شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يظن البعض أن عبد الكريم قاسم كان شيوعياً ،، والحقيقة أنه لم يكن كذلك ،، بل لم يكن منتمياً لأي حزب أو تيار عدا كونه من تنظيم الضباط الوطنيين ،، الذي أسسه العقيد رفعت الحاج سري عام 1949، لكن قاسم جمعته علاقة وثيقة بالشيوعيين ،، وحسب مايذكر أن عبد الكريم قاسم هو من بادر إلى الاتصال بالحزب الشيوعي ،، حيث يذكر (إبراهيم عبد الحسن) أن ،، "الزعيم عبد الكريم قاسم أوفد صديقه الحميم رشيد مطلك صيف عام 1956 للاتصال بالحزب الشيوعي العراقي واطلاعه على عزمه الاطاحة بنظام الحكم عن طريق عمل مسلح لذا فهو يطلب رأي الحزب والدور الذي يستطيع ان ينهض به لدعم الثورة"،، ويضيف في نفس المصدر ،، "أن الحزب الشيوعي قد حدد المهام الرئيسية التي يجب ان تسير على نهجها الثورة"!!،، وهذا يعني أن قاسم والشيوعيين وضعوا النقاط على الحروف وأنتهى الأمر بالأتفاق.

 

أذن ،، هناك (أدعاء) بوجود أتفاق مسبق بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي!!،، لكن أول مايلفت النظر (ويصدم) في هذه الإدعاء والرواية (الضعيفة) أن عبد الكريم قاسم (العسكري المحترف) أعلن عن النية المبيته للأطاحة بالنظام الحاكم عن طريق عمل مسلح ،، وذلك قبل أن تحدد ساعة الصفر بعامين!!،، والمفروض في مثل تلك الحالات يكون التكتم والتستر من الأولويات التي يوليها المنفذون الاهتمام ،، وهذا شيء طبيعي لنجاح المهمة ،، فاذا بعسكري مثل قاسم يستهين بهذا العمل (ويضربه عرض الجدار) إلى الدرجة التي يكشف عمل يمس أمن دولة (مدعومة باتفاقيات أمنية مع بريطانيا) إلى جهة حزبية (لايمكن ضمان افرادها بأي حال من الأحوال) !!،، فهل فات قاسم أن تكون أجهزة مخابرات المعسكر الغربي قد أخترقت الحزب الشيوعي ووضعت لها جاسوس بين صفوفه المتقدمة ؟!،، وحتى في اللجنة المركزية للحزب !!،، فهل يستحيل ذلك على أمريكا وبريطانيا ؟!،، خصوصاً أن الحرب الباردة كانت مشتعلة والحزب الشيوعي في العراق يدعم المعسكر الشرقي ويهدد المصالح البريطانية !!،، فكيف يفوت هذا على عبد الكريم قاسم ويفعل مالايفعله إلا المجنون (كما كان يشاع عنه)!!.

 

من جانب أخر ،، لم يكن عبد الكريم قاسم الوحيد صاحب الكلمة العليا في تنظيم الضباط الوطنيين ،، فهناك رفعت الحاج سري ، عبد السلام عارف ، محمد نجيب الربيعي واحمد حسن البكر ،، وغيرهم ،، كل هؤلاء كانوا أعضاء في التنظيم ،، فلماذا ينسب لعبد الكريم قاسم أتصاله بالحزب الشيوعي؟!،، فأما أن يكون الأتصال قد حدث فعلاً بعلم جميع أفراد التنظيم وبذلك يكون التنظيم هو المبادر للأتصال بالحزب الشيوعي وليس عبد الكريم قاسم منفرداً ،، أو ،، يكون قاسم قد أتخذ هكذا قرار بشكل شخصي وقام بالاتصال من دون علم الضباط الوطنيين ،، وبهذا يكون قاسم في موقف خياني من أعضاء التنظيم ،، بالاضافة إلى كونه غير مؤتمن على الأسرار التي أباح بها بدون علم الأعضاء أو موافقتهم ،، كما وأنه بهذا التصرف قد يعرض نفسه وزملاءه للكشف وبذلك ينهي المهمة قبل قيامها!!،، فهل يفعل عبد الكريم قاسم هكذا شيء؟!،، وهل هذا تصرف قيادي وعسكري محترف؟!.

 

وهناك أمر مهم جداً ،، مادام الحزب الشيوعي على هذا القدر من الأهمية في تحديد مستقبل العراق ،، ورسم سياسته ،، إلى الدرجة التي كشف فيها عبد الكريم قاسم نواياه المستقبلية ليأخذ برأي أعضاءه ويجعل منهم شريك رئيسي ،، فلماذا لم يمنحهم دور أكبر في حكومته بعد أن أنقلب على شركاءه وأجهز على الحكومة الأئتلافية التي شكلت بعد 14 تموز 1958؟!.

 

في مصدر آخر ،، يذكر حامد الحمداني "أن الحزب الشيوعي ألتف منذ اليوم الأول للثورة حول عبد الكريم قاسم"!!،، ولم يتطرق لموضوع رشيد مطلك وأتصال قاسم بالحزب الشيوعي!!،، ويضيف ،، أن سكرتير الحزب الشيوعي أرسل رسالة تهنئة وتأييد إلى قاسم في اليوم الأول ،، ويستطرد "لم يكتفِ الحزب الشيوعي ببرقيته المرسلة إلى عبد الكريم قاسم صبيحة الرابع عشر من تموز 1958، بل أتبعها بمذكرة إيضاحية حول السياسة التي يرى أهمية الأخذ بها لقيادة مسيرة الثورة، وهي مذكرة تعبر عن سياسة الحزب تجاه الأحداث الجارية، والمستقبلية للثورة." !!،، وتتطرق المذكرة (حسب قول الحمداني) إلى جوانب مهمة منها العلاقات مع الدول الاشتراكية وعلى رأسهم الأتحاد السوفيتي وإلى وضرورة تبادل التمثيل الدبلوماسي معهم واقامة علاقات اقتصادية وثقافية مما يعزز موقف العراق ويحمي مصالحه!!،، وهذا يتعارض مع ماذكره (إبراهيم عبد الحسن) من أن الحزب الشيوعي قد حدد المهام الرئيسية قبل عامين ،، وعن طريق رشيد مطلك!!،، فأين الحقيقة؟!.

 

أن ما حدث على أرض الواقع هو الحقيقة ،، فقد تم إعلان قيام الجمهورية العراقية من خلال البيان رقم واحد ،، الذي ألقاه عبد السلام عارف من دار الإذاعة صباح يوم الاثنين الموافق 14 تموز 1958،، وذلك بعد نجاحه في السيطرة على المرافق الحيوية للدولة ،، من خلال قطعات اللواء العشرين الذي كان بامرته ،، وبدعم كامل من قبل تنظيم الضباط الوطنيين ،، ولم يكن هناك أي دور عسكري يذكر للحزب الشيوعي لامن قريب ولا من بعيد ،، سوى بالهتافات والاهازيج!!،، إلا أنهم اشتركوا في الحكومة الأئتلافية التي أنقلب عليها قاسم بعد فترة قصيرة وهيمن على السلطة ،، (وحسب ما يفرضه المنطق) أن المصالح لعبت دوراً كبيراً في التقارب بين عبد الكريم قاسم والشيوعيين ،، فقاسم الذي لاينتمي لأي تيار أو حزب قد أصبح على رأس السلطة ،، وهو بحاجة لمن يدعمه ويمنحه القوة ،، خاصة أمام الأحزاب الآخرى التي أثبتت وجودها بجدارة على الساحة العراقية من خلال دورهم المميز في 14 تموز 1958 ،، مما سيجعل لهم مشاركة كبير وفعالة في الحكومة المشكلة ،، وهذا لم يكن يروق لا لعبد الكريم لقاسم الذي سيكون موقفه ضعيف أمامهم ،، ولا للحزب الشيوعي الذي ستكون له مشاركة خجولة في الحكومة!!،، أذن ،، مصلحة عبد الكريم قاسم تطلبت التقارب مع الحزب الشيوعي الذي يمتلك مساحة عريضة على الساحة العراقية ستنعكس بتأييد كبير له!!،، وكذلك الشيوعيين بحاجة لمثل هذا التقارب ليكون لهم سيطرة ونفوذ في الحكومة أسوة بالقوميين والبعثيين أو أكثر منهم (بعد أن ينقلب قاسم عليهم) ،، وهناك أمر مهم لعب دوراً كبيراً في هذا الزواج المصلحي بين قاسم والشيوعيين ،، فبعد 14 تموز 1958 تحركت القوات التركية والإيرانية على الحدود الشرقية والشمالية للعراق ،، فيما تمركزت القوات البريطانية في الأردن ،، والأمريكية في لبنان ،، وهؤلاء هم المعسكر الغربي وحلفاءهم ،، فمن سيحمي عبد الكريم قاسم من كل هذه التهديدات سوى المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي ،، والذي يمكن الوصل له عن طريق الحزب الشيوعي في العراق ،، ومما لاشك فيه أن الاتحاد السوفيتي (بزعامة خروشوف) سيرحب بهذا التقارب لحاجته إلى حلفاء في المنطقة ،، وبهذا ستكون المصالح مشتركة بين الطرفين ،، ومن الملاحظ أن عبد الكريم قاسم لم يمنح الشيوعيين دوراً كبيراً في الحكومة ،، وذلك بسبب الخوف من أنقلابهم عليه أذا ما تصاعد نفوذهم السياسي،، وكذلك حتى لايزيد من حنق المعسكر الغربي عليه ،، خصوصا أن (آلان دالاس) مدير وكالة المخابرات المركزية الإمريكية صرح "إن الوضع في العراق هو أخطر ما في العالم اليوم"، وذلك بعد طلب الشيوعين اشراكهم بالحكم!!،، ولهذا كان يقص أجنحتهم كلما طال ريشها ،، وبنفس الوقت منحهم سلطة وسطوة على رقاب العباد.

 

بإختصار ،، أذا صح ماذكروه الشيوعيين عن مبادرة قاسم الاتصال بهم قبل الثورة عن طريق رشيد مطلك ،، فهذا يعني أن لعبد الكريم قاسم نية مبيته للأستفراد بالحكم والأنقلاب على شركاءه وأيجاد البديل الذي يمنحه الدعم والمساندة ،، وإذا كانت مجرد قصة من وحي خيال الشيوعيين ،، فهذا لتعظيم المواقف والأدوار للوقوف بأكتاف متساوية مع غيرهم!!،، كما يحدث اليوم على أرض العراق المحتل ،، الجميع يتسابق بالكذب وتحريف الحقائق من أجل أن يتميز عن الآخرين ,, لك الله يا عراق.

 

(يتبع) ...

 

 

المصادر

* دور الحزب الشيوع العراقي في ثورة 14 تموز 1958- إبراهيم عبد الحسن

* عبد الكريم قاسم (أسوة بمصدق) بين المطرقة والسندان السوفيتي – مرتضى الشيخ حسين.

* العلاقة بين الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم - حامد الحمداني -  الحلقة الأولى

* عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي – عزيز سباهي.

* حتى لاننسى ثورة 14 رمضان (رمضان مبارك) – د.فاضل بدران

 

 





الخميس١٤ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة