي وصاحب القرار الاول والاخير وهم الامريكان في المرحلة الاولى  , فمال  الاسلاميون والعلمانيون وغيرهم الى الحضن الامريكي لانه كان مصدر الشرعية الوحيد في تلك اللحظة , لذلك وجدنا الحزب الاسلامي العراقي (السني) يحابي بريمر ويدخل العملية السياسية رغم أعتراض مرشدهم  , والمجلس الاعلى والدعوة والبيت الشيعي يتزلف له بالرغم من أن الفقيه يعتبره الشيطان الاكبر , والحزبين الكرديين يهيمان عشقا به . أما المرحلة الثانية فكانت بروز الاجندات الاقليمية  في الداخل العراقي بشكل علني , بعد لجوء الامريكان لفتح حوارات سرية مع دول الجوار لتحجيم الفعل المقاوم لفصائل المقاومة الوطنية العراقية الذي برز بشكل واضح على الساحة , مما أعطى أنطباعا بأن القبضة الامريكية قد تراخت بعض الشيء , فراحت القوى الاقليمية تتسابق للتكالب على الغنيمة وتوقض خلاياها النائمة , فحصل من جراء ذلك فرز واضح للاحزاب التي لم تتوانى عن التصريح العلني بحقيقتها الطائفية أو القومية , حيث عسكرت الاحزاب السنية وشخصياتهم الطائفية في جبهة التوافق العراقية , كما تمترست الاحزاب الشيعية وشخصياتهم الطائفية في جبهة الائتلاف الشيعي , ثم تلى ذلك فض الاشتباك السكاني بين ( الطائفتين ) بعد حرب أهلية مدمرة أشعلت فتيلها هذه الاحزاب لتتقسم العاصمة بغداد الى قسمين , كل قسم يتبع جبهة سياسية محددة منحت لنفسها حق التصرف والتمثيل لطائفة معينة بدون وجه حق . وبعد أن عانى الشعب من مصادرة أرادته الرافضة لكل هذه التقسيمات , وذاق على أيدي من يدعون تمثيله الطائفي والعرقي شتى صنوف الاذلال والقهر والحرمان , وأيقن بأن هذه الاحزاب لاتبحث الا عن مصالحها وتتاجر بهمومه والامه , فقد شرع بنبذ هؤلاء وأعلان براءته منهم وغادر من كان مغررا به مواقعهم , حتى تبين للطائفين والعنصرين عقم طروحاتهم وسذاجة أفكارهم وعدم مقدرتهم على الوصول الى عتبة الوعي السياسي والوطني الذي عليه الشعب , وبما أنهم  ليسوا ممثلين لانفسهم بل لاجندات وجهات دولية وأقليمية أستأجرتهم لتنفيذ مصالحها , وتحقيق ذاتها الاستعمارية على الارض العراقية , فقد أضطرت تلك الجهات الى القفز بأحزابها الى خانة الاتجار بالشعارات الوطنية , والدعوات الزائفة لوحدة الشعب والوطن , فتحولت الاحزاب الطائفية الى أتحادات طائفية بعد أن تم تطعيمها بمممثلين طائفييين من الطائفة الاخرى في محاولة لاعطاء صفة الوطنية  , وأنطلقت أصوات كثيرة تتغنى بالوحدة الوطنية وتهجو الطائفية التي هي زادهم ومعينهم فكانت هذه هي المرحلة الثالثة لهذه الاحزاب والشخصيات السياسية . وهنا يبرز سؤال بصيغة أعتراض يسجله البعض قائلين : أذا كان أصحاب العملية السياسية مجرد بيادق بيد الاخرين أذن لماذا لم تضغط تلك القوى على بيادقها للاسراع بتشكيل الحكومة ؟ ولماذا كل هذه الزيارات المكوكية العلنية والسرية الى المنطقة الخضراء ؟ لماذا لم تستطع أيران جمع حلفائها في أطار سياسي واحد ينهي الازمة منذ وقت مبكرأذا كانت أحزاب الاسلام السياسي الشيعي هي من صنعها ؟


أن مسرح الجريمة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاخلاقية والانسانية في العراق , أصبح واضحا بمافيه الكفاية للتدليل على أن أستهداف الوطن لم يكن خطأ ستراتيجيا كما يحلو للبعض أن يسميه , بل هي الصفحة الاهم في أستهداف المنطقة بغية التأسيس للشرق الاوسط الجديد , وأن الدلائل الجرمية مازالت واضحة للعيان في مسرح الجريمة , فالواقعة الجرمية التي حصلت في العام 2003 هي التي أنتجت الطائفية والقتل على الهوية والتهجير والامية والفساد المالي والاداري والدمار الاقتصادي ونهب الثروات , ولو كانت الدعوات التي بررت الغزو والاحتلال على قدر كبير من حسن النية التي سمعناها لكان العراق قد أنتقل اليوم وبعد مرور سبع سنوات الى وضع أخر غير الذي هو فيه الان , لكن الواقع الحقيقي هو ان دول الغزو هي التي أرادت الوصول بالعراق الى هذا الدرك الاسفل من الانحطاط , لان المصلحة الامريكية العليا تقتضي أيجاد مصدر أضطراب دائم في المنطقة , فرمت حجرها في العراق كي تستمر أرتدادات التسونامي  منه لتشع على دول الاقليم سموم الطائفية وهجرات بشرية وعنف منظم وغير منظم يقلق الجميع ويزيد من فرص الارتماء في الحضن الامريكي , كما يزيد من فرص حراك الاقتصاد الامريكي من خلال صفقات السلاح التي تنهال عليه من دول المنطقة .


لقد عزز الاميركان المنهج الطائفي بين من جمعوهم لتشكيل ( المعارضة العراقية ) قبل الغزو , وأوعزوا لحاكمهم ( بريمر) السير على هذا المنهج في تشكيل المؤسسات الحكومية العراقية , وكان الهدف هو أضاعة وحدة القرار وأنتاج عوامل أختلاف وأضطراب دائم كي يسهل التعامل مع الشراذم وأستمرار أحكام السيطرة , لذلك فأن الضغط على البيادق لتشكيل الحكومة لايصب مطلقا في المصلحة الامريكية العليا , وأن زيارات المسؤولين الامريكان الى العراق ليست  سوى سيناريوهات لايهام المجتمع الدولي بأنهم لازالوا ملتزمين بأنتاج دولة في العراق بعد أن لامهم كثيرا على جريمتهم , بعد أن تكشفت الكثير من أسرارها وأتجهت دول شاركت في العدوان تحت المظلة الامريكية للتحقيق في قانونيتها ودوافعها . أما الجانب الايراني الذي أنتج أحزاب أسلام سياسي شيعي ولدت من رحمه وترعرت في ظله وقاتلت الى جنبه بالضد من العراق ’ فهو غير قادر على جمع نتاجه لتشكيل حكومة لعدم وجود وحدة قرار سياسي لديه في الشأن العراقي , ولعدم توفر منبع واحد تنهل منه أحزاب الاسلام السياسي الشيعي مواقفها ,


فهناك المنبع المذهبي الذي يمثله الولي الفقيه , وهناك المؤسسة الاستخبارية التي تمثلها أطلاعات , وأخر هو المؤسسة السياسية , وكل هذه المؤسسات ذات وجهات نظر مختلفة في الشأن العراقي , لذلك نجد وفود هذه الاحزاب تكون وجهاتها مختلفة عند السفر الى أيران لمناقشة الوضع السياسي العراقي , فبعضها يذهب الى قم مركز القرار الديني والبعض الاخر يذهب للاتصال بوزارة الخارجية وثالث يتصل بجهاز أطلاعات الاستخباري .


أن أزدواجية الولاءات لدى البيادق العراقية قد أدخلهم في نفق مظلم , فهمهم الرئيسي كان هو الوصول الى السلطة وتعويض سنوات ( النضال) ماديا ومعنويا بغطاء مظلومية الطائفة والقومية , وترك البلاد الى الاحتلالين الامريكي والايراني يديرانها حسبما تقتضيه مصالحهم , لكن الكلف المادية والمعنوية لهذا الاحتلال التي فرضتها أجندة المقاومة العراقية فرضت على الاحتلالين أعادة النظر بتوجهاتهم فبدأ الصراع على التركة وكان لابد من مشاركة البيادق فيه مسيرين غير مخيرين , فسطع نجم أياد علاوي وفتحت دول الاقليم أذرعها لعناقه , وهاهو نجمه يخبوا لصالح المالكي الذي سحبت دول الاقليم أعتراضاتها عليه بعد أن أصبح صفقة أمريكية أيرانية , في ظل تغييب تام لكل الاصوات التي دخلت صناديق الاقتراع والتي يبدو أن أستحقاقها كان مجرد لعبة سياسية .


أن أحد الاسباب الخفية لسحب السفير الامريكي ( هيل ) أنه أغفل أتحاد أحزاب الاسلام السياسي السني في أطار واحد بينما المصلحة الامريكية تقتضي تفرقهم , ويتم سحب السفير الايراني ( قمي ) لانه فشل في توحيد أحزاب الاسلام السياسي الشيعي بينما المصلحة الايرانية تقتضي توحدهم , وعلى الرغم مما في الحدثين من مفارقة فانها دلالة واضحة على أن البيادق غير مسموح لها السير خارج الاطار الخارجي .

 

 





الاثنين١١ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة